الخميس، فبراير 25، 2010

أعمال المقاومة الوطنية العراقية تطيح أحلام بوش:

-->
أعمال المقاومة الوطنية العراقية تطيح أحلام بوش:
الإدارة الأميركية تبحث عن »كرزاي« عراقي
نُشر جريدة الكفاح العربي بتاريخ 18/ 11/ 2003م: العدد 3636،
هل أصبحت الإدارة الأميركية أمام استحقاق تتخذ فيه مواقف دراماتيكية في العراق؟
لا شك بأن المحافظين الأميركيين الجدد احتلوا العراق ليس لكي يخرجوا منه بسرعة أو بسهولة، وهم على الرغم من أنهم احتاطوا لدفع خسائر في المال والأرواح إلاَّ أنهم لم يتصوروا أن تكون بالسرعة والحجم الذي حصلت في العراق. فكانت المفاجأة هي التي فاتت الحسابات الأميركية. ولهذا فقدت الإدارة الأميركية أعصابها، وترنَّحت قراراتها اللاحقة وتداعت إلى المستوى الذي ذهبت بماء الوجه وكشفت الغطاء عن العنجهية والغرور. فطلبوا النجدة من الدول التي نصحتهم بالامتناع عن المغامرة، وراحوا يراهنون على أدواتهم في الداخل العراقي على الرغم من أنهم اكتشفوا متأخرين أن عملاءهم من العراقيين قد خدعوهم عندما صوَّروا لهم حجم القوة المعارضة التي يمكنها أن تمهِّد لهم الأرض العراقية بما يرضيهم ويحميهم ويسهَّل أمامهم سرقة ثروات العراق، فيملأون بها جيوب الشركات العملاقة، ويحيون للصهيونية حلمها التوراتي من جديد.
بعيداً عن أحلامهم اكتشف المحافظون الجدد أن حساب الحقل العراقي كان بعيداً جداً عن حسابات بيدرهم. وأخذت مواقفهم تنتقل من موقع دراماتيكي إلى آخر. ولم يبق أمام إدارتهم إلاَّ أن تحافظ على رأسها وعلى الحد الأدنى من أحلامها في السيطرة على العالم، وبناء قرن أميركي جديد.
صفعت أعمال المقاومة الوطنية العراقية كل تلك الأحلام، إلى الدرجة التي تدفع بنا إلى الاستنتاج بأن تداعيات مواقف الإدارة الأميركية الدراماتيكية تتوالى فصولاً.
بالأمس استدعت الإدارة بول بريمر، واليها في العراق، إلى واشنطن على عجل. ويظهر من السرعة التي يتحرك بها بول بريمر بين مقره غير الآمن في بغداد وبين البيت الأبيض الذي أصبح غير آمن لرئيسه جورج بوش، أن المقاومة العراقية نقلت صراع القومية العربية ضد المحافظين الأميركيين الجدد إلى داخل صفوف رجالات البيت الأبيض، وإلى صراع بين الإدارة مجتمعة وبين عملائها في مجلس الحكم الانتقالي.
من بعد أن أعلن جورج بوش الصغير انتصاره على العالم كله، بعد احتلال العراق. ومن بعد أن ظهر أنه ولي نعمة عملائه من العراقيين، الذين أنعم عليهم بتعيينهم دمى في مسرحه الأراجوزي آخذاَ قراراً بأنه لن يحتاج إليهم بأكثر من أن يؤمنوا له غطاء عراقياً شكلياً، نراه بعد أشهر قليلة- يلقي اللوم عليهم ويحمِّلهم وزر الفشل الذي يواجهه في صراعه المرير مع المقاومة الوطنية العراقية.
من النزاع بين رامسفيلد وكولن باول، أي بين البنتاغون ووزارة الخارجية، انتقالاً إلى النزاع بين البنتاغون ومستشارة الأمن القومي (ولكي لا يصبح بعضهم ضحية لبعض، وهم شركاء متكافلون متضامنون في عدوانهم على العراق، وفي الطمع بخيرات العراق وثرواته)، نقلوا النزاع الداخلي فيما بينهم (لأنهم جميعاً سوف يحاكمهم الشعب الأميركي)، إلى مواجهة مكشوفة مع دمى مجلس الحكم الانتقالي، التي عيَّنوها لتحميلهم مسؤولية فشل لا ضلع لهم فيه، ولا دور لهم في رسم مستقبل وطنهم إلاَّ أنهم ركبوا الدبابة الأميركية لالتقاط ما سوف يتركه لهم المحتلون من فتات ثروات العراق وخيراته.
هل نزل الوحي فجأة على جورج الصغير (خاصة وأنه خاض العدوان على العراق كمنقذ كلَّفه الله لإنقاذ البشرية) ليكتشف أن الدمى التي عيَّنها لن تستطيع حتى أن تنجح بعمالتها، فراح يفتِّش عن »كرزاي« عراقي يذلل المصاعب أمامه؟
وهل شرب بول بريمر حليب الشجاعة ليدافع عن دمى مسرحه عند رئيسه، فيطلب إعطاءهم فرصة أخرى ليثبتوا جدارتهم (المفقودة) في حماية قوات الاحتلال؟
نحن لا نحسب أن جورج الصغير مقتنع بأن »كرزاي« عراقي سوف ينقذه من ورطته القاتلة لأحلامه في العراق. ولا نحسب أن بول بريمر يتميَّز بكل تلك الشجاعة. ولكن هناك سبب من وراء إلقائهما قنبلتين دخانيتين. فما هو السبب من وراء ذلك؟
فتبادل الأدوار بين بوش وبريمر هو ما يفسر التصريحين المتباعدين. فكل منهما يريد أن يوجه رسالة / خدعة إلى فريق. فجزء من الرسائل / الخدع موجَّهة إلى الدول المتمسكة بدور للأمم المتحدة توحي لها بأن الإدارة الأميركية ستعطي للمجلس العراقي الصوري الصلاحيات السياسية اللازمة؛ والجزء الآخر وفي آن واحد- رسالة تطمين للعراقيين ورسالة تهديد للمجلس المركَّب.
وهنا تأتي قنبلة جورج بوش الدخانية بدعوته للتفتيش عن »كرزاي« عراقي، ليست إلاَّ رسالة تهديد لدمى المجلس. وجاء تصريح بريمر وكأنه طلب للشفاعة بهم، أي حثَّهم على الاستشعار بخطورة أوضاعهم إذا تخلى ولي أمرهم الأميركي عنهم، وهم الذين لا ينقصهم من الهموم شيء، خاصة أنهم أصبحوا من المنبوذين من أبناء وطنهم وجلدتهم، فأين المفر؟
فهم بمثل تلك الحال- مدفوعون إلى الانتحار، وما عليهم إلاَّ الدفاع عن حياتهم ومصيرهم، وليس أمامهم إلاَّ أن يحرسوا الدبابات الأميركية بأجسادهم، ففي انسحابها موت لهم. وهي دعوة لهم ولأنصارهم أن يفعلوا المستحيل من أجل ملاحقة مناضلي المقاومة العراقية بشتى الوسائل والسبل.
ومن جانب آخر نلمس بوضوح حركة الإدارة الأميركية القلقة والمرتبكة، على الصعيدين السياسي والعسكري، نقرأ لهجة الاستجداء الموجهة إلى دول النادي الرأسمالي، وتلك رسالة شبيهة بسابقتها في أثناء مرحلة الحرب النظامية حيث تبارى أولئك الأعضاء بإبداء تعاطفهم ورغبتهم بأن لا يروا أميركا مهزومة في العراق.
إننا هنا نخشى من أن يتأثر أولئك الأعضاء برؤية الدموع في عيون جورج بوش وكوندوليزا رايس ورامسفيلد وكولن باول، فيقدموا على تأمين غطاء سياسي لأية حماقة أميركية أخرى في العراق، شبيهة بذلك الغطاء الذي باعوه للإدارة الأميركية في أثناء مرحلة الحرب النظامية، وبه تلطَّت القوات الأميركية واستخدمت السلاح المحرَّم دولياً ضد القوات العراقية في مطار بغداد الدولي.
إن بوادر الحماقة الأميركية الآن ظهرت من خلال عملية »المطرقة الحديدية« التي تستخدم فيها الطائرات فتحرق بها الأرض وتقتل المدنيين تحت ذريعة ملاحقة مقاتلي المقاومة. وهي بذلك تريد إيذاء المدنيين عن عمد من أجل إرغامهم على التعاون معها للوشاية بحركة المقاومين والكشف عن خلاياهم السرية.
ومن اللافت للنظر أن كشف المسؤولين العسكريين الأميركيين عن أن الثغرة التي يعانون منها والتي تؤخر عملية القضاء على المقاومة هي قصور في عمل المخابرات ومتابعة المعلومات. ولكي يُيسِّر الإعلام الأميركي على الشعب العراقي ويبرز سهولة القضاء على المقاومة فما عليهم إلاَّ أن يتتبعوا نشاط خمسة آلاف مقاوم كما حدد عددهم جون أبي زيد (القائد العام للقوات الأميركية). فالمهمة يسيرة وإذا ساعد العراقيون بالكشف على هؤلاء فإنهم سوف يوفرون على أنفسهم دمار بيوتهم واعتقالهم وسجنهم.
إننا نخشى، هنا، من سكوت قد تمارسه بعض الدول الممانعة، للاحتلال الأميركي للعراق، عما ترتكبه قوات الاحتلال من جرائم بحق المدنيين العراقيين، كجزء من متطلبات المجاملة الديبلوماسية للإدارة الأميركية. كما نخشى أن يزداد التواطؤ نفسه تحت حجة التعاطف مع الحكومة الإيطالية بعد سقوط عشرات من جنودها تحت ضربات المقاومة العراقية، وقد تستمر المجاملات تجاه الدول الأخرى المشاركة في حماية الاحتلال الأميركي على الرغم من تحذيرات المقاومة المتكررة لها.
إن مراهنة الإدارة الأميركية على مجلس الحكم الانتقالي لوضع خطة سياسية وأمنية تساعد القوات المحتلة على تحصين جنودها وحمايتهم من القتل. أو شراء سكوت أعضاء نادي الدول الرأسمالية عن مخطط غير تقليدي يعد الأميركيون لتنفيذه، أو هم ينفذونه فعلاً، ظناً منهم أنه يسهل أمامهم احتواء المقاومة الوطنية العراقية، سوف تكون بغير محلها. ولكن اليائس يتعلَّق بحبال الهواء.
أما عن المراهنة على أدواتهم العراقية، فليس هناك برهان أهم من أن ما فشل فيه السيد الأميركي لن ينجح فيه العميل العراقي. فأصبح المحتل والعميل يراهنان على أن كلاً منهما يستقوي بالآخر، وكلاً منهما يحسب أن على الآخر أن يحميه، فكلاهما علقا بدوامة لن يتخلصا منها على الإطلاق.
فبقاء قوات الاحتلال في داخل المدن العراقية، سيبقيها عرضة لعمليات المقاومة وتدفيعها الخسائر المتواصلة، وهو سبب سوف يزيد من عوامل التحريض الأميركي الشعبي والسياسي والإنساني ضد الإدارة الحالية، وهو ما لا تستطيع أن تعالجه إلاَّ بالمزيد من الانكفاء إلى خارج ساحات المواجهة مع المقاومة، فتترك عملاءها ليقوموا بالمهمة الأمنية لعلَّهم يقلِّصون من خسائر قوات الاحتلال.
أما هؤلاء العملاء فهم أكثر من عاجزين عن القيام بها لأنهم أنفسهم بحاجة إلى حماية، وهذا يعني أن على القوات المحتلة أن لا تتخلى عن عملائها الذين لن يستطيعوا مواجهة المقاومين، وهي سوف تعود لحمايتهم، وهذا يعني أنها ما إن تنكفئ إلى خارج المدن حتى تجد نفسها مجبرة على العودة إليها، أي العودة لمواجهة عمليات المقاومة من جديد.
هل قيادات الإدارة الأميركية بعيدة عن تصور تلك الاحتمالات / الوقائع؟
لا نظن أنها بعيدة. لكن لماذا تطبق حلولاً تعلم أنها لا تحل مشاكلها؟
إنها مراهنات خاسرة، قد تكون بعيدة عن الواقع، ولكن الغريق لا يستطيع إلاَّ أن يفتش حتى عن قشة.
هذا على المستوى المرحلي، أما على المستوى الطويل المدى، خاصة وأن النتائج التي يقدمها الكومبيوتر الأميركي لا تتلاعب بها عواطف الأفراد، وصلفهم، وغرورهم، فقد أنبأ أعضاء الإدارة الأميركية بمراهناتهم الخاسرة.
ومن هنا، نرى أن حسابات الكومبيوتر قد وضعت لإدارة جورج بوش خطة للتخلص من المستنقع العراقي، خطوة خطوة، على قاعدة أن لا تتم تلك الخطوات بسرعة دراماتيكية. لكن نتائج الصراع في الداخل الأميركي من جهة، ونتائج الصراع المعلن بين الاحتلال وعملائه من جهة أخرى (مع استمرارية المقاومة على زخمها) قد تجعل اتخاذ المواقف الدراماتكية أفضل الحلول.

ليست هناك تعليقات: