السبت، فبراير 27، 2010

رسالة إلى أبي زياد

-->
رسالة إلى أبي زياد في الذكرى السنوية لاغتياله
-->

أن يقف المرء ليتكلم في ذكرى شهادة أبي زياد فكأنه يقف أمام امتحان عسير.
فكلمة أبي زياد لم يستطع أحد أن يقلده فيها، أو أن يرتقي لجمالها وحلاوتها.
لم يستطع أحد أن يقلدها لعمقها وشمولها.
لم يستطع أحد أن يقلدها لاستشرافها العميق للمستقبل.
لم يستطع أحد أن يأتي بمثلها إلاَّ الذين سجلوا أسماءهم في سجل الشهداء.
أيها الحضور الكريم
يا رفاق موسى شعيب
يا عائلته الصغرى زوجته وأولاده إخوته وأخواته
يلتئم اليوم شملنا في ذكراه السنوية لنستكمل دروس الثورة التي أحبَّها بعد أن قدمته عائلته الصغرى إلى الأمة فأصبح إبناً للأمة.
قدمته عائلته لقضايا الأمة فنال شهادة أمته بامتياز.
أيها الشهيد الكبير
شرَّفني رفاق دربك بأن ألقي أمام محراب شهادتك كلمة باسمهم. وأبلغك أنهم على الدرب مستمرون.
لقد طال غيابك عنا وطال غيابنا عنك. فغيابك يمثِّل حضوراً دائماً في ذاكرتنا، وفي قلوبنا. أما غيابنا عنك فلم يكن إلاَّ من أجل متابعة الدرب الذي سلكت وعليه استشهدت.
لقد كانت المسافة بين لقائنا في آخر ذكرى لك وذكراك في هذا اليوم طويلة.
كانت مملوءة بالأشواك. بالحواجز. بالعقبات.
لكننا أتينا إليك بعد أن عبَّد رفاق آخرون دروب الشهادة.
وغابت عنك الكثرة منهم في الزنازين والمعتقلات.
أما البعض الآخر فقد عانى العذاب والتهجير.
وجميعهم صمدوا واجتازوا الدرب.
لقد غابوا وعادوا، بعضهم عادوا إليك، وبعضهم استمر على طريقك.
عادوا اليوم ليقفوا في محراب شهادتك. لقد أردتهم هكذا فحافظوا على الوعد. ملئوا الدرب بالدم والألم. تحدوا صعوبة الدرب الطويل ولا يزالون.
لم تستطع الحواجز يا رفيقي أن «تشنق شمسنا» كما قلت تماماً. فحبال الحواجز، وأحابيل الحاجزين، احترقت بحرارة شمس البعث الذي إليه انتميت.
يسير رفاق لك الآن تحت شمسهم، ينيرون درب الأمة بدمائهم وأرواحهم.
يسلكون الدرب الطويل على الرغم من وحشته، أليست القلة المؤمنة هي التي تنتصر في النهاية؟
بلى أيها الشهيد الكبير. هكذا سلكنا الدرب. وهكذا سوف نستمر.
لقد سطَّرت دروب نضالنا بقصيدتك الحلوة، المتماسكة، العميقة.
ورسمت فيها حلاوة النضال على الرغم من صعوبته.
فأصبحت مسيرتنا النضالية قصيدة حلوة متماسكة صامدة تكتب تاريخ الأمة. لا بل تكتب الآن تاريخ العالم الحر.
من تلك المسيرة يا رفيقي كانت مقاومة العدو الصهيوني، التي كنت ممن أسهم في بنائها، منذ العام 1968، في كفركلا والطيبة.
إن مقاومة العدو التي أسسها حزبنا يا أبا زياد، ودعا إليها منذ العام 1948، أصبحت الطريق الأمثل والأقوى والأشد تأثيراً في مواجهة العدو الإمبريالي الصهيوني.
ثقافة المقاومة التي عمَّقتها في قصائدك، منذ كان رفاق لك في جبهة التحرير العربية يخترقون خطوط العدو الصهيوني، في آبل القمح ومسكفعام... وغيرها وغيرها إلى جانب مقاتلي المقاومة الفلسطينية، تستمر الآن وتزداد إشراقاً وتألقاً.
يا أبا زياد
ماذا أنقل إليك، مما حصل منذ خمسة وعشرين عاماً؟
لقد استسلم النظام العربي الرسمي.
لكن حركة الصراع مع العدو تزداد وتترسَّخ. ويزداد معها عدد الشهداء من رفاق الدرب. ومن كل القوى التي آمنت أن الأرض لن يحررها سوى الشهداء. فسلاحها دماء أبنائها وأرواحهم.
هل نحدثك عن لبنان؟
لقد انتصر لبنان وطرد الغزاة بدماء الشهداء الأبطال. لقد تحرر لبنان يا رفيقي من دنس الصهيونية في العام 2000 على أيدي المقاومين الثوار، فارتفعت هامات الشهداء تحت شتى الرايات في تلال الجنوب، ولهم ندين، وبهم جميعاً نفتخر ونقتدي.
وهل نحدثك عن فلسطين؟
فلسطين ملتهبة، تتمرد على آل صهيون، وآل بوش، وآل بلير.
يكفي شعبنا في فلسطين عزة وفخراً أن الحجر الفلسطيني كان أسبق من كل صواريخ شارون وعتاده، وأكثر تأثيراً.
وهل نحدثك عن العراق؟
في العراق الآن ينسج رفاق لك، قيادات وقواعد، أنشودة التحرير بدمائهم وحياتهم ومعاناتهم.
في العراق اليوم ينسجون قصيدة النصر بعد أن ولَّى شبح هزيمة الأنظمة واندحر.
في العراق اليوم قبلة العالم الحر الذي طالما انتظر «المخلص» الذي يقوده في معركة إنهاء إمبراطورية آل صهيون، وإمبراطورية العم سام.
هناك رفاق لك في العراق، جنباً إلى جنب كل العراقيين الذين لم ينخدعوا بأكاذيب جورج بوش وأذياله، يتحدون أكبر دولة للشر في العالم. صفعوا وجهها في بغداد، وفي كركوك وأربيل. في البصرة والموصل. في الفلوجة والرمادي. في الناصرية وسامراء. في العمارة والسماوة. في النجف وكربلاء... وتطول اللائحة لتشمل أقصى العراق إلى أقصاه.
إلى هناك... أتى الأميركيون لكي يلعقوا بترول العراق ودماء العراقيين. ولكنهم الآن لا يلعقون إلاَّ دماء جنودهم. ويلملمون أشلاءهم، ويتسللون بجثثهم تحت جنح الظلام وأحذيتهم معلَّقة برقابهم.
هناك ينبني تاريخ العراق، تاريخ الأمة العربية، تاريخ العالم بأجمعه، هناك ينبني بضلوع الشهداء.
هناك يكتب الشهداء التاريخ بدمائهم. تماماً يا موسى كما بنيت أنت ورفاق لك تاريخنا ومنارة عزنا.
تماماً كما رسمتم الدرب لنا، ونعم الدرب. هو الدرب الذي لا تسلكه إلاَّ النفوس الكبيرة. النفوس الكريمة التي تبذل الدم مهراً لتحرير أمتها.
باختصار يا رفيقي
تلتقي الأمة اليوم على طريق المقاومة والتحرير. يلتئم شمل الصادقين المؤمنين، من لبنان وفلسطين والعراق وكل الأحرار العرب وفي العالم، على طاولة المقاومة الشعبية، يجمعون من رباط الخيل كتلة من المقاومين الأبطال لتهديم الإمبراطورية التي يحلم بها جورج بوش وشارون.
يا أبا زياد
ما إن نودعك ليس إلاَّ كي نعود لنلتقي من جديد.
نودعك الآن، وننظر إلى العام القادم لكي نزف إليك بشرى تحرير العراق، وفلسطين، كما زُفَّت إليك بشرى تحرير لبنان.
فالوداع لكي نلتقي غداً على وقع أناشيد النصر. على وقع أناشيد التحرير.
فالوداع لكي نلتقي غداً على وقع أناشيدك التي صغت كلماتها من أعماق روحك. ومنها كنا نطل على النصر الآتي. وإن النصر آتٍ بما لا ريب فيه.
-->

ليست هناك تعليقات: