-->
-->
المقاومة التي تعفو عن رأس أفعى الاحتلال
وتكتفي بقطع ذَنَبها
27/ 9/ 2005
من الغريب، والمريب أحياناً، أن يفصِّل كل منخرط في مقاومة الاحتلال مبادئ المقاومة على ذوقه، وحسب الأهداف التي يبتغيها. بينما ليس لمقاومة الاحتلال ألوان وأشكال، بل لها وجه واحد ولون واحد، يجمعها المبدأ الإنساني والقانوني والتشريعي، الذي يعتبر أن كل احتلال باطل لأنه يتناقض مع مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها. كما أن كل مقاومة لا تعمل على مبدأ تحرير البلد المحتل تحريراً كاملاً من كل آثار الاحتلال وتبعاته وإفرازاته، هي مقاومة ناقصة. فهي وإن ضايقت الاحتلال في بعض جوانبه فإنها تكون أعجز من أن توفر السيادة الوطنية للبلد المحتل.
ما أشرنا إليه أعلاه يعالج ثنائية «الاحتلال والمقاومة» بشكل عام. أما المقاومة العربية فلها خصوصياتها التي اكتسبتها من خصوصية الاحتلال الذي تتعرض له الأرض العربية، فلسطينياً ولبنانياً وعراقياً.
أما مظاهر تلك الخصوصية فهي تتلخص بالصراع العربي الصهيوني، ويتميَّز الاحتلال الصهيوني بخصوصيات مُثْبَتة. فمنذ كان الاحتلال الصهيوني الاستيطاني للأرض الفلسطينية كان مدعوماً ومسنوداً ومستقوياً ببريطانيا العظمى. ولا يخفى على المثقف العربي كم كان للعامل البريطاني من تأثير في إنجاح الاستيلاء الاستيطاني الصهيوني على أرض فلسطين. فكان التحالف البريطاني – الصهيوني أساساً لا يمكن إغفاله في أي تحليل أو تقييم.
ولما ورثت الولايات المتحدة الأميركية تركة الاستعمار القديم الذي كان يقوده التحالف الفرنسي البريطاني، ورثت الإدارة الأميركية، فيما ورثت، مسألة الصراع العربي الصهيوني، وحلَّت في دائرة العداء الاستعماري للوطن العربي محل بريطانيا في دعم المشروع الصهيوني الى أن أصبحت شريكة استراتيجية له. ويعود أصل الشراكة بينهما الى استراتيجيتهما المشتركة في الاستيلاء على العالم لأغراض اقتصادية. وأصبحت تلك الشراكة أكثر متانة منذ وصول اليمين الأميركي المتطرف في الحزب الجمهوري المدعوم باليمين المسيحي المتطرف. وهذا هو حال المرحلة التي نعيش أكثر فصولها مأساوية ووحشية في كل من العراق (الاحتلال الأميركي)، وفلسطين (الاحتلال الصهيوني.
فقبل أن تبدأ مسألة احتلال العراق احتلالاً واقعاً، كان الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين مدعوماً بكل قوى الولايات المتحدة الأميركية وإمكانياتها العسكرية التسليحية والمادية بمدها بالمساعدات الدائمة والمرحلية.
ولأن النظام الأميركي قائم على مبدأ توفير كل مستلزمات إنجاح المشروع الرأسمالي الأميركي الذي هو إنجاح لمشروع الشركات الكبرى فيه، وظَّف الوجود الصهيوني في فلسطين أداة من أدوات إنجاح المشروع الأمبريالي الأم. فأصبح التحالف المذكور، الصهيوني – الأميركي، بمثابة أفعى تعمل على غزو الوطن العربي والهيمنة على كل مفاصل الحياة فيه. ولهذا يقطن رأس الأفعى في خلايا المشروع الأميركي الرأسمالي المتطرف، أما ذنبه فيمتد الى الأرض الفلسطينية.
عندما كنا في مرحلة الصراع العربي – الصهيوني، صبَّت حركة المقاومة الثورية كل اهتمامها على ضرب ذنب الأفعى، وقد نجحت المقاومة الوطنية اللبنانية، بمن فيها من تأثيرات وظَّفتها المقاومة الإسلامية في لبنان، في قطع جزء من الذَنَب في لبنان، ولكي يكتمل القطع كان لا بد من أن تنجح المقاومة الفلسطينية في استكمال المهمة على أرض فلسطين.
ولما وقفت تأثيرات المقاومة في لبنان عند حدود لبنان الجنوبية نقول بأنها قد قامت بأداء رائع على الساحة اللبنانية، ولكن تحصين النصر في لبنان لا يمكن أن يتم من دون استكمال المساعدة والمشاركة على أرض فلسطين، التي في حال نجاحها يصبح النصر في لبنان أكثر ثباتاً وأكثر قوة. ولهذا نؤمن بأنه ما لم يتوفر قطع الذَنّب بكامله يبقى النصر الذي أحرزته المقاومة في لبنان ناقصاً، ولن يتحول الى نصر استراتيجي ثابت الجوانب والأسس الا باقتلاع كل تأثير للمشروع الإمبريالي الأم الذي يقع رأسه على الولايات المتحدة الأميركية.
في تلك المرحلة، واستعجالاً للمشروع الإمبريالي الخبيث، كان استعجال إدارة جورج بوش لاحتلال العراق، فبه يتم إطباق المشروع الصهيوني الإمبريالي على كل المنطقة. وفيما لو قُيِّض لمشروع احتلال العراق أن ينجح، لكان من الممكن أن يكون الاطباق على فلسطين سهلاً، ولكنا خسرنا كل المكتسبات التي أحرزتها المقاومة في لبنان. لأنه في الوقت الذي منعنا فيه وجود الذَنّب في لبنان، سيكون الانتصار الأميركي في العراق عودة الأفعى، بذَنّبها ورأسها إليه معاً، وبمثل تلك العودة تكون كل انتصارات المقاومة في لبنان في خبر كان، وأخواتها، وإن وأخواتها أيضاً.
من مثل تلك الوقائع، كان من الواجب على المقاومة في لبنان أن تقول شكراً للمقاومة في العراق، فهي التي أخَّرت استحقاق عودة المشروع الأمبريالي الصهيوني الى لبنان. ولأن عودته مؤكدة طالما أن الصراع في العراق لم يُحسم بعد، على الرغم من أرجحية انتصار المقاومة. وهذا ما يدفعنا الى القول أن الدفاع عن مكتسبات المقاومة في لبنان لا يمكن أن يتم الا بدعم المقاومة العراقية حتى لحظة إحراز النصر على الاحتلال الأميركي، ومن دون ذلك تكون المقاومة في لبنان، بشتى مآكلها ومشاربها، قد عملت على التفريط بما أحرزته من مكتسبات عندما قطعت ذنب الأفعى الصهيوني في لبنان.
أما الصورة التي نرى عليها وضع علاقة المقاومة في لبنان بالمقاومة العراقية تسير في طريقها الخاطئ، بل والخطِر أيضاً.
كنا نراهن على الأطراف التي حققت النصر في لبنان تأييد المقاومة العراقية لأنها تضرب رأس الأفعى وتعمل على «اجتثاثه» لتخليص العراق من سمها، وبالتالي حماية الأمة العربية في منع المشروع الأميركي من النفاذ. وكنا نراهن على أن تلك الأطراف ستبارك عمل المقاومة في العراق وجهادها ونضالها. لكن هذا لم يحصل فحسب بل انحدر خطاب بعض الأطراف نحو الأسوأ أيضاً، وكانت أبرز معالمه قد ظهرت بعد الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله في لبنان، الذي وإن رشق الاحتلال الأميركي بحجر، إلاَّ أنه راح يشكك في دور المقاومة العراقية بدلاً من أن يشكرها لأنها أخَّرت عملية «اجتثاثه»، فبلدوز كولن باول كان قد بدأص في اجتياح لبنان وسوريا في أثناء زيارته لدمشق في السابع من آب من العام 2003. وكان قد حمل في حقيبته لائحة من الإملاءات يأتي في بنودها الأولى مطلب «قطع رأس» حزب الله. ولما تنامى تأثير المقاومة العراقية بقيادة ما يحلو للأمين العام لحزب الله أن يسميهم بـ«الصداميين»، تناسى حقيقة الخطر الذي كان يُحدق به، وتعالى خطابه رافضاً اليد التي خلَّصته. ولم يقف الأمر عند حدود الرفض، بل استكمله بنسيان «الجميل»، وراح يرشق طواحين هواء الاحتلال الأميركي بأكثر سيوفه حدة، وبدلاً من أن يُحمِّل تبعة الخراب الذي جرَّه على العراق، ألقى بتبعة ذلك على ثنائية لا يمكن أن يتوافق طرفاها على وضع ما بعد إنجاز تحرير العراق، وسمَّاهما بالإسم «التكفيريين والصداميين». أما أين اليمين الأميركي التكفيري، وأين هم «البوشيين»، فلم يحتاجا منه أكثر من لوم وتقريع لأنهما لا يريدان أن يُسلِّما شؤون العراق للمجلس الأعلى للثورة الإيرانية ولقوات بدر والبشمركة، وكأنه كان يتوهَّم بأن المشروع الأميركي سيسقط «الصداميين» ليسلم العراق الى إيران كما إلى المذهبيين والعرقيين.
لا تخرج دعوتنا للجميع ممن هادنوا المشروع الأميركي في العراق، والامتناع عن مقاومته، كما ملاحقة المقاومين لاغتيالهم أو تسليمهم لقوات الاحتلال، عن أن للمقاومة شروط استراتيجية قبل أي شيء آخر، وهو ليس رفض الاحتلال فحسب، بل مقاومته أيضاً. ولا يمكن لأي موقف أن يكون مفهوماً، حتى من الذين لم يبنوا أمجادهم الا قاعدة الفعل المقاوم للصهيونية، إذا لم يُستكمل باستراتيجية قطع رأس أفعى المشروع الأميركي وهذا هو موجود في العراق الآن. فإذا كان ذَنَب المشروع في فلسطين المحتلة فرأسه الآن يحتل العراق. فمن أجل أن تكون المقاومة كاملة متكاملة، ومن أجل أن يكون استلال سيفها مفهوماً لا يملأه التناقض واللعب على أحابيل الألفاظ السياسية المفبركة، على كل الأيدي أن تمتد الى قطع الرقبة التي تحمل رأس الأفعى، فكل براءة ذمة للمقاومين إذا لم توقعها المقاومة العراقية فهي ليست مقبولة على الإطلاق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق