-->
-->
راكاد سلامة (أمين سر جبهة التحرير العربية)
منسيٌّ في سجون الاحتلال الصهيوني
أنموذج الفصل بين القضية وطلائعها أمر ليس بالمستغرَب في هذا العصر العربي. لقد تبارى فيه المثقفون الليبراليون وأكثر الحركات السياسية والحزبية في مدح القضايا وردح طلائع المناضلين في صفوفها، أو تجاهلهم و تجهيلهم، طمس أسمائهم أو تناسيها.
أبا محمود (راكاد سلامة) أنت ممن حملوا هموم الأمة في وجدانه وعقله وباع كل متاع الدنيا من أجلها. حملتها في عقلك القومي، وهو الوعاء الذي يتَّسع هموم الأمة بشكل متساوٍ ومتوازن. ولهذا فقد حملت هموم فلسطين ليس لأنك فلسطيني، بل لأنك عربي. كما أنك تحمل كل قضية وطنية عربية كما لو أنها فلسطين.
لقد زرع هذا الفكر الأرق في جفون الطامعين في الأمة المعتاشين على واقع تفتيتها، وهم الذين يعملون ضد أن تتوحَّد بالسياسة، أو تمنع المناضلين فيها من أن يتوحَّدوا.
أنت من الذين ارتكب هذا الإثم، فتكتَّل على تجهيل وضعك أكثر من طرف، ولا سيما منهم الذين يؤرقهم اتساع مساحة النضال في تفكيرك وعقيدتك.
فمن أجل قوميتك التي رضعتها مع مبادئ حزبك تكاثر المتناسون لوضعك الشخصي. لقد وضعوا كل أسلحتهم ومؤامراتهم من أجل القضاء على كل لمعة فكرية ذات علاقة بالفكر القومي الوحدوي، فكيف يكون الأمر إذا اقترن الفكر مع النضال؟
تلاقى حول ذلك، القطريون والرجعيون والأمميون من كل لون سياسي وصنف مذهبي وشكل ديني. وعلى الرغم من أن الكثيرين منهم يقفون في خندق العداء للاستعمار والصهيونية، فهم –للأسف- يعلمون أو لا يعلمون بأنهم في وقوفهم في خندق محاربة الفكر القومي كأنهم يقدِّمون المساعدة للمخطط الإمبريالي الخبيث.
لقد تناسوك في سجنك، كما لو أنهم يريدون أن يتناسوا الضمير القومي. ففيه ما يجعل هؤلاء وأولئك أمام إحراجات لا يريدونها لأنهم يريدون أن ينفصلوا عن قضايا الأمة القومية ليتحللوا من واجباتهم تجاهها في فلسطين والعراق. وهذا ما يسمح لهم بأن يتقوقعوا كلٌّ في حدوده القطرية، أو المذهبية، أو في عشيرته الحزبية أو الحركية، أو في منتدياته التنظيرية…وعفا الله من المسؤولية كل قطري أو مذهبي أو عشائري…
تجنَّبوا قضيتك يا أبا محمود وأنت في سجون الاحتلال الصهيوني، لما تجنَّبوا رشق قرار بريمر (الرقم واحد) في العراق بوردة واحدة. ذلك القرار الذي يكشف حقيقة الأهداف الاستعمارية والصهيونية،ويأتي على رأسها مخطط »اجتثاث فلسفة البعث«، و»تطهير المجتمع العراقي من حزب البعث«، وسوف يليه قرار بتطهير المجتمع العربي منه في كل أقطار الأمة من محيطها إلى خليجها. فمن تلك القرارات المعلنة والمضمرة تفوح رائحة المخطط الخبيث الذي يريد أن يطهِّر العقل العربي من كل إشارة ذات علاقة بالمضامين القومية السياسية والنضالية. وإذا كان بريمر –ممثلاً إدارة يمينية استعمارية- قد أعلن ذلك القرار فلعلمه أنه ليس هناك أشد ما يشكل خطورة على الاستعمار وأهدافه ومخططاته من الفكر الذي نشره حزب البعث العربي الاشتراكي على مستوى الأمة من المحيط إلى الخليج.
من المفهوم والمنطقي أن يعمل الاستعمار لاقتلاع حزب البعث من التربة العربية، أن يقتلعه من جذوره. ولكن من غير المفهوم على الإطلاق أن يكون الاقتلاع من مهمة العاملين ضد الاستعمار والصهيونية. سواء بالدعوة المباشرة، وبكل صفاقة إلى محاكمة رموز البعث، أو إقصائهم عن ساحة النضال، أو بتناسي أدوارهم الأساسية، أو بتناسي الدفاع عنهم أينما كانوا، وفي أي سجن أقاموا.
أبا محمود أيها المناضل القابع في سجون الاحتلال الصهيوني: باعتقالك يمارسون أوهامهم في اعتقال حزبك في كل مكان.
بتعريض حياتك للخطر لم يتحرَّك الضمير العربي للدفاع عن الذين يحملون الهم القومي على أكتافهم. وبأسرك بين أربعة جدران يحاولون حجب الحقيقة عن الشمس العربية، ولكن من يستطيع أن يحجبها؟
يراهنون على اقتلاع البعث في العراق على طريق اقتلاعه من الأرض العربية!! ويراهنون على أن وقوف الكثيرين ممن باعوا كرامتهم الوطنية سيدع حزب البعث في عالم النسيان!!
فالأسلوب الذي يمارسونه بحق حزبك يطبِّقونه عليك. فمصير الحزب هو مصيرك. لكن مصير الحزب أن يُزهر دائماً بأمثالك. فبعد أن اقتلعوه من السلطة في العراق –بتحالف شذاد العالم مع شذَّاذ الوطن- نبت في أرض الثورة وأينع وغرس وحان وقت القطاف القريب.
نحن لم يصبنا الجزع في يوم من الأيام من أن البعث سيموت بل سيبقى لأنه بعث، وسيبقى المخرز الذي ينكأ عيون كل الحاقدين. وسيبقى السد الذي يحمي الأمة في فلسطين والعراق وفي كل مكان من الأمة العربية.
نحن لا نخاف عليك، فأنت اخترت قدرك بنفسك، ووجدت أن قدر أمتك مرهون بنضال أبنائها. فلبَّيت النداء شجاعاً صامداً.
ولكن ما يهزَّنا هو أن الكثيرين ممن يقع عليهم واجب رفع الصوت من أجل حماية المناضلين هو أكثر انخفاضاً مما يجب. وهو أكثر إيلاماً مما كنا نحسب.
وإذا كان لنا أن نعتب على الصادقين فإنما عتبنا هو أن يضعوا كل المناضلين في سجون الاحتلال الأميركي وسجون الاغتصاب الصهيوني في سلة واحدة. وعلى قدر واحد من الاهتمام والعناية.
لا نستغرب يا أبا محمود أن يخبِّئ البعض رأسه في الرمال، ظناً منهم أن حزبك في الموقع الأضعف، وخيِّل إليهم أنهم مرتاحون من عبء الإحراج. ولذلك تناسوك في سجنك، وتناسوا أن يرفعوا الصوت لتسليط الضوء على صحتك التي تنهار أمام إهمال جلاَّديك، بل تواطؤهم.
إن حزبك يا أبا محمود أقوى مما يظنون، أو يتوهمون، أو يتمنون. حزبك اليوم ليس رائد الثورة العربية فحسب، بل هو رائد الثورة العالمية المعاصرة. ومن لم يقتنع بعد، فليسأل شارع الضمير العالمي، بل ليسأل شوارع واشنطن ولندن ومنتدياتها السياسية. وليسأل كل القوى والدول التي تناهض المشروع الأميركي عمن تراهن في هذه اللحظة بالذات.
فإذا كانت كلماتنا لن تستنهض من انطفأت لديهم الرؤية الصحيحة، فأنت أعلم منهم وأكثر بصيرة بأن انتصار الأمة لن يحصل إلاَّ بما يقدمه أبناؤها من تضحيات. ولك الشرف، ولنا، وللأمة كلها، أن تقدم من حريتك وصحتك ما على الجميع أن يقدموه. فاصبر أيها العزيز العزيز، واصمد أيها المناضل المناضل، فأنت من الطلائع التي نفخر بها.
نحن نعرف أن لك الحق على كل المخلصين والصادقين، لك الحق بأن تطالبهم بأن يصرخوا في وجه التيارات والتنظيمات والقوى والهيئات الإنسانية والعربية ممن يهمهم حقوق الإنسان أن يرفعوا الصوت ليشرحوا وضعك في السجن، والتهديد الذي تواجهه حياتك. فألف تحية إليك وإلى كل المناضلين الشرفاء في سجون الاحتلال الأميركي في العراق. وألف تحية إلى كل المناضلين الشرفاء في سجون صنيعته، على أرض فلسطين المحتلة. ولن تكون فلسطين –بدم شهدائها وزنود مناضليها وآلام معتقليها- إلاَّ حرة عربية من البحر إلى النهر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق