السبت، فبراير 27، 2010

الرئيس الفرنسي يعود إلى المنطقة

-->
الرئيس الفرنسي يعود إلى المنطقة العربية
على الحصان الخطأ
13/ 3/ 2005م
كان «جاك شيراك»، الرئيس الفرنسي، أول من كشف مخطط «اليمين الأميركي المتطرف»، برئاسة جورج بوش، فتولى قيادة محور الممانعة في وجه المخطط الأميركي الزاحف إلى العالم عبر البوابة العراقية. وفي خطوته، تلك، استقطب احترام الضمير العالمي الذي ملأت مظاهره، وتأثيراته، شوارع العالم بملايين من الشعوب الغربية، التي هتفت في وجه «جزار البشرية»، جورج بوش وأركان إدارته. وأسقطت تمثاله في شوارع لندن، وطالبت بإسقاط مشروعه، ودعته إلى سحب «مرتزقته» من العراق.
ولأنه كان عارفاً كل وسائل الخبث والخداع الأميركي، صمد الرئيس الفرنسي أمام تهديدات جورج بوش، والماريشال رامسفيلد، واتهامهما ل«فرنسا» بالعجوز. وظلَّ صامداً على مواقفه حتى عندما أقفلت الشركات الأميركية الكبرى أبوابها في وجه عروض الشركات الأوروبية ومناقصاتها. وحرمتهم من عقود «إعادة إعمار العراق»!! بعد أن دمَّرته عصابات المرتزقة واللصوص بقيادة القوات الأميركية وإشرافها.
وكانت قد تراكمت –قبلها- عمليات إبعاد «فرنسا السياسية»، مع الكثير من الدول الأوروبية عن مسرح المنطقة العربية، ومنعت عنها لعب أي دور سياسي في قضايا المنطقة الساخنة، خوفاً من الوصول إلى ضفاف بحر النفط العربي وضفاف بحر الاستهلاك العربي.
ولكن كل الأبواب المقفلة لم تدفع بفرنسا خاصة وأوروبا عامة إلى اليأس، وفقدان الصبر، فقد كانت تراهن على متغيرات ما قد تحصل في المنطقة لتستعيد نفوذها وصداقاتها، وبهما تستعيد دورها الاقتصادي من جديد. ولكن، على الرغم من الصمود التاريخي، ظهر –ومنذ أوائل العام 2004م- أن صبر جاك شيراك قد نفذ. والاستغراب من هذا النفاذ هو أن الرئيس الفرنسي الذي كان يستعين على صبره بالرؤية الاستراتيجية لمستقبل أفضل وأثبت للعلاقات العربية الأوروبية بعد أن يُسقط الرفض العربي الشعبي مشروع «اليمين الأمريكي المتطرف»، بدا أنه فاقد الصبر. ويبدو أنه التقط فرصة ظنَّ أن عليه التقاطها في الوقت المناسب وهو خائف أنها لن تتكرر مرة أخرى. أما تلك الفرصة فهي تلك التي لوَّح بها جورج بوش للأوروبيين من أجل الحصول على مساعدتها لإنقاذه من مأزقه في العراق. ففي محاولة منا سنحاول التقاط بعض جوانب تلك الفرصة لعلَّنا نلتقط معنى حقيقياً للأسباب التي من أجلها أفسح جورج بوش فرصة أمام الأوروبيين للعودة إلى المنطقة العربية، والتي جعلت الرئيس الفرنسي يمتطي صهوة «الحصان الأميركي» في العودة.
ففي تاريخية العلاقات الأميركية - الأوروبية نقرأ معاناة النظام الرسمي الأوروبي من صده ومنعه عن الدخول إلى المنطقة النفطية على الأرض العربية. وقد أصبح حلم العودة صعباً ومملؤاً بالعوائق والموانع الأميركية. فكانت تلك العوائق التي غرسها الاستفراد الأميركي بداية نهاية النفوذ الأوروبي في المنطقة. وكانت أسبابها معلَنة، وجاءت كما شخَّصها ريتشارد نيكسون، الرئيس الأميركي الأسبق، كاتباً: « بعد الحرب العالمية الثانية، كان الشرق الأوسط، منذ زمن بعيد، يشكِّل ملتقى للطرق المودية إلى آسيا وأفريقيا وأوروبا، وأصبح نفطه الآن دم الحياة الذي يسري في عروق الصناعة الحديثة. كما أصبحت الآن، أكثر من أي وقت مضى، مسألة من يسيطر على ما في الخليج العربي والشرق الأوسط تشكل مفتاحاً بيد من يسيطر على ما في العالم». وعلى خطى تلك الاستراتيجية سارت كل الإدارات الأميركية، ولا تزال مستمرة منذ نصف قرن حتى اليوم.
استفاق جاك شيراك، الرئيس الفرنسي، فجأة على دعوة من جورج بوش، الرئيس الأميركي، التي أعطى موافقة فيها على عودة أوروبا عامة، وفرنسا خاصة، إلى المنطقة النفطية من بوابتيْ فلسطين ولبنان. فرأى أنه من الخطأ أن يفوِّت تلك الفرصة. ولأننا لا نتوهَّم بأن تتخلَّف الرأسمالية، أياً كان لونها أو جنسها، عن ملاحقة مصالحها، فلن نلوم النظام الفرنسي بأن يلاحق مصالحه، كلما لاحت له فرصة مناسبة. ولكن هل الفرصة التي التقطها الرئيس الفرنسي هي تلك الفرصة المنشودة، والخالية من غلاف الفن الأميركي في الخداع؟
هنا نريد أن نضع تصوراً ننصح به فرنسا «البلاد التي صدَّرت مبادئ الديموقراطية إلى الثقافة العالمية الحديثة عبر ثورة العام 1789م على ظلم الكنيسة والإقطاع والملكية» لنبرهن فيه على مواطن الخلل التي تسير عليها الخطى الفرنسية نحو المنطقة من جهة، وتؤشر على المنزلقات الخطيرة التي تسهم فيها فرنسا في قيادة المنطقة نحوها من جهة أخرى.
بداية نعتقد بأن الرئيس الفرنسي اعتمد، في «إعادة دخول» فرنسا إلى المنطقة، على مرتكزين أساسيين:
الأول: الفرصة التي أتاحها الرضى الأميركي لمثل ذلك الدخول. تلك الفرصة التي كانت ممنوعة عليها منذ العدوان الثلاثي على قناة السويس في العام 1956م.
الثاني: الاستفادة من علاقات الصداقة القديمة التي تربط فرنسا «الانتداب» مع تيار من اللبنانيين. وتعزَّزت بعد خروج بعضها إلى اللجوء إلى خارج لبنان.
الأول: الفرصة التي أتاحها الرضى الأميركي، وكانت محجوبة منذ العدوان الثلاثي على قناة السويس في العام 1956م.
أما بالنسبة إلى الفرصة التي أتاحتها الإدارة الأميركية فليست مرتبطة بقناعة بتطبيق مبدأ العدالة والمساواة في المصالح بين أعضاء نادي الدول الرأسمالية، بل هي حاجة ضرورية لإدارة مشروع «اليمين الأميركي المتطرف». وتبدأ حكاية غيرة أصحاب المشروع على توزيع العهود والعقود لأوروبا، ومع أوروبا، وعلى رأسها فرنسا، إلى متغيرات تكتيكية كان لا بدَّ لها من أن تحصل نتيجة عوامل عدة، ومن أهمها:
-فشل الإدارة الأميركية في السيطرة على العراق بعد انطلاقة المقاومة الوطنية العراقية.
-وثانيها الضغط الذي مارسته -على إدارة جورج بوش- أوساط سياسية واسعة من نخب أصحاب المشروع ذاته في داخل الحزب الجمهوري الحاكم، ناهيك عن نصائح نخب الحزب الديموقراطي، بحيث أجمعت النخبتان على تحميل إدارة جورج بوش مسؤولية التقصير في الحصول على إجماع دولي لعدوانها على العراق. ووصفته بأنه تقصير متعمَّد لأنه منطلق من عنجهية الإدارة الأميركية الحالية وغرورها اللتان دفعتا بها إلى مغامرة في العراق من دون حماية شرعية دولية.
ولما كانت الإدارة الأميركية قد أصمَّت أذنيها ضد تلك النصائح في بداية أيام العدوان على وقع انتصاراتها النظامية على الأرض، خاصة وأنها أنجزت الاحتلال بالتوقيتات التي حددتها غرفة العمليات في البنتاغون. أما بعد إنجازها فراحت تهدد «فرنسا العجوز» وتتوعدها من جهة، وتسفِّه الدعوات الأميركية، الناصحة لها بالاحتماء بجدار من الشرعية الدولية من جهة أخرى. ولما تصاعدت أعمال المقاومة العراقية وظهرت نتائجها في تدفيع الاحتلال خسائر جسيمة في أرواح جنوده واستنزاف لموازنة الخزانة الأميركية، «راحت السكرة، وعادت الفكرة» إلى إدارة جورج بوش، فأعادت حساباتها واقتنعت بالنصائح التي كانت قد رفضتها قبل أقل من عامين. وقرَّرت إحداث تغييرات في تكتيكاتها، بما لا يؤثِّر على خطتها الاستراتيجية في احتواء العالم والسيطرة عليه، فدخلت من خلال البوابة الفرنسية وهي تعرف شهية الشركات فيها وشوقها للعودة إلى الأسواق العربية. فأغدقت الوعود ووعدت بالعقود. فوقعت الإدارة الفرنسية في أفخاخ الخديعة الأميركية، وراحت تمالئها وتتودَّد إليها. وقد وصل الأمر بوزيرة الدفاع الفرنسية إلى الإعلان أنها مرتاحة لعودة الدفء إلى العلاقات الفرنسية – الأميركية متناسية أن جورج بوش أدخل العالم إلى نار جهنم، كما صرَّح رئيسها قبل أشهر. فهل نار جهنم تحوَّلت إلى نار الجنة لتنعم الوزيرة الفرنسية بدفئها؟
تأكَّد أن الإدارة الفرنسية قد خُدعت منذ اللحظة التي صاغت فيه فرنسا وأميركا القرار (1559). فكان ذلك القرار يمثِّل أول شراكة سياسية أميركية – فرنسية تجاه المنطقة. ولأننا نعتبر أن القرار المذكور هو استئناف للقرار (1546) الخاص بالعراق، ولسنا ندري هل نوايا فرنسا ومواقفها الممانعة، سابقاً، ضد احتلال العراق قد لحستها، أم أنها تحاول فصل المسارين العراقي – (السوري – اللبناني). ولأنه لا مظاهر محسوسة تدل على تغيير تلك المواقف، فلن نقف عند دلالات خطورتها فيما لو حصلت.
لكن، ولأننا نعلم أن المخاطر تحيط بمصالح فرنسا نتيجة مشاركتها بإصدار القرار (1559) من جهة، ولأنها لا تصب في مصلحة لبنان فحسب، بل تستأنف أزمة داخلية لم يمض على انتهائها زمن طويل أيضاً، من جهة أخرى، سنحاول –في الفقرات الآتية-أن نفسِّر الأمور أمام الرأي العام الفرنسي واللبناني.
بداية، لن نعطي دروساً للرئيس الفرنسي، الذي أثبت أنه يرى مصالح فرنسا من منظار استراتيجي في خلال مناقشة القضية العراقية قبل العدوان على العراق، ولكننا نوجِّه أنظار أوروبا عامة وفرنسا خاصة، أننا من داخل الحركة الثورية العربية لا ننظر للعلاقات بين الدول بمنظار رومانسي بل كعلاقات مبنية على قاعدة المصالح الاقتصادية، لكن على أن تكون تلك القاعدة مؤسسة على قيم العدالة والاحترام بين الدول. ونؤمن -أيضاً-بأن كل العلاقات التي تنبني على غير تلك الأسس ستُلغيها نضالات الشعوب التائقة للتحرر. فالعلاقات القائمة بين الدول تصبح أكثر ثباتاً واستمرارية إذا كانت تلبي مصالح الشعوب وعلى أن تكون قائمة على أسس العلاقات الإنسانية. أما تلك المؤسسة على قاعدة مصالح المؤسسات الرأسمالية فهي عرضة للاهتزاز والانهيار في أي وقت تنخرط فيه الشعوب في الدفاع عن مصالحها. ولا يغيب عن بال الرئيس الفرنسي أن عصر المقاومة الشعبية قد أصبح إيديولوجية ثابتة لحركات التحرر العالمية، في مواجهة الآلة العسكرية النظامية، التي انطلقت من الوطن العربي وراح يقطف ثماره ولا يزال.
فإذا كان على الرئيس الفرنسي أن يغلِّب مصلحة فرنسا فهو يخطئ عندما يقيس تلك المصلحة على موازين مصالح الشركات الفرنسية الكبرى. ونحن ندعوه إلى العودة لسماع رؤية الحركات والتيارات التحررية الفرنسية، وننصحه بأن لا يغفلها، فهي قد حدَّدت اتجاهاتها ووقفت في الموقع المضاد لمشروع «اليمين الأميركي المتطرف». ونحن في دعوتنا له لا يحدونا أي وهم أو «رومانسية»، إذ يكفي أن يستعيد، الرئيس الفرنسي، ذاكرة فرنسا التاريخية، فرنسا التي تحررت -في العام 1789م-من قوة الرأسمال الاقطاعي والكنسي والملكي. فمضامين الثورة الفرنسية لم تنتصر -في ذلك الوقت- إلاَّ لأنها انحازت إلى مصلحة الشعب الفرنسي وثار ضد مصالح الطبقات المهيمنة عليه سياسياً، والمنتفعة من جهده الانتاجي في بناء الثروة الوطنية الفرنسية.
إستناداً إليه نرى أن الرئيس الفرنسي، في محاولة استعادة دوره في الوطن العربي، ركب الحصان الخاطئ: الحصان الأميركي الذي خُدِع بمصداقيته، ودلائل ذلك الخداع تتمثَّل بأنه بعد أن يتمكَّن –وهو لن يتمكَّن- في تثبيت أقدامه في قلب منطقة البترول وعلى أطرافها سيرمي فرنسا إلى حافة التاريخ من جديد. أما الحصان الثاني فهو حصان الشركات الفرنسية والأوروبية الكبرى التي لن تنتصر له إلاَّ بمقدار ما يُذعن لتأمين مصالحها، التي نعمل من أجلها حتى لو كانت تصب خارج إرادة الشعب الفرنسي التواقة نحو تعميم مبادئ الحرية والعدل والمساواة بين أفراد الشعب الفرنسي من جهة، وبين فرنسا والعالم الآخر من جهة أخرى.
الثاني: الاستفادة من علاقات الصداقة القديمة التي تربط فرنسا «الانتداب» مع تيار من اللبنانيين.
لو كانت تلك العلاقات السابقة قائمة على قاعدة وطنية شاملة لما كنا قد رفعنا صوت الاعتراض على مثل تلك العلاقات. ولكن لأنها مبنية على ذهنية ما قبل نظام المتصرفية في جبل لبنان نرى أنفسنا ملزمين بتوجيه الأنظار إلى خطورة مثل هذا التحالف على كل من مصالح فرنسا ومصالح لبنان معاً.
لا نحسب أن ثقافة الرئيس شيراك خالية من حقائق العلاقات اللبنانية الفرنسية قبل تشكيل «نظام المتصرفية في جبل لبنان»، وأثناء تشكليه، وبعده. وإذا كنا نعيد التذكير –كما نفعل في مقالنا- فإنما الهدف هو أن ننذر مما يُحاك للبنان في القرن الواحد والعشرين.
كانت القواعد التي انبنت عليها فلسفة «نظام المتصرفية»، في العام 1860م، قائمة على تلاقي مصالح قسم من اللبنانيين مع مصالح بعض القوى الخارجية. فأما اللبنانيون فشعروا أن هروبهم من الأخطاء التي كانت تمارسها سلطات النظام العثماني يشكل مخرجاً سليماً لهم. وهم حينما اتخذوا قراراهم لم يكونوا على دراية بأنهم سيكونون بمنجى عن خطر آخر ينتظرهم وهو تكريس مبدأ الطائفية السياسية التي لا تنظر بعين الاهتمام لحدود الوطن الجغرافية أو السياسية أو السيادية من جهة، والوقوع بين أيدي «ديكتاتورية الأطماع الخارجية» من جهة أخرى. أما الفلسفة التي تستند إليها الأطماع الخارجية فتقتضي بناء ركائز شعبية محلية تساعدها –بحكم الحاجة للحماية- على تثبيت أقدامها العسكرية والسياسية والأمنية كشرط أساسي لممارسة النهب الاقتصادي للثروات الوطنية لتصب في مصلحة الطبقات الرأسمالية لتلك القوى الخارجية.
لذلك كانت العودة الفرنسية إلى لبنان على صهوة حصان «الطائفية السياسية»، وعليها أن لا تنخدع بالتلاوين الطائفية لمؤيدي القرار (1559). أما الخديعة الكبرى في تلك التلاوين فهي المراهنة على أن تكون الطائفية مركب صحيح لتعود الديموقراطية على متنه. وذوو المنطلقات الطائفية لن يكونوا ديموقراطيين إلاَّ بالقدر الذي يأكلون فيه من جرف الطوائف الأخرى. وإذا كانت فرنسا ال(1789م) تعمل على العودة إلى لبنان عبر بوابة الطوائف فهي ستكون شريكة أساسية في تفسيخه وتفتيته. وكنا نتمنى على «فرنسا» التي نخاطبها أن تنصح أصدقاءها في لبنان للحوار على قواعد وطنية، لا أن تعمل على إشعال فتيل الفتنة الطائفية في سبيل أن تنال حصة منقوصة لها في لبنان، بدلاً من أن تكسب لبنان كله. وهنا، لا نستند في نصحنا على أوهام، فحبذا لو قرأ الرئيس الفرنسي خطابات التعبئة والتحريض التي تنتشر في لبنان الآن، وهو باستطاعته أن يحصل من مصادره الموثوقة على حقيقة الوضع السائد في هذه اللحظة الراهنة. ولو فعل ذلك –وعليه أن يفعله- لوجد أن اتجاهات مرحلة الاحتقان تقود لبنان إلى إنشاء «متصرفية» جديدة تحتمي فيه الطوائف اللبنانية بعوامل خارجية على حساب وحدة لبنان وسيادته وهذا ما يتنافى مع تقاليد فرنسا التي طلَّقت كل أنواع الاستعمار الاحتلالي والاستيطاني.
إن الرئيس الفرنسي، يعرف أكثر من غيره أن قواعد اللعبة الرأسمالية العالمية تقتضي أن يبلع «الحوت الكبير» كل «الأسماك الصغيرة»، أو فلنقل كل الأسماك الأقل قوة منه. واستناداً إليه نحذِّره من أن «الحوت الرأسمالي الأميركي» يستغل «السمك الفرنسي» ويستفيد منه في تجميع «الأسماك اللبنانية» فيلتهمناها معاً، ومن بعدها يأتي دور «السمك الفرنسي» فيصطاده من دون أية مقاومة.
وهنا نرى أنفسنا ملزمين أمام حركة التحرر الفرنسية التي تعي بعمق أهداف مشروع «اليمين الأميركي المتطرف» أن نحذِّر الرئيس الفرنسي من أنه سيترك بعد «مغامرته» بالانخداع ب«ابتسامات» جورج بوش التي وزَّعها بسخاء في العواصم الأوروبية من أنه سيترك عبئاً ثقيلاً للشعب الفرنسي عليه أن يعالجه ويكافح ضده ويتمثَّل بالآتي:
الأول: تشويه وإعادة تشويه حركة التحرر العربية، ومنها في لبنان، بإعادة بناء النظام اللبناني خاصة، والنظام العربي الرسمي عامة، على قاعدة الطائفية السياسية التي كافح الشعب الفرنسي لمئات من السنين ضدها.
الثاني: إقواء مشروع «اليمين الأميركي المتطرف» بعد أن تأكدت معالم هزيمته في العراق على أيدي المقاومة الوطنية العراقية.
وهنا نعيد التأكيد، على أن انطلاقة المقاومة العراقية قد خلَّصت الدول والأنظمة الممانعة للمشروع الأميركي، والتي وجدت فيه تلك الدول أساساً لإنقاذها من «الحوت الأميركي»، تبقى هي الحقيقة الأكثر سطوعاً والأكثر تأثيراً في خلاص العالم من «الأمركة». كما ننصحه بأن تأثير النظام العربي الرسمي آخذ في الزوال، كما أن الطائفية لن تبقى ممراً ل«الاستقواء» بالخارج فالحقائق الوطنية والقومية تبقى الأكثر ثباتاً. وهي، على الرغم من المظاهر الخادعة التي تطفو على السطح، تحفر خنادقها وأسسها في الأرض العربية. وتلك هي الحقائق التي يرفض الرأسمال العالمي النظر إليه، لأنه لا ينظر إلى أية حقيقة «خارج ذاته»، لكنها –على الرغم من ذلك-هي التي تبدو الحصان الرابح في المستقبل.
ولأن المقاومة الشعبية آخذة في تعميق نفسها، والبرهان على أنها الحصان الأبيض الذي يسلك الشعب العربي -على صهوته- طريق التحرر، نرى أن على الرئيس الفرنسي أن يسلك طريق تأييد هذا الخط ويراهن على جديته وتأثيراته ونتائجه، لأنه لن يخسر حتى لو خسرت شركاته –مؤقتاً-بعض العقود مع شركات جورج بوش ورامسفيلد وديك تشيني.
وهنا لا بدَّ من أن نسدي النصيحة الأخرى، وهي ليست الأخيرة، بأن ركوب الرئيس الفرنسي لحصان الطائفية في لبنان هو الحصان الخطأ. وعليه أن لا ينخدع بما رآه –إعلامياً- لأنه قد يغرق في المأزق اللبناني، وهنا لن تستطيع إدارة جورج بوش من إنقاذه، لأنها لا تريد له إلاَّ أن يغرق، فيصبحا متساويين في الغرق. فليس للإدارة الأميركية ما تخسره الآن فهي غارقة تحاول الخلاص بواسطة القشة الفرنسية، ولن تفلح، فإذا نجحت ستستفرد بحكم العالم، وإذا غرقت السفينة الأميركية فلن تأسف إدارة جورج بوش على السفينة الفرنسية.
-->

ليست هناك تعليقات: