الأحد، فبراير 28، 2010

فايز القزي

-->
فايز القزي تعال بنا إلى كلمة سواء
آب 2004
أن تقرأ بعض تجارب التاريخ منقولة من الذين عايشوها تقرأ فيها نبضاتها الإنسانية، وتشدك إليها عوامل الوجدان ونبضات القلب، وتتسرَّب من خلاياها أحكام تكون الأقرب إلى الفهم والإقناع. وهذا ما فعله بنا فايز القزي في كتابه »من ميشال عفلق إلى ميشال عون«. وهو كتاب صدرت طبعته الأولى عن دار رياض الريس لندن في العام 2003م. يقع الكتاب في 390 صفحة من الحجم الوسط.
من ميشال عفلق مؤسس أهم إحدى التجارب السياسية المنظَّمة في التاريخ العربي الحديث على قاعدة الفكر القومي العربي الذي ينشد بناء مجتمع عربي في وحدة سياسية تستند إلى النظرية الاشتراكية كنظام اجتماعي اقتصادي مرتبط مع بناء سياسي يستند إلى الحرية والديموقراطية- إلى ميشال عون كأحد معالم تاريخ لبنان المعاصر الذي كان ينشد بناء لبنان قطري حديث.
وبهذا تبدأ الحكاية في الانتماء إلى محيط فكري قومي عربي، وتنتهي عند محيط قطري لبناني يحاول التجديد.
في مسافة الانتقال بين الحدين تمتلئ جعبة فايز القزي بالآلام وتنتهي بها، لتقف عند سؤال وإشكالية وقف عندها كثيرون غيره، فلم يجدوا جواباً ولا أملاً فارتاحوا، ووقفوا على الحياد لكن يشدُّهم الحنين إلى ما فات، فيتجدد عزمهم كلما لاح في الأفق بارقة أمل، ويتجدد إحباطهم كلما تجددت الأخطاء. أما هو فلا يريحه أن يرتاح، أي يبتعد محايداً ويترك سفينة الخلاص الموهوم تسير كما تريد.
من معاناة، أكثرها قطرية لبنانية عاش المؤلف في قلبها مسافراً بين الأطراف المتحاربة مصالحاً ومحكِّماً فأزعج بعضها ولم يرضِ البعض الآخر، إلى معاناة قومية لامس بعض مخابرها ومظاهرها وبتر تجربته فيها في مرحلة مبكرة من انتمائه الفكري والنضالي ووقف مراقباً من الخارج في أكثر الأحيان ليعطي تقييماً من هنا أو تقييماً من هناك.
فإذا كانت تجربته القطرية تستند إلى معاناة حقيقية عاشها بخفاياها ووسائلها فإن معاناته على الصعيد القومي لم تلامس العمق في نجاحاتها ومظاهر فشلها.
كثيرة هي الآلام القومية ولكنها لا تخلو من محطات كثيرة إيجابية. وإذا كانت مسحة الآلام هي الأبرز، فإنما لأن طابع الألم التاريخي منذ قرون تراكمت سلبياته في تاريخ العرب الحديث والمعاصر. أما إيجابياته فلن تكون منظورة إلاَّ في مراحل متباعدة لأن النغيير لن يتمَّ بعصا سحرية. وعلامات التغيير البطيء لا تدع مجالاً للمراقب أن يراها بسرعة وسهولة، بل حركة التغيير لا بُدَّ من أن تكون بطيئة متلازمة مع البطء في تغيير الحياة البشرية التي تطولها زاوية زاوية، ولن تتم دفعة واحدة، بل يبني كل جيل لبنة أو جزء من لبنة.
فإذا كان فايز القزي قد أشبع وصفه للحالة اللبنانية، وأحياناً تكتفي بتقييم عام لزاوية من زواياها فتلم بالحالة كاملة، خاصة إذا كان القارئ لبنانياً، فإن قراءته القومية جاءت مبتورة لأنه في معظم الأحيان- يحاول أن يرى الكل في التجربة القومية خاصة عند الحركة الحزبية القومية من زوايا مبتورة عن السياق العام. وإذا لم يكن دور الكتاب يتَّسع لتقييم التجربة القومية فهذا صحيح لأن عناوينها العامة تحتاج إلى مجلدات. ولذلك لن نقف طويلاً أمام كيفية رؤية الكاتب للمشهد القومي من خلال كتابه ونحن نطمع منه -كأحد الذين واكبوا التجربة القومية في صفوف القوميين- أن يكمل عمله بتآليف أخرى ترفد نقد التجارب السابقة بخبرات أحد الذين أسهموا حتى ولو بفترة زمنية ليست بالكافية.
فايز القزي لا تحزن، بل ابتهج، إن معاناتك التي سجلتها في كتابك »من ميشال عفلق إلى ميشال عون« تتميَّز بإحباطها وليس بإعلانها اليأس. من خلال إحباطك تعيد إنتاج إشكالية طالما عمَّقت المعاناة عند الكثيرين من الصادقين في انتمائهم القومي، وإعادة إنتاج الإشكالية والإضاءة عليها هي إعادة إنتاج لأمل لم تيأس من المراهنة عليه. وعدم إعلان يأسك دليل صحة وعافية.
بين التذكير على المستوى القومي العام- بإشكالية العلاقة بين الأكثرية والأقلية، تنبعث إشكالية العلاقة بين الديني والوطني بشكل واضح. وهي أساس العلاقة بين الدنيا المنظورة المعاشة بحلوها ومرِّها من جهة، والآخرة الغيبية غير المنظورة ولا المعاشة بل تلك التي تلامس المخيَّلة والآمال بتعويض البشر ما فاتهم من سعادة الدنيا ونعيمها.
لا أخفيك سراً أن القصور في العقل البشري كاد أن يحوِّل الحياة الدنيا إلى شر مقيم ونار جهنم الحقيقية عندما تبارى الذين يعيشون حياتهم الأولى في تصارع واقتتال وتسابق لكي يصل البعض إلى نعيم الآخرة على جثة الآخر. وإذا كانت الأديان السماوية قد بشَّرت بالمحبة بين البشر كشرط ضروري لدخول النعيم الأخروي، فقد حوَّلوا الحياة الدنيا إلى أتون من الكراهية بين البشر وهم يتسابقون إلى الجنة فربح عندهم الشر على حساب الخير في الوقت الذي يتوهمون فيه أنهم يمارسون العكس.
يبدو واضحاً من مقدمتك أنك كنت تهرب من منطق الوصول إلى الجنة على جثة الآخر، فرحت تفتش عن طريق يساعدك على أن تصل إليها محاطاً بكل الآخرين، ومن دون استثناء، على قاعدة »الجنة من دون ناس ما بتنداس«. فكانت تجربتك الأولى عبر حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يعتقد ويعمل من أجل مجتمع وطني مدني يساعد الناس على أن يعيشوا حياة الدنيا بأقل ما يمكن من الآلام وبأكثر ما يمكن من السعادة، ويؤمن لكل المواطنين الوسائل والسبل لتمهيد طريق العبور إلى الآخرة استناداً إلى الطريقة الإيمانية التي يختارها كل فرد من المجتمع الوطني على أن لا تعرقل اختيارات الآخرين وقناعاتهم، بحيث يكون المرور إلى الآخرة خالٍ من جثث الآخرين لمنعهم من الوصول بمحض خياراتهم وعقائدهم إلى طريق الخلاص بعد الموت.
من هنا ابتدأت تجربتك، وسلكت طريقها. ومنها أخذت معاناتك تتراكم حتى وصلت إلى حافة الانفجار فانفجرت. وكدت تعود إلى نقطة اليأس فلم تفعل، لكن كان يحق لك أن تعلن إحباطك.
لم تجد في تجربة الإيمان القائم على الاقتتال للوصول إلى طريق خلاص أخروي آمن أي أمان. ولم تجد في طريق الإيمان القائم على بناء المجتمع المدني ما يعفيك من عثرات الطريق وأشواكه، فأدميت أصابعك، وبدا لك الأفق وكأنه مغلق، ولم يبق أمامك من أمل أو بصيص منه ما تراهن عليه. ولكن قوة الحياة فيك منعتك من إعلان الهزيمة فكتبت
حسناً فعلت أيها العزيز، فالكثيرون رحلوا من دون تسجيل ما شعروا به. فأغنيت بكتابتك التجربة التي كان من اللازم أن تكتبها. وخسرنا تجارب الآخرين الذي كان الواجب المعرفي يفرض عليهم أن يكتبوا ولم يفعلوا.
إن وقوفنا أمام الحياة الدنيا يقتضي منا أن نسهم في تأسيس معرفي لبناء مجتمع يعيش فيه كل أبنائه في علاقة لا تبتر مصلحة الفرد من أجل المجموع ولا تختزل مصلحة المجموع في مصلحة فرد. في حياة لا تلغي خيار المجموعة من أجل المجموع ولا أن تختزل مصلحة المجموع بمصلحة جماعة ما. لكن ليست هي بتسوية وتوفيق ومجاملات تعتمد على كفاءة البعض بالتمويه في العلن بل في إعلان حقيقة المشاعر والمواقف والأهداف والنوايا على قاعدة أن يقدم كل فرد أو مجموعة نفسه كما هو، وفي المقابل الطلب من الآخر أن يقدم الصورة ذاتها عن نفسه. ويبدأ الحوار أولاً معلناً الجوامع المشتركة ويعلن الطرفان أن تلك القواعد ليست بمحل للخلاف. ثم ينتقل المتحاورون إلى تحديد نقاط الخلاف بجرأة ووضوح، وعليهم أن لا يخرجوا إلاَّ بعد أن يتوصلوا إلى قواعد مشتركة يتنازل فيها كل طرف عن جزء من مصالحه لصالح ترسيخ نسيج اجتماعي سياسي اقتصادي واحد يلتزم به الأطراف المتعاقدة على صياغة عقد اجتماعي يكيل المجتمع قوانينه وقواعد عيشه المشترك على أساسها.
إن صياغة أي عقد اجتماعي لا يعني أنه في الإمكان صياغة عقد روحي إيماني واحد، ففيه ما يعيق وما يعرقل. والصعوبة في الوصول إلى هكذا عقد هو أن الأسس والقضايا التي تدور حيثياته حولها تقوم على علم الغيب، وعلم الغيب ليس إلاَّ عبارة عن مسائل غير محسوسة لا تخضع للبرهان العلمي. فبما لها من علاقة مع الفكر الإنساني، أي غير العلمي، القائم على الأحاسيس والمشاعر الباطنية، يمكننا تصنيفها في دائرة الاختيار الفردي وليس الجماعي. ولأن أي عقد روحي يقوم على أسس باطنية وشعورية فلا يمكن التحكم بمساراته فليترك حسم أمره إلى تسوية عامة يترك فيها العقد الاجتماعي للبشر حرية الانتماء الروحي الغيبي على أساس عدم المس بحرية الاختيار لأي فرد من أفراد المجتمع ومن دون المس بمشاعره واختيار كيفية التعبير عنها. فيكون كل ما له علاقة بتنظيم الحياة الروحية الإيمانية بالبشر هو تنظيم لمظاهر ممارسة تلك الحياة وليس بواطنها. وتنظيم المظاهر يتم بإلغاء ما يسيء إلى مشاعر الآخرين وحرياتهم في الاختيار.
إن إحباط قزي الذي ولَّدته تجاربه، أي نقلته من بيئته المذهبية الدينية إلى الانتماء لفكر قومي علماني مدني، وبعد أن وجد أن انتماءه قد ينقله من بيئة دينية مذهبية أقلية إلى أكثرية مذهبية، بدأ الإحباط يتسرب إلى نفسه، والسبب أن الفكر القومي المأمول أن يجد الإنقاذ على يديه كان مشوباً بمذهبية دينية أخرى (أي إشكالية العلاقة بين العروبة والإسلام). فحاول قزي العودة إلى قطريته التي كان يأمل أن يجد فيها مجتمعاً مدنياً وطنياً فيه حلول واضحة للعلاقة بين مجاميع الأقليات اللبنانية فلم يجده. وفكَّر أن الحل قد يأتي بهجرة الأقليات لعلها تجد مجتمعها الخاص الذي يسهم في حل مشاكلها، فوجد نفسه يدور في دائرة مفرغة، فأطلق صرخته من شدة ألمه، فالدوران في الفراغ هو أكثر المشاكل إيلاماً لمن يفكر في الحصول على حلول ذاتية ومجتمعية فلا يجدها. ومن أكثر المخارج قبولاً وأكثرها عقلانية هو صرخة المفكر طالباً العون من الآخرين لمشاركته المحنة التي يعانيها والتعاون من أجل إعادة صياغتها والإسهام في إيجاد حلول لها.
إذا كان الفكر القومي أو الوطني العلماني يعيش أزمة ذاتية، فلأنه لم ينتقل من مرحلة الفكر الديني إلى التبشير بالفكر العلماني بطريقة طبيعية وتجديدية. لقد انتقل الفكر من مستوى إلى آخر بولادة قيصرية لم تكتمل فيها مرحلة الحمل الطبيعية. ومن شروط الانتقال الطبيعي من مرحلة فكرية إلى أخرى أن المرحلة الجديدة تأتي رداً على المرحلة التي سبقتها، والرد على المرحلة السابقة لا بُدَّ من أن تمر بنقدها.
لقد انتقل المثقف العربي من مرحلة كان مشبعاً فيها بالثقافة الدينية والمذهبية، بما لتلك الثقافة من عادات تعمَّقت عبر عشرات القرون فأصبحت جزءًا منه إلى مرحلة ثقافية أخرى تحمل أعماقاً تتناقض في كثير من جوانبها- مع الثقافة القديمة، فانبهر المثقف بمحتوى الأفكار الجديدة لكنه لم ينقد بوعي الجوانب الثقافية التقليدية فاعتنق الجديد من دون معرفة مساوئ القديم. وعندما تعرَّض لقاعدته المجتمعية المشبعة بالثقافة الدينية والمذهبية بعاداتها وتقاليدها، وجد الحواجز بينه وبين اختراق ثقافة التقليديين كثيفة وحادة، فاضطر كتكتيك سياسي- أن يجاملها ويحابيها ليخترقها سياسياً وحزبياً، فكانت المجاملة والمحاباة تستهلك من أسسه الفكرية الجديدة فبدت مسخاً ومشوَّهة في كثير من جوانبها. فهم لم يؤثِّروا في زحزحة الثقافة التقليدية فلم يكسبوا أحداً، وحادوا عن ثقافتهم الجديدة فسطَّحوها. وأصبحت سطحيتها تتعمَّق لتصبح أكثر سطحية عندما انكفأوا عن نقد القديم خوفاً فلم يكسبوا لا هذا ولا ذاك.
تلك هي معاناتك أيها القريب من معاناة الكثيرين غيرك، وإذا كنت أنت قد عبَّرت عنها بطريقتك التي تحمل الكثير من الألم، فإن من سبقوك لم يكتبوا، والذين يعاصرونك، وهم كثر، لم ينخرطوا في التعبير بجرأة عما يشعرون به.
لقد بدأتَ الخطوة الأولى على الطريق الصحيح أيها العزيز. فلا تدع التجارب السياسية، التي هي لم تكن تستمع لتصويب فكري سليم، أن تحبطك. لقد بدأتْ الحركةُ الحزبيةُ قويةً بفكرها. ومظاهر توسُّعها في السابق- دليل على جاذبية فكرها. ولما أخذت تجتره من دون تجديد استهلكت تلك الجاذبية عندما تراجع الفكر فيها إلى تقليدية جديدة. ومن يعيش من الأحزاب حالياً فإنما يعيش من مخزون الماضي، وما لم تبنِ الأحزاب مخزوناً فكرياً جديداً صالحاً لاستهلاك الأجيال القادمة فإنها ستستمر بفعاليات سياسية تنتجها من هنا أو هناك ولن تجد الأجيال القادمة ضالتها في فكر حزبي متجدد، ومن هنا تبدأ أزمة الأحزاب التي ورثناها ولم نعرف كيف نحافظ عليها.
إن الأزمة هي أزمة فكرية قبل كل شيء، لهذا لم يكن مما يدفعني إلى الاستغراب أن تنتشر الأصوليات دينية وعلمانية على حد سواء، ويتحول العصر الراهن إلى صراع بين الأصوليات. فالأحزاب بفكرها قد تحوَّلت إلى أصوليات جديدة. وإلى أن يأتي الزمن الذي تستفيق فيه على أزمتها لا بُدَّ من أجراس تُقرَع. أو لا بُدَّ من أن يكون هناك ممن يستطيع أن يعلِّق الجرس. وأنت أيها العزيز من القلائل الذين يعملون على تعليَق الجرس عندما أشرت بوضوح وجرأة ومن دون محاباة ومجاملة إلى أن الأصوليات الدينية غزت الساحة الفكرية والسياسية والثقافية، وفيمن غزته فكر العديد من الحركات الحزبية وسياستها وثقافتها. ومن لم تغزه كان عاجزاً عن ممارسة أي نقد بثقافاتها وتأثيراتها.
لا تحزن يا عزيزي فلست بحاجة إلى التفتيش في خارج القومية العربية عن حل، ولا خارج النسيج الوطني عن حل. فلا الأممية المادية، ولا الأممية الدينية، لهما حظ في حياتنا ولا في حياة أحفادنا. كما ليس للانفصالية المذهبية حظ في الحياة أيضاً، لأنه ليس فيهما حل لمشاكلنا. وإذا كان الحل القومي معسوراً إلاَّ أنه أصبح أملاً عملياً بعد أن كان أملاً نظرياً، والدليل هو أن قادمات الأيام ستفرض الحاجة للصيغ التدريجية في المؤسسات القومية على الرغم من عجزها المنظور، فمن عجزها سيولد الأمل تحديداً- بعد انكشاف الغمامة عما يجري من صراع مشرِّف على الساحة العربية بين المشروعين الأميركي الصهيوني والمشروع النهضوي العربي الذي تقوده المقاومة الوطنية العراقية.
فايز القزي
لن تجد في منهج علماني أو ديني ما يجاوب على كل أسئلتك، وما يشبع توقك إلى ما تأمله في الحياة الدنيا. فسِرُّ الحياة الدنيا مزيجٌ كبير من التناقضات، ويأتي على رأسها التنوع في الرغبات البشرية وأحلامها. ولكن أهم ما في الحياة أن تكتسب فن تأمين سعادتك متفاعلاً مع ما يؤمِّن سعادة الآخرين. ومن لم يكتسب هذا الفن فلن تلبي حتى جماعته- ذلك، فالجماعة هي عرضة للتفسخ أيضاَ، لأنه لا مذهب علماني أو ديني يستطيع ذلك. ففي داخل الجماعات المتجانسة عوامل تساعد على التفتيت أيضاً. فالانتماء إلى جماعة على قاعدة أن مذهبها يؤمن لأفراده المؤمنين به سعادتهم هو عبث وملهاة لن تدر الفوائد التي يراهن عليها المنتسبون إليها.
فالسعادة ليست في مذهب الجماعة، بل هي في خيارات الفرد أولاً، ومتى ما اهتدى أفراد مذهب إلى تنظيم حدود العمل الجماعي بينهم، يستطيعون أيضاً أن يجدوا قواعد وأسساً لتنظيم العلاقة مع أفراد ينتسبون إلى غير مذهبهم. وهذا هو سر الفن الذي على كل المذاهب أن يتساعدوا على ابتكاره والعمل من أجله.
تعال إليَّ يا عزيزي وضمّ همومك إلى همومي لعلنا نشكل ثنائياً متناغماً يريد أن يبدأ في حل المشكلة من أصولها، والعودة إلى الحل من الأصول يتطلَّب مثابرة وإصراراً وجرأة، ومواكبة وتخطيطاً علمياً سليماً. تخطيط لا يبدأ من المجاملة وينتهي في سلة المهملات، بل من وضع الإصبع على الجرح بجرأة وموضوعية.
تعال إليَّ يا عزيزي من موقعك المسيحي ومعاناتك من المسيحيين؛ ومن موقعي الإسلامي ومعاناتي من المسلمين، لنشبك اليد باليد، ونضع الكتف إلى جانب الكتف ونسهم في توضيح طريق خلاصنا، من خلال إقناع الآخر ومحاورته على قاعدة أن طريق الخلاص الفردي لن يتم إلاَّ عن طريق خلاص المجتمع، وخلاص المجتمع لا بُدَّ من أن يبدأ بحرية اختيار طريق الخلاص الفردي في الآخرة، وتعاون المجموع على ابتكار وسائل وتشريعات وقوانين تخطط للخلاص الدنيوي لكل أبناء المجتمع المدني الواحد.
-->

ليست هناك تعليقات: