--> --> -->
مراجعة »موسوعة أعلام العرب
« لخليل أحمد خليل
نُشِرت في جريدة السفير: العدد 8927 / تاريخ 18/6/2001 الصفحة 18.
الكتاب: موسوعة أعلام العرب المبدعين في القرن العشرين
الكاتب: خليل أحمد خليل.
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر: بيروت: 2001:
بلغ عدد الأعلام الذين تناولهم خليل أحمد خليل 207 أعلام. وانتخبهم من شتى الأقطار العربية. وركَّز في خياراته على الذين أخذوا مواقعهم الإبداعية في شتى شؤون الفكر والأدب.
لقد استهلَّ موسوعته بالإطلالة على مساهمة العرب في ثقافة القرن العشرين. ودلَّل على أن »الثقافة تعيش أكثر بكثير من منتجيها«، يزول الأشخاص وتبقى كلماتهم في الذاكرة. ومن هنا كانت محاولته ليصار من خلالها إلى استخلاص حجم المساهمة العربية في الثقافة العالمية. ومن هذه الإطلالة يطمح الكاتب إلى أن تتواصل أجيال العرب المولودين حديثاً مع ما أنتجه أسلافهم في القرن العشرين، »لأنه يحق لهم… أن ينعموا بحق القراءة والكتابة«. وهو يتصور أن تتكامل ثقافتنا العربية بشقيها: المحلية، أي ما أنتجه المبدعون العرب، مع الثقافة الأجنبية التي هي »نوافذ إضافية لعالمنا«. ويشعر كاتب الموسوعة بصعوبة تصنيف المبدعين لأنها تخضع لاستنساب شخصي، بينما التنسيب يصبح أكثر سهولة »إذا تكاثر النقاد«. ويحدد، أيضاً، إشكالية الوصول إلى تنسيب موضوعي للثقافة وللمبدعين، خاصة إذا ما حاول معاصر أن يُقيِّم مبدعاً معاصراً. لكنه يتخلَّص من وجود هذه الإشكالية قائلاً: »وبما أننا نكبر بالثقافة ونتضاءل بالجهالة، فلا بد من السعي إلى كل منابع الثقافة العربية، بلا تحيز مسبق«. وبما أنه يحدد منهجه في تجاوز إشكالية الوقوع في أغراض التنسيب، باعتماد رؤيته الخاصة، يبقى أمام الآخرين أن يدلوا بدلائهم النقدية، في سبيل تصويب ما قد يحسبه البعض ثغرات في العمل الموسوعي المنجَز.
وتحت أحد عناوين استهلاله، »إن ثقافة اليوم: تراث الغد« يدعو خليل أحمد خليل. الآخرين من النقاد والكتاب والباحثين إلى أن يكملوا محاولته الخاصة، التي لم يستطع من زاويته الفكرية والثقافية أن يراها، بكل ما يرونه من نقص فيها.
وينوِّه الكاتب بأن من أهم مميزات المبدعين في القرن العشرين أنهم كانوا حاضرين لتوصيل ما تقطَّع من أوصال الحضارة الفكرية العربية، وأثبتوا »حضورهم على أرضهم بعدما كانت في أيدي سواهم«. وبمثل هذا الإثبات الذي كافح في سبيله كل المبدعين العرب أصبحوا »أجداداً عظماء لأجيال قادمة من صلبهم التاريخي والحضاري«. فبهم، وبفضل إبداعاتهم أخذت ثقافة العرب »تُظهر حيويتها وجدارتها بالحياة والبقاء!«.
ويتساءل، تحت عنوان »ما هي الثقافة العربية المعاصرة«، ليصل إلى نتيجة أنها ثقافة عربية بتوصيفات عربية نابعة عن أمة روحية واحدة قابلة للتوحيد السياسي. وهي وإن أسهم الإسلام بتأسيسها فهي ليست ثقافة إسلامية تقف في وجه الديانات الأخرى، بل هي مصهر إبداعات متعددة. فهي ليست معقودة اللواء، كما يصنفها البعض، لفئة »المثقفين الإسلامويين الآتين من خطاب إسلاموي، سلفي أصولي«.
وحين يتساءل: من هو المثقف العربي؟ يجيب: »ما من مثقف يستحق هذه التسمية… [إذا زعم]ً أن الكتابة خدعة، قوامها نقل نص عن نص«، بل هو كل من نقد نصاً بنص، أو نقد واقعاً بنص.
أي موسوعـة
ولا ينسى خليل أحمد خليل أن من أهم مهمات الثقافة أن تتجاوب مع المعاصرة. وهنا يميز بين الثقافة المتعولمة التي تعمل على فصل الثقافة عن التراث، وبين ثقافة التراث التي تحسب أنها الثقافة الوحيدة المثالية. ويطرح، تحت أحد عناوين استهلاله الرئيسة »تجاوب الثقافة العربية مع عالمنا المعاصر« سؤاله التالي: »هل يحدد الانبهار بأصوليات ثقافية عربية قديمة أو وسيطة مسار الإنتاج الثقافي العربي في القرن العشرين؟ أم أن الانسحار بروائع النهضات الغربية المتوالية، لعب دوراً محدداً على صعيد التوجه الحالي لثقافة العرب؟«. وحول تساؤله يقول إن ثقافتنا وقعت أمام مدارين كبيرين، وهما:
1- منزلة المحاكاة أو التقليد (التجديدي، النسبي)، لما تردَّد من مأثورنا التاريخي.
2- منزلة التجاوب الثقافي العربي مع عالمنا المعاصر. فجعلت منا »مستهلكي ثقافات، أصلية وأجنبية، أكثر مما كنا منتجي كفايات ثقافية… تؤسس لنهوض عربي أكمل«.
فكانت نتائج الغرق في هذين المدارين أن القرن العشرين كاد أن يضع ثقافتنا على »محك المغامرة الشخصية بالوجود الفكري للعرب أنفسهم. ومن لم يزرع ثقافته في أرضه، لن يجد في أسواقه إلاَّ ثقافات الآخرين«. ولا يمكن للثقافة العربية أن »تنتقل إلى عصور أخرى، بدون توفر الحرية العقلية… وبدون تفتح العقل العربي على النقد والتجاوب التعارفي مع التراث والآخر«.
ومن بعد استهلالات نظرية، كمقدمة للموسوعة، يتركنا الكاتب أمام قراءة موجزة لكل من يعده مبدعاً. فيزودنا بمعلومات موسوعية، وبمجلدين كبيرين، عن مائتين وسبعة مبدعين.
بعد عرض للمهمة التي حاولت الموسوعة أن تتصدى لها، كان لا بُدَّ من التنويه بمثل هذا الجهد الذي قام به الباحث الدكتور خليل أحمد خليل. ولا بد من تسجيل عدد من الملاحظات، التي نرجو أن تسهم في تصويب ما نراه من ثغرات فيها وإن لم تنتقص من أهميتها الاستراتيجية. وأن تسهم في إعطاء بعض من الأفكار التي تضيء شمعة على طريق رؤية الإشكالات التي طرحها، أو التي نحسب أنها بحاجة إلى تسليط الأضواء عليها، بما يساعد على وضع حلول لها:
1-إن إنتاج مثل هذا العمل الموسوعي يتطلب جهد مؤسسة. ولذلك وقعت بعض الثغرات، لأنه ليس بمقدور فرد واحد أن يأتي بموسوعة أنموذجية. لكن يكفيه تنويهاً أنه شقَّ طريقاً أمام الآخرين.
كان من أهم أهداف الباحث أن لا تشعر المكتبة العربية بالفراغ الموسوعي، لأن إطلالة موسوعية شاملة حول إبداعات المفكرين والأدباء والكُتّاب العرب تساعد على كشف الإيجابيات والسلبيات في ثقافتنا العربية. لذلك نرى وكأن هذا العمل الفردي يدعونا إلى أن نرفع الصوت ونتوجَّه إلى وزارات الثقافة في شتى أقطار الأمة العربية أن تبنى على مثال عمل خليل أحمد خليل، بإنشاء مؤسسة تُعنى بشؤون إنتاج كل المبدعين العرب. وتعمل على تقييم أعمالهم. وعلى تلك الوزارات أو المؤسسات الثقافية أن لا تنتظر قرناً من الزمن لكي تغربل إبداعات المبدعين، لأن قضايا الأمة التي تقوم على أسس المعالجات التي يسهم المبدعون في تشخصيها وفي وصف الدواء لمعالجتها لا تنتظر عشرات السنين، فنحن في سباق مع الزمن. وفي سباق مع شتى تطورات الحضارات الكونية. ولهذا نتساءل: أليس من الجدير بالاهتمام أن يكون للمبدعين مؤسسة تعنى بالإضاءة على إنتاجهم حتى قبل مغادرتهم هذا العالم؟
2-إننا نحسب بأن هناك إشكالية، وهي الكتابة الموسوعية عن المبدعين الأحياء، خاصة، أطال الله بعمرهم، أن تجربتهم لم تكتمل بعد.
وهنا لا يسعنا إلاَّ أن نتساءل: وهل لا يجوز أن نعطي للمبدع الحي بعض قسطه من الحق؟ وهل علينا أن ندرك، فقط، قيمة المبدع بعد رحيله من الدنيا؟ وهل لا يمكننا أن نستفيد من الإبداعات إلاَّ بعد وفاة أصحابها؟ وهل ينعكس، فقط، إبداع المبدع إيجاباً على جماعته الإيديولوجية أو السياسية أو الحزبية، وتتضرر مصالح الآخرين؟ هل لا يجوز للمبدع إلاَّ أن يكون فئوياً وخادماً لاتجاهات دون غيرها؟ وهنا يؤشر خليل أحمد خليل إلى ارتباط »التعبير الثقافي العربي في عصرنا بمعيار الأسواق الثقافية العربية، التي تنفتح وتنغلق بوجه هذا الكاتب أو هذا الكتاب، لأسباب أساسها المرضيات أو الغرضيات السياسية الضيقة«؛ فيحاول في موسوعته أن يصحح ذلك الخلل.
ذاكرات
إن ما أشرنا إليه ليس إلاَّ تساؤلات لا نشك بأن خليل أحمد خليل قد وضعها نصب عينيه وهو يقوم بمثل المهمة التي تصدَّى لها منفرداً.
فكيف نستطيع أن نسهم في وضع رؤية تسمح بمعالجتها؟
صحيح إن تجربة المبدع الحي لن تكون مكتملة في أثناء حياته. لكن لم يبدع مبدع إلاَّ وكان لإبداعه علاقة ما بمشكلة أو أكثر مما تعاني منه الأمة أو جزء منها. وغالباً ما يخضع تقييم إبداعات المبدعين لأكثر من غرض إيديولوجي أو سياسي أو فكري. فمسكين ذلك المبدع الذي ليس له عمق وانتماء إلى جماعة لا تستطيع أن تؤمن له العون في نشر إبداعاته والتعريف به وبها. فيصبح كاليتيم لا أب يرعاه ولا أم تعطف عليه. ولأننا لم نصل إلى مستوى من الأخلاقية المطلقة التي تدفعنا لأن نهتم بشكل مطلق بالإبداع لأنه يصبح ذو فائدة للأمة كلها وللبشرية جمعاء، فتذهب كل إبداعات المجهولين أو الذين فرضنا عليهم وعلى إبداعاتهم العتمة هباء منثورا. فهل ليس هناك من حل لمثل هذا الواقع؟
منعاً لانتظار المبدعين حتى يغادروا الحياة الدنيا. ومنعاً لأن نختزل الإبداع في كل الذين نحسب أنهم يخدمون أغراضاً إيديولوجية أو سياسية محدودة، يصبح من إحدى المهمات التي تواجه جهود المؤسسات الرسمية والثقافية الشعبية أن تبتكر مؤسسات تعنى بكل المبدعين سواء كانوا أحياء أو أموات. وسواء كانوا ممن تحتضنهم مؤسسات أو جماعات ذات أغراض محدودة أو ممن تتناساهم تلك المؤسسات أو الجماعات. وأن لا تخضع ذاكرتنا لأجيال أو قرون، بل أن يكون هناك ذاكرات دورية تقوم بتعريف أبناء الأمة بأعمال وإنتاج إبداعات كل من يثبت أنه قدَّم عملاً أو آخر يصب في مصلحة الثقافة الوطنية أو الثقافة القومية أو الإنسانية.
فهل من المستحيل على المؤسسات المرتجاة أن تؤسس لذاكرات عشرية أو فضية أو ذهبية بالإضافة إلى تأسيسها لذاكرات قرنية؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق