-->
-->
مقابلة مع موقع صوت الوطن حول المقاومة العراقية
هذه أدلتي حول قيادة البعث للمقاومة العراقية
عمان – هشام عودة: كان الكاتب والباحث اللبناني حسن خليل غريب من أوائل الكتاب العرب، إن لم يكن أولهم ، الذين ذهبوا إلى دراسة واقع المقاومة العراقية وتحليل مكوناتها ودوافعها واستراتيجيتها ،ليصل مبكرا إلى حقيقة دامغة مفادها أن حزب البعث العربي الاشتراكي هو مؤسس المقاومة العراقية وقائدها ، ونشر دراستين مهمتين حول واقع ومستقبل المقاومة العراقية ، صدرت أولاهما قبل اكثر من عام .
في هذا الحوار مع دنيا الوطن الذي تم عبر الإنترنت نحاول أن نقف عند الشواهد التي يملكها الباحث غريب والتي دفعته للقول بصوت عال إن البعث هو الذي يقود المقاومة العراقية، في وقت كانت فيه كل أجهزة الإعلام المرتبطة بالإدارة الأميركية تسعى إلى تشويه سمعة البعث وتاريخه . وفيما يلي نص الحوار :
* أنت من أوائل الذين درسوا واقع المقاومة العراقية على الأرض. وأعلنت في كتاب صدر لك نهاية العام الماضي أن حزب البعث هو الذي يقود هذه المقاومة. على ماذا استندت، وما هي أدلتك على ذلك؟
-بعد ذخيرة ثقافية معمَّقة لفكر حزب البعث واستراتيجيته في مقاومة الاستعمار، وخاصة ضد الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في قلسطين. وبعد متابعات لحركة الصراع الدائر بين العراق والولايات المتحدة قبل الاحتلال. وبعد قراءة لمجريات الوقائع على أرض العراق بعد احتلال بغداد، أصبحت صورة المقاومة العراقية واضحة في ذهني منذ شهر حزيران/ يونيو من العام 2003م. فاتخذت قراراً ذاتياً بدراسة هذه المسألة منذ أواخر الشهر المذكور. وبمعرفة بعض الأصدقاء بهذا القرار طلبوا مني التريث في الكتابة لأنها ستكون مغامرة غير مضمونة في أن يبحث أي كان في موضوع لم يكن واضحاً بعد بما فيه الكفاية.
ظلَّ التحذير حاضراً في ذهني في الوقت الذي كنت أجمع فيه الوثائق الضرورية لكي لا يكون بحثي خبرياً فيسبقه الخبر. وإذا سبق الخبر نتائج البحث فلن يوحي أي بحث في المستقبل بالمصداقية. ولهذا استندت إلى رؤية فكرية استراتيجية كنت واثقاً أنها ستوظِّف الخبر لصالحها وليس العكس.
من كان يتابع الخبر من دون وضعه في إطار استراتيجي كان ضائعاً. لكن ما كان يشكو منه الآخرون كان حاضراً في ذاكرتي الاستراتيجية منذ احتلال بغداد في التاسع من نيسان من العام 2003م.
عدة عوامل ومظاهر هي التي أثبتت عندي أن حزب البعث العربي الاشتراكي هو الذي يقود المقاومة، منها أدلة ثقافية استراتيجية أولاً، وأدلة واقعية ثانياً، بحيث تكامل الجمع بين الإثنين للبرهان على أن حزب البعث هو مؤسس المقاومة العراقية وقائدها وليست أية جهة غيره.
أما الاستراتيجية الفكرية لحزب البعث، عموماً، وبشكل خاص نظامه السياسي في العراق، فقد تشبَّع باستراتيجيا الحرب الشعبية ضد الكيان الصهيوني، فكراً ونضالاً، بالنظر والعمل. وهو عندما رفض الإملاءات الأميركية منذ سنين طويلة، وصرَّح أمينه العام، قائد المقاومة، بأنه لن يرضخ لها وأعلن أنه سيقاتل حتى الشهادة فلم يكن يعني أنه سينتصر على الآلة العسكرية الأميركية في حرب نظامية – نظامية، بل سينتصر بحرب من نوع آخر لا يمكن للجيش الأميركي أن يؤمن مستلزمات مواجهتها والصمود فيها.
ولما كان الأمين العام يتميَّز بالعلمية والعملية في مواقفه، لم أحتمل على الإطلاق أنه يطلق التهديدات والرفض على عواهنها. ولما وقعت بغداد تحت الاحتلال، كان من المفترض أن ننتظر حصول الصفحة الأخرى من المواجهة المفترضة، ولهذا كان الموقف –بعد التاسع من نيسان من العام 2003م- أن انتظروا البيان الأول من المقاومة العراقية.
لم يتأخر البيان الأول، فصدر في الثاني والعشرين من الشهر ذاته، يحمل عامليْ تطمين واطمئنان إلى أن الصفحة الأخرى قد بدأت. وهذان العاملان هما: التأكيد على أن العاشر من نيسان كان انطلاقة استراتيجية حرب التحرير الشعبية تحت اسم (قيادة المقاومة والتحرير في العراق) معلنة عن عدد من العمليات التي شنتها مجاميعها ضد قوات الاحتلال الأميركي. أما العامل الآخر فهو البشرى التي زفَّها البيان بأن الرئيس صدام حسين سيتوجَّه برسالة صوتية حول الاحتلال. وقد وجَّه الرئيس رسالته التي يدعو فيها العراقيين إلى الانضمام إلى صفوف المقاومة التي بدأت ضد القوات المحتلة.
وتواصل صدور بيانات (قيادة المقاومة والتحرير) من جهة، ورسائل الرئيس صدام حسين من جهة أخرى. فمنذ تلك اللحظة لم يساورني الشك في أن صفحة المواجهة الأخرى قد بدأت ومن أن حزب البعث قد أعدَّ لها قبل الاحتلال، ومن أنه قائدها الفعلي، وليس ما أخذت الكثير من وسائل الإعلام، حتى الصديقة بينها، تروِّج له وتحدد أسبابه.
كانت بعض الأوساط تنسب المقاومة تارة للمتطوعين العرب، وتارة أخرى لردود فعل العراقيين الغاضبين، وتارة ثالثة إلى غضب ضباط وأفراد الجيش العراقي الذي حلَّه بول بريمر بقراره الشهير. وكان من أقذر ما أخذت بعض وسائل الإعلام تروِّج له أن احتلال بغداد كان بفعل ابتعاد الشعب العراقي عن النظام مما دفع بالعراقيين، شعباً وجيشاً وقوى سياسية، إلى الامتناع عن الدفاع عن العراق خوفاً من عودة الرئيس صدام حسين وحزب البعث إلى السلطة.
وهناك ما يمكن أن نلقي عليه الضوء –على قاعدة إسقاط الذرائع غير الواقعية- والتي تتعلق بنسبة المقاومة إلى فصائل غير حزب البعث. ولأنها تتعلق بتجهيل مقصود لقيادة حزب البعث للمقاومة، عمدت أوساط الإعلام الأميركي مع الإعلام التابع له، إلى نسبة المقاومة إلى فصائل إسلامية وغيرها من الفصائل القادمة من الخارج. وهنا نقول: إن مقاومة، على قاعدة حرب التحرير الشعبية، انطلقت مباشرة بعد التاسع من نيسان، كردود فعل شعبية ضد الاحتلال أو من منظمات كانت محظورة في العراق، ليست بالادعاءات المنطقية على الإطلاق. لأن هكذا مقاومة يلزمها أشهراً عديدة على الأقل لترسي آليات عملها من أسلحة ومقاتلين وتشكيل قيادات عليا ووسطية وقاعدية. وتأتي سرعة انطلاقة المقاومة بحجمها ونوعها لتبطل تلك الذرائع وتسقطها.
وتعززت أدلتي على نسبة قيادة المقاومة إلى حزب البعث، عندما تتالى صدور بيانات متواصلة عن (قيادة المقاومة والتحرير في العراق) ورسائل عن الرئيس صدام حسين، ومواقف سياسية ذات علاقة. ولقد توَّجت قيادة الحزب في العراق بياناتها بالمنهج السياسي الاستراتيجي الذي أعلنته في التاسع من أيلول من العام 2003م. ولهذا تجد كل تلك الوثائق منشورة في الكتاب الأول عن المقاومة تحت عنوان (المقاومة الوطنية العراقية: معركة الحسم ضد الأمركة).
ومن جانب آخر، وكي لا أقع في النقص، تابعت كل البيانات التي كانت تصدر عن فصائل أخرى، لعلَّ فيها ما يقود إلى التخفيف من نسبة قيادة المقاومة لحزب البعث. فقد رصدت ما استطعت إليه من تلك البيانات، فكنت أجد أن الفصائل الأخرى (وهي موثَّقة الأسماء في كتابي الأول) وإلى حدود الزمن الذي أنهيته فيه، أن البيان الأول لكل تلك الفصائل كان يشكل البيان الوحيد الذي لم يتكرر لمرة ثانية.
وكنت كلما أقطع شوطاً في البحث تبرز دلائل أخرى تعزز أدلتي التي وردت في الكتاب الأول عن المقاومة العراقية، الذي أنجزته في أواخر شهر أيلول من العام 2003م. وصدرت طبعته الأولى في شهر تشرين الأول من العام ذاته.
لم يكن يدفعني إلى البحث عن هوية للمقاومة العراقية دافع فئوي، خاصة أنه لم يكن يظهر من بيانات قيادة المقاومة والتحرير، أو من رسائل الرئيس صدام حسين، أية نزعات فئوية، بل العكس هو الصحيح لأنهما كانا يعتبران أن الشعب العراقي بأكمله هو الذي يقاوم، ومن واجبه الوطني أن يقاوم. وإنما كان يؤلمني أن تنسب الأوساط المعادية أو الفئات المضلَّلة، أو تلك التي تريد التضليل لدوافع فئوية إيديولوجية، الخير لغير أهله.
* بعد عام ونصف العام على الاحتلال والمقاومة كطرفين متصارعين على أرض العراق، كيف ترى مستقبل المقاومة العراقية؟
أريد أن أحدد بعض الثوابت في خصوصيات المقاومة العراقية كمدخل لا بد منه في تحديد الجواب عن مستقبل المقاومة، وهي:
1-البعد الفكري الاستراتيجي الذي تتميز به مقاومة أعدَّ لها حزب يؤمن بالكفاح ضد الاستعمار على قاعدة حرب التحرير الشعبية.
2-التعبئة الإيديولوجية لممارسة هذه الوسيلة طوال أجيال عديدة في نفوس البعثيين.
3-الممارسة العملية لمنظمات الحزب في الأقطار التي تعرَّضت للاحتلال من الاستعمار والصهيونية، وخاصة في فلسطين ولبنان والأردن. ويأتي دور المواطن العراقي المميَّز في تلك التجارب حيث كنت ترى المتطوعين العراقيين في شتى فصائل الثورة الفلسطينية بشكل واضح.
4-دعم نظام الحزب، في العراق، الدائم لكل الفصائل التي تمارس أسلوب الكفاح الشعبي المسلح في فلسطين. والتشجيع والدعم للقضية الفلسطينية التي لم تنقطع إلا بعد احتلال بغداد.
5-تزاوج السلطوي مع الثوري في تجربة حزب البعث في العراق. الحزب الذي استفاد من السلطة لتأمين موجبات الثورة والمقاومة ضد الاحتلال الأميركي.
6-التراكم النوعي السريع في تجربة المقاومة العراقية وهو نتيجة الإعداد المسبق لها ولموجباتها البشرية والتسليحية.
7-الرؤية السياسية الاستراتيجية للنضال ضد الاستعمار الاحتلالي ومواجهته. ومن أهم معالمها أن فكر الحزب قد حدَّد بدقة ثوابت الاستعمار. وحدَّدت قيادة المقاومة العراقية ثوابت الاحتلال بالتالي:
-من أهم ثوابت المشروع الأميركي هو احتلال العراق احتلالاً دائماً، مباشرة وبالواسطة. مباشرة ببناء قواعد عسكرية ثابتة لجنود الاحتلال. وبالواسطة، تعيين إدارة سياسية شكلية بعباءات عراقية؛ محمية بأجهزة أمنية عراقية تنقاد لأوامر قيادة الاحتلال وتذعن لها.
-الاستفراد بثروات العراق، خاصة النفطية منها، للسيطرة من خلالها على اقتصاد العالم، حيث يشكل العراق آخر القوى المتمردة على الإرادة الأميركية.
ولأنه لا يمكن إنجاز احتلال دائم يحقق ثوابته الاستراتيجية كان لا بد من أن يؤمن شرطيْ الاستقرار الأمني لجنوده ولأدواته المحلية من جهة، وسرقة مريحة لثروات العراق، ليس على المدى القصير بل على المدى الاستراتيجي الطويل الأمد.
أما في مواجهة ثوابت الاحتلال فقد أعلنت المقاومة العراقية ثوابتها الاستراتيجية، وهي تأتي بالضد مما يريد الاحتلال تثبيته. وهي بالتالي تعمل على منعه من الاستقرار، من خلال تدفيعه ثمناً دائماً ومتواصلاً من دم جنوده ومن دم عملائه الدوليين والعراقيين من جهة أخرى. كما تعمل على منعه من التصرف بحرية بثروات العراق على المستوى المرحلي بتفجير دائم للأنابيب التي تنقل النفط إلى مرافئ التصدير وقد أعلنت قراراها منذ أوائل مراحل الاحتلال. ونفذَّته بدقة. وهي تعمل على منعه من السيطرة على منابعه للاستفادة الاستراتيجية من فوائده الاقتصادية والسياسية في حكم العالم وأمركته.
نتيجة التقابل بين ثوابت الاحتلال وثوابت المقاومة يتقرر مصيرهما معاً. فإذا استمرت المقاومة ونجحت في الجانبين: مزيد من قتل جنوده ومنع دائم من استغلال الثروة النفطية، يشكل ضاغطين أساسيين على أية إدارة أميركية، سواء كانت إدارة بوش أو غيرها، وهما يشكلان ثمناً يدفعه المكلَّف الأميركي: حياة أبنائه (أي الدم مقابل النفط)، وضريبة تمويل الحرب المادية (التي بلغت مئتي مليار دولار حتى الآن، وتشير الأنباء إلى أن جورج بوش سيطلب رصد مبلغ سبعين مليار دولار لتمويل الحرب إذا ما أعاد الشعب الأميركي انتخابه).
فمستقبل المقاومة أصبح واضحاً في فرض التراجع على الاحتلال، فاستراتيجية المقاومة حققت أهدافها حتى الآن، لأن جهدها ونضالها في تصاعد مستمر، ويشكل المزيد من الضغط على الاحتلال. وستصل عنتريات الإدارة الأميركية الفارغة إلى أفق مسدود لن تطول أيامه. والمقاومة العراقية قد حققت الخطوة الأساسية الأولى في السيطرة على المدن الكبرى. ألا يمكن تفسير الخبر الذي نقلته، أستاذ هشام، عن أن جريدة الحزب في العراق عاودت الصدور ويتم توزيعها في شتى أنحاء العراق، إلا بما يؤكد تلك الاستنتاجات؟
* هناك الكثير من الأصوات التي تتهم المقاومة العراقية بافتقارها لبرنامج سياسي.. أنت كواحد من الذين درسوا المقاومة العراقية سياسيا.. كيف ترد على ذلك؟
إن تلك الأصوات قد ارتفعت منذ أكثر من سنة منذ الآن، والدليل على ذلك أنني قد نقدتها في كتاب المقاومة العراقية الأول الذي مضى على صدوره أكثر من سنة. وقمت بالرد عليها من خلال بعض المقالات الأخرى.
إن تلك التهمة كانت ذات علاقة بحملة للتشهير بالمقاومة العراقية لأسباب أكثرها إيديولوجي. لكن لا ننسى أن بعض الأصوات الناقدة، ممن أعرف أشخاصها شخصياً، كانوا ينطلقون بنقدهم من خلفيات الحرص على المقاومة. لكن ما دفع بهم إلى رفع أصواتهم ربما يكون سبب عدم متابعة بيانات قيادة المقاومة العراقية وتوضيحاتها حول مجمل القضايا، وخاصة عدم الاطلاع على المنهج السياسي الاستراتيجي الذي صدر منذ أكثر من سنة.
إن البعض من ذوي النوايا الإيديولوجية المتعصبة، أو من الحريصين على المقاومة، لا يغطي نقدهم –حول هذا الجانب- مبرر ما. فالطرفان يعرفان أن من يقود المقاومة هو حزب يمتلك رؤية فكرية استراتيجية حول المواجهة والمجابهة مع الاستعمار، السبب الذي لا يترك لهم مبرراً في عدوانيتهم ضد الحزب أو حرصهم عليه، من منطلق الجهل بمنطلقاته أو التجهيل بها.
ولكي نعطي بعض الدلائل العملية حول وجود رؤية سياسية، وموقف سياسي واضح، مرحلي واستراتيجي، عند قيادة المقاومة، فلن نجد أكثر إقناعاً من النتائج التي تحققت –عملياً- على أرض العرق، مما أشرنا إليه من زوايا الصراع بين ثوابت الاحتلال وثوابت المقاومة. أليست تلك الصورة تمثل أكثر المناهج السياسية وضوحاً؟
على كل حال لقد قمنا بتفصيل لهذا الجانب بما يكفي من الوضوح في كتابنا الثاني عن المقاومة، (المقاومة الوطنية العراقية: الإمبراطورية الأميركية بداية النهاية)، وأفردنا له حيزاً واسعاً في أحد فصوله.
* تعيش المقاومة العراقية حصاراً شاملاً، وأقساه حصار ذوي القربى، ما هي الآليات التي تقترحها لنصرة المقاومة العراقية ودعمها في الشارع العربي؟
لقد أثار الرئيس صدام حسين، قبل الاحتلال، مسألة في غاية الأهمية أمام بعض الوفود العربية التي كانت تسافر إلى العراق، إما لتأييده في مواقفه أو لنصحه في الاستجابة للإملاءات الأميركية: إن العراق سيخوض المواجهة ضد أي عدوان أميركي، فعلى العرب أن يستفيدوا من تلك المواجهة.
عندما حصر الرئيس طلبه بالاستفادة من المواجهة بالعرب فلكي يستفيدوا من التجربة العراقية. وكان يريد أن يستفيد ذوو القربى من تجربة سيقودها من هو حريص على مصالح الأمة. كان قلب الرئيس على الشعب العربي الذي تخدِّره الأنظمة الرسمية باستحالة مواجهة أعتى قوة في العالم. وكان الرئيس طامعاًً بأن يستفيد الشعب العربي وحركاته الثورية من الحالة الثورية في العراق. ولكن قلب الأنظمة وبعض الأحزاب والمنظمات والشخصيات، وعلى رأسهم أصحاب الثقافة الليبرالية المتحيزين للعدو الأميركي، كانوا –مع الأسف الشديد- من ذوي القربى، لكنهم لم يسمعوا، بل سخروا من الخطاب الثوري ووصفوه بالرومانسي والنرجسي.
وهنا يشدني تغيير مفهوم مصطلح ذوي القربى التقليدي، والذي يعني رابطة الدم، إلى موقع يعني فيه رابطة المصير الواحد. وهي الرابطة التي تقتضي وحدة الوعي القومي للمشاكل والتخطيط لمجابهتها على أساس أن النجاح في المعالجة ينعكس غنماً على الجميع، والفشل في معالجتها ينعكس غرماً على الجميع أيضاً.
لن نعني بتغيير مضمون هذا المصطلح الأنظمة الرسمية أو القوى والحركات والأحزاب التي ترى مصير مصالحها مرتبط بمصير القوى الاستعمارية. بل نتوجه إلى ذوي القربى من الشرائح الشعبية الفقيرة والثورية وحركاتها الصادقة في الخلاص من الاستعمار ممن وعت خطورة المشروع الأميركي الصهيوني. وإذا كان هؤلاء ممن تقصدهم بذوي القربى، فإننا لن نعتب عليهم لأنهم متحفزون دائماً لنصرة الثورة في أي مكان تنطلق منه في أي قطر عربي. وهي تؤيد نضال المقاومة العراقية وتفتخر بنتائجها. لكن ما يلجمها أو ما يشوِّه الصورة أمامها هي تلك الحركات والأحزاب والقوى التي تسيرها رؤى ليبرالية ذات أهواء وثقافة غربية، أو دينية سياسية لا ترى المواجهة مع الاستعمار إلا من خلال نصرة الدين أو المذهب، والتي هي غالباً لا تشرِّع الدفاع عن الأوطان إذا كان من نتائجها أن تساعد نظاماً علمانياً للعودة إلى حكم الدولة التي يدافعون عنها.
وعلى شتى الأحوال، وكأن أبطال وقادة المقاومة العراقية، يعرفون حقيقة الأمور عند معظم من نسميهم ذوي القربى، فقد صمموا على تحقيق النصر، وأعدوا للمعركة عدتها وكأن لا نصير لهم. فإذا استجاب النصير ستؤدي استجابته إلى تسريع الخطى، وإذا تخلَّف أو تلكَّأ أو أهمل واجباته، فلن يكون التأثير أكثر من تأخير زمني بسيط لن تنعكس آثاره بشكل نوعي على نتائج النصر والتحرير.
وهنا، وكي لا نجد أنفسنا كمن فقد الأمل، فلن نتوانى عن التحذير من النتائج الوخيمة التي ستنعكس على الجميع إذا ما حقق المشروع الأميركي ونجح في تحقيق أهدافه. حينذاك لن يحيَّد الاحتلال أياً كان من تدفيعه الغرم والثمن الفادح من حريته وحياته ولقمة عيشه. وساعتئذٍ لا ينفع ندم أو نقد أو ندب.
استناداً إليه نكرر النداء إلى جميع العرب أولاً –من دون استثناء- وإلى جميع الشعوب المستضعفة –ومنهم الشعوب الإسلامية لأنها مستضعفة من دون استثناء- أن تلبي نداء الدفاع عن نفسها –بشتى الوسائل- ضد أخطبوط الأمركة الذي يجتاح العالم من أقصاه إلى أقصاه، وستتم له السيادة على الجميع إذا ما استطاع أن يُرسي دعائم احتلاله في العراق.
ونخص، هنا، بالنداء أولئك الواهمين بأنهم سيحققون مصالح مذهبية على حساب ذبح الوطن. والذين قادهم الوهم إلى التعاون مع الاحتلال، أو مهادنته، منخدعين بوعود جنته. فنقول: لم يرسل المشروع الأميركي مئات الألوف من جنوده، ويدفع مئات المليارات من جيوب مكلفيه، لكي يسلِّم العراق إلى حفنة من المخدوعين الذين خانوا وطنهم، أو اقتيدوا بأكاذيب إقليمية لا ترى إلا بالعين التي تصطاد المصالح الذاتية على حساب أقدس مقدساتها.
* نشرت بعض وسائل الإعلام عن مفاوضات سرية بين البعث والإدارة الأميركية، من خلال دراستك لدور البعث في المقاومة هل ترجح وجود مثل هذه المفاوضات، وما الهدف من وراء الإعلان عنها؟
ليس كل ما تنشره وسائل الإعلام يمكن تصديقه من دون نقده وإخضاعه للتحكيم العقلي. ومن أهم قواعد التحكيم العقلي تأتي مسألة الثوابت المتصارعة.
فبين ثوابت الاحتلال وثوابت المقاومة صراع دامٍ ترجح فيه كفة المقاومة. تلك النتائج تهدد ثوابت الاحتلال بالفشل. والاحتلال قد دفع أثماناً غالية من دمه وجيبه. ولأنه شعر أن كل آماله تتلاشى بعد تدفيعه ثمناً غالياً وجد أنه لا بد من المبادرة إلى التفاوض مع من هو مقتنع بأنه السبب الذي حال دونه وتحقيق نجاح تلك الثوابت.
على العكس مما تعلنه قيادة الاحتلال، من حيث تجهيل دور حزب البعث في المقاومة، فهو على يقين ضمني بأن حزب البعث هو من أعد للمقاومة قبل الاحتلال ويقودها بعد الاحتلال. وللخلاص من مأزقه وجد أن ليس هناك من يفاوضه غير حزب البعث. فلجأ إلى تلك الوسيلة –طبعاً متسلحاً بوسائل كذبه وخداعه- لأنه بأمس الحاجة إلى فترة من الراحة، أقلها من أجل تمرير الاستحقاق الانتخابي الرئاسي.
لمثل تلك الأسباب، قد يكون –حسب التقارير التي تم تسريبها إلى الإعلام- قد استعان ببعض أجهزة ما يُسمى بالأمم المتحدة. ولا شك بأن من يتم تكليفه بمثل تلك المهمة عليه أن يحمل سلة من الإغراءات والعروض. ولهذا حملت –كما تشير التقارير- عدة من الوعود على قاعدة (أهبك من مالك). وليس في تلك السلة ما يدل على أن الاحتلال الأميركي يريد أن يتنازل عن شيء من ثوابته وأهدافه. ومن الواضح أن الاحتلال يريد أن يستبدل عميلاً داخلياً ضعيفاً بظهير قوي يقوده إلى العمالة. وهذا ما لم يخف على قيادة المقاومة التي من المفترض أن تكون تلك السلة قد وصلت إليها لتبدي رأيها فيها.
وهنا أود أن أوضح أن الإدارة الأميركية لا تستطيع أن تعلن عن مبادرتها تلك لما لها من انعكاسات سلبية على أدائها، ولأنها تضيف براهين أخرى تدل على لا شرعية احتلالها، وعلى لا مشروعية ذرائعها التي ساقتها لاحتلال العراق ومن أهمها (اجتثاث فلسفة حزب البعث من المجتمع العراقي)، وإسقاط ديكتاتورية حزب البعث... وإن إعلان التفاوض مع الحزب بالذات هو مقتل حقيقي لمشروعية زائفة ساقتها الإدارة الأميركية لاحتلال العراق من جهة، وسيكون دليلاً على فشل الاجتلال والعجز عن الإمساك في الساحة العراقية من جهة أخرى.
فبالإضافة إلى الانعكاسات السلبية على الرأي العام الأميركي خاصة والرأي العام العالمي عامة، فإن انعكاساتها الأكثر درامية ستنعكس على أداء عملائها ممن استقدمتهم على دباباتها.
وحسب ما سرَّبته التقارير حول هذا الجانب فقد كان رد قيادة المقاومة لا يخرج عن السياق الاستراتيجي الذي حدده المنهج السياسي الاستراتيجي الذي أعلنته منذ التاسع من أيلول من العام 2003م. ومن أهم مبادئه الاستمرار في المقاومة حتى تحرير آخر شبر من أرض العراق. فليست هناك هدنة ولا فسحة من الأمن لقوات الاحتلال حتى خروجها الكامل من العراق.
لن نقول إن ما سرَّبته وسائل الإعلام هو غير واقعي، بل تدل مجمل الأسباب على واقعيته، وإمكانية حصوله. ويزيد من واقعيته أن الرد الذي نُسب إلى قيادة المقاومة على المفاوضين الأممين يتكامل تماماً مع استراتيجيتها المعلنة. وهذا ما يعزز الثقة بحسن قيادتها للمعركة السياسية تماماً كما تقود معركتها العسكرية.
أما عن تسريب تلك المعلومات –فأحسب حتى يثبت العكس من المقاومة العراقية- فهو كشف الضعف الذي تعاني منه إدارة الاحتلال، والذي –إذا تسرَّبت وقائعه سيكشف عن الكثير من الأكاذيب التي ينشرها الإعلام الأميركي والعالمي والعربي المؤيد للمشروع الأميركي. وسيُظهر عجز الإدارة عن مواجهة المقاومة العراقية. لتلك الأسباب يأتي تسريب الخبر، عن المفاوضات، من أوساط المقاومة ليهدف إلى إلحاق الضرر بتلك الإدارة من خلال كشف كذبها وخداعها عن حقيقة الوضع الميداني في العراق.
فالمفاوضات، إذا ثبتت صحتها، فهي ليست إلا حاجة أميركية للخروج من مأزقها. بينما هي ليست حاجة للمقاومة العراقية إلا في حالة واحدة، تختصرها قيادة المقاومة، وهي التفاوض حول طريقة الانسحاب الكلي من العراق. أما تفاصيلها فيحددها الرئيس صدام حسين وقيادة الحزب والدولة الأسرى في سجون الاحتلال الأميركي.
***
رد على تعقيب كتبه حول المقابلة كاتب يدَّعي أنه مقاوم من الأنبار:
يا عزيزي المقاوم الحقيقي من الأنبار، إني في حرج –بالرد عليك- من زاويتين:
الأولى: لأنه ليس هناك مقاوماً حقيقياً ومقاوماً مزيفاً. ولكنني أميَّز بينهما بالدرجة وليس بالنوع. وأعلاهما درجة هو من يقدم حياته في مواطن الخطر الفعلي. وإذا كنت أنت من هذه الدرجة فأنا أدين لك بأنك تقدِّم أكثر مني. ولهذا أجد نفسي في حرج كبير بأن أرد عليك من منطلق التنافس الفئوي.
الثانية: لأنك من الأنبار. و على الرغم من أن المقاومة تنتشر في كل أنحاء العراق. فكل جغرافيا العراق تدين بالجميل للمقاومين الذين يقدمون أكثر من غيرهم، ولهذا ندين للأنبار بالجميل لأنها تعطي في مقاومة الاحتلال أكثر من أية منطقة أخرى.
وعلى كل حال يا عزيزي المقاوم من الأنبار سأتحاور معك على طريقة الود والاحترام، ومن موقعي الأدنى (كمشارك بالكلمة) من موقعك في المقاومة (كمقاتل في الخندق، وأنا أتلمَّس قدسية القتال فيه).
ولهذا أود أن تتَّضح أمامك حقيقة طالما جهلها الكثيرون ممن يستندون إلى رؤية فئوية، وهي أنه ليس كل من يكتب يتحمَّل تهمة الذين (يكتبون تحليلاتهم من المكاتب الدافئة والأثاث الوفير الراقي وتحت مختلف ظروف الراحة والدعة، وينظرون تنظيرات بعيدة عن الواقع والحقيقة). ولهذا أقول لك: إن كلمتي لم تولد إلاَّ في الخندق. وإذا كانت فيها جاذبية الحرارة الثورية، فالسبب يعود إلى أنني قاسيت وعانيت واحترق أثاثي الوثير، وطلَّقته هذا إذا كنت أملكه. وهجرت الدفء هذا إذا كنت قد ملكته في يوم من الأيام . وغادرت التنظيرات التي تستند إلى مقالات لا تحمل إلاَّ التعبئة والتحريض، ودخلت إلى حرم البحث العلمي الموضوعي، على قاعدة أنني لا أثبت حقيقة إلاَّ إذا تكررت على أرض الواقع. كما أنني لا أقبل أي برهان إلاَّ إذا كانت الوثائق تدعمه.
أنا لم أصل إلى النتائج التي وصلت إليها في المقابلة التي نشرها، مشكوراً، موقع (دنيا الوطن)، إلاَّ بعد بحث طويل ومضني من خلال تجميع ما عملت بكل جهد للوصول إليه على ندرة وسائل الإعلام التي كانت تدعم المقاومة العراقية.
يا عزيزي المقاوم الحقيقي من الأنبار
لقد نشرت كتابين حول المقاومة العراقية: الأول بعد مرور أربعة أشهر فقط من احتلال بغداد. والثاني بعد أربعة عشر شهراً. ولأن بعض المواقع قد نشرتهما، وهما: موقع المحرر، والبصرة – نت. أرجو أن تقوم بمراجعتهما لترى أن الوثيقة فقط هي التي اعتمدتها في تحديد النتائج. وقد وضعت قلبي وهواي جانباً، على الرغم من أن هواي –على قاعدة معرفتي باستراتيجيا حزب البعث- كان يضرع إلى الله بأن لا يكون الحزب قد ضلَّ طريقه الاستراتيجي بعد احتلال بغداد.
يا عزيزي ويا من اعتبره قرَّة عيني لأنه يقاوم في الميدان مباشرة. لم ولن أدخل في سجال مع من هم من أمثالك لأنني في درجة أقل من درجتهم في سلَّم النضال والجهاد. ولكنني أدعوك إلى أن لا ندخل في متاهة من يثبِّت صاحبه على قاعدة التسابق والتزاحم والتنافس ليتسلل منها أصحاب النفوس الضعيفة والدنيئة والمتآمرة (كمثل العلقمي الذي نشر ردَّه الثاني على المقابلة في موقع دنيا الوطن). ولكن على قاعدة التكامل والتنسيق والتعاون على كشف الغطاء عن خبث المشروع الأميركي – الصهيوني، وعن الدور الخياني الذي يمارسه بعض المرتزقة والحاقدين والمضلَّلين الذين ساءهم أن يكون حزب البعث قائداً للسلطة السياسية قبل الاحتلال، وقائداً للمقاومة بعد الاحتلال. فهم بعد أن يظهروا للفصائل الإسلامية المشاركة في المقاومة العراقية كرهاً بحزب البعث، سوف يتابعون الذبح بتلك الفصائل، والسبب أنهم لا يرون إلاَّ الاحتلال قائداً لهم ومرشداً على حساب ذبح وطنهم.
يا أخي من الأنبار
أنا مطمئن الضمير إلى النتائج التي وصلت إليها من خلال أبحاثي الموثَّقة. ولا تعتبرها آتية من زاوية إغفال دور كل من حمل بندقية في العراق، فأنا –شخصياً- أدين لكل ساعد يقاوم مهما كانت هويته. وبدوري أدعوك لكي لا تتوانى عن تبيان دور من تعتقد أنه قائداً للمقاومة ولكن ليس على قاعدة اتهامات جزئية، وهو أسلوب يقع في دائرة التشكيك بهذا أو بذاك، الذي مارسته وسائل الإعلام المعادي كجزء من حرب نفسية، والذي ثبت بطلانه وكذبه في المراحل اللاحقة. وليس على قاعدة جزئية لحالات منتخبة من هنا أو هناك. بل أن تأخذ شتى الجوانب التاريخية والإيديولوجية والعملانية في بناء مقاومة كبرى نعتز بها وبنتائجها أياً كان قائدها. ولأن المقاومة لم ولن تكون عشوائية الانطلاقة بل استندت إلى إعداد زمني معقول في إعداد موجباتها.
أيها الأخ المقاوم من الأنبار، إذا كنت أولي المقاومة العراقية اهتماماً فلأنها جزء من الصراع الذي ستنعكس نتائجه سلباً على لبنان إذا –لا سمح الله- حقق الاحتلال أغراضه وأهدافه. وما بحثي عما يكشف الحقيقة عن قائد المقاومة العراقية –في وجه حملات التضليل والتجهيل الأميركية- إلاَّ في سبيل نسبة الحق لأصحابه، وقد عزَّزت البراهين صحة النتائج التي توصلت إليها. وإذا لديكم –من ضمن دائرة المقاومة- ما يصحح أو ينقض صحة الوثائق التي استندت إليها ونشرتها في كتابين، فهاتوا برهانكم. ونحن من الشاكرين.
لكن لي رجاء أخير، وهو أن نتميَّز بكثير من الحذر في الوقوع في فخ التسابق والفئوية أولاً، وأن لا ينال بحثنا في هذا الجانب من همة مقاتل أو مقاوم ثانياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق