-->
-->
بداية الكلام في بكائية الجياع والمرضى:
محنة العمال في النقابيين الواقفين على أبواب سلاطين المال والطائفة
(طليعة لبنان الواحد عدد تشرين الثاني 2007)
لماذا يتحمل النقابيون الممثلون للعمال وزر المحنة؟
من البديهي أن يتحمل هؤلاء مسؤولية الدفاع عن حقوق العمال وحمايتهم من ظلم لاحق بهم من السلطة أو من الطبقة الرأسمالية، أوَ ليسوا هم رعاة العمال؟
أوَ ليس من واجب الراعي أن يحمي من يُمثِّل؟
قد تجور السلطة خاصة إذا كانت ممثِّلًة لطبقات النخبة في المجتمع، أما مصلحة الرأسماليين فتقف على طرفيْ نقيض مع مصالح العمال. أما ما ليس طبيعياً فهو أن يقف ممثلو العمال على أعتاب السلطة وأرباب الرأسمال، فهم بمثل هذه المواقف يخونون الطبقة التي اختارتهم لتمثيلها.
في ظلام الواقع السياسي الذي يعيشه لبنان، تتصارع فيه القوى وتتقاتل من أجل ما يلبي حاجات الخارج، ضاربة عرض الحائط كل هموم المواطن وآلامه، مستخدمة مادة المال السياسي في تحصين أنصارها من الفاقة والعوز، تاركة الأكثرية الساحقة من اللبنانيين تعاني الأمرين وتقف على حافة الجوع الحقيقي.
لقد عطلوا دورة الحياة الطبيعية للدولة، وكأن دورها أصبح تجاه حقوق المواطنين حيادياً، بعد أن عطلوا مؤسساتها ودوائرها، المعطَّلة أصلاً، لتستفحل شهية الفاسدين والوالغين نهشاً في صحة المواطن ولقمة عيشه.
هذا الواقع زاد من وتيرة إهمال تاريخي يشمل فساد الإدارة فزادها فساداً على فساد. فتآمروا مع التجار عندما غضوا الطرف عنهم، فتحوَّل التاجر، بتواطؤ واضح مع السماسرة والمستوردين والوكلاء، وأسسوا نقابة تشرِّع الأسعار على مقاييس مصالحها وجيوبها، وباتوا بديلاً للدولة ونواباً عنها، وبذلك استفحلت وتيرة الزيادة في أسعار السلع الغذائية. وتركوا المواطن يعاني ويئن وليس من مجيب. وإذا استجاب أحد فإن «كرتونة» من الحسنات والصدقات قد تدع المواطن يؤجل نقمته، ويبلع صوته ضماناً للحصول على «كرتونة» أخرى.
وإذا كانت الحركة النقابية قد وُلِدت أصلاً للدفاع عن حقوق الشعب ممثلاً بالعمال والفلاحين، فقد انقلبت الآية في لبنان وتحولت الحركة النقابية إلى راعٍ لا يسكت عن عدوان الذئاب المتعددي الجنسيات فحسب، وإنما تحولوا إلى نقابيين يدعون الشعب إلى النوم ونسيان حقوقهم أيضاً. فقد تحولت الحركة النقابية في لبنان إلى حركة نقابيين تستجدي سلاطين المال والسياسة والطائفة. وبوقوفهم على أبواب السلاطين أعطوا لرغيف الخبز هوية طائفية، لا يُخبَز إلاَّ في فرن الطائفة، ولا يباع إلاَّ إذا أدَّى لطائفته الطاعة، ولا يُؤكَل إلاَّ مُضِغ على طريقة طائفية.وأجاز هؤلاء التضحية برغيف الخبز من أجل مصلحة الطائفة الممثَّلة بزعمائها. إنه أمر يدعو للعجب!!
إنها، في معظم الأحيان، ضريبة الطائفية والتعصب الطائفي. تلك مسألة يستغلها رؤساء الطوائف بذكاء لتدعيم جدرانهم السياسية، وتنطلي الخديعة على الطيبين والبسطاء. فإذا أعلن زعيم طائفة أن الطائفة في خطر، وهم يعلمون ما ينعم به الزعيم من خيرات وبذخ ورخاء، تستنفر نفوس الطيبين للدفاع عن الطائفة، والدفاع عنها يمر بواقع الأمر بحماية الزعيم.
وإنها في معظم الأحيان ضريبة تلزيم المال السياسي رقاب الشعب، المال السياسي الذي نصَّب منتفخي الجيوب من كل حدب وصوب ولاية الأمر على الطوائف، وبها التزموا الدولة وكتبوها بأسمائهم في الدوائر العقارية، وصادق عليها الطيبون من أبناء الطوائف، وغرقوا في بحورها وأصبحوا أسرى لها.
لم يُلوِّث هؤلاء وأولئك دور الدولة وواجباتها فحسب، وإنما لوَّثوا صوت المواطن ورهنوه لإرادتهم أيضاً. وإذا صحَّ القول: (لا يلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدو الغنم)، فيصح أيضاً القول: (لا يلام الراعي في عدوانه إن يك الشعب عدو نفسه). فإذا كان الذئب حريصاً على مصالحه، والراعي يحرص على السكوت عن عدوانه طمعاً بقطعة من لحم الضحية، فأين هي مصلحة «الشعب» في السكوت على هذا وذاك؟
فهل يُلام الزعيم إذا تناسى أن هناك من هو جائع؟
وهل يلام إذا تناسى أن هناك مرضى؟
وهل يلام إذا لم يفكر بقنديل كهربائي يضىء عتمة الطيبين؟
وهل... وهل...؟
إن معادلة تقول: حماية الطائفة تتم أولاً. معادلة تدفعنا للتساؤل: وهل حماية الطائفة لا تعني توفير العمل للعاطلين عنه؟
وهل تعني أن يبقى أتباع الطائفة جياعاً ومرضى؟ وهل على أولادهم أن يمتهنوا الأمية، وأن تظل بطونهم في حالة شوق لرغيف الخبز؟
وهل ... وهل... وهل...؟
جواباً على كل ذلك نراهن على الشخصيات والقوى والأحزاب، التي تسمع أنين الجياع والمرضى والعاجزين عن اللحاق بتزايد الأسعار، وتعرف الكثير عن معاناتهم، على أن ترفع صوت من لا صوت لهم، لعلَّها بمبادرتها تُبقي الأمل في نفوس المغبونين والمظلومين والجياع حياً، فتؤسس بمبادرتها لتيار جديد يمتهن السياسة من أجل خير الوطن والمواطن، وتعيد للدولة مفهومها الحقيقي ودورها الأساسي بعد أن سلبهما المتاجرون بمستقبل الوطن وجرَّدوهما من كل ما يمت لمصلحة المواطن بصلة، ويختصرونهما بمصلحة رعاة الطوائف الذين، بدورهم، سيَّبوا الوطن أمام الذئاب يدخلون إليه من بواباته الواسعة. أولئك الذئاب الذين لا تعنيهم صرخة أم لا يدر لبنها لرضيعها، ولا تعنيهم أن يأكل المرض حياته، وأن يفوته قطار المدرسة لأن أهله لا يملكون ثمناً لبطاقة الصعود إليه.
وإذ نبارك أية خطوة، فإنما نناشد السائرين في هذا الحقل أن لا يقعوا في فخاخ الذين يعملون على تسييس لقمة العيش، وأن يتابعوا خطواتهم لأن فيها وليس في غيرها الأمل في إحياء عمل وطني مطلبي صحيح، فالمسافات الطويلة تبدأ بالخطوة الأولى، لعلَّ وعسى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق