-->
-->
أبو عمار رائد الثورة الفلسطينية
في وداعك أيها الراحل الكبير يحلو لي أن أخاطبك بصفتك الثورية، وريادتك للثورة الفلسطينية المعاصرة. أكثر من أن أخاطبك كرئيس لدولة أو سلطة.
كثيرون هم رؤساء الدول والأنظمة الذين لم يسطروا في تاريخ شعوبهم أثراً أكثر من إشغالهم لوظائف إدارية. وقليلون هم الذين شغلوا مواقع في الثورة فحفظ لهم التاريخ، ولشعوبهم، أكثر الصفحات إشراقاً.
إن شغل المواقع الإدارية، في تاريخ الدول، لهو استئناف لحركة تقليدية روتينية لواقع جامد لا يتغيَّر. ولكن شغل المواقع الثورية هو استئناف لحركة التغيير المتواصلة، والتي –بدونها- لا يمكن للشعوب أن تتجه نحو تجديد المجتمعات وتطويرها.
يكون هذا الأمر أكثر لفتاً للنظر، وأكثر الأمور الناصعة التي يسطرها التاريخ في حياة الأمم والشعوب، إذا لعب القادة دورهم في ظل دول وسلطات لا تتعرَّض إلى عدوان خارجي. لكنها تكون أكثر تأثيراً وحيوية ونصاعة إذا ما كان القادة يمارسون دورهم في التحرر من العدوان الخارجي. والفرق بين الحالتين هو أن الصنف الأول يقود معركة التغيير من الداخل، أما في الحالة الثانية فهي قيادة الشعوب والأمم في معركة التحرر من الخارج أولاً ويستأنونفها في معركة التحرر من الداخل ثانياً.
لقد وصلت يا أبا عمار إلى رئاسة السلطة السياسية من خندق الثورة، واستأنفت دورك الثوري وأنت رئيس لسلطة سياسية، لذا فأنت محسوب على صُنَّاع تاريخ الثورة الفلسطينية الحديثة، ورائداً لها في مرحلتها المعاصرة. ومن هذا الموقع أخاطبك، وأسهم في توديعك، وأدعو إخوانك في عموم أرجاء فلسطين (السلطة)، وفلسطين (ما قبل العام 1948)، وفلسطين (الشتات)، إلى أن يتذكروا –باستمرار- أن قضية فلسطين لم تنتقل بعد من خط الثورة إلى خط السلطة، فأمامهم والسلطة مسافة طويلة لا يمكن النجاح بسلوكها إلاَّ بالمحافظة على الثورة أولاً وقبل أي شيء آخر.
أبا عمَّار، أيها الراحل الكبير
لقد وجَّهت الطلقة الأولى، في 1/ 1/ 1965، إلى العدو الصهيوني، فكنت حامل شعلة الثورة الفلسطينية في الأولمبياد الثوري الفلسطيني والعربي. وحاول الكثيرون أن يحبطوا المشوار من بدايته، ولكن وجدت إلى جانبك من كان يعرف أهمية الثورة والكفاح الشعبي المسلح وتأثيراتهما الكبيرة في إعادة التوازن بين قوة الشعوب الضعيفة والقوى التي تمتلك كل أنواع التكنولوجيا. وباستمرار المشوار الطويل وتواصله على الرغم من نصب الكثير من العوائق والحواجز والأفخاخ والمطبات والمؤامرات، حسب المخططون لها أن تقصير المشوار واحتواء سالكيه قد يتحقق بأسر الثورة على بعض أرض فلسطين وقد يمثِّل وسيلة الخلاص منها.
فظنوا أن سلطة منقوصة السيادة قد تصبح فخاً يتلهى به أبناء الثورة فترتاح قوى التآمر بهم ومنهم حينما يتصارعون على موقع هنا أو موقع هناك. ولكن ما كان مخططاً له لم يبصر النور، وإنما كان اندلاع الانتفاضة الشعبية التي ارتقت إلى مصاف المقاومة العسكرية هو البديل المنطقي. وهذا دليل على أن الثورة الفلسطينية لم تقع في فخ السلطة. فكان ما حصل يشكل الحصانة الأساسية التي حالت، وستحول، دون استفراد العدو بالقرار، ورفض الأثواب السلطوية المفصلة على مقاييس مصالحه.
لا نقول هنا، بدفن السلطة التي كانت مرسومة كفخ، ولكننا ندعو للمحافظة عليها. فهي أحد المكاسب المرحلية للشعب الفلسطيني. ولكن ما نحذِّر منه –إذا كان يحق لنا التحذير- أن يقع الصدام والطلاق بين السلطة والثورة، لأن النتيجة –في مثل هذا الاحتمال- هو خسارتهما معاً. والطريق للمحافظة عليهما هو أن يكون الدليل الثابت لمتابعة المشوار دليل الثورة الدائم. فليتابع السياسيون مشوارهم شرط أن يكونوا حريصين على دليل الثورة في صراعهم المستمر مع العدو الصهيوني.
أبا عمار، أيها الراحل الكبير
أنت عرفت، بكامل وعيك ومشاعرك، أن الثورة القومية قد اندلعت. وهي تسير –في أهم حلقاتها الراهنة- على أفضل ما تكون أداءً وفرزاً للنتائج والتداعيات على المشروع الإنكلو أميركي الصهيوني. تلك هي المقاومة العراقية، مع مؤسسها ورائدها وقائدها صدام حسين الأسير في معتقلات الاحتلال الأميركي.
أنت عرفت أن كل حالة ثورية تستند إلى الكفاح الشعبي المسلح تشكل رافداً يصب في مصلحة فلسطين، قضية العرب المركزية. وعرفت أيضاً أن كل طلقة تُصوَّب إلى العدو المشترك يصب في مصلحة الثورة العربية من المحيط إلى الخليج. لهذا كله لا نرى أن الحصول على حقوق العرب السياسية يمر من دون تعزيز الحالة الثورية في كل بقعة على الأرض العربية.
فمن هدف الحصول على «فلسطين حرة عربية من النهر إلى البحر»، وهدف «تحرير كل شبر من العراق وخروج آخر جندي أجنبي»، لا يمكن لأي منهما أن يستقيم، فالنزول دونهما يجر إلى تنازلات متواصلة لن تنتهي. فالعدو صاحب استراتيجية واضحة ومتكاملة منذ وعد بلفور ومؤامرة سايكس بيكو وحتى الآن.
فمن كلمة وداع نوجِّهها للثائر الراحل ياسر عرفات إلى الدعاء بتحرير صدام حسين من الأسر على أيدي رفاقه في المقاومة العراقية بتحرير العراق كاملاً. نشد على أيدي رفاق الدرب في المقاومتين الفلسطينية والعراقية ونعزِّيهم بوفاة ياسر عرفات رائد المقاومة الفلسطينية المعاصرة، ورائد كبير من رواد المقاومة العربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق