-->
-->
بعد سنة من احتلاله:
أي مستقبل ينتظر العراق؟
وأية استراتيجية عربية؟
مجلة الوفاق العربي - تونس
بداية، لا نرى أن عدد السنين هي التي تحدد حجم المتغيرات في عمر الأوطان، بل إن حجم الكتلة النضالية الهادفة للتغيير هي التي تحددها. ومن هنا لا بُدَّ من أن نطل على العراق، قبل سنوات من احتلاله، من أجل أن نعرف وضعه بعد مرور سنة على الاحتلال.
إن العوامل والأسباب التي دفعت بالتحالف الأميركي المتطرف مع السلفية المسيحية مع التلمودية الصهيونية إلى احتلال العراق هي نفسها التي لا تزال تقلق ذلك التحالف وتربكه. فكيف يمكننا تفسير ما نقول؟
كانت التجربة العراقية –بعد ثورة 17 – 30 تموز/ يوليو من العام 1968م تثير في ذاتها عامل الخوف الإمبراطوري الأميركي، والصهيوني التلمودي. لأن التجربة كانت تستند إلى قاعدة فكرية وإيديولوجية تقف على الطرف النقيض من فكر التحالف الأميركي – الصهيوني وإيديولوجيتهما، فهي كانت تمثِّل العائق الأكبر الذي يحول دون اكتمال مشروعيهما في الهيمنة على العالم.
ومن أجل أن تكون التجربة عميقة الجذور، ويكون من الصعب على أحد أن يجتثها، قام نظام حزب البعث بتدعيمها على أسس فكرية وإيديولوجية وعمل على أن تكون بنيتها قائمة على وعي وإدراك شعبيين لأهميتها في إحداث تغيير عميق في البنية الوطنية والقومية كأنموذج يقدِّمه إلى المواطن العربي أينما كان.
ولم تقف التجربة عند حدود التبشير الفكري النظري فحسب، بل استلهمت أهم مبادئ حزب البعث النضالية، لأنه لا حياة لفكر من دون حركة نضالية تعمل على ترجمته، أي أن تنزل بالفكر من عليائه النظرية إلى أرضيته النضالية العملية.
ومن خلال تزاوج الفكر بالنضال، شقَّت تجربة ثورة تموز طريقها، لتصبح منهاج عمل يومي دؤوب ليواجه صعوبتين: داخلية وخارجية. أما الداخلية فهي كل ما له علاقة بإنتاج المواطن الواعي ودفعه إلى إنتاج مجتمع يتوجَّه نحو تغيير كل الواقع الفاسد الذي لفَّ الأمة العربية منذ قرون. وأما الخارجي فيتمثَّل بتخليص الأمة من أدران بقايا الأحلام الاستعمارية، والعمل من أجل حماية الوطن والأمة من بقايا أحلام كانت لا تزال تمثِّل عقيدة أساسية في أفكار الجموح الأميركي نحو تأسيس إمبراطورية عالمية تحكمها عقيدة تستخدم القتل من أجل استكمال سيطرتها على العالم.
من خلال المشروعين المتناقضين حتى العظم كان نظام البعث، برئاسة صدام حسين للدولة وأمانته للحزب، راحت تجربة تموز/ يوليو تخطط لمواجهة الشبق الأميركي – الصهيوني في شتى الظروف والمواقف.
وقد تبيَّن بعد احتلال العراق أهمية ما أعدَّته تجربة تموز. إنه المخطط النضالي القائم على أسس شعبية، يحلو للبعض أن يسميها حرباً للعصابات، فكانت العائق الأكبر والوحيد الذي أبقى الحسك في بلعوم الإدارة الأميركية، فهي لا تستطيع أن تبتلعه ولا تستطيع أن تلفظه.
إنه الواقع الراهن في العراق، إنه المأزق الأميركي في العراق. فهذا هو حاضر العراق بعد مرور أقل من سنة على الاحتلال، وهذا هو مأزق إدارة التطرف الأميركي.
فإذا كان هذا الواقع –كما تصفه بيانات المقاومة العراقية- محكوم بارتياح عراقي في الوقت والتوقيت من جهة، ومحكوم بقصر الوقت والتوقيت عند الاحتلال الأميركي من جهة أخرى، فمن ذلك الواقع يمكننا أن نحدد احتمالات المستقبل بما يقرب من الدقة. ومنه نستطيع ليس أن نضع احتمالات مستقبل العراق فحسب، وإنما احتمالات مستقبل المشروع الأميركي أيضاً.
أما بالنسبة إلى احتمالات مستقبل العراق، وإذا كان لا بُدَّ من التحديد أكثر، فنقول: إن استمرار المقاومة العراقية هو المفصل الوحيد الذي جعل حسك السمك العراقي –ولا يزال-يعلق في بلعوم إدارة بوش. ولأن المقاومة أصبحت من الثبات المطمئن في أدائها العسكري والسياسي، واجتازت مرحلة الخوف من وقوعها في انتكاسة ما، فهي التي سترسم مستقبل العراق، المستقبل الذي تحدَّدت معالمه وأسسه في الماضي، أي أسس أهم تجربة لمشروع نهضوي عربي، يكفيه شهادة أنه زرع القلق والخوف في نفوس أطراف صهيونية واستعمارية، لم تجد حلاًّ للخلاص منه غير الاحتلال العسكري المباشر.
أما ما يتلطَّى به بعض الخائفين عن صدق، أو بعض القوى التي تريد أن تصطاد في الماء العكر خدمة للمشروع الأميركي الصهيوني الخبيث، وهو ما يتمظهر بالخوف من عودة النظام السابق إلى الحكم، فلهذا نريد أن نقدِّم بعض ما نحسبه توضيحاً يزرع الاطمئنان في نفوس الصادقين في حرصهم على العراق. أما المتواطئين فلن يهمنا من أمرهم شيئاً لأنهم هم الذين أسهموا في تضخيم ورشة التهم ضد النظام السياسي قبل الاحتلال.
من دون الخوض في هوية فصائل المقاومة العراقية، سيكون حتماً للمقاومين ومن كان في موقع الدفاع عن المقاومة الدور الأساسي والأول في إنتاج نظام سياسي في العراق، وكما نحسب سيكون متحرراً من مخاوف تسلل معارضات عميلة للخارج أو من صنعه، وهذا ما أكَّدت حقيقة وجوده –في السابق- تيارات ممن كانوا يُصنَّفون في موقع المعارضة لنظام ثورة تموز.
أما الحقيقة الثانية، فهي أن تجربة المقاومة العراقية ستكون المفجِّر الثوري لطاقات الجماهير العربية، كما ستكون الملهم للتيارات الثورية فيها، بحيث ستشكِّل الأنموذج الذي ستواجه فيه تقصير عدد كبير من الأنظمة العربية، وترد فيه على أسانيدهم في الامتناع عن مواجهة الاستعمار الأميركي بعذر غياب التوازن في القوى.
أما الحقيقة الثالثة في مستقبل العراق، فهو أنه سيدخل بوابة العالمية من حيث أنه كان طليعة للقوى العالمية في حسم المعركة مع مشروع أمركة العالم.
وهنا، وكي لا نتجاهل ما هو مطلوب من الأنظمة العربية، نرى أن تغيير المسارات النقدية أصبح من الضرورة بمكان، وهي أن النظام العربي الرسمي –إذا لم يكن متواطئاً- لن يكون بذي فائدة في رسم مستقبل المقاومة العراقية، ولا في رسم مستقبل العراق، لأنه اختار سلوك طريق الاستعمار الأميركي وأصبح خاضعاً بالكامل لإرادة الصهيونية العالمية. وإذا كنا لا نعفيه من المسؤولية الكبرى، ومن الضروري أن لا نسكت عن تقصيره وآثامه، أصبح من اللازم على الحركة العربية الثورية أن تتحمَّل مسؤولية تقصيرها في تعبئة الطاقات الشعبية التي هي الوحيدة القادرة على مواجهة الاحتلال والهيمنة الاستعمارية بأيسر السبل والإمكانيات المتاحة. أو ليس الأنموذج اللبناني والفلسطيني، والعراقي، هو خير الأدلة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق