الأحد، فبراير 28، 2010

عبد العزيز الرنتيسي

-->
عبد العزيز الرنتيسي لقد اغتالك رصاص الصمت العربي والإسلامي
 

وللصمت رصاص قاتل. فعندما تسكت عن قول الحقيقة، وعندما لا تقول في وجه حاكم ظالم كلمة حق تظهر له ظلمه، فكأنك تقتل هذا الحق.
لقد قتلك رصاص الصمت العربي والإسلامي يا شهيد فلسطين، وشهيد الأمة العربية.
لقد قتلك رصاص الصمت العربي عندما امتنع النظام العربي الرسمي عن الرد على اغتيال الشيخ أحمد ياسين.
واغتالوا الأخير عندما سكتوا عن مجازر مخيم جينين، وحصلت مجازر جينين عندما دفنوا شهداء مجزرة دير ياسين أو تركوهم في العراء- بخجل وصمت ولا مبالاة. وسقطت الضحايا بسلسلة لم تنته ولن تنتهي عندما تواطأوا على احتلال أرض فلسطين.
لقد اغتالوك منذ أن ابتلعوا مجزرة قانا في لبنان، وهانوا أمام حصار الفلوجة في العراق، ويتهربون من مسؤولياتهم أمام حصار النجف والكوفة.
سلسلة من التنازلات تعبِّر تماماً عن حالة الانحدار العربي والإسلامي المستمر. إن كرة التنازلات تكبر وتكبر، أما كرة الغضب الشعبي فتتزايد أيضاً.
أقسمت أني لن أكون نادباً النظام العربي الرسمي، بل سأكون له من الرادحين. فالندب لن يفيد الميت، أما الردح فيسلط الأضواء على المجرم، كي لا يتركه مرتاحاً وخانعاً، فالصمت على جرائمه يدعه مرتاحاً في سريره الوثير.
وفي المقابل، فلا حل لكل مآسينا مع الصهيونية والاستعمار إلاَّ بالكفاح الشعبي المسلَّح، وأضعف الإيمان فيه أن ترفض بالقلب ما يُرتكب، وأوسطها أن ترفض بالكلمة، فالعصيان المدني، وأشرفها وأكثرها تأثيراً حمل السلاح في وجه العدوان.
ولأنه على الشعوب أن تحمل قضاياها بأنفسها، لن يكون الرد إلاَّ بجهر شعبي دائم يكشف الستر عن خبايا الضعف والاهتراء في جدران النظام العربي الرسمي، ووصفه بأنه هو الذي يغتال حركة التحرر العربية باغتيال المناضلين فيها، سواء بقتلهم أو بأسرهم، أو بتناسي نقاط الضوء المقاوم الساطع، أو بحصارها بجدار سميك من العيون العمياء والآذان الصماء.
تلك هي الفلوجة في العراق، العصيَّة على الاغتيال. وتلك هي جحافل الأبطال فيها ترفع رايات النصر على نُصُب من جماجم الشهداء.
تلك هي غزة وجينين وطولكرم، العصاة على الاغتيال والإرهاب. وتلك هي جحافل الأبطال، الذين ما أن يسقط شهيد تنتصب قوافل الأبطال حاملة لواء الثورة.
من الفلوجة إلى غزة، يدفن الأبطال جثمان النظام العربي الرسمي بدون أسف عليه، فهو صامت سواء كان حياً أو ميتاً، سواء كان مدفوناُ تحت التراب أو مستسلماً للنوم فوق الكراسي الوثيرة. فهو قاتل بصمته، فهو القاتل الأول، أما الثاني فليس إلاَّ التحالف الأميركي الصهيوني الذي يستخدم الرصاص في القتل بعد أن خدَّر »عشَّاق الكراسي« كي لا يسمعوا صوت رصاصهم القاتل، وكي لا يسمعوا صوت الأطفال والشيوخ والشرفاء يهتفون للثورة.
لقد أصمَّ النظام العربي الرسمي آذانه إلاَّ عن سماع نصائح بوش وشارون وبلير، فذهبوا إلى بلاطهم يستجدون، وزحفوا إلى كواليسهم ضعفاء جبناء، والهدف هو أن يقدموا الرجاء إليهم بالإجهاز على الضحية دفعة واحدة، لأن الإجهاز عليها بالتقسيط يراكم إحراجهم أمام شعوبهم.
وكي لا يستمر الصمت الشعبي كرصاصة تقتل المناضلين وتغتالهم، وكي لا يتحول إلى رصاصة موجَّهة نحو قضايا التحرر العربي، نرى أن الوقت يمر بسرعة من دون أن تملأ جحافل الشعب العربي كل الشوارع هاتفة للثورة والكفاح المسلح.
لقد أطلقت المقاومة الفلسطينية على العدو الصهيوني الطلقة الأولى، وأطلقت المقاومة العراقية على العدو الأميركي البريطاني الطلقة الأولى، فما على الشعب العربي من المحيط إلى الخليج- إلاَّ أن يطلق الطلقة الثانية. ففي طلقة الشعب العربي ما يشكل البداية الأساسية كي تستعيد العروش والقصور العربية سمعها وبصرها وألسنتها الصامتة عن كل ما يرتكبه الاستعمار والصهيونية من جرائم ومجازر. وفيها النعش الذي تقدمه الجماهير الشعبية لأنظمة الاستعمار والصهيونية كي تنقل موتاها من الجنود الغزاة، وكلما تكاثرت جثثهم ستلسع سياطها آذان بوش وبلير وستصفع عيونهم بمناظر موتاهم التي طالما أثارت الضمير العالمي، وليس غيرها من وسيلة تشكِّل خشبة الخلاص والتحرر. وستكون ردَّاً على كل الداعين إلى ضبط النفس أمام عدو يرى في جثثنا جسراً تعبر عليه قوافل مصالحه.
لاحقوهم أيها الأبطال أينما ثقفتموهم، ولا تخدعنَّكم أصوات الداعين إلى حقن الدماء فهو ليس أكثر من تخدير لكم. فحقن الدماء وضبط النفس لن ينفع إلاَّ بخروج المحتل من أرضنا، وإلاَّ بأن تترك الذئاب عادة النهش في أجسامنا وثرواتنا وكراماتنا. ولن تجدوا في دعوات ضبط النفس إلاَّ هروباً من المسؤولية التاريخية والإنسانية أمام عدو فاجر مأفون، يريد أن يشرب نخب انتصاره على جماجمنا، وجثثنا، وأعراضنا، وكراماتنا، ثم »يبول« على حكمتنا وحكمائنا من الداعين إلى الهروب.
-->

ليست هناك تعليقات: