السبت، فبراير 27، 2010

الديموقراطية الغربية تستبيح سيادة لبنان

-->
بعد استباحة الديموقراطية الأميركية سيادة العراق،
الديموقراطية الغربية تستبيح سيادة لبنان
في 5/ 3/ 2005م
 

منذ أن اتَّخذت الإدارة الأميركية قرار احتلال العراق مهَّدت لقرارها بتأمين غطاء عراقي من المعارضين العراقيين الذين كانوا يعيشون في كنفها ورعايتها وتمويلها وحضانتها. وأفلتت الزمام ل«معزوفة» الديموقراطية. فحملت قميصها، وحمَّلته ل«جوقة الندَّابين» من عملائها.
وتحت عباءتهم التي يلبس مثلها غازي الياور، الرئيس المفروض على العراق بقوة «الديموقراطية الأميركية» غزت العراق واحتلته بقوة جيشها، المملؤة قطعاته بعشرات الآلاف من «المرتزقة». ووكَّلت «عباءاتها» العراقية بحماية «أسلابها» من غزو العراق. فكانوا كمن وصفهم الشاعر المتنبي: ب«الخصيان». بينما كان «بول بريمر» الحاكم الفعلي للعراق من جهة، والماسك بخيوط «الماريونت» العراقيين يحركهم كيفما يشاء من جهة أخرى. وراح، تحت عباءة الديموقراطية، يحكم العراق على قاعدة «كل شيء في خدمة الرأسمالية الأميركية». وانطلت الحيلة على المضلَّلين، أو على العارفين بخفايا المشروع الأميركي الحقيقية، وظلَّ شعار الديموقراطية مرفوع الراية، فمارس بول بريمر تحتها كل مشاريع الاجتثاث: من «اجتثاث فلسفة حزب البعث»، إلى «حل الجيش العراقي» كإفراز لتلك الفلسفة، إلى «اجتثاث» كل ما له علاقة بمبادئ السيادة الوطنية.
لكن، عندما واجهته المقاومة العراقية، وصدَّته، ومنعته، من النجاح على شتى الوجوه، راح يلعق دماءه من جنود ومال، ووجد نفسه منصاعاً لتغييب صورة هزيمته في العراق، فراح يغطيها بخطوة «الهروب إلى الأمام». فكانت الساحة اللبنانية مكاناً مناسباً وآمناً لتجميع كل القوى التي تخلَّفت عن مشاركته في احتلال العراق. وللأسف فقد انجرفت كل القوى الرسمية الخارجية، مسنودة من القوى الرسمية العربية، في مخطط جورج بوش لمساعدته في سياسة «الهروب إلى الأمام»، وتجاوز «روزنامة أولوياته» التي كان يريد من بدئها في العراق، إذ كان يرى أن نجاحها في العراق يعفيه من خوض حروب أخرى لكل مراحلها اللاحقة في إيران وسوريا ولبنان.
وللأسف، ونقولها بصوت عالٍ، فقد نجحت الإدارة الأميركية في تجميع أصوات النظام الرسمي الدولي والعربي حول تطبيق مضمون القرار (1559) والذي يهدف إلى تدويل القضية اللبنانية، كخطوة أساسية من خطوات «اجتثاث» السيادة والكرامة الوطنية، وكخطوة من خطوات «التآمر» على حركة المقاومة العربية.
لم يتعلَّم بعض أقطاب المعارضة اللبنانية من دروس شكل «الديموقراطية الأميركية» ولونها في العراق، فانجرفوا في تيار مشروع اليمين الأميركي المتطرف، وتوهَّموا –بعد أن أسقطت حكومة عمر كرامي نفسها- بأنهم حققوا نصراً كاسحاً ماسحاً. ونخشى أن يكون قد ركبهم الغرور وراحوا يروِّجون بأن «سحر الديموقراطية» هو المنتصر.
نريد أن نسجِّل أن الديموقراطية مسألة لا نختلف على أهميتها في حياتنا السياسية. لكن ليست الديموقراطية وصفة إذا تناولها الإنسان تحوله بقدرة سحرية من لا ديموقراطي إلى ديموقراطي. كما أنها ليست وصفة يقررها طبيب من هنا أو هناك، أو هي ليست بضاعة للتصدير يتم توزيعها على اللبنانيين فتحول اللا ديموقراطي منهم إلى ديموقراطي.
ونحن نفهم –أيضاً-أن ليس أنموذج الديموقراطية التي يفهمها أقطاب المعارضة اللبنانية هي مما يحوز على إجماع اللبنانيين وهذا لا يعني أن ديموقراطية الموالاة هي الحل المطلوب، حتى ولا ديموقراطية التيار الثالث أو الرابع. بل الديموقراطية هي عملية ثقافية، اجتماعية سياسية، متواصلة تستهلك حياة العديد من الأجيال تتعلَّم فيها –بالنظرية والتطبيق-ديموقراطيتها التي تتناسب مع سماتها ومصالحها الخاصة على أن تأخذ بعين الاعتبار أن لها علاقة لا يمكن أن تنفصل عن سمات المجتمعات الأخرى ومصالحها.
وهنا، لا نستطيع إلاَّ أن نستغرب، ونستهجن، أن يكون شعار الديموقراطية الذي يرفعه الرئيس الأميركي، جورج بوش، هو الحل الذي نركض وراءه. إذ أنه من الطبيعي أن يروِّج رئيس أخطر مشروع يتم تصديره للعالم لشعاره، ولكنه ليس من الطبيعي أن يخدعنا هذا الشعار. وإذا كان الإجماع الدولي يشكل سبباً في خديعتنا، فنقول: ليس الإجماع الدولي مستنداً لعشقه وغيرته على الديموقراطية في بلادنا، لأن غيرته المفاجئة على الديموقراطية في لبنان نابعة من مصالح الشركات الصناعية الكبرى في تلك الدول. وإذا كنا نريد أن نعرف من هو حريص عليها، فلن تكون الأنظمة الرسمية مصدراً لمعرفتنا، وإنما نأخذ الصورة الحقيقية من موقف شعوب تلك الأنظمة، فهي الأكثر مصداقية لأنها منفصلة عن حسابات المصالح ومكاييلها. ولن نتناسى أن ضمائر تلك الشعوب قد أدلت بأصواتها في انتخابات البرلمان الأوروبي، منذ عام تقريباً، إلى جانب ديموقراطية حقيقية.
إن ديموقراطية النظام الأوروبي الرسمي، كما النظام العربي الرسمي، تكيل القضية الواحدة بمكاييل عديدة من دون ربطها بالمبدأ الديموقراطي الإنساني العام. و إلاَّ كيف تفسر تلك الأنظمة تأييدها لانتخابات في العراق تحت حراب مئات الآلاف من جنود الاحتلال، ومن ضمنهم عشرات الآلاف من «المرتزقة». بينما ترفض إجراء انتخابات في لبنان في ظل وجود عربي، ولنقل إن وجوده يتنافى مع النظام الديموقراطي في لبنان. وهنا، لا بدَّ من أن نتساءل: هل العدالة في استخدام المكاييل جريمة؟ لماذا لم نطالب إدارة جورج بوش بسحب جنودها من العراق قبل إجراء انتخابات فيه؟
لم يتخذ مجمَّع النظام الرسمي، دولياً وعربياً، موقفاً مبدئياً فحسب، وإنما –الأنكى من كل ذلك- أنه بارك خطوة الانتخابات في العراق أيضاً، واعتبرها خطوة على الطريق الصحيح. فبالحد الأدنى في موازنة المسألتين يجب على ذلك المجمَّع: إما أن يرفض ما جرى في العراق، وبه يمكنه أن يرفض ما قد يجري في لبنان. وإما –واستناداً إلى ما قبله في العراق وباركه-أن يقبل مثله في لبنان ويباركه أيضاً. ويزول استغرابنا إذا عرفنا، ونحن نعرف أساساً، أن قوة «الإمبراطور الأميركي» فرضت ليس «قانون القوة يغلب قوة القانون» فحسب، بل إن «قانون القوة يصادر قوة الالتزام الأخلاقي» أيضاً، وهو أشد أنواع الجرائم التي يمكن محاسبة كل مرتكب لها، ليس بتهمة «مجرم حرب» فحسب، بل بتهمة «جرائم بحق الإنسانية وقيمها» أيضاً.
إن مدخلاً لتعريف المسألة الديموقراطية الأوروبية، التي جاءت لتساند «الديموقراطية على طريقة اليمين الأميركي المتطرف»، أمراً مهماً لتشريح مسارات الديموقراطية التي تسلكها الإدارة الأميركية في لبنان.
منذ اغتيال المرحوم رفيق الحريري، ابتدأت مظاهر استباحة «سيادة لبنان»، تحت نظر المعارضة اللبنانية وأبصار النظام العربي الرسمي. و لا بدَّ، هنا، من أن نتنبَّأ أنه –منذ الآن ولاحقاً-لن تكون أية سلطة لبنانية تأتي بتوافق مع المشروع الأميركي إلاَّ معرَّضة «لانتهاك مسؤولياتها السياسية والأمنية» تحت سمع المجتمع الدولي وبصره، ولن تجد تلك السلطة نصيراً لها.
ومن أهم تلك المظاهر: قدوم رئيس جمهورية فرنسا إلى لبنان للقيام بواجب التعزية باستشهاد رئيس سابق للحكومة اللبنانية، باعتباره صديقاً شخصياً له، وكأن علاقات الدول الرسمية قائمة على أسس من شبكة الصداقات الخاصة. وكأن العلاقات الرسمية بين الدول أصبحت بلا ضوابط ومن دون روابط. وغداً إذا توفي، في فرنسا، صديق لرئيس جمهورية لبنان يمكنه أن يركب طائرته فينزل في مطار «شارل ديغول» ويذهب للقيام بواجب العزاء ثم يعود أدراجه إلى لبنان من دون حسيب ديبلوماسي فرنسي ولا رقيب.
وعلى مثاله، تصرَّف مسؤولون عرب وأجانب، فكانت الخطوة الأولى في «استباحة صلاحيات السلطات اللبنانية»، وهي مهما كانت مواقفنا منها، تُعدُّ «استباحة للسيادة اللبنانية».
أما الوجه الحقيقي ل«لبنان الغد»، ل«لبنان الذي استعاد استقلاله في اليوم الذي استقالت فيه حكومة عمر كرامي»، لـ«لبنان الأرز» كما يحلو لمسؤولين أميركيين أن يصفوه، فأصبح واضحاً من حركة «انتهاك سيادة لبنان» التي قام بها، ولا يزال يقوم، وسوف يستمر بالقيام بها (داوود ساتر فيلد)–إذا بقي الحال على هذا المنوال-هي حركة «اجتثاث لسيادة لبنان». أليس تدويل المسألة اللبنانية، أو قل أمركتها بموافقة النظام الرسمي الدولي والعربي، إلاَّ وجهاً من وجوه تطبيق «الشرق أوسطية» خطوة خطوة؟
لقد تحوَّلت السفارة الأميركية إلى قصر للرئاسة، وقصر للحكومة، وقصر لمجلس النواب اللبناني، وهي كلها –سواء اتفقنا مع سياساتها أو اختلفنا-تمثل رمزاً «لسيادتنا وكرامتنا الوطنية». وراحت تدير كل أنواع التوجيه والتحريض وتوزيع الأدوار، والإشراف على التظاهرات والاعتصامات، إدارة سياسية وأمنية ومالية. أليس تلك الفعلة إلاَّ «انتهاكاً لسيادة لبنان وكرامته».؟ وإذا أصبح لبنان مجرَّداً عنهما، لنال الغرم كل اللبنانيين بكل أطيافهم السياسية والطائفية. أليس هناك من ردة فعل تثأر لنا جميعاً؟
إن مثال «بريمر» في العراق يتكرر في لبنان الآن. ف«ساتر بريمر»، خطة وهدفاً ووسائل، يحمل «ديموقراطية اليمين الأميركي المتطرف» من «منطقة السفارة الأميركية الخضراء في بيروت» ليشرف على انتخابات لبنانية تكون مثالاً للديموقراطية التي يبشِّر بها رئيسه، طبعاً تحت يافطة «احتلال سياسي أميركي» متخفٍ تحت «لحاف أوروبي، ممثلاً بالنظام الفرنسي» كتمهيد ل«احتلال أمني» كما بشِّرتنا بها وزيرة خارجيته (كوندوليزا رايس)، وهو الحل الحقيقي، لما بعد إخراج القوات السورية «فوراً !! » من لبنان، الذي أرادت أن تبشرنا به من أجل «لبنان أفضل بدون السلطات اللبنانية الحالية». ونتساءل هنا: هل هناك «شركات أمنية خاصة» لم تنل نصيبها من «الكعكة العراقية» وتعمل (كوندوليزا رايس) لتأمين حصة لها في «الكعكة اللبنانية»؟
إننا –في نهاية المطاف-لا نحسب، أو نتوهم، بأن يكون وضع ال«لبنان الأفضل» تحت قيادة «ساترفيلد» أفضل من «العراق الأفضل» تحت قيادة (نيغرو بونتي).
-->

ليست هناك تعليقات: