-->
-->
رد على غسان تويني
حول مقالات ينقد فيها رومانسية صدام حسين
تموز 2002
يطالعنا الأستاذ غسان تويني، بين الفينة والفينة، بمقال ذي علاقة بالصراع العراقي – الأميركي (الذي هو أصلاً صراع بين العرب من جهة والتحالف الأميركي – الصهيوني من جهة أخرى).
للأستاذ تويني باع طويل في التجربة الصحفية التي يوظفها في خدمة خبرته وباعه الطويل في تجربته السياسية على المستويين العربي والعالمي.
من حقه الديمواقراطي، ووظيفته الإعلامية، وواجبه القومي، أن يضع مواقعه تلك في خدمة القضايا العربية. ولأنه ذو باع طويل في الحوار، فاتحاً قلبه وصفحات جريدة النهار للرأي والرأي الآخر، لجأنا إلى ما يرحِّب به الأستاذ تويني بالذات، لنبدي رأياً في القضايا التي يعالجها من خلال مقالاته. (وسيتمحور رأينا حول مقالاته الثلاث الأخيرة، أي منذ أواخر أيلول من العام 2002م حتى 20 / 1/ 2003م):
يقع المقال، الذي أعجبنا به، (تحت عنوان »ديموقراطية باول أم ديموقراطية الأحرار «)، بين مقالين آخرين يتناقض مضمونهما مع مضمونه، جاء المقال الأول قبله بأكثر من شهرين، وتلاه الثاني بشهر واحد.
حاولت جاهداً أن أكتشف أسباب التناقض بين المقالات الثلاث. فوجدت أن من الأسباب التي دفعت بالأستاذ تويني إلى انتقاد مشروع باول في تصدير الديموقراطية إلى العالم العربي، هو أن باول يحسب أننا –كعرب- نعيش بعيداً عن عالم المعرفة. وهو حساب لا بُدَّ من أن يستثير غضب الأستاذ تويني، وغضبنا أيضاً، لأنه يدَّعي بأنه آتٍ الينا منقذاً لنا من متاهات الجهل.
ولكن علت وجوهنا علامات التعجب، عندما رأينا الأستاذ تويني، يقف متناقضاً مع ما جاء في مقالته (التي نالت إعجابنا). تلك العلامات التي لا بُدَّ من أن تتساءل إذا كان تويني قد اكتشف خطورة الديموقراطية التي يدعو الأميركيون إليها، وإذا كان مضمون ديموقراطيتهم هو مدى انسجامها مع المصالح الأميركية أو بعدها عنها، فلماذا يدعو الرئيس العراقي إلى الاستقالة تحت ضغط الحراب الأميركية الشبقة لحماية »المصالح الأسوأ ديموقراطية، المصالح الانتخابية للحزب الحاكم سعيداً في واشنطن«؟
يقول تويني في مقالته المؤرخة في 16/ 12/ 2002م، حول المسألة الديموقراطية ما يلي: مخاطباً كولن باول، قائلاً: »إننا نكون أكثر انفتاحاً لدعوته، لو طالعتنا الصحف… بصورة تظاهرة مليون عراقي في شوارع بغداد… بدل صورة ]العراقيين[ الذين جمعتهم واشنطن في فندق فخم في لندن«. ويستطرد تويني، ساخراً من الديموقراطية الأميركية التي توازي بين الجلاد الصهيوني والضحية الفلسطينية. وفي السلوكات الأميركية التي تصنع ديكتاتوريات عسكرية أينما أرادت وتطليهم بقشرة من الديموقراطية اللمَّاعة. وينهي مقاله بما يدفعنا إلى تقديم التهنئة له على حسن وصفه للمرتكزات الديموقراطية الحقيقية ودقته، حيث يقول، طالباً من باول: »صارحنا إذا كنت تبحث فعلاً عن ديموقراطية الديموقراطيين، أم ديموقراطية الذين ينسجمون مع المصالح الستراتيجية الأميركية، والمصالح الأسوأ ديموقراطية، المصالح الانتخابية للحزب الحاكم سعيداً في واشنطن«.
يستتبع تويني مقالته تلك بمقال آخر نشرته النهار بتاريخ 20 كانون الثاني من العام 2003م، وفيها يحدد مسألتين، وهما: النهج السوريالي العربي في مواجهة الصراع العربي – الصهيوني. وإعادة الطلب من الرئيس صدام حسين بإقالة نفسه كثمن لتخليص شعب العراق من كارثة مؤكَّدَة.
يستند الأستاذ تويني لتبرير دعوته تلك إلى الأسباب التالية:
1-لم يحسب العرب استراتيجيات العدو »البعيدة المدى حساباَ« علمياً، بل راحوا يصفقون لزعمائهم الذين يستبدون بهم من »منابر هزائمهم«. واصفاً الرئيس صدام بالسوريالي الذي يجر العرب إلى هزيمة أخرى.
2-دفعه إلى الطلب من الرئيس صدام حسين إعجابه بأبيات من الشعر تقول: »أن يموت إنسان لإنقاذ وطنه، في حين أنه من العبث، أن يهلك وطن من أجل رجل«. فهو يطلب من أجل ذلك أن يستقيل صدام حسين، كفرد، من أجل إنقاذ العراق من العدوان الأميركي القادم.
حسناً ما يقوله الأستاذ تويني، لو كان هذا هو الواقع بالذات، وهو يقيس الأمور على مقاييس رومانسية فعلاً، وليس على مقاييس نضالية تأخذ مواقع المشاريع المتصارعة وليس مواقع الأشخاص المتصارعين.
من الخطأ ان نتصور أن الصراع بين رئيسين، جورج بوش وصدام حسين. بل حقيقة الصراع كما حدد الأستاذ تويني طرفها الأول بدقة، وهو »مشروع المصالح الرأسمالية والصهيونية«. أما الطرف الثاني، كما نحدده نحن وليصحح لنا الأستاذ تويني إذا كنا مخطئين، فهو المشروع النهضوي العربي الذي يقف في مواجهة المشروع الرأسمالي – الصهيوني.
يمثل كل رئيس منهما المشروع الذي يقوده ويعمل للحرب من أجله أو من أجل الدفاع عنه. وإذا كانت موازين القوى مختلة لصالح المشروع الذي يمثله جورج بوش، فهل من المنطقي أن نطلب من صدام حسين، الذي يمثل المشروع النقيض، أن ينسحب بمثل تلك العبثية من مواقع الدفاع عن المشروع الذي يمثل مصلحة الأمة العربية؟
في منطق الأستاذ تويني تُعتَبَر استقالة الرئيس صدام حسين ليس مبررة فحسب، بل هي مطلب وطني عراقي، أيضاً. والسبب أن الرئيس صدام حسين متهم بالديكتاتورية، وكرامة لعيون الديموقراطية الداخلية، عليه أن يستجيب لتهويلات ديكتاتورية رأس المال الأميركي والشبق الاستيطاني الصهيوني. فهل هذا معقول ومبرَّر؟ أظن أن الأستاذ تويني لن يحرمنا من حقنا الديموقراطي في إبداء الرأي. وهو ما نورده في التالي:
حول اتهام الرئيس صدام حسين بالسوريالية(*): يتهم الأستاذ تويني، في مقالته الأخيرة (أم المعارك، من الكويت إلى الأمم المتحدة)، الرئيس صدام حسين بالسوريالية. أي بمعنى أنه يحوِّل الهزائم إلى انتصارات.
ماذا يعني الانتصار؟ هل هو إسقاط طائرة بطائرة؟ أو رد صاروخ ذكي ب»باتريوت« أذكى منه؟
هل الإيمان بالعزة والكرامة الوطنية هي »سوريالية«، أي لا تعني شيئاً أكثر من أنها حالة مرضية لأنها لم تبن حساباتها على مقاسات موازين القوى المادية؟
فإذا كان ذلك كذلك، كما يحسب الأستاذ تويني، فما هو المغزى الذي من أجله صدر إعلان عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتاريخ 21/ 12/ 1965م، يؤكد على (عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول)، وتلاه إ إعلان آخر بتاريخ 9/ 12/ 1981م، تؤكد فيه الجمعية على المضمون ذاته للإعلان الأول.
لا يغرب عن بال الأستاذ تويني، الديبلوماسي الذي نحترم، أن عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ليس إلاَّ ما يُعبَّر به عن احترام سيادة الدول، والسيادة ليست بأكثر من الكرامة الوطنية. فإذا كان المجتمع الدولي قد استقال من مهمته في المحافظة على الإعلان الذي صدر باسمه، فهل يجوز للدول التي تُحتَلُّ أراضيها، أو هي مهدَّدة بالاحتلال. وهل يجوز للدول، التي يفرض القوي عليها أن تستجيب للعمل بالتغييرات السياسية أو الثقافية الخاصة بها، أن تتنازل عن حقوقها بحجة الاختلال بتوازن القوى؟ وهل يصبح الإعلان عن مقاومة العدو القوي هو سوريالية؟ وهل يجوز للدول، أو الشعوب الضعيفة، التي خسرت حروبها العسكرية في مواجهة الدول القوية أن تزرع روح الانهزام وتتغنى بهزيمتها وتدعو شعوبها إلى الاستسلام، كي لا تكون سوريالية؟
هل كانت مقاومة جينين الفلسطينية للعدو الصهيوني مرضاً سوريالياً؟ ماذا يعني الانتصار الفلسطيني في جينين؟ إذا كانت نتائج الخسائر المادية هي المقياس فلن نستطيع إلاَّ أن نؤيد الأستاذ تويني في وصفه. أما إذا كانت تعني أن العدو الصهيوني لم يستطع (بقواه العسكرية الهائلة) أن يخيف الفلسطينيين فيصابوا بالإحباط والخوف ويتقوقعوا في (براكات الطين) ليستقبلوا الفاتح بالخضوع والركوع، ويرهنوا إرادتهم لمشيئته، فنحن لن نستطيع إلاَّ أن نخالف الأستاذ تويني في استنتاجاته وأحكامه. لأنه يعي، تماماً، أن الكرامة الوطنية لا تقاس إلاَّ بما لا يجعل صاحب الأرض المغتصبة راكعاً أمام المحتل المغتصب.
من هو الذي ضيَّع الأرض الفلسطينية؟ أتتناسى أن من ضيَّعها ليس الضعف العربي الخارج من متاهات النظام العثماني؟ اتتناسى أن من ضيَّعها هو غياب أية إرادة في التحلل من ذلك النظام؟ أتتناسى أن من ضيعها ليس أبعد من اتفاقية سايكس – بيكو؟ (تلك الاتفاقية – المشروع التي انبنت على أسسه مطامع التحالف الأميركي – الصهيوني).
وكيف غابت إرادة التغيير وإرادة التحرر من مخاطر تلك الاتفاقية؟ هل نغفر ذنب من كان يشرِّع الخضوع للنظام الاستعماري (الذي ورث تركة النظام العثماني لامتصاص آخر قطرة من ثرواتنا)؟ وكما تكاثرت الثورات اللفظية، تكاثرت دعوات التخويف من التصدي للنظام العالمي الجديد تحت ذريعة اختلال موازين القوى المادية. ولكن ظلَّت قلة من النخب التي عملت للانتقال من دعوات التحرير اللفظية إلى امتلاك إرادة النضال والمواجهة حتى ولو كلَّفها النضال حياتها، وهذا ما حصل (سواء في مواجهة الاحتلال العثماني أو في مواجهة قوى التحالف الإمبريالي – الصهيوني). وبتلك النضالات، (التي هي ليست سوريالية على الإطلاق لأن من قدموا أرواحهم لم يكونوا من المرضى بل هم من الأصخاء والأسوياء). تشرف كل الوطنيين بهم، وإلى أضرحتهم نحمل باقات الزهور كل عام. فهل علينا أن نعكس الصورة ونحسبهم من السورياليين الذي لا يستأهلون ذلك التقدير الذي نبديه أمامهم؟
نعم، علينا أن نتنكر لدمائهم لأنهم كانوا يتميزون بالرعونة عندما لم يحسبوا موازين القوى بحسابات الأرباح والخسائر المادية. وهل كان بإمكان بضع مئات من المنتفضين والأحرار، وقد دفع بضع عشرات منهم أرواحهم نتيجة غلطهم بالحسابات، أن يُسقطوا نظاماً كان يمتلك بالحسابات المادية ملايين المرات لما يمتلكوا من قوة؟
ألا نشعر بالفخر والاعتزاز بأولئك الشهداء على الرغم من أنهم سقطوا شهداء، ولم نصف في أي يوم من الأيام بأن شهادتهم كانت شهادة سوريالية، بل كانت شهادة تفوق الوصف في عطاء أصحابها لأنهم شقوا طريقاً فريداً للدفاع عن المُثُل والقيم الإنسانية.
هل يتحمَّل الفلسطينيون خطأ في حساباتهم عندما يضرمون انتفاضة قلَّما عرفها التاريخ العربي، يقاتلون بالحجر، فيجبرون الصهاينة على حشد كل طائراتهم ودباباتهم، ووضع كل جنودهم، حتى الاحتياط منهم، على أهبة الاستعداد، فتتعطل معظم ماكينات الإنتاج الصهيونية، ويُصاب العدو بالإرباك والهستيريا. ولولا المساعدات الأميركية التي تُقدَّم بكرم كبير، لما كان العدو الصهيوني يستطيع تصحيح الخلل في اقتصاده الذي استنزف الحجر الفلسطيني كثيراً منه.
ليست حماية أسوار جينين ومدن فلسطين بالحجر هو سوريالية أبداً. بل هي حقيقة نراها على الأرض ونشاهدها على شاشات التلفزيونات، ونكبر فيها ليس الاستشهادي الفلسطيني بل الطفل الفلسطيني الذي يستشهد جنباً إلى جانب الشاب وترافقهم زغاريد أمهاتهم وبركات أبواتهم. فهل زغردة أم فلسطينية لموت ابنها هو سوريالية؟!!!
هل يرى الحاسبون العرب أن ينتظر الشعب الفلسطيني فسحة من الزمن لكي يبني ترسانة عسكرية توازي ترسانة الصهاينة لكي يسمحوا لهم بالقتال؟ وإذا قاتلوا هل عليهم أن يزرعوا اليأس في نفوسهم وإحباطهم، أو أن يقفوا إلى جانبهم، وليقدموا لهم كلمة تشجيع تغذي إرادتهم في الاستمرار، وأن يقولوا كلمة حق في وجه ظالمهم، وهو أضعف الإيمان؟
في دعوة الرئيس صدام حسين إلى الاستقالة كثمن يؤديه فرد لينقذ شعبه: إن ثمن التنازل لإرادة ديكتاتورية رأس المال، هو تنازل عن حق الشعب العراقي في ملكية ثرواته وسيادته على أرضه، ويعلم الأستاذ تويني أنه لن يبقى جندي أميركي في منطقتنا متى استنفد رأس المال ثروتنا. فتنازل الرئيس صدام حسين عن رأس السلطة هو تنازل عن حقوق الشعب العراقي بما لا شك فيه. فأين هو موقع الديموقراطية في حسابات الصراع بين القوي والضعيف؟
وإذا ما تمت الاستجابة لشروط القوة الأميركية في العراق، فهل يتوقف الأميركيون عند حدود، ولن تطال شظايا عدوانهم إذا ما حقق أغراضه، تلك الحدود؟
من النتائج التي لا شك فيها، وباعتراف الأنظمة التي تدور في الفلك الأميركي، أن الزلزال لن يوفِّر أحداً، لا في المنطقة العربية، ولا حتى في أية بقعة من العالم، لأن طموحات المشروع الأميركي لن تتوقف عند حدود العراق بل سوف تتعداه إلى كل الحدود العربية، وتتجاوز الحدود العربية إلى آخر حدود على الكرة الأرضية.
هل خسارة العرب للحروب العسكرية تعطيهم مبرراً للتنازل عن ثرواتهم للقوى المهيمنة؟ وبالتالي الاعتراف لهم بشرعية منطق استيلاء القوي على ثروات الشعوب الضعيفة؟ كيف يفسر الداعون »العقلاء« إلى استجداء أميركا القوية والتفاوض معها بأرقى الأساليب الدبلوماسية (لأنهم عاجزون عن مواجهتها بالصاروخ والطائرة) ما جاء في الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأم المتحدة، بتاريخ 14/ 12/ 1962م، والداعي إلى حق الدول في السيادة الدائمة على مواردها الطبيعية؟
أيتناسى أولئك أن العدو القوي باع كل وسائل الديبلوماسية في سوق النخاسة؟ وفي الوقت الذي يدعون فيه إلى الثقافة الديبلوماسية، كبديل للدعوة إلى المقاومة، يتناسون أن الديبلوماسية هي طريقة للحوار الهادئ. فهل مضامين الحوار الهادئ تنص على أن يقوم القوي بفرض خيارات سياسية على الشعوب من دون إرادتها؟
وهل يتناسى الداعون إلى الحوار الديبلوماسي، أن العنجهية الأميركية قد رسمت نتائج مسبَقة للحوار؟
أما عن ديكتاتورية الرئيس صدام حسين، نتساءل: وهل الحكم على فرد بالديكتاتورية أو الديموقراطية هي مسألة مزاجية، أم أنها خاضعة لتقييم ميداني؟
أليست الديموقراطية هي من صلب بناء المجتمعات في شتى الحقول؟ وهل التنمية الاقتصادية إلاَّ مظهر من أهم تلك المظاهر؟ من أهم شروط التنمية الاقتصادية بناء العالِم الذي يحوِّل النظريات إلى مصنع. فلماذا يغفل الأستاذ تويني، في حكمه الخمسة آلاف عالِم عراقي، أظهر التلفزيون، من خلال جولات التفتيش على المنشآت العراقية، كم هي تلك المنشآت مدعاة للإعجاب والاعتزاز؟
أوَ لم يتألم قلب الأستاذ تويني وهو يتوقَّع أن من أهم الأهداف الأميركية هو تدمير تلك المنشآت، وليس تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية المدمَّرَة؟ أأُصبنا بالنسيان عندما صرَّح (جيمس بيكر، وزير خارجية بوش الأب) بأن أميركا سوف تعيد العراق إلى العصر ما قبل الصناعي؟
كيف نقيس ديموقراطية نهج أو ديكتاتوريته؟ أوَ ليست مصلحة الشعوب هي ذلك المقياس؟ هل هو ما نسمعه من هنا أو هناك من أوصاف بعض الذين يزعمون أنهم من المعارضة العراقية المظلومين المحرومين من حقوقهم السياسية؟ وهل الهاربين إلى خارج أوطانهم، من الذين يتعاونون مع الشيطان، تحت ذريعة استعادة حقوقهم الديمواقراطية المهدورة في بلدهم؟
يدفع حرص الأستاذ غسان تويني وغيرته على مصلحة الأمة العربية لدعوة العرب إلى تغيير وسائل نضالهم والارتقاء يها من مستوى»الخطابية «، التي تنتقل بنا من هزيمة عسكرية إلى أخرى، إلى وسائل أكثر فعالية تقوم على امتلاك القوة الكافية للوقوف في وجه أصحاب المشروع المعادي.
أما أن يطالب الأستاذ تويني بنهضة عربية شاملة بعيدة عن وسائل ومناهج النضال السابقة، فهذا ما لا نستطيع إلاَّ أن نؤيده ونعمل من أجله. أما وأن تتوقف الحركة النضالية، مهما كانت مستوياتها فهي دعوة إلى تجميدها، وهو جوهر الدعوة الإمبريالية، لأن في التجميد استسلام واستعباد، وفرصة ذهبية لمراكز القوى في الأهداف الإمبريالية.
فإذا انتفى شرط خوض النضال المادي، فلن يعني ذلك أن تستسلم وتسلم للتحالف المعادي حقوقك في تقرير المصير من جهة، وثرواتك الطبيعية من جهة أخرى، وتعترف له بحق الاغتصاب من جهة ثالثة، لأن الاعتراف بكل ذلك هو افتئات على حق القيم الإنسانية. فالسيادة الوطنية، تتنافى مع الاستجابة مع ضغوط قوى العدوان الأميركية – الصهيونية في التغيير السياسي في العراق. والتنكر للسيادة الوطنية هو تنكر لكرامة الإنسانية. وليس من المنطق أن تستخدم الحوار الدبلوماسي المحدَّدة نتائجه سلفاً.
في الحلول التي يقترحها الأستاذ تويني لمأزق الصراع مع التحالف الأميركي – الصهيوني يوجز الصورة التالية: لما كنا لا نستطيع أن نقف في وجه القوة الأميركية الساحقة، علينا أن ننتقل من المنطق السوريالي في مواجهته إلى منطق الحوار الديبلوماسي. ويتطلَّب الحوار الدبلوماسي أن يستقيل الرئيس صدام حسين، اللاديموقراطي، وصاحب الانتصارات السوريالية، لكي يمنع عن شعبه هزيمة قادمة على البوارج الأميركية، فيكون –بمثل عمله ذاك- قد خلَّص شعبه من ويلات الحرب القادمة وشرورها.
من مأزق مواجهة العدو القوي، يريد بنا الأستاذ تويني أن نستبدله بمأزق الحل. ومأزق الحل هو الاستجابة لضغط التحالف الأميركي– الصهيوني بأن يتنحى الرئيس صدام حسين عن السلطة، أي ينفي نفسه.
ما أجملها ديموقراطية عندما نستجيب لطلب ديكتاتورية التحالف الأميركي – الصهيوني. والجميل فيها أننا ننقذ شعب العراق بمثل الاستجابة لضغط آتٍ من فوهة الصاروخ وحاملة الطائرات!!! هل ترى معي أيها القارئ كم هي جميلة تلك الديموقراطية؟
ومأزق الواقع، كما يراه الأستاذ تويني، هو أننا لم نحقق انتصاراً عسكرياً، أما مأزق الحل فهو في أن نستعيض بمأزق الواقع بمأزق آخر هو القبول بالهزيمة المعنوية.
تلك الهزيمة لا تعني أكثر من منع روح المقاومة من الاستمرار. وليس من حل لاستذكار الحقوق الضائعة إلاَّ شحذ للهمم والنفوس، لكي تبقى الأمة في حالة استنفار نضالي متواصل. وفيه لا بُدَّ للأمم من أن تدفع أثماناً باهظة، لكنها ستكون أقل إيلاماً من نسيان الحقوق المغتَصَبة.
أما إذا كان لا يمكن حل مأزق الواقع إلاَّ بمأزق الحل الدبلوماسي الرومانسي، فعلى تضحيات الشعوب الضعيفة في المقاومة إلاَّ السلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق