-->
-->
الجامعة العربية:
الإصلاح لماذا وكيف؟
الوفاق العربي في شباط 2004م.
لقد تحوَّلت المؤسسات الرسمية العربية، ابتداءً من مؤسسة الجامعة العربية انتهاءً بمؤسسة القمة العربية، إلى هياكل تتميَّز بكل شيء إلاَّ بخاصية النبض الوجداني القومي.
منذ أن أخذت تلك المؤسسات في النشوء والتكوين، كان يسكننا الحلم/ الأمل في أن تتطور البنى المؤسساتية إلى مستوى العمل القومي الموحَّد، كما كان يسكننا هاجس الخوف من أن تتحوَّل إلى أداة توحيدية ولكن على قاعدة تنفيذ كل المشاريع وضمان المصالح باستثناء مشاريع التحرر الوطني والقومي ومصالحهما. وهذا ما يدفعنا إلى إعادة استقراء تجربة، منذ تأسيس جامعة الدول العربية في العام 1945م، تقترب من الستين من عمرها. وللأمانة نقول إن تلك المؤسسة الجامعة ارتقت بالعمل الوحدوي العربي درجات كانت توحي بالصحة أكثر مما توحي بالمرض. وكانت دعوتنا للحرص عليها صادقة من دون ريب ولا شك. وكان إحياء الأمل في أن تلعب ذلك الدور مقتلاً لتلك المؤسسة في الوقت ذاته، لأنها –بنظر كل راسمي مشاريع التآمر على الأمة العربية- تتناقض مع استراتيجية احتواء الأمة وإبقائها ضعيفة ومُرتَهنَة لإرادتها.
فإذا كانت الستينيات تُعدُّ مرحلة التطور الارتقائي في عمر جامعة الدول العربية بعد أن تحوَّلت إلى مؤسسة القمة، فإن مرحلة ما بعد حرب حزيران من العام 1967م، كانت بداية النهاية لمرحلة الارتقاء وبداية التآمر لإضعاف دورها وتحويله إلى ما يخدم مصالح المشاريع الاستعمارية.
فمن كثرة الضغوطات، من خلال تفرد وهيمنة أميركية، ارتمى النظام العربي الرسمي بشكل عام وصارخ في أحضان التوجيهات الأميركية وأصبح القرار العربي الرسمي مرتهناً للقرار الأميركي، وقد بان هذا الارتهان واتَّضح وفقد بوصلته القومية منذ العدوان الثلاثيني على العراق في العام 1990م. وأصبح أكثر وضوحاً وأكثر ثباتاً بعد احتلال العراق في آذار من العام 2003م.
وإذا كان يبدو في الظاهر بعض الارتباك في المواقف الرسمية العربية تجاه الاحتلال الأميركي للعراق بما يؤشِّر الو وجود مأزق، فإنما السبب يعود إلى انتظار تلك الأنظمة أن تصدر بعض الحوافز الدولية أو الإقليمية تسمح للنظام العربي الرسمي للتلطي في ظلها ليتخذ إجراءات تصب في مصلحة مشروع الهيمنة الأميركي، وتعمل بالضد من مصلحة العراق سواء في جانبها الوطني أو القومي.
وإذا كانت صورة دور جامعة الدول العربية مرآة لدور النظام العربي الرسمي فتلك الصورة تصبح بغاية من الوضوح في الوقوف ضد مصلحة العراق، كأنموذج ينعكس بالسلب على مجمل القضايا القطرية، ومنها قضايا الأنظمة التي تتَّخذ تلك المواقف البعيدة عن المصلحتين القطرية والقومية (أو لم تعلن الإدارة الأميركية أن الدور القادم لن يستثني الأوضاع في مصر والسعودية؟).
تأتي قضية فلسطين الآن –التي كانت القضية المركزية للعرب- على رأس قوائم التصفية النهائية، وتليها قضية كل قطر عربي حسبما هي مندرجة على جدول أعمال مشروع أمركة العالم، وحسب المواعيد المرسومة والموضوعة على لائحة التنفيذ كل في أوانها المناسب.
فهل بعد استقرائنا لتلك الصورة يفيدنا في الإجابة عن السؤال عن كيف يتم إصلاح جامعة الدول العربية؟
ليست مشكلة جامعة الدول العربية تكمن في التفاصيل، وإنما أصبحت في المبدأ ككل. فيصبح الدخول بعملية الإصلاح مسألة عقيمة، بل لا بُدَّ من الدخول في النظر إلى المبدأ.
أما المبدأ فرحمة الله عليه، فقد مات منذ أن انقلبت مقاييس المصلحة القومية، ومنذ أن أصبح المكيال في الوطنية يتمثَّل في التسابق إلى خدمة المشروع الأميركي بحرارة مادية ومعنوية. ذلك التسابق الذي نشبهه بقطيع من النعاج الذي يقوده الجزار الأميركي إلى (المسلخ)، فيحث القطيع الخطى من دون أدنى اكتراث من أفراده حول متى يأتي دور النعجة التالية.
أما هل تضعنا هذه الرؤية في دائرة اليأس؟ فنجيب: لم تكن النخب الحاكمة في أي يوم من أيام التاريخ في موقع الذي يستطيع أن يلجم التغيير إلى ما لا نهاية. وهي إن كانت تؤخر عوامل التغيير ووسائله ومنعه من تحقيق النجاح، وتعمل على عرقلتها، فإنها لم تستطع في أية مرحلة من المراحل أن تمنعها إلى الأبد.
أما منافذ الأمل فهي كثيرة، وهي بالقوة التي تتعامى عنها المشاريع المعادية من داخلية وخارجية، وهي ليست إلاَّ إرادة الشعوب في التغيير على قاعدة التضحية والنضال مستخدمة أضعف الإمكانيات المادية على شتى الصُعُد ويتمثَّل أرقاها في الكفاح الشعبي المسلَّح.
استناداً إلى كل ذلك، نخاطب القمة العربية القادمة قائلين: لا تخطئوا في اتخاذ قرارات لا توافق عليها كل من المقاومة الفلسطينية والعراقية –بما هما الممثلان الشرعيان للشعبين الفلسطيني والعراقي- لأنه إذا كان القرار الرسمي ملكاً في أيدي الأنظمة فإن قرار الجماهير في أيدي قيادات المقاومة في كل من فلسطين والعراق.
سيجد النظام العربي الرسمي والمحيطين به، فيما نقول، أو فيما تفعله المقاومة المسلَّحة في فلسطين والعراق، نافذة للسخرية والتندر والاتهام بالعبثية واللاواقعية والجنون؛ لكن نخاطبهم قائلين: لا تعبثوا بإرادة الشعوب ولا تستهينوا بقوتها وقدراتها، فإرادة الشعبين العراقي والفلسطيني صمَّمت على متابعة الكفاح المسلَّح، وهي بقراراها تصبح سيدة القرار، أما القرارات الرسمية فلن تكون إلاَّ حبراً على ورق؛ وهي إنما ستُكتَب من أجل إنقاذ إدارات الاحتلال الأميركي البريطاني الصهيوني من غضب شعوبهم. ومن يعش يرى.
لن نطيل الكتابة ونربك أنفسنا في التفتيش عن حلول ذات علاقة بنقد آليات العمل العربي الرسمي المشترك وتطويرها، وإعطاء وصفات للكيفية التي من الواجب أن تكون عليها، لأن آليات العمل إذا فقدت الروح تصبح عقيمة، وتفقد بوصلتها القومية والوطنية، وهذا هو حال آليات عمل مؤسسات جامعة الدول العربية. وهي فقدت الروح عندما راحت تعمل من أجل إنقاذ مشروع المصالح الأميركية والصهيونية، ولا يمكن أن نقترح ما يصلح تلك المؤسسات إلاَّ بعودة الروح إليها، وعودة الروح مرهونة بتغليب المصلحة القومية والوطنية، لا كما ترسمها -وتتصورها مؤسسات النظام العربي الرسمي- وإنما كما تتصورها المؤسسات الشعبية، وهي الوحيدة التي تستطيع أن ترى بوضوح مصلحتها التي لا تنفصل عن واقع التحرر السياسي كمعبر للتحرر الاقتصادي والاجتماعي. أما الذين وجدوا مصلحة لهم في المحافظة على مواقعهم في الحكم فهم لا مطامع لهم ولا طموح إلاَّ البقاء حيث يطمعون في البقاء، ففي المحافظة على مصالحهم النخبوية والطبقية اختصروا مصالح الشعوب التي يحكمون.
وعلى قاعدة المؤسسات الشعبية الوطنية والقومية، نرى أن بعض الاقتراحات قد تكون مفيدة في تطوير المؤسسات السياسية التي تمثل نبض الشارع القومي والوطني. وحول ذلك ننظر إلى تطوير الخطاب العربي وتحديثه وتجديد مضامينه. الخطاب الثوري غير الملامس للخطاب الرسمي العربي أو المعبِّر عنه، بل الخطاب المعبِّر عن الحركة الشعبية والحزبية الثورية.
من هذا الأساس نرى أن أصحاب ذلك الخطاب معنيون ومدعوون إلى نقد آليات مرحلة المراهنة على قوانين الصراع النظامي ضد المشاريع المعادية، من أجل نقد المفاهيم النضالية القديمة واستنتاج آليات جديدة ومفاهيم جديدة، على أن تستفيد تجربة فشل النظام العربي الرسمي في قيادة الشعوب إلى التغيير، ومنها ومن أهمها مسألة الصراع في التحرر من الاستعمار والصهيونية.
إذا كان الخطاب الشعبي التحرري، من خلال كل القوى التغييرية أحزاباً ومؤسسات وأوساطاً مثقفة…، قد فقد الأمل من المراهنة على النظام العربي الرسمي، فهو معني –بل من الواجب عليه- أن يكتشف البديل ويضع أسسه النظرية والتطبيقية ليتحوَّل إلى ثقافة نخبوية وشعبية.
أما الرؤية التي رست عليها كل الاستنتاجات من دراسة قوانين الصراع بين الأمة العربية وبين المشاريع المعادية هي أن تلعب الجماهير دورها، وهي قادرة على ذلك، من خلال الاعداد الثقافي للفكر الشعبي المقاوم، وأرقاه وأشده تأثيراً المقاومة المسلَّحة.
وإذا كانت مساهمتنا في الملف لا تستوعب –كما أعلم- التطويل فيها لأساب فنية، فنختصر بالقول: إن تطوير الخطاب العربي وتحديثه وإغنائه لا ينفصل على الإطلاق عن العناية بالفكر المقاوم وإعطائه حيزاً أساسياً في ثقافة المثقفين، وثقافة المجتمع؛ فهو البديل عن نغمات النظام العربي الرسمي المشروخة عن الواقعية وغيرها من وسائل تخدير المجتمع الوطني والقومي وإقالته من مهمته، وتيئيسه بمقدرته وإمكانياته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق