-->
-->
يتضمن الكتاب مقدمة وفصلين: يحمل الفصل الأول عنواناً (في رحاب تحرير الجنوب). أما الفصل الثاني فيحمل عنوان (حزب الله): العقيدة والسياسة والتنظيم.
يسجل الكاتب في مقدمة كتابه أن انتصار المقاومة على الاحتلال الصهيوني ليس حدثاً عادياً، بل هو الحدث الأضخم والأهم في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني.
وردَّاً على القائلين إنه ليس أول انسحاب إسرائيلي من أراضٍ عربية، يقول الكاتب: إن هذا الانسحاب قد تمَّ من دون قيد أو شرط؛ فالمقاومة كانت قد جرَّته إلى حرب استنزاف طويلة، فدفع خسائر جسيمة. من هنا يرى الكاتب أن انسحاب العدو من جنوب لبنان ليس كمثل انسحابه من سيناء أو من الضفة الغربية، فالانسحاب منهما كان مرتبطاً بشروط وتنازلات جمَّة.
لقد أثبتت المقاومة في جنوب لبنان جدارتها بعد الهزائم المتواصلة التي أُلحِقت بالعرب منذ بداية الصراع مع الصهيونية. وهنا يؤكد الكاتب أن حرباً نظامية في ظل اختلال موازين القوى هو أمر مستحيل.
وهنا يسجل الكاتب أن بداية حرب التحرير الشعبية كانت في 1 / 1 / 1965م، ليصل إلى حقيقة موضوعية تقول: إن ثقافة المقاومة الإسلامية في لبنان لا تنفصل –في موضوع حرب الشعب- عن تراث المقاومة الفلسطينية فحسب، وإنما تغذّت منها ، أيضاً.
لا شك بأن حزب الله أسهم بتدوين صناعة اللحظة التاريخية، لكن لا بُدَّ من تدوينٍ موضوعي وصادق لتأريخ المقاومة في لبنان. وهذا ما عمل لأجل توضيحه في الفصل الأول من كتابه.
ينتقل الكاتب من العنوان الرئيس للفصل الأول (في رحاب تحرير الجنوب) إلى عناوين فرعية، وهي: انتصار لبنان على الاحتلال، ليصل إلى رسم العلاقة بين "إسرائيل" وجيش لبنان الجنوبي، لكي يوضح محنة عملاء "إسرائيل" ومصيرهم. أما في الثانية فهو يتساءل عن الكيفية التي انتصر فيها لبنان المقاوم، والقائمة على ميزان القوى المشروخ وميزان الإرادات، والتي من أهم مظاهرها دفن الطائفية في مدفن المقاومة والوحدة الوطنية.
كانت المقاومة الإسلامية باسلة، يقول الكاتب، وكان حزب الله عمودها الفقري؛ لكنها لم تكن الوحيدة في ساح المعركة، والسبب أن لبنان ومقاومته استفادا من عوامل إسناد مؤاتية: من دعم سياسي سوري غير محدود، ومن دعم مادي إيراني، ناهيك عن الشرعية السياسية التي وفّرها الموقف الرسمي للدولة اللبنانية. فالمقاومة، إذاً، ما كانت لتملك أن تبلغ هذا المستوى لولا أن اجتمعت لها عوامل الإسناد تلك. لكن… لا يجوز النظر إلى عطاء شعب لبنان وحركة المقاومة فيه، وكأنه محض استجابات ميدانية لإرادات أخرى… [لقد شارك الجميع] غير أن الذي صنع ذلك النصر هو –حصراً- شعب لبنان ومقاومته الإسلامية المجيدة. (ص ص 17 و 18).
يستطرد الكاتب ليحدد موقع هذا النصر في خريطة التاريخ العربي، فيخلص إلى نتيجة مفادها، أن لبنان الذي كان يُعَدُّ (الحلقة الأضعف) في الجسم العربي، أصبح (الحلقة الأقوى) بعد أن حقق بكفاحه المسلَّح نصراً، فكان هذا النصر منارة في سلسلة الهزائم التي سجلها التاريخ العربي. فالمفارقة في هذه النقلة، يقول الدكتور بلقزيز، إنه لم يجد تفسيراً لها إلا في الخروج من ميزان القوى التقليدي إلى (موازين القوى في الإرادات). وهذا الميزان الأخير هو مفهوم غير قابل للتحكيم أو القياس الرياضي، لكنه يكشف في التصريف المادي عن قابلية مذهلة لتغيير معطيات الواقع (ص 30). لكن، لم يكن (ميزان الإرادات) هو الوحيد بالنسبة لبلد كلبنان، قسَّمته النزاعات الطائفية، فكان انتصاره عليها مقدمة تاريخية لإطلاق عناصر القوة فيه (ص 33). فعودة السلم الأهلي كانت مناسبة لتغيير جبهة القتال من الداخل الأهلي إلى الجنوب المحتل (ص 34). وهنا انطلقت المقاومة بثقة وبلا دواعي خوف لأنها اطمأنت إلى أن ظهرها أصبح محمياً (ص 35).
أما الفصل الثاني، فجاء تحت عنوان (حزب الله: العقيدة والسياسة والتنظيم). وقد مهَّد الكاتب له بعنوان فرعي: مقاومة لها تاريخ، ليقول: للمقاومة اللبنانية –التي يمثل حزب الله عمودها الفقري اليوم- تاريخ. وتاريخها ليس –قطعاً- تاريخ حزب الله (ص 39). ولهذا، فإن كل محاولة لقراءة تاريخ المقاومة بوصفه تاريخاً للحزب... ستنتهي إلى السقوط في نزعة اختزالية، لن يكون لها من وظيفة سوى مصادرة تراث المقاومة من قِبَلِ فريق حزبي واحد (ص 39). لكن هذا لن يمنع حقيقة واضحة أن لحزب الله دور فعّال ومركزي في صناعة أخصب لحظات فعل المقاومة في لبنان (ص 39). فدور حزب الله أنه خرج إلى الوجود بعد ميلاد المقاومة، فكان إليها منتسباً لا صانعاً (ص 39). ثم يخلص الكاتب ليقول إن للمقاومة تواريخ عدة لا تاريخاً واحداً (ص 40). ويحددها، أي التواريخ التي سبقت التاريخ المقاوم لحزب الله، بإثنين:
الأول: التاريخ الفلسطيني، وتمثّله مدرسة الكفاح المسلح والعمل الفدائي الفلسطيني، التي انطلقت في أواسط الستينات من القرن 20م. وكانت مرجعاً قومياً وعالمياً ، أيضاً. وعلى الرغم من الأخطاء التي ارتكبتها في لبنان، فقد تعلَّم اللبنانيون كثيراً في تلك المدرسة (ص 40). ويصف الدكتور بلقزيز كل الذين يحاولون محو اللحظة الفدائية الفلسطينية من التاريخ الوطني والكفاحي للبنان، بأنهم لا يفعلون أكثر من تجريب المستحيل: تزوير التاريخ!! (ص 41).
الثاني: تاريخ لبنان، وتمثّله تجربة (جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية)، التي انطلقت عملياتها في أيلول / سبتمبر من العام 1982م. ولعل كثيرون لا يرغبون في إلقاء الضوء مجدداً على تلك اللحظة لأسباب حزبية ضيّقة (ص 41).
ومن دون أن يلجأ الباحث إلى تحديد الأسباب التي دفعت بأحزاب الحركة الوطنية اللبنانية إلى الوقوف خارج دائرة المقاومة، وتسليم كل أوراقها لحزب الله منذ أوائل التسعينات، يقول بأن حزب الله قد أدخل عاملاً استشهادياً جديداً في القتال ضد "إسرائيل"، قائماً على روحية الاقتداء بما فعله الإمام الإثني عشري الحسين بن علي. ومن ثمَّ يناقش في أواخر الفصل الثاني العلاقة بين الفكر الإثني عشري التقليدي في الحكم والسياسة ، وبين نظرية ولاية الفقيه. واصفاً المخارج التي استخدمها حزب الله في فقهه، بأنها عملت على التوفيق بين الواقع السياسي وفكرهم الديني والمذهبي بكثير من المرونة والواقعية السياسية.
ومع موافقتنا على أكثر المواقف التي اتخذها الدكتور بلقزيز، بالنسبة لموضوع المقاومة، إلا أنه كان لا بُدَّ لنا من أن نلفت النظر إلى بعض الثغرات التي جاءت في دراسته، وهي حكماً ثغرات فرضتها السرعة في كتابة بحثه، ونحن نأمل منه فيما إذا أراد أن يعيد كتابة موضوعه، وهذا يُعدُّ ضرورة علمية وبحثية، أن يُولي ملاحظاتنا الأهمية الكافية.
أولاً: من المفيد الإشارة، في الصفحات من 33 إلى 35، إلى أن النزعات الطائفية في لبنان لم تكن سبباً مباشراً في تفجير الصراع الدموي في لبنان، بل لأنها كانت قائمة على الخوف الطائفي المتبادَل بين طوائف لبنان في ظل سيادة نظام سياسي – طائفي، أصبحت أكثر استجابة لمشاريع القوى الخارجية التي كانت لها مصلحة في تفجير الصراع في لبنان ففجرَّته مستغلَّة النزعات الطائفية عند بعض اللبنانيين. وكان العدو الصهيوني من أكثر الأطراف الخارجية حاجة لتفجير الصراع في لبنان مستهدفاً منه إخراج المقاومة الفلسطينية من على أرضه بعد أخذت تشكِّل خطراً حقيقياً عليه.
ثانياً: نحن لا نتعارض مع الكاتب حول أن فكر المقاومة وفعلها قد سبقا حزب الله. ولا نتعارض معه، أيضاً، حول أن المقاومة الفلسطينية قد كانت السبّاقة في ممارسة الكفاح الشعبي المسلّح. ولكننا نود أن نلفت النظر إلى أن تحديد التاريخ الثاني للمقاومة لم يكن دقيقاً، وسنعمل بإيجاز شديد لتوضيح ذلك:
دار سجال بين أطراف الحركة الوطنية اللبنانية، في العام 1983م، حول تحديد تأريخ لولادة المقاومة كان فيه كل حزب يشد اللحاف لصالحه. ومن بين العديد من الأحزاب الذين دخلوا هذا السجال جاء على رأسهم كل من الحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي، اللذان حسبا أن بيانهما المشترك الصادر عنهما في أيلول / سبتمبر من العام 1982، قد أعطاهما الحق بتحديد وثيقة الولادة.
إن الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي في لبنان، لهما تضحيات وشهداء، ولا يمكن لأحد أن ينكرها عليهما. ولكن ما خشي الباحث منه من حصول عملية تزوير لتاريخ المقاومة، نقول إن الكل كان غارقاً في المنطق الفئوي. وهذا ما يُلزِم الباحث الموضوعي أن يدقق كثيراً في وثائق الأحزاب اللبنانية، حول موضوع المقاومة، قبل أن يستند إليها في أبحاثه.
غيَّر الحزب الشيوعي موقفه من الكفاح الشعبي المسلح في أوائل السبعينات، من بعد أن كان موقفه سلبياً منه. فهو كان يعدُّ المقاومة عملاً مغامراً. أما منظمة العمل الشيوعي فقد أعلنت عن تأسيس نفسها في أوائل السبعينات، أيضاً. فماذا يعني هذا؟ نحن لم نسجل هذين التأريخين إلا بقصد تصويب الأمور في سبيل كتابة تاريخ موضوعي. وليس لأي سبب آخر. فإذا أصبح هذين التأريخيْن واضحين، يصبح من الواضح، أيضاً، أن ما سبق من فعلٍ للمقاومة، قبل العام 1982م، أو قبل أن ينخرط التنظيمان في فعلها لا يعنيهما بشيء.
نحن هنا نريد أن نضيف إلى تاريخ المقاومة حقاً تجاهلته النزعات الفئوية، ولذلك كان لا بُدَّ من أن نسجل الحقائق التالية بإيجاز شديد:
إن الفكر المقاوم، وممارسته، قد سبقا كل التواريخ التي حددها الكاتب. والدليل على ذلك ما يؤشّر عليه الشعار التالي: (إن فلسطين لن تحررها الحكومات، بل الكفاح الشعبي المسلّح). لقد رفع هذا الشعار حزب البعث العربي الاشتراكي، ومارسه، أيضاً، في حرب فلسطين في العام 1948م، وإن العودة إلى أرشيفات تلك المرحلة لهو خير دليل.
من بين الأحزاب الوطنية اللبنانية، كان حزب البعث في لبنان سبّاقاً إلى احتضان الثورة الفلسطينية منذ إعلان بيانها الأول، في 1 / 1 / 1965م. ولم يتجرّأ نشر ذلك البيان سوى جريدة (الأحرار) التي كان يصدرها الحزب في ذلك التاريخ.
سقط للحزب شهداء في مقاومة العدو الصهيونين منذ العام 1968م، وهذه بعض منها:
الشهيد حسين علي قاسم سقط في حلتا – العرقوب في العام 1968م.
الشهيد الأخضر العربي (أمين سعد) سقط في تلال شبعا – العرقوب في العام 1969م.
● باشر حزب البعث، منذ أوائل السبعينات، في تنفيذ مشروع بناء خلايا مقاتلة في القرى الحدودية، وإعدادها لمواجهة إي تسلل إسرائيلي إلى داخل هذه القرى، وبالفعل حصلت عدة مواجهات بين تلك الخلايا وبين قوات الكومندوس الإسرائيلي، وسقط عدد من الشهداء للحزب فيها، ومن أهمها:
الشهداء الثلاثة من آل شرف الدين، سقطوا في الطيبة، في أثناء مواجهة مباشرة مع العدو الصهيوني في 1 / 1 / 1975م.
الشهيد عبد الأمير حلاوي، سقط في كفركلا في أثناء مواجهة مباشرة مع العدو الصهيوني في 27 / 11 / 1975م.
إن الهدف من تحديد هذه التفاصيل هو التدليل على أن تاريخ ولادة المقاومة الوطنية اللبنانية لم تبدأ كما حددها بيان من هنا أو بيان من هناك، وإن البيان الذي صدر في أيلول / سبتمبر من العام 1982م، لم يكن هو الذي دفع بالمقاتلين لكي يقاتلوا لأن عمليات المواجهة مع العدو الصهيوني كانت مستعرة في أكثر من منطقة. وللشهادة كانت المجموعات المقاتلة تضم مقاتلين من معظم التنظيمات اللبنانية والفلسطينية ، أيضاً. ولم تتوقف المشاركة الفلسطينية في القتال على الرغم من انسحاب أعداد كبيرة من مقاتلي التنظيمات من بيروت. ولهذا لم يكن تأريخ ولادة المقاومة فئوياً أو ملكاً لأحد، بل هو ملك لكل الشهداء الذين سقطوا: بعد التسعينات أم قبلها، بعد بيان 1982، أم قبله. ولهذا لا يمكن لأي بيان أو ادّعاء أن يمحو دم شهيد واحد كان يقاتل بالفعل المشروع الصهيوني منذ اغتصاب أرض فلسطين أو حتى قبل هذا الاغتصاب.
إننا نسجل هذه الملاحظات، واقفين بخشوع أمام روح كل شهيد سقط في الصراع مع الصهيونية، على أرض لبنان أو على أية أرض عربية، من هذه الطائفة أو من تلك، وكل غرضنا ونحن نقوم بمراجعة لكتاب صدَّره، مشكوراً، كاتب من مغربنا العربي حول المقاومة في لبنان. وليس لنا من غرض إلا أن نردم فجوة تركها الباحث المذكور، وهو الذي حاول أن يردم فجوات أكبر في تاريخ هذه المقاومة الباسلة.
ونحن إذ نعيد تسجيل شكرنا للباحث الدكتور بلقزيز على جهده نتصوّر أنه لن يضيق صدره بملاحظاتنا هذه. ونأمل منه في أي بحث لاحق أن يعود إلى الوثائق، وهي كثيرة، لتصويب ما يتطلب البحث العلمي تصويبه.
* د. عبد الإله بلقزيز: المقاومة وتحرير جنوب لبنان (حزب الله من الحوزة العلمية إلى الجبهة): منشورات مركز دراسات الوحدة العربية: بيروت: 2000: طبعة أولى: يحتوي على 64 صفحة من الحجم الكبير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق