الأحد، فبراير 28، 2010

هل تعلَّم العرب

-->

هل تعلَّم العرب من محنة ما حصل في العراق؟([1])

نُشر المقال في جريدة الوطن التي تصدر في إمارة قطر، بتاريخ 4 حزيران / يونيو من العام 2003م، في العدد الرقم (2831). الصفحة (11). كما نشرته مجلة الوفاق العربي التونسية، بتاريخ / 6/ 2003.
بداية نرى أن المجتمعات تتطوَّر بالقدر الذي تتعلَّم فيه من تجاربها. أما التجارب في حياة المجتمعات فهي الأتون الذي تنصهر فيه وتبقى في ذاكرتها حيَّة جاهزة للاستذكار في مراحل حياتها المختلفة.
أما التجارب في حياة المجتمعات فهي لن تكون ذات فائدة إذا لم تُخضعها النُخب المفكرة والمثقفة، الملتزمة فعلاً بقضايا تلك المجتمعات، إلى غربال نقدي صارم في موضوعيته.
لا بُدَّ بداية من أن نوجِّه نظر القارئ الكريم ، في ظل ثورة المعلومات الراهنة، وفي ظل الكمية الهائلة من الأخبار التي تنقل وقائع أي حدث، إلى أن دور المثقفين والمفكرين يواجه صعوبة في غاية من الدقة التي تستأهل الوقوف عندها، وهي أنه عندما تتساوى طبقات المجتمع في امتلاك المعلومة والخبر يُخشى من أن يتحول عقل مجتمع من المجتمعات إلى عقل إخباري. وعندما يصل العقل المجتمعي إلى مثل هذا المستوى يتحمل المثقف والمفكر مسؤولية أن يميَّز نفسه بالقدرة على الربط والتحليل، وبدونهما كما نعتقد- لا يمكن أن تتحوَّل تجارب المجتمعات إلى دائرة التعلُّم والاستفادة.
لقد ظهرت من خصوصيات التجربة العراقية عدة مسائل في غاية من الأهمية، ومنها:
-الالتباس في الموازنة بين الديموقراطية المحلية والسيادة الوطنية.
-أما الثانية فهي الالتباس في الموازنة بين الولاء للمذهب أو الدين والولاء للوطن أو القومية.
-أما الثالثة فهي الالتباس في الموازنة بين تحقيق الديموقراطية بنضال يقوده الوطنيون أو توكيل قوى معادية خارجية للقيام بالنيابة عن الوطنيين في تحقيق الغرض.
-والرابعة تتمظهر في علاقة الوطنيين مع قوات الاحتلال الأميركي، وفيها ما يثير الكثير من الالتباسات وجمع للتناقضات ومن أهمها إمكانية الجمع بين العمل لأجل إحلال الديموقراطية في العراق والمحافظة على النقاء الوطني والقرار العراقي المستقل.
وعلى هذا الأساس على أية مسافة تقع التجربة الراهنة في العراق من اهتمام ثلاثة أوساط في المجتمع العربي؟
نظرت شرائح ثلاث إلى ما حصل في العراق نظرات متفاوتة:
أولاً: النظام الرسمي العربي التقليدي وجد في المحنة العراقية مصداقاً لدعوته في الركوع أمام العاصفة الرأسمالية المزوَّدة بأخطر أنواع التكنولوجيا العسكرية.
ثانياً: الرأي العام العربي الشعبي، الذي يكون عادة قصير النَفَس، أُصيب بانتكاسة نفسية ومعنوية عبَّر فيها عن أنواع من السخط والعتب، وأحياناً الغضب، لأنه لم يتحقق النصر الذي ينشده، والنصر في المفهوم الشعبي- يكون موازياً لآماله وأمنياته حتى لو لم تتوفَّر موازين القوى المادية في الصراع.
ثالثاً: أما المستوى الثالث، وهو المستوى الذي نرى أنه من الواجب أن نعطيه اهتمامنا في معالجة موضوع الملف. وهذا المستوى يوحِّد بين قطاعات المجتمع العربي التي تضم كل القوى، أحزاباً وحركات سياسية، أفراداً مفكرين أو مثقفين أو تجمعات تضم مثل تلك النخبة.
لقد انقسمت الأوساط التي نعنيها في المستوى الثالث إلى تيارين رئيسين تناول كل تيار منهما المحنة التي حصلت في العراق من زاوية فكرية أو سياسية مختلفة عن زاوية الرؤية للتيار الآخر. وقد تمظهرت تلك الرؤى في المحاور / الأسئلة التالية:
1- هل كان من الممكن أن نمنع أية ذرائع تبرِّر للتحالف العدواني عدوانيته ضد العراق؟
2- هل هناك إمكانية في ترتيب الأولويات في سلم الصراع الذي تخوضه الشعوب؟ هل نعطي الأولوية لصراع الشعوب مع حكامها على حساب صراع الشعوب مع قوى التحالف العدواني الرأسمالي الصهيوني؟
3- هل من المنطقي أن نصنِّف كل الأنظمة العربية في دائرة واحدة؟ وهل من المنطقي تقديم محاسبة تجربة وتأخير محاسبة تجربة أخرى؟ وهل من المنطقي أن نصنَّف التجارب إلى مسكوت عنها وأخرى يتم تجريمها أو تجريحها؟
4- هل تتساوى الأنظمة التي لا تمتلك مشروعاً سياسياً متقدماً مع تلك التي لا تمتلك ذلك المشروع، بل البديل عندها هو الرضوخ للمشروع المعادي الآنف الذكر؟
5- هل يجب أن يتساوى في مستوى النقد كل من المشروع النهضوي القومي العربي الذي يقوده العراق مع المشروع الاستعماري الذي تقوده أميركا والصهيونية؟ وهل يجوز أن يتم النقد للمشاريع النهضوية العربية أحياناً وبشكل خاص المشروع العراقي- بالشكل والتوجيه الذي يظهر فيه المشروع الأميركي الصهيوني بريئاً. فيظهر وكأن المشروع العراقي النهضوي يتحمَّل وزر استقدام الجيوش المعادية إلى الأرض العربية.
6- هل يتساوى الدفاع عن الحق الديموقراطي للمواطن العربي مع الدفاع عن السيادة الوطنية؟ أي هل يجوز أن نؤجل ممارسة الحق في الدفاع عن السيادة الوطنية من أجل الدفاع عن الحق في الديموقراطية؟ وهل يجوز أن يتمادى البعض في طغيانه عندما يربط شرط الدفاع عن السيادة الوطنية بشرط بناء وطني سليم؟ إننا نرى في هذا الاتجاه ما يبرر التعاون مع المعتدي الخارجي ضد الوطني الداخلي، متناسياً الانحدار إلى مواقع الخيانة الوطنية. يحصل مثل هذا الالتباس في الظروف التي يفرض المعتدي الخارجي توقيت المعركة وظروفها.
7- كيف نزيل الالتباس الحاصل بين أولوية الولاء للدين أو المذهب والولاء للوطنية أو القومية؟ وهنا هل يجوز أن يتناسى هذا التيار أو يتساهل في التحالف مع الأجنبي بحجة الدفاع عن الدين أو المذهب ضد الوطني الداخلي؟ إننا نرى في هذا ما يبرر الانحدار إلى مواقع الخيانة الوطنية تحت ذريعة الأمانة للدين أو المذهب.
إن ما نرى أن له الأولوية في التحديد والاتفاق هو أن تنشط الحركة الفكرية بين المفكرين والمثقفين العرب على قاعدة تحديد المسارات الفكرية الكبرى بعيداً عن ردَّات الفعل الإيديولوجية. لأن الإيديولوجيا، على الرغم من أنها ذات أهمية، لا تتورَّع عن تغليب العصبوي على الموضوعي.
وإذا كان من المطلوب أن نحدد مدى استفادة العرب من محنة العراق نرى أنه لن يتم ذلك إلاَّ على قاعدة أن تتشكَّل حركة ثقافية عربية تأخذ على عاتقها تفعيل حركة العقل العربي المجرَّد المرتبط بقضايا أمته ومشاكلها من تعقيدات ومزالق الفعل وردَّات الفعل.
وبناءً عليه تتحمل الحركة الفكرية العربية، بمفكريها ومثقفيها، عبء دراسة موضوعية للتجربة العراقية من دون أحكام يصدر البعض منهم نعوة بالموت لهذا المشروع أو ذاك قبل دراسته بشكل موضوعي. فالحركة الفكرية العربية، على الرغم من ضيق مساحتها، تتَّخذ أحكاماً جائرة مستندة إلى شهادات من هنا أو هناك من دون محاكمة أخلاقية لتحديد مواقع الشهود الذين تُتَّخذ من شهاداتهم مصدراً موثوقاً دون نقد شهاداتهم أو نقد موقعهم الأخلاقي والإنساني والوطني.
هذا الخطأ تمارسه، بالفعل، قوى وأفراد ينتسبون إلى الحركة الثقافية الليبرالية العربية. ولذلك، وحتى لا يعيق الثقافي الإيديولوجي حركة الفكر العربي، نرى أن دعاة الفكر يتحمَّلون مسؤولية تقريب الثقافي مع الفكري والارتقاء به من ردَّات الفعل الإيديولوجية إلى مستوى الفعل الفكري المجرَّد بفصله عن حالات الالتباس مع مشاريع الأنظمة الرسمية المتحالفة، بشكل أو بآخر، مع مشاريع الاحتواء والهيمنة الإمبريالية والصهيونية من جانب، ومن دون الانزلاق في متاهات الالتباس الشعبي الذي ينتج عن الخلط بين الأمنيات وبين واقع حال التغيير من جانب آخر، ومن دون الانزلاق في متاهات الرؤى والصراعات الإيديولوجية بين القوى والحركات الثقافية والسياسية العربية من جانب ثالث.
وهنا، لا نستطيع أن نجيب على السؤال: هل تعلَّم العرب، إلاَّ بأسئلة أخرى وهي الأسئلة التي قمنا بسرد بعضها في متن إجابتنا على سؤال المجلة. ولعلَّ في السؤال ما يدفع إلى بذل الجهد من أجل الحصول على أجوبة تكون أقرب إلى الموضوعية وبما يحقق المقاربة بين طموحات الحركة الفكرية العربية ومصلحة الأمة بكاملها.


([1]) نُشر المقال في جريدة الوطن التي تصدر في إمارة قطر، بتاريخ 4 حزيران / يونيو من العام 2003م، في العدد الرقم (2831). الصفحة (11). كما نشرته مجلة الوفاق العربي التونسية، بتاريخ / 6/ 2003.
-->

ليست هناك تعليقات: