من لا يحسن الدفاع عن قضايا الأمة العربية
لن يحسن الدفاع عن إيران
رد على الكاتب الفلسطيني غطاس أبو عيطة
في 24/ 6/ 2008
كتب الأخ غطاس أبو عيطة (كاتب وناشط فلسطيني مقيم في دمشق) رداً على مقالة نشرتها في جريدة المجد الأردنية، في شهر نيسان الفائت، تحت عنوان (إدارة بوش بعد فشلها في العراق ترثي الحلم الضائع وتفتش عنه في أدراج النظام الإيراني والنظام العربي الرسمي). وقد نشر الأخ أبو عيطة رده في موقع (amin) الألكتروني.
لأن موقع إيران الجغرافي مجاور للوطن العربي يفرض علينا الحرص على علاقات إيجابية معها لمصلحة الأمتين معاً، ولأن الحوار مع المدافعين عن إيران منفعلين بزاوية واحدة سطحية. ولأن الحوار مع الرأي العربي الآخر مطلوب، كان لا بدَّ من توضيح الزوايا الغائبة عند معظم تيارات حركة التحرر العربي.لذلك جئنا بتوضيحات غابت عن عيون الأخ أبو عيطة.
يتمركز دفاع الأخ أبو عيطة عن إيران تحت عنوان تغليب التناقض الرئيسي على التناقض الثانوي، كون التحالف الأميركي – الصهيوني يشكل التناقض الرئيسي الوحيد في هذه المرحلة، وأن التناقض مع إيران هو تناقض ثانوي، الأمر الذي يوجب على العرب، كما ينصح الأخ أبو عيطة، أن يتفرغوا لمواجهة التحالف الأميركي – الصهيوني من دون غيره، وهذا يستدعي تحييد إيران من الصراع، خوفاً من الأخ أبو عيطة، من أن يخطئ العرب تصويب اتجاهات المعركة فتضعف عوامل المواجهة مع العدو الاستراتيجي.
ويدعو الأخ أبو عيطة العرب إلى أن لا ينخدعوا بالمزاعم الأميركية الآن التي تعمل على إظهار أن إيران تمثل العدو الرئيسي للعرب وليس أحد غيرها. وهو يسترشد في دفاعه عنها زاعماً أن إيران تقدم المساعدة للمقاومة العربية أولاً، ومن حقها أن تقوي مشروعها القومي الإيراني ثانياً، ولأنها لن تكون أكثر عروبة من معظم الأنظمة العربية الرسمية ثالثاً.
ولأن مقالنا، موضوع الرد، لم نبنه على الأكاذيب الأميركية خاصة ونحن لم ننخدع على الإطلاق بأبواق الإعلام الأميركي فحسب، بل نحن نعي تماماً أهدافه ومراميه حتى قبل هذه المرحلة بعشرات السنين أيضاً. ولذلك على طريقة الحوار العلمي وليس الإيديولوجي المغلق نتوجه إلى الأخ أبو عيطة، وإلى كل الصادقين من أبناء أمتنا العربية الذين نظروا إلى ربع الحقيقة في موضوع العلاقات العربية – الإيرانية أن تتسع صدورهم لسماع رأينا، مؤكدين له ولهم أن ما حدا بنا إلى كتابة مقالنا، موضوع رد الأخ أبي عيطة، لم تكن هواجس بل كانت تستند إلى رؤية علمية صارمة في تحليل الاتجاهات الإيديولوجية للنظام الإيراني من جهة، وإلى تحليل سلوكاته السياسية من جهة أخرى.
أولاً: في تحديد المصطلحات نظرياً وعملياً
1-التناقض الرئيسي نظرياً هو صدام الأضداد، وهنا يقع التناقض بين الإمبريالية وحركات التحرر الوطني. أما التناقض الثانوي: فيقع بين قوى متحالفة في المسائل الأساسية ولكن مصالحها ليست متطابقة تماماً.
فتكون أهداف الإمبريالية والصهيونية، عملياً، متناقضة تماماً مع مصالح الأمة العربية للأسباب التالية:
-إن الأمبريالية ظاهرة اقتصادية سياسية وعسكرية تتجسد في إقدام دولها القوية على التوسع والسيطرة على حساب شعوب وأراض أجنبية ونهب ثرواتها. لتلك الأسباب تمثل أهداف الغزو الإمبريالي الأميركي تناقضاً رئيسياً بالنسبة للأمة العربية لأنها تعمل من أجل السيطرة على الشعب العربي ونهب ثرواته، كخطوة أولى للسيطرة على العالم (أمركة العالم على مقاييس إيديولوجيا اليمين الأميركي المتطرف).
-وإن الصهيونية نوع من الإمبريالية الاستيطانية، وهي ذات إيديولوجية دينية تمهد لاغتصاب أرض فلسطين لمصلحة (شعب الله المختار)، لتلك الأسباب تشكل أهداف الغزو الصهيوني التوراتية تناقضاً رئيسياً بالنسبة للأمة العربية.
استناداً الى ذلك تلاحمت أهداف الإمبريالية في وطننا العربي، مع أهداف الصهيونية. فأصبحا معاً يمثلان التناقض الرئيسي مع الأمة العربية. وأخرجا أهدافهما الإيديولوجية باستراتيجية تفتيتها على قواعد قطرية أحياناً وقواعد طائفية وعرقية أحياناً أخرى. ويُعد (مشروع الشرق الأوسط الكبير) أوضح مثال على ذلك.
وعلى المنوال ذاته، ولأن إيران جارة للأمة العربية ولأنها مستهدفة من قبله، يُشكل التحالف المذكور تناقضاً رئيسياً لإيران. فعلى إيران إذاً أن تعتبر أن في مواجهة الأمة العربية للتحالف قوة لها. وأي ضعف للأمة العربية هو ضعف ينعكس سلباً عليها. وهذا الأمر يوجب على الأمتين أن ينسقا معاً لمواجهة التناقض الرئيسي. وعليهما أن يوظفا كل إمكانياتهما من أجل إحباط أهداف التحالف الأميركي – الصهيوني. فإذا غزا التحالف إيران، أو اعتدى عليها، يرتب على الأمة العربية واجب الدفاع عنها، وإذا غزا الأمة العربية، أو اعتدى على أي قطر من أقطارها، يرتب على إيران واجب الدفاع عنها أيضاً.
هذا في الإطار الواجب على القوميتين الإيرانية والعربية أداءه في مواجهة التناقض الرئيسي. ولكن إذا استقرأنا واقع الحال، ماذا نجد؟
2-حقائق خطابية لا يجوز إنكارها، ونواقص عملية لا يجوز تغييبها
من المعلوم أن انتصار الثورة الشعبية في إيران، في العام 1979، وطرد الشاه الذي كان حارساً للتحالف الأميركي – الصهيوني في المنطقة، شكل انتصاراً لقضايا الأمة العربية في مواجهة التناقض الرئيسي. وفي الوقت ذاته انتقلت قيادة الثورة في إيران إلى موقع الحرب مع الأمة العربية عبر البوابة العراقية، وظهرت في حرب ضروس استمرت ثماني سنوات. وبهذا بدت الأمور ملتبسة في أهداف الثورة الإيرانية، واستدعت رفع أكثر من تساؤل، فأصابت الحيرة الكثيرين حول إمكانية التوفيق بين إعلان الثورة الإيرانية عداءها للتناقض الرئيسي، وبين افتعالها حرباً ضد الأمة العربية عبر بوابتها العراقية. كما حصل التباس آخر حول تحديد من بدأ الحرب.
لم يُصب التيار القومي بشكل عام، وحزب البعث بشكل خاص، بالحيرة التي أصابت الآخرين جراء هذا الالتباس، بل كانت له تفسيراته المستندة إلى الأسباب الحقيقية، وهي الأسباب التي سنقوم بشرحها في موقع لاحق من ردنا هذا على الأخ غطاس أبو عيطة.
وعودة الى البداية، ومن منطلق حسن النية، نقول: كانت لإيران بعد انتصار ثورتها الشعبية مصالح مع الأمة العربية، لها خصوصياتها، كما للأمة العربية لها مع إيران مصالح لها خصوصيات أيضاً، وكان يمكنهما معاً أن يتعاونا من أجل التفاهم عليها من دون مواجهات عسكرية، بل بالحوار والتفاهم. إلاَّ أن هذا لم يحصل.
وكانت المرارة الكبرى هو أن النظام الإيراني كان يكبت في نفسه العداء ضد الأمة العربية، ليصوره بأنه كان عداء للنظام السياسي في العراق، والذي من أجله يبرر تنسيقه مع التحالف الأميركي الصهيوني في عدوانه على العراق واحتلاله في العام 2003.
وإذا كنا نتفق تماماً مع الأخ غطاس على المقدمات أعلاه، هذا إذا كان للنظام الإيراني الجديد أهدافاً لها خصوصياتها بالعلاقة مع الأمة العربية ومع العراق على قاعدة الاعتراف بحقوق قوميتين متجاورتين، إلاَّ أن حالة الافتراق بيننا وبينه، كأنموذج لعقلية سائدة عند أوساط عربية غيره، تستند إلى الأسباب التالية:
ثانياً: للنظام الإيراني استراتيجية بناء دولة دينية عابرة للحدود القومية
كنت أرجو لو أن الأخ غطاس يمتلك ثقافة إيديولوجية حول مفاهيم (ولاية الفقيه) وأهدافها وآليات تطبيقها، لكان وفَّر علينا وعلى نفسه وعلى القراء الأعزاء الكثير من الوقت والشرح.
وكنا نود لو أن خيار نظام (ولاية الفقيه) كان خياراً قومياً إيرانياً، يطبقه الشعب الإيراني داخل حدوده، لكنا أيضاً قد احترمنا هذا الخيار كحق للشعوب الحرة في تطبيق النظام السياسي الذي تريد. ولكن هذا النظام تم تسويقه على أساس أنه أمر إلهي يجب تصديره إلى الشعوب الأخرى بغض النظر عن الوسائل والأساليب.
نعترف بداية أن نظرية (ولاية الفقيه) كانت تجديداً في الفكر السياسي الشيعي عندما أفسح الطريق أمام الشيعة للانخراط في العمل السياسي بعد أن نأى بهم الفقه التقليدي عنه لقرون عديدة. ولكن كانت لنظرية ولاية الفقيه أبعاداً دينية مذهبية أعادت طرح تأسيس دولة دينية من جديد، دولة دينية ذات أبعاد مذهبية شيعية تتناقض مع الدولة الدينية التي تدعو إليها الأصولية السنية. على الرغم من أنه يجمع الأصوليتين مبدأ (لا حاكمية إلاَّ لله)، ولكن ليس من دون الاتفاق على مضامين تلك الحاكمية ووسائلها وأهدافها ووظائفها فحسب، وإنما لأنهما متناقضتان إلى حدود التكفير أيضاً:
1-مشروع نظرية ولاية الفقيه، كما مشروع حركة الإخوان المسلمين وفروعها، عابرة للحدود القومية، بل هي لا تعترف بتلك الحدود فحسب، وإنما لا تعترف بالقومية أيضاً. ويعتبر المشروعان بأن القومية ما وجدت إلاَّ لمحاربة الإسلام. كما يعتبران بأن الحدود القومية تحول دون بناء دولة إسلامية عالمية.
2-للمشروعين معاً أهداف إعادة تأسيس إمبراطورية إسلامية على قاعدة أن الله خلق البشرية شعوباً وقبائل ليتعارفوا أولاً، ولأن الإسلام دعوة عالمية فلا يجوز إلاَّ أن يقود البشرية بدولة عالمية ثانياً، على أن يشكل التشريع الإسلامي (الفقه الإسلامي) المصدر الوحيد لتلك الدولة ثالثاً. ولأن اتجاهات النظامين متناقضة إلى حدود التكفير المتبادل، فهما يؤسسان لفتنة إسلامية شبيهة بمثيلاتها في التاريخ الإسلامي.
3-أعطى المشروعان أولوية لإسقاط ما يعتبرانه أنظمة الكفر التي لا تحكم بما أنزل الله، واعتبرا أن الأنظمة العلمانية العربية أنظمة كفر، ويعملان من أجل إسقاطها. وقال أحد المسؤولين الكبار بحزب الله (إن العلمانية والصهيونية وجهان لعملة واحدة).
4-وإن اتفق التياران على مبدأ بناء دولة إسلامية عالمية (أممية دينية) على قاعدة (لا حاكمية إلاَّ لله) إلاَّ أنهما تناقضا حول الأسس والمبادئ والوظائف السياسية لتلك الدولة، وصلت حدود التناقض إلى مستوى التكفير المتبادل.
واستناداً إلى ذلك، وإذا أردنا الحكم على سلوكات أي نظام سياسي أو حركة سياسية أو دينية، فلا يمكننا أن نشخص تلك السلوكات الا بناء على أهدافها الإيديولوجية. وإذا أردنا أن نعرف أهداف خطاب الثورة الإيرانية السياسي لا بد من معرفة أهدافها الإيديولوجية. فالخطاب السياسي قد يكون مضللاً أما الأهداف الإيديولوجية فهي المعيار الصحيح لتقييم موقع الخطاب.
إيديولوجياً: أهداف الثورة الإيرانية بناء دولة إسلامية عالمية، وعالمية الأهداف تتناقض مع القومية، فالحدود القومية تعتبر حواجز جغرافية وسياسية ونفسية، الأمر الذي يؤكد أن لإيران (ولاية الفقيه) أطماعاً في التوسع على حساب الوطن العربي، ولأن العراق هو الجار المباشر لإيران كان لا بدَّ لمشروع الدولة الإسلامية العالمية من اعتباره بوابة التصدير المباشرة.أما النظام السياسي الوطني في العراق قبل الاحتلال، فيؤمن بالقومية حدوداً نهائية له، وهي الحقيقة الإيديولوجية التي تنفي أي أطماع للعراق في أرض إيران قبل الحرب الإيرانية – العراقية، أم بعدها.
سياسياً: جاء إعلان (تصدير الثورة) الذي رفعه الخميني، معبِّراً تمام التعبير عن أهداف الثورة الإيرانية الإيديولوجية. ولهذا السبب كان الشعار المذكور بمثابة إعلان حرب على القومية العربية بدءاً من بوابتها العراقية، بحكم عامل التجاور الجغرافي. ولهذا فإن الأهداف الإيديولوجية، وشعاراتها السياسية، تجعل من إشكالية من بدأ الحرب في العام 1980، بين إيران والعراق، لغواً من السفسطة السياسية والإعلامية.
وإذا حسبنا ما لهذه الإيديولوجية من مخاطر على صعيد الوحدة الإسلامية، يتشارك فيها دعوتان: ولاية الفقيه الإيرانية، واستعادة مجد الخلافة الراشدة الإخوانية، لاستطعنا أن نقرأ حدة الصراع بين الدعوتين إذا ما أتيح لكل منهما بناء دولته الإسلامية. ولهذا مجال آخر.
لكن يمكننا الإشارة إلى أن التحالف الشاذ الذي ربط الدعوتين على أرض العراق، ودفع كل منهما إلى الانضواء تحت راية الاحتلال الأميركي، كان يحدوه هدف إسقاط نظام علماني (كافر) أولاً، ومن بعدها، كما يحسبان، ينتقلان إلى مقاومة الاحتلال الأميركي ثانياً، كما نقرأ أن الشقاق سيدب بينهما إذا ما خلا الجو لهما وحدهما على أرض العراق ثالثاً.
ثالثاً: عودة إلى النظر بتعريف التناقض الرئيسي
1-على صعيد الأهداف الإيديولوجية:
من أهم أهداف الأمبريالية والصهيونية: محاربة القومية العربية، وإسقاط الأنظمة الجادة ببناء وحدة عربية. تنتقلان بعدها إلى تطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير على قاعدة بناء فيدراليات طائفية ومذهبية وعرقية.
من أهم أهداف الثورة الإيرانية: محاربة القومية العربية، وإسقاط الأنظمة العلمانية، وإقامة كيانات طائفية تبرر اقتطاع الشيعة في فيدراليات مذهبية (وهو الأنموذج الأقرب لمشروع الشرق الأوسط الجديد).
وإذا كنا نحدد مواصفات التناقض الرئيسي بناء لشروط وأسس يجب أن تتوفر في ما نعتبره يشكل تناقضاً رئيسياً. وإذا كنا نعتبر أن محاربة القومية العربية، وتمزيقها إلى دويلات طائفية، هي تلك الشروط. نتساءل: ما هو الفرق بين المشروعين الأميركي – الصهيوني والمشروع الإيراني؟
وإذا كنا نعتبر أن الإيديولوجيا الصهيونية، بأهدافها التوراتية، تستعد لخوض معركة الخير والشر على أرض فلسطين تمهيداً لظهور (المسيح المخلص). فهل ينكر أصحاب مشروع (ولاية الفقيه) أنهم يمهدون لمعركة الخير والشر الفاصلة على أرض القدس تمهيداً لظهور (الإمام الغائب)؟
2-على صعيد السلوكات السياسية والخطاب السياسي:
كنا صادقين في دعائنا أن لا نصدق ما وصلنا إليه من استنتاجات بعد قراءات متأنية تستند إلى البحث العلمي. كما كنا مذهولين من تلك الاستنتاجات، لولا أن ما جرى بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية جعلنا نقف مذهولين أيضاً. ولا ضير هنا من أن نعود بالذاكرة إلى بعض المشاهد المفصلية، ومن أهمها:
أ-إعلان الخميني، بعد صدور قرار وقف إطلاق النار بين البلدين الجارين: العراق وإيران، في 8/ 8/ 1988، قائلاً بما معناه: أوافق على القرار وكأنني أتجرع السم. وهل إنقاذ بلدين جارين من حرب ضروس فيه ما يستدعي تجرع السم، أم أنه يستدعي إعلان الشعور بالراحة والاطمئنان لعودة السلام بينهما؟
ب-معاتباً الإدارة الأميركية، أعلن أكثر من مسؤول إيراني رفيع المستوى، بعد احتلال العراق: لولا الدعم الإيراني لما استطاعت أميركا احتلال كابول وبغداد. وقد جاء العتاب بعد:
-سلسلة من اجتماعات التنسيق بين الإدارتين وراء الكواليس.
-مشاركة القوى الهاربة من العراق، التي احتضنتها إيران، بمؤتمرات لندن وغيرها. تلك المؤتمرات التي كانت تحت رعاية أميركية، والتي كانت تمهد لاحتلال العراق.
-دخول تلك القوى، المدربة والمسلحة في إيران، عن طريق الحدود الإيرانية العراقية إلى العراق تحت مظلة الاحتلال الأميركي. وعلى رأسها (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) بقيادة الحكيمين محمد باقر وعبد العزيز. ناهيك عن ممارسات (فيلق بدر) التي كانت من أهم وظائفه، ولا تزال، ملاحقة المقاومين العراقيين وتصفيتهم، وتصفية البنى البشرية العسكرية والعلمية للعراق...
-مشاركة حزب الدعوة، حليف إيران، بالإعداد للاحتلال والمشاركة في العملية السياسية ومنه تولى عضوان رئاسة الحكومة العميلة.
-إلحاح كل القوى المرتبطة بإيران، والمنخرطة في العملية السياسية للاحتلال، لإقرار نظام (الفدرلة) وتقسيم العراق بين السنة والشيعة والكرد.
إن هذه العناوين مفاصل أساسية وليست ردود فعل ضد النظام الوطني للبعث، بل هي مفاصل استراتيجية، تعبر تمام التعبير عن المشروع الإيديولوجي الإيراني، فإن التفصيلات التي تدل وتؤكد على ضلوع المخابرات الإيرانية في تهديم الدولة العراقية هي أكثر من أن تحصى، ويكفي التذكير بما قاله أحد الباحثين العراقيين: إن إيران هي أكثر من استفاد من نحر العراق. (ندعو الأخ أبو عيطة الى متابعة عشرات آلاف التقارير ذات العلاقة).
رابعاً: ما قمنا بذكره ليست هواجس بل حقائق ثابتة
إن الهواجس تعريفاً تحتمل الشك، ولأن ما كتبنا عنه كانت نتائج أبحاث ومتابعة، وكلها موثَّقة توثيقاً علمياً، نبرزه إذا دعت الحاجة، هذا مع العلم أن أبحاثي العديدة المنشورة ذات العلاقة يمكن أن تكون بمتناول من يريد.
أما ما اشتم منه الأخ أبو عيطة أنه يشكل هواجساً لدينا، فكان يعود إلى منهجنا في الكتابة الذي يأخذ عامل إظهار حسن النية تجاه إيران، كجار للعراق العربي، مستندين إلى أنه ليس من الواجب أن نقفل أبواب الأمل في أن يعود النظام الإيراني إلى رشده.
فنحن لو جمعنا بين الأسباب الإيديولوجية والوسائل السلوكية للنظام الإيراني، لن يكون باستطاعتنا أن نصنفه خارج التناقض الرئيسي. والسبب الوحيد الذي يجعلنا نعيد النظر بتصنيفنا هو أن يعيد النظام الإيراني النظر ببناء هيكله الإيديولوجي سواءٌ أكان لجهة احترام خيارات الشعوب الأخرى للنظام السياسي الذي تريد، أم كان لجهة إعادة النظر بممارساته على أرض العراق والعودة عن الخطأ.
وهل يريد الأخ أبو عيطة، والتيار الذي غابت عنه الحقيقة، أن نقاتل العدو (التناقض الرئيسي) من أجل منعه من إلحاق الأذى بنا، ونسكت عمن يزعم أنه يمثل (التناقض الثانوي) على الرغم من أنه يُنزل الأذى ذاته بنا؟
إن العداوة والصداقة لهما معايير وأسس ومفاهيم، فإذا انطبقت على الأبعد يكون عدونا، وكذلك إذا انطبقت على الأقرب فلن يكون غير عدو لنا.
ولنفترض أن المشروع الأميركي والصهيوني قد غيَّر من أهدافه: الإقرار بحقنا في السيادة الوطنية والوحدة وبحقنا في ثرواتنا من جهة، وإلغاء المشروع الإيديولوجي التوراتي من جهة أخرى، فهل يجوز الاستمرار باعتبارهما عدوين رئيسيين (تناقضين رئيسيين)؟
ولنفترض، وهذا ما هو حاصل من دون شك، أن النظام الإيراني لا يزال يصر على اعتبار القومية العربية هدفاً يجب إلغاؤه، وتفتيت الأمة إلى دويلات طائفية وعرقية كما هو حاصل في العراق، فهل يجوز التخفيف من الحكم عليه لأنه يقدم مساعدات إلى بعض القوى المقاومة في الأمة العربية؟
إن هذا يدفعنا إلى القول: ليست المساعدات التي تُقدَّم إلى بعض العرب هي المقياس للحكم على مصداقية إيران، بل الحكم عليها من خلال التساؤل عن الثمن المطلوب تسديده لقاء تلك المساعدات. وحول هذا الأمر قد تكون السلوكات الإيجابية للنظام الإيراني قنبلة دخانية للتعتيم على جرائم تريد التعمية عليها.
يزعم الأخ أبو عيطة أن إيران تقدم مساعدات إلى المقاومة العربية، والصحيح أنها تقدم مساعدات لبعض المقاومة العربية، ولكنها تعمل للقضاء على بعضها الآخر. فهناك وجهان متناقضان للسلوك الإيراني: دعم هنا، وعداوة هناك.
وإذا كنا نعترف بأن المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق تقاتل عدواً واحداً، وليس الأخ أبو عيطة بعيداً عن هذا الاعتراف، فلماذا تدعم إيران المقاومة في فلسطين ولبنان، وتعادي المقاومة في العراق وتعمل للقضاء عليها؟
وخوفاً من أن تكون إيران قد دخلت إلى المقاومة العربية في لبنان وسورية من بوابة المقدمات الصحيحة لتخرج بها من بوابة النتائج الخطأ. يجب أن نعرض صورة ما تقدمه إيران من مساعدات بشكل واضح وصريح. أما بدورنا فنعتبر أن ما تقدمه في لبنان وفلسطين يستأهل الشكر والعرفان بالجميل، إلاَّ أنه ما يجب أن يكون واضحاً أن المقاومة في القطرين معاً سبقتا بانطلاقتهما قيام الثورة بسنوات كثيرة. ولم تكن هي من فجرتهما.
وإذا اعترفنا بالجميل هنا، فهذا لا يجوز أن يحرمنا حقنا في أن نحاسبها على مواقفها العدائية من المقاومة العراقية، بل علينا أن نسألها ونسائلها عما ترتكبه بحقها. ولن يشفع لها مساعدتها هنا، لأنه كما هو ظاهر أنها تطلب الثمن سكوتاً عن نحر المقاومة هناك. فتكون بمثل هذا الفعل قد دخلت إلينا من مقدمات صحيحة في مكان لتخرج بنا من بوابة نتائج خاطئة هناك. ولهذا نرى أن الخطاب السياسي الإيراني مضلِّلاً، كما أن اتجاهات دعمها لبعض المقاومة العراقية مضللة أيضاً.
وعن ذلك نرى أن إيران ترفع شعارات العداء للأمبريالية الأميركية، وترفع شعارات العداء للصهيونية وربيبتها (إسرائيل)، وهذه مسألة إيجابية. والمحير في الأمر، والأكثر إثارة هو أنها تعادي التحالف الأميركي – الصهيوني هنا وتدعم المقاومة التي تواجهه، لكنها تنسق معه وتشاركه هناك. ألم يلفت هذا التناقض نظر الأخ أبو عيطة؟ ألم يلفت نظره أن النظام الإيراني يتواجد على أرض العراق جنباً إلى جنب مع الاحتلال الأميركي والتغلغل الصهيوني هناك؟ ألم يخطر بباله أن يتساءل عن سر هذه الأحجية؟ ألم يتساءل: ماذا يفعل النظام الإيراني في العراق؟
كل الدلائل تؤكد أن التنسيق الكامل، منذ احتلال العراق، بين العدوين المزعومين (ونصر على مزعومين) لأن الأعداء لا يمكن أن يلتقيا على ساحة واحدة، وإذا التقيا فهل ليس في الالتقاء ما يلفت النظر ويثير التساؤل؟
لقد نسقا وتحالفا وتشاركا في احتلال العراق، تم تمزيق العراق وتفتيه إلى دويلات، وحولا ساحته إلى بؤر للصراعات المذهبية، وتشاركا في تدمير بنيته التحتية حتى عاد إلى ما قبل العصر الحجري. فكيف يمكنني كعربي أن أرضى وأسكت وأقتنع بأن أرد الصفعة إلى الأميركي فقط، وأن أدير الخد الآخر للصفعة الإيرانية؟
هل هو قانون تأجيل الصراعات الثانوية المزعومة مع إيران، لمصلحة التناقض الرئيسي مع الإمبريالية والصهيونية؟
طيب يا أخي، كان على إيران أن تغلِّب هي التناقض الرئيسي وليس نحن، خاصة وأن العدوان كان على العراق، الدولة العربية، وليس على إيران. أما كان يجدر بإيران أن ترفض المشروع الأميركي لأنه يشكل التناقض الرئيسي على تناقضها الثانوي مع العراق؟
بالله عليك، أخي أبو عيطة، أما آن لنا أن ننظر إلى الصورة بكل أبعادها من دون تجزئتها؟
أما كان من واجب إيران أن تدعم المقاومة العراقية؟
أليست المقاومة في العراق عربية؟
أليست أهدافها مواجهة التناقض الرئيسي؟
أليس من واجب الجميع أن يدعموا المقاومة التي تدق رأس الأفعى وتسحقه في العراق، لأن بقاءه حياً هناك سيجردنا من انتصاراتنا في فلسطين ولبنان؟
وهل المطلوب من المقاومة العراقية أن تعتبر عدوان إيران وعملائها في العراق عليها، هو كمثل ما يقال: (ضرب الحبيب زبيب)؟
وهل يجب تحييد عملاء إيران، ومخابرات إيران، تحت ذريعة أن تناقضنا مع إيران مجرد تناقض ثانوي؟
يا أخي لم يعد التناقض مع إيران ثانوياً، بل أصبح تناقضاً رئيسياً:
فهل من يلاحق المقاومة العراقية، أميركياً أكان الملاحق أم إيرانياً أم عراقياً أم عربياً، إلاَّ عدواً لها؟
وهل من المنطقي أن تتفرغ فقط للاحتلال الأميركي، وتترك للتدخل الإيراني أو حتى العربي أو العراقي، مهمة القضاء عليها؟
وإذا تم القضاء على المقاومة العراقية، هل يبقى لممانعي أميركا دور وصوت؟
يا أخي إذا كنت تسمع صوتاً للممانعين الآن، فإنما ارتفع صوتهم منذ أن انطلقت الرصاصة الأولى في وجه الاحتلال، وإذا خفتت أصوات رصاص المقاومة في العراق، فستنخفض أصوات كل من ركبت المقاومة لهم أرجلاً. وهل النظام الإيراني بعيداً عن الذين ركَّبت المقاومة العراقية لهم أرجلاً؟
وكما تزعم، أخي أبو عيطة، أن من حق (الأمة الإيرانية) أن تصلِّب مشروعها،
ولكن أي مشروع هو هذا الذي تصلبه تحت حماية (الشيطان الأكبر)؟
وهل من حقها أن تصلبه على جثة المشروع النهضوي العربي؟
وهل العراق اليوم تحت الاحتلال الأميركي إلاَّ جثة أكثر من استفادت من النهش فيها (الأمة الإيرانية)؟
وهل لا يمكن أن يتصلب المشروع إلاَّ بمحاولة القضاء على المقاومة العراقية؟
وهل تواطؤ بعض النظام العربي الرسمي، بل التآمر، مع الاحتلال الأميركي في العراق يعتبر مبرراً للتواطؤ الإيراني،بل التآمر على العراق؟
نحن لم نكن ننتظر أميركا لترشدنا وتعبئنا أن إيران عدوة لنا. بينما نحن نعي أن من تريد تضليلهم أميركا من الأنظمة العربية، قد شاركوا إلى جانب إيران في التواطؤ على احتلال العراق. وإذا كان الخداع ينطلي عليهم فنحن ممن لا تنطلي كل أكاذيب أميركا.
خامساً: يريد أبو العيطة أن يلهينا بشعارات تكتيكية سياسية
ليس التدليل على صحة موقف إيران من الانخراط بما يسميه الأخ أبو العيطة (بشأن حوارها حول مستقبل العراق) يكون بمقارنته بالموقف السوري. فإذا صدر خطأ عن إيران وارتكبت سورية مثله فسيكون خطأ أيضاً. أما التكتيكات السياسية فهي أمر مباح سياسياً على شرط أن لا تتناقض مع الثوابت الاستراتيجية، وهنا فليسمح لنا الأخ أبو عيطة بأن نميز بين المواقف الاستراتيجية لكل من النظامين، أما التكتيكات السياسية فهي عرضة للاجتهاد والتأويل والتفسير.
إن إيران تقاتل المقاومة العراقية ولا تعترف بها، بينما سورية تعلن: أنه لولا المقاومة العراقية لكان الوطن العربي كله قد أصبح تحت هيمنة الإمبريالية الأميركية، ولا يخفون حرصهم عليها. وكما أن إيران تعمل على تقويض وحدة العراق وتفتيته، بينما سورية تعتبر أن وحدة العراق أرضاً وشعباً، خطاً أحمراً.
ففي إطار الاستراتيجية هناك تناقض واضح بين استراتيجيتيْ كل من سورية وإيران. كان على الأخ أبو عيطة أن لا يتجاهل الأمر، بل كان عليه أن يعيه. أما عن التكتيكات فسورية ليست موجودة في العراق، كما هي موجودة إيران. وسورية لا تحاور أميركا على أرض العراق، وليس لها امتدادات سياسية تشارك بالعملية السياسية، وليست لها أدوات عسكرية ومخابراتية تلاحق المقاومين وتقتلهم، وتساوم أميركا على دمائهم...
إن إيران لا ترضى فقط بالمساومة على المقاومة العراقية، بل هي تذبحها أيضاً. أما سورية فلم ترض بذلك منذ صدور القرار 1546، الذي دعا كل دول الجوار للعراق بالمشاركة في محاربة الإرهاب، وكان يقصد بالإرهاب المقاومة العراقية. ولو استجابت سورية لهذا الأمر لكان وضع العلاقات السورية – الأميركية غير ما هي عليه الآن.
دعنا يا أخي نغلِّب الاستراتيجي على التكتيكي، فبمثل هذا التغليب نكون قد قطعنا شوطاً مهماً على طريق الحوار. ولهذا يسرنا إعلان السيد نصر الله عن (أنه قد آن الأوان، لأن تغادر مجموع القوى العراقية أوهامها بشأن النوايا الأمريكية، وأن تدرك على أن طريق المقاومة المسلحة هو الطريق الصحيح لتحرير الأرض والسيادة). ونحن نعتبر أن الخطاب يجب أن يكون موجهاً للنظام الإيراني وعملائه في العراق لكل الأسباب التي قمنا بتوضيحها في ردنا، وهو ليس موجهاً إلى قوى المقاومة العراقية لأنها هي التي تقاوم كلاً من الاحتلال و(مجموع القوى العراقية) العاملة في خدمته.
سادساً: تعالوا إلى كلمة (عقل صادق)
ننهي ردنا هذا على أنموذج من يدعون إلى اعتبار العلاقة بين العرب المؤمنين بالمقاومة وبين النظام الإيراني علاقة تناقض ثانوي، للاستجابة إلى نداء المؤتمر القومي العربي التاسع عشر الذي انعقد في اليمن في أوائل شهر أيار الماضي، النداء الذي أدان فيه ممارسات النظام الإيراني في العراق ودعاها إلى تصحيح مساراتها، كما دعا إلى تشكيل لجنة مهمتها أن تحاوره من أجل إعادة تصحيح المسارات الخاطئة كخطوة أساسية للعودة إلى صف المواجهة ضد الاحتلال الأميركي في العراق.
إنه بغير ذلك لن نعتبر أن علاقتنا بالنظام الإيراني علاقة تناقض ثانوي، بل هي علاقة تناقض رئيسي حتى نطمئن إلى وجود عكس ذلك. وعلى المقاومين العرب في كل مكان، الذين يزعمون أن للنظام الإيراني موقع الصديق من القضايا العربية، أن يلعبوا دورهم. كما ندعوهم، بحكم انتماءاتهم المقرَّبة من إيران، إلى أن يلعبوا دور القاضي النزيه والعادل في حل تلك الإشكالية، ونقول لهم: من لا يحسن الدفاع عن قضيته القومية لن يحسن الدفاع عن إيران.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق