-->
-->
المقاومة العراقية تعيد الحيوية لحركة دول الإقليم والعالم
فهل تشهد الأيام التي تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية في أميركا
حركة دولية وإقليمية وعربية تجاه المقاومة العراقية؟
في 24/ 9/ 2008
لا يمكن قراءة صورة الوضع الدولي في اللحظة الراهنة من دون التعمق في دور المقاومة الوطنية العراقية، هذا الأمر يعود بذاكرتنا إلى عشية اتخاذ القرار الأميركي المنفرد بالعدوان على العراق.
في ظلام تلك العشية، كان النظام الدولي الجديد قد أسقط أوراق اقتراعه في صندوقة اختيار أميركا زعيمة مكللة الهامة على العالم. لا يغير في الصورة شيئاً أن يكون البعض قد اقترع لصالحها خوفاً ورهبة، والبعض الآخر تملقاً من أجل الحصول على رضى شركات جورج بوش ومن يمثل، والبعض الثالث، ومنهم روسيا وفرنسا وألمانيا، مانعوا الحرب ولم يقترعوا لصالحها، ولكنهم سكتوا مرعوبين من ردة فعل الإمبراطور الجديد.
باختصار شديد لقد اهتزت ركب الكبار، فكيف بركب الصغار؟
وليس بعيداً عن ذاكرتنا مشاهد الزحف الكبير الذي نظَّمه الكبار عشية احتلال بغداد، منهم من راح يمنن بمواقفه، ومنهم من أخذ يعتذر عن تقصير بدا منه، ومنهم من تلا فعل الندامة لأنه عارض أو اعترض.
ولم يمر شهران اثنان على احتلال بغداد حتى أخذ دخان المقاومة العراقية الأبيض يتصاعد من مداخن كل قطعة أرض في العراق، الأمر الذي دفع بجورج بوش إلى لحس توقيعه على الأمر العسكري عندما بشّر جنوده بالنصر، ودعاهم فيه إلى حزم أمتعتهم للعودة إلى بلادهم.
منذ تلك اللحظة أخذ المتهافتون على عتبات البيت الأبيض يتراجعون عما فعلوه مذهولين بما يحصل على أرض العراق إذ أخذ يحصل ما لم يكن بحسبانهم، فأخذوا يعيدون حساباتهم، وتصاعدت لهجات رفضهم واستهاناتهم بمزاعم إمبراطور العالم الجديد عندما اكتشفوا أنه يتحول إلى نمر من ورق، كما يتحول إلى أسد تقتلع المقاومة العراقية أنيابه واحداً تلو الآخر.
وازدادت استهانتهم به خاصة عندما أقلع عن مزاعمه بأن أميركا تستطيع أن تروض العالم بعد أن تحتل العراق بقدراتها وإمكانياتها الذاتية، وكانت أوضح البراهين عن هذا الإقلاع عندما أخذ يستنجد بدول العالم لكي تساعده على اجتياز مآزقه في العراق. وجاء الدعم الإعلامي من خلال القرار 1546، في حزيران من العام 2004، ولكنه كان دعماً على الورق، والسبب أنه لم يُضَف إلى إمكانياته أي مجهود بالمال أم بالجنود. وإن العكس هو الذي حصل عندما أخذت أسماء الدول المساندة له على أرض العراق تتناقص.
ومنذ تلك اللحظة، وكلما كانت مآزق الاحتلال الأميركي تزداد، كان دلال الدول الأخرى يزداد في المقابل، وهي تلك التي كانت تبتهل من أجل كسر الذراع الأميركية في العراق لأنها لا تستطيع كسرها، فانتظرت من المقاومة العراقية أن تكسرها وتستفيد منها.
إن ما نشهده اليوم من تحولات على الصعيد الدولي، من حركة هنا أم هناك، أو مناوشة هنا أم هناك، بين تلك الدول والإمبراطور الأميركي، ليست إلاَّ نتيجة تراكم نوعي أحدثته المقاومة العراقية بُني على تداعيات إضعاف قوة الاحتلال طوال أكثر من خمس سنوات. وهنا لا بدَّ من تسجيل حقيقتين:
-حقيقة علينا أن نفخر بها، وهي أن المقاومة العراقية روَّضت الأسد الأميركي بمقدرتها وقوتها الذاتية وفتحت الأبواب واسعة لكل من له ثأر أو من يسكن قلبه خوف ورهبة للاستقواء على إمبراطور العالم الذي لم يهنأ بوضع أكاليل الغار على رأسه.
-حقيقة أخرى تجعلنا نرفع علامات الاستفهام والأسى، عندما نرى المستفيدين من دم ثوار العراق وجهدهم ومعاناتهم وتضحياتهم، لا يشيرون إلى هذه الحقيقة ويضعونها في مكانها الصحيح، ويعترفوا أنه لولا نضالات المقاومة العراقية، لكانوا لا يزالوا يمارسون طقوس عبادة فرعون أميركا والتقرب منه زلفة ونفاقاً.
إن تجاهل هذه الحقيقة، شبيه بتجهيل الإعلام الأميركي لحقيقة هوية المقاومة العراقية وإلباسها إلى تنظيم القاعدة، وهي خطأ أخلاقي بلا شك. وإن كنا نعرف مدى ضرورة هذا التجهيل عند الأميركيين خاصة وأنهم يمارسون سياسة بلا أخلاق، فإننا نرى في تجاهل دور المقاومة العراقية، وهو الدور الأساسي الذي قلب موازين القوى العالمية رأساً على عقب لصالح كل حركات التحرر في العالم، وحتى للأنظمة والدول، نرى في هذا التجاهل تجاهلاً للقيم الأخلاقية التي على الحركات والدول أن تتميز بها.
وإذا كان لا يحبط المقاومة العراقية هذا التجاهل فإنما لأنها تحمل رسالة إنسانية وقومية ووطنية لا يضيرها من يعترف بها أو يتجاهلها. فهي مستمرة في أدائها ومستوى نضالها المفعم بإيمان سيادة شعبها وأرضها وثروات أرضها الوطنية.
فالمقاومة الوطنية العراقية وعت أهدافها ومصالح شعبها وأمتها وهي تعمل من أجل تحرير تلك المصالح، وعلى دول العالم الأخرى أن تعي أن مصلحتها لا يمكن أن تكون موفورة ومأمونة إلاَّ بدعم نضال تلك المقاومة وتوفير سبل الإسراع في خنق الأخطبوط الأميركي الجديد الذي يعمل على خنق كل دول العالم وحركاته التحررية.
إن صورة العالم اليوم لا توحي بأن الدول الكبرى مستعدة لإنقاذ إدارة جورج بوش، أو أي إدارة على شاكلتها، لأنها وإن أتيح لها مقاومة بعلو قامة المقاومة العراقية في هذه المرحلة فقد لا تتوفر لها تلك الفرصة في المستقبل، ولذلك تبدو الدول الكبرى ناشطة من أجل تمهيد الطريق أمام نظام عالمي جديد يخلف النظام الإمبراطوري الأميركي، وهو حتماً سيكون نقيضاً لأوحدية الأمر الأميركي واستفراده بحكم العالم، وسيكون في حدوده الدنيا نظاماً متعدداً تشارك فيه الدول الكبرى في صناعة القرار الدولي.
ليست أحداث جورجيا إلاَّ الشرارة التي أطلقت المارد الروسي من قمقمه. وهو استفاد من مرحلة الوهن الذي أصاب الأسد الأميركي في العراق أولاً، ولبنان ثانياً، وأفغانستان ثالثاً، وفلسطين رابعاً، ومن كل حالات الرفض والممانعة في العالم خامساً.
وليست الصين بأقل رغبة من روسيا في رؤية الأسد الأميركي من دون أنياب، وإذا كانت روسيا تخوض معركتها مع أميركا على نار حامية، فإن الصين تخوضها على نار باردة، نار المنافسة الاقتصادية.
أما الاتحاد الأوروبي، ظاهراً بالحركة الفرنسية النشطة، على الرغم من انتمائه إلى المعسكر الرأسمالي إلاَّ أنه يريد أن يحافظ على مصالحه من دون هيمنة أو رقابة أميركية أو أي وصاية على شركاتها تفرضها الشركات الأميركية.
باستثناء إيران التي ستتخبط بين أكثر من إستراتيجية في المستقبل: إستراتيجية احتلال موقع قوة في المنطقة على حساب ضعف دولها، أم إستراتيجية بناء موقع قوة في المنطقة بين دول قوية متحالفة ضد المشروع الإمبراطوري الأميركي، لا يقل الإقليم المجاور لحدود الوطن العربي حرارة في التمهيد لبناء نظام إقليمي جديد. وحركة الإقليم اليوم تُصوِّب اتجاهاتها نحو دول الوطن العربي.
سواءٌ أكانت تلك الحركات والتداعيات التي سبَّبها النزاع الأميركي الروسي تعمل من أجل ضمان مصالحها في مرحلة ما بعد انهيار الاحتلال الأميركي في العراق، أم كانت تعمل لنسج تحالفات بين العرب والإقليم ودول العالم الأخرى، فإنها في غمرة حركتها الناشطة، لا يجوز أن تتجاهل وقائع الأمور وحقائقها، ومن أهمها:
-أن لا تتناسى في معرض مفاوضاتها النشطة، الحقيقة الأولى والأخيرة وهي أن برامجها لن تكون مأمونة ومضمونة إلاَّ من خلال المحافظة على المقاومة العراقية أولاً، وتوفير سبل إدامة زخمها وقوتها ثانياً.
-إن أي طاولة للمفاوضات والتخطيط لبرامج المستقبل لا تحفظ كرسي الصدارة للمقاومة العراقية تكون كمن يبني برامج لتطبيقها على أرض رملية.
-إن المقاومة العراقية لديها مشروع إعادة بناء العراق بعد التحرير، وهي تدرك أن للدول مصالح واقعية، وللعراق مصلحة في بناء علاقات معها.
وإذا كنا نحسب أن المقاومة العراقية تحتاج إلى فتح علاقات مع تلك الأطراف، لكنها لن تستجديها، فهي التي صنعت القرار الذي يقوم الآخرون بصياغته، وهي التي أثّرت في صناعة عناوين هذه المرحلة الكبرى، وهي التي قامت بكل ذلك من دون مِنَّة لأحد، فهل تشهد الأيام التي تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية في أميركا حركة دولية وإقليمية وعربية تجاه المقاومة العراقية؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق