-->
-->
صدام حسين أمام قطار الشهادة
جدَّد إيمانه بالعروبة والبعث والمقاومة
في 8 كانون الأول 2009
باستثناء الإيمان بالله خالق الإيمان في نفوسنا بالقيم الإنسانية.
وإذا كان للإيمان هوية واضحة بقضايا المجتمعات البشرية ومصالحها العامة.
وإذا كان للإيمان بتلك القيم، والقضايا والمصالح، دور واضح في دفع الإنسان لاقتحام الموت بشجاعة من أجل أولئك البشر.
فقد كان للبعد الإيماني القومي العربي أكبر الأثر الذي انطبع في عقل صدام حسين وقلبه، وبه تميزت آراؤه الفكرية، ووجَّه سيرته النضالية، وجعله من أجل أمته العربية يقدم إلى الموت غير هيَّاب ولا خائف.
منذ ثلاث سنوات مضت، عندما واجه حبل المشنقة، اعترتني حيرة وذهول وأنا أشاهد بطل البعث العظيم يقف أمام الموت من دون أن يرتعش له جفن، ومن دون أن تهتز له شفة.
ذهول اعتراني إذ ظل يخاطب المجرمين الأقزام، الواقفين أمامه، شاخصاً فيهم بجرأة غير معهودة من إنسان، يخاطبهم وينهال عليهم تقريعاً غير هيَّاب من بطشهم وتعذيبهم، وخسَّة طباعهم.
حيرة لا زلت أعيش أسئلتها، وفي المقدمة منها كيف يقف إنسان بصلابة أمام مصير موت محتوم، ولماذا يقدم على الموت بشجاعة، وفي أي سبيل، ولقاء أي ثمن؟
حيرة دفعتني لأفتش عن أجوبة تفسر هذا الموقف، لعلني أصل إلى يقين، إلى أن اهتديت وأنا أقرأ من فكر هذا الراحل العظيم وأنهل من خطاباته. كما قرأت طويلاً مضمون هتافاته ومفرداته الأخيرة التي لفظها قبل لحظة انتقاله الأخير إلى عالم الخلود.
ففي قراءته استوقفتني مبادئ كان يؤمن بها في عقله. ولعلَّها سدَّدت خطى سلوكه النضالي في حياته، وقد سدَّدتها بالفعل. ولعلَّ حبها أيضاً ملأ قلبه بالشجاعة والإقدام، وآمن أنه بها سينتقل إلى الخلود في قلب الشعب طالما ناضل ودفع حياته لأجل نصرة قضاياه. وبالفعل سيبقى خالداً في تلك القلوب. وقد حدَّد عوامل خلوده وحصرها بثلاث:
أوَ ليس هو القائل في أمته العربية؟ «أي طريق غير الطريق القومي، الإنساني، الشامل… سيبقى قاصراً عن زخم خطوة البداية… القومية، الإنسانية العميقة، والشاملة«.
أوَ ليس هو القائل في حزبه؟ طريق البعث «ارتقى بنضال الأمة إلى مستوى جديد… لفكر جديد كلياً».
أوَ ليس هو الهاتف أمام مقصلة الموت؟: «عاشت أمتنا العظيمة»، «عاش العراق»، و«عاشت فلسطين».
أوَ ليس هو الذي شخَّص طريق خلاص الأمة قائلاً؟: «النصر للمقاومة».
لقد شكَّل حب الأمة العربية مركزية في إيمان صدام حسين. بدأت في العراق ولن تنتهي عند فلسطين.
كما شكَّل حزبه، حزب البعث، بفكره القومي العربي الجديد كلياً، مركزية لطريقه الفكري.
وشكَّلت المقاومة، بقيادة حزبه وشعبه، مركزية نضالية لا بدَّ من أنها ستحمل خلاص أمته وشعبه وتحريرهما.
من كل ذلك حدَّد صدام حسين مرجعيات ثلاث في خياراته الإيمانية والفكرية والنضالية، تترابط مع بعضها ترابطاً جدلياً، وليس تسلسلاً شكلياً، وهي: العروبة، والبعث، والمقاومة.
بمثل تلك القناعة التي امتلكت عقل صدام حسين، وملأت قلبه: حبه لأمته العربية وإيمانه بطريق الفكر القومي مخلصاً لها، قد كشفت لديَّ جواباً لتلك الأسئلة، ووضعتني على طريق الخروج من حيرتي.
منذ ثلاث سنوات مضت، عندما واجه حبل المشنقة، كان مصير الأمة العربية المشرق ماثلاً على محياه، فبدا وكأنه يقول: إذا كان موتي يشكل حياة لأمتي فيا حبال الموت خذيني.
لذا وقف صدام حسين أمام حبل الشهادة، وهو يعيش أكثر لحظات الاعتزاز بإيمانه. ووقف مطمئناً خاشعاً مؤمناً بأن بداية حياة جديدة له في جوار ربه، ستكون بداية حياة جديدة لأمته. ووقف خاشعاً وهو في أعلى درجات إيمانه واثقاً بأن شعبه لن يستكين، وأن أمته تسير على طريق النصر.
وقف قلب صدام حسين عن الخفقان، فانتقلت حركة قلبه إلى قلب أمته وحزبه، وبقلبهما معاً سوف يبقى خالداً، طالما المقاومة مستمرة.
رحل صدام حسين بطلاً، وليس في الأبطال له مثيل.
رحل لكي يبقى خالداً في قلب تاريخ أمته العربية، ولكي يبقى خالداً في عقول رفاقه المقاومين، مسدداً خطواتهم وقرارتهم، طالما هم مستمرون على طريق المقاومة، التي هي طريق النصر، لتخلد أمتهم إلى جوار تاريخ مجيد، وتسكن في أرض رفضت كل معتد أثيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق