-->
-->
النظام الإيراني فوَّت علينا فرص الفرحة
بامتلاكه عوامل القوة العسكرية،
والتحالفات الشاذة اللاعب الأهم في تضليل الجماهير
شبكة البصرة: 12/ 4/ 2006
النظام الإيراني اليوم أمام مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية، وهذا ما يفرحنا، ويثلج صدورنا.
النظام الإيراني اليوم يقوم بمناورات عسكرية في الخليج العربي باستعراض عضلاته أمام الجبروت الأميركي، وهذا ما يجعلنا أكثر حبوراً وفرحاً، فقد انضمت دول أخرى في دول العالم الثالث إلى منظومة الدول التي تتحدي القوة الإمبريالية الكبرى في العالم.
النظام الإيراني يقاوم الآن من أجل تثبيت حق إيران بامتلاك السلاح النووي، وهي خطوة ضرورية ومهمة تفتح الطريق أمام الدول الأخرى لتطالب بحقها من أجل كسر احتكار امتلاك القوة النووية، وحصرها في أيدي المنظومة الدولية، وخاصة الاستعمارية منها.
النظام الإيراني اليوم يريد أن يمتلك القوة النووية لتوفير توازن سلاح الرعب مع العدو الصهيوني.
كلها مظاهر من المواجهات مطلوبة، بل وضرورية لو كان الظاهر منها يترجم النوايا الخفية. ولو كان ذلك كذلك، لحسبناها أفعالاً تستفيد منها أمتنا العربية، من دون أدنى جدال، او حذلقة في الموقف.
ولكن...
هل يوظِّف النظام الإيراني كل تلك المواقف، والمظاهر، من أجل استئصال المشاريع الإمبريالية والصهيونية؟
هل يوظِّفها من أجل خير الإنسانية، ومنها أمتنا العربية؟
وهل يوظِّفها من أجل أن يكون جيرانه العرب في مأمن من غوائل الاستعمار والصهيونية؟
المشكلة أن النظام الإيراني، على غرار عمله لاستئصال الاستعمار التركي سابقاً، القائم على استبداله باستعمار فارسي، عملت فارس التاريخية من أجل الاستيلاء على المنطقة العربية التي كانت تابعة لسلطان الأتراك. أي استبدال السلطان التركي بشاه إيراني.
أعدَّت فارس التاريخية ليس لبناء عوامل الثقة بين المنطقة العربية وجارتها بلاد فارس، وهو ما يعزِّز الاستقرار في العلاقات المتكافئة بين المنطقتين، العربية والفارسية، بل من أجل أن تقوى بلاد فارس على حساب جاراتها. وأن يسيطر شاه «آل فارس» كبديل لسلطان «آل عثمان».
قد يقول البعض إننا ننبش صفحات تاريخ قد انطوت وولَّت، وبالتالي لا علاقة لتاريخ تلك المرحلة بمرحلة نعيشها الآن. ولا جدوى من نبش صفحات التاريخ.
ما كنا لننبشه لو لم نره يعيد نفسه، ويُنتج نفسه من جديد. فكيف يتم ذلك؟
وللإجابة على هذا السؤال، نمهد له بالتالي:
من المنطقي أن تتضافر جهود المظلومين، من دول العالم الثالث، ومنها جهود الأمتين العربية والفارسية. ومن المنطقي أيضاً أن لا تتنافر مصالحهما في مواجهة العدو الأكبر، والطامع الأكبر، فيهما معاً، وهو التحالف الأميركي الصهيوني.
فعلى الصعيد الجغرافي هما جارتان، والجاران لهما مصالح مشتركة في كثير من القضايا الاقتصادية والأمنية والسياسية. وهما أيضاً يُصنَّفان في المحور المقصود الاستيلاء عليه استعمارياً وصهيونياً.
وإذا كانت الجارتان تدينان بالإسلام، بينما العدو المشترك يعمل من أجل تحقيق حلم بناء دولة دينية على مقاييس الحلم التوراتي، فالجارتان معنيتان معاً في منع نفاذ ذلك الحلم.
تلك المصالح المشتركة، تدل بما لا يقبل الشك في أنهما معنيتان بالوقوف جنباً إلى جنب لمواجهة العدو الواحد الذي يعمل من أجل وضعهما في مصير واحد، لأنهما في سلة واحدة أمام ذلك العدو.
تلك الحقائق تقتضي أن تتوحَّد جهود الأمتين من أجل صد العدوان ومنعه.
لذلك، وبناء عليها نرى أن كل قوة تمتلكها إيران يجب أن يتم توظيفها في معركة المصير الواحد الذي يربط مصالحها موضوعياً مع الأمة العربية. ولهذا السبب قلنا إن النظام الإيراني فوَّت علينا فرصة الفرحة عندما نجد أن قوَّتها العسكرية تتنامى. ولأنها تتنامى، ولأن المنطقي أن يكون في قوة إيران قوة لنا فيه ما يدعونا إلى الفرح والابتهاج.
لكن للأسف نجد أن في قراءتنا للمهمة التي يتم توظيف القوة الإيرانية من أجلها تتلخَّص للناظر بعين السطحية والانفعال بأنها مساعد للأمة العربية، كما للأمم الإسلامية، في مواجهة الاستعمار والصهيونية. بينما الناظر إليها بعين الاستراتيجية الموضوعية يراها بمنظار آخر. واستناداً إليه نرى أن بعض التيارات السياسية الإسلامية العربية تنخدع بمظاهر السياسة الإيرانية وخطابها المعلن، وتتحالف مع النظام الإيراني، بشكل مرئي أحياناً ومخفي أحياناً أخرى. وعلى الرغم من أن البعض قد يقرأ تحليلنا وينسبه إلى أغراض وأهواء إيديولوجية، سنقوم به متمسكين بالنظر إليه بعين الموضوعية.
من هذا المنظار سنقوم بتعريف المشروع الإيراني ومعرفة حقائق أهدافه، منطلقين بمصداقية أن تكون إيران جاراً وصديقاً للأمة العربية. وفي الوقت ذاته، سيكون هدفنا كشف المستور الحقيقي من هذا المشروع، لعلَّ في هذا الكشف ما يفيد في إحداث تراجع عند النظام المذكور من جهة، و إلاَّ قد يكون ضوءًا ينير جزءًا من الصورة المخفية عند التيارات السياسية الإسلامية المتحالفة معه من جهة أخرى، وستكون من أهم أهدافه من جهة ثالثة إسهام في توضيح الرؤية لدى شريحة كبيرة من شعبنا الطيب الصادق المنفعل بمظاهر الدور الإيراني تجاه أمتنا العربية. وفي مقالنا هذا سننظر إلى توضيح رؤيتنا من خلال منظارين: إيديولوجي وسياسي.
أولا: المنظور الإيديولوجي الديني للتيارات السياسية الدينية: توافق على التكتيك وتناقض في الاستراتيجية:
وفيه ما يؤكد أن النظام الإيراني يعمل من أجل بناء إمبراطوريته على قاعدة دينية تجذب إليها من يعتقد بصلاحية استعادة عصر الخلافة الإسلامية.
أما المؤمنون بإيديولوجيا المذهب الشيعي الإثني عشري فلهم مصلحة في دعم ومساندة المشروع الإيديولوجي الإيراني. وأما المؤمنون بمذاهب أخرى، كالإخوان المسلمين، فيساعدون على نفاذ المشروع الإيراني من أجل إسقاط الأنظمة العلمانية أولاً، وليكن الأمر عن طريق مذهب ينظرون إليه بعين الريبة، ومن بعدها يتفرًّغون للعمل من أجل بناء دولة دينية على مقاييس فقههم وإيديولوجياتهم المذهبية.
من داخل هذا المنظار تعطي التيارات السياسية الدينية، تلك التي تؤمن بولاية الفقيه كالنظام الإيراني، وتلك التي تؤمن باستعادة الخلافة الراشدة، أولوية لإسقاط الأنظمة العلمانية حتى ولو حصل الأمر على يد الاستعمار والصهيونية. ومن بعدها تعمل لمكافحة الاستعمار حسب طرائقها الخاصة. ولقد تساوت تلك التيارات في النظر الإيديولوجي الاستراتيجي، سواءٌ اكانت تيارات شيعية أم سنية. وليس من برهان أكثر دلالة وواقعية على ذلك، إلاَّ تماثل المواقف بين التيارات السياسية الدينية الشيعية التي توالي النظام الإيراني، كحزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، مع مواقف الحزب الإسلامي في العراق الذي يوالي فكر تيارات الأخوان المسلمين السنة في أنحاء الوطن العربي. ولعلَّ التناغم الحاصل بين التيارين السياسيين الدينيين، الشيعي والسني على طول الساحة الإسلامية وعرضها، يستند إلى هذه الحقائق.
وإذا حاولنا أن نقرأ استراتيجية الطرفين الإيديولوجية، من حيث العمل على إسقاط الأنظمة العلمانية أولاً. أو قراءة ما هو حاصل سياسياً الآن في العراق: تلاقيهما مع بعض أهداف العدوان الأميركي على العراق وسكوتهما على احتلاله، لهو تلاقٍ تكتيكي يستقوي به أحدهما بالآخر حول أولوية إسقاط الأنظمة العلمانية، ويضمر كل منهما التلاقي للتخلص من الاحتلال، أما من بعدها فتبدأ مرحلة صراع بين طرفيهما حول مضمون نظام الخلافة الإسلامية السياسي.
إذا كُتب لهذا السيناريو أن ينجح، فلن يجد أطراف التحالف المذكور ما يجمعهما في مشروع إسلامي واحد، وإذ ذاك سيعود الصراع التاريخي بين المذاهب الإسلامية إلى إنتاج مرارته من جديد. فبالنظر من هذه الزاوية، يكون عامل القوة الذي ينتجه النظام الإيراني الآن موَّظفاً من أجل توفير العوامل المناسبة لإنجاح المشروع الإيديولوجي المذهبي للشيعة الإثني عشرية.
فيأتي تأييد الطرف الحليف من قبل التيارات السياسية الدينية السنية ليصبَّ في مصلحة المرحلية في مشروعهم الاستراتيجي في استعادة الخلافة الإسلامية. تلك المرحلية المتمثلة بخطوتين استراتيجيتين: إسقاط أنظمة العلمانية في العالم الإسلامي، ومن بعدها إسقاط العدو الخارجي المتمثل بالمشروعين الاستعماري الأميركي والصهيوني، ووليدهما الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة.
منطلقاً من هذه الرؤية الإيديولوجية الدينية الاستراتيجية عبر إسقاط النظام الوطني في العراق يسير التنسيق بين المشروعين، الأميركي – الصهيوني، والمشروع الفارسي على قدم المساواة. فيعمل المشروع الفارسي من أجل السيطرة على مقدرات أمتنا العربية لبناء إمبراطورية فارسية، تحت قناع إيديولوجيا دينية لا تعترف للدول بحدودها القومية، بل هي تقوم على قاعدة أن الحدود مفتوحة أمام تصدير الثورة الإسلامية، من منطلق اعتبارها ذات أهداف أممية.
فبعد احتلال العراق، أي بعد إسقاط النظام الوطني العلماني، تقوم استراتيجية النظام الإيراني على إضعاف المشروع الأميركي المعادي من أجل أن تشق تلك الاستراتيجية طريقها. أي وكأنَّه انتقل إلى المرحلة الأخرى من مشروعه، وطريقها في إضعافه ليس من أجل تحرير العراق، بل من أجل إحلال استعمار غربي فيه باستعمار فارسي، والجانب الجاذب فيه للتيارات السياسية الإسلامية الأخرى هو أنه يشهر أهدافه الإسلامية العامة وليست الأهداف المذهبية الخاصة. أما الدلائل عن أهدافه الحقيقية فكثيرة ومتشعبة.
وعن الاستراتيجيتين للحليفين اللدودين، الأميركي والفارسي، لا نجد أكثر من أنه إذا كانت الإستراتيجية الاستعمارية والصهيونية تصدِّر نفسها بقناع من الديموقراطية، فالاستراتيجية الإيرانية تصدر نفسها بقناع من الثورة الإسلامية.
أما عن فهمنا لاستراتيجية التحالف بين النظام الإيراني والتيارات السياسية الدينية الأخرى، وكي لا يفهم البعض ان تحليلنا يستند إلى مفاهيم قومية علمانية تنافس مفاهيم دينية إسلامية، نعلن بأننا نؤمن بأن التعددية والتنوع، هما أصل من أصول تطوير المعرفة الإنسانية، كما هما حق من الحقوق الديموقراطية لكل تيار سواءٌ أكان دينياً أم علمانياً. واستناداً إلى هذا نعترف بحق التحالف السياسي الديني بين المشروعين ومشروعيته:المشروع الإيديولوجي الإيراني ومشروع الإخوان المسلمين الإيديولوجي ببناء دولة دينية، خاصة وأن الأكثرية المطلقة في إيران كما في الأمة العربية تنتمي إلى الدين الإسلامي.
فعلى القاعدة الديموقراطية يحق للأكثرية أن تختار نوع النظام السياسي وجنسه، ومن حقها أن تختار الدستور والتشريع والقوانين الذي تضعه لنظامها السياسي. لذا يصبح من حق الحليفين الإسلاميين أن يتحالفا من أجل استعادة عصر الخلافة الراشدة. كما أن هناك ما نضيفه وهو: لأن الدساتير والقوانين والتشريعات في الدولة الدينية الإسلامية لا يمكن أن تُؤخَذ من مصدر آخر غير مصدريْ القرآن الكريم والسُنَّة الشريفة، وهو أمر ديني لا خيار لأحد فيه، يستتبع أن ترفض الدولة الدينية الإسلامية أي مصدر آخر سواءٌ أكان يعود إلى تشريعات الأديان السماوية العيسوية أو الموسوية، أم إلى مصادر وضعية أخرى.
أما من جهة أخرى فنرى إن في الحق الديموقراطي للتيارات السياسية الإسلامية في إنشاء دولة إسلامية أكثر من إشكالية لا تجعل من خيار التيارين الحليفين خياراً ديموقراطياً، ومن أهم تلك الإشكاليات اثنتان، وهما:
الأولى: لأن في خيار الدولة الدينية ما ينتقص من حقوق الأقليات الدينية الأخرى لذا تنشأ إشكالية التفاوت في حقوق مواطني الدولة الدينية وواجباتهم.
وإذا كان الخطاب التعبوي الإسلامي، وهو خطاب تكتيكي أكثر منه خطاب يعبِّر تمام التعبير عن حقيقة الإيديولوجيا الدينية الإسلامية، يروِّج بأن الفقه الإسلامي مؤتمن على حفظ حقوق الأديان الأخرى، والمذاهب المتفرعة عنها، بينما نرى نحن أن العكس هو الصحيح، ولمن لا يريد الاعتراف بالحقيقة فليذهب إلى مراجعة ما كتبه كبار الثقاة في المذاهب الإسلامية المنتمين إلى مختلف تلك المذاهب.
الثانية: بسبب من التفاوت والتعارض، وأحياناً كثيرة التناقض في تفصيلات الفقه بين مذهب إسلامي وآخر، وقد تصل تلك التفصيلات عند مذهب معيَّن إلى حدود النص المقدَّس الذي لا تنظر إليه المذاهب الأخرى بعين القداسة، يمكن أن تنشأ بين مواطني الدولة الإسلامية الواحدة إشكالية فيها ما هو أمرُّ من الإشكالية الأولى، وهي تلك الإشكالية التي ستنشأ بين مذاهب الفقه الإسلامي حول تعريف ما هو مقدس. فالمقدسات بينها كثيرة والمحرمات أكثر.
صحيح أن المذاهب الإسلامية تقرّ وتعتقد بأن القرآن الكريم والسُنَّة الشريفة هما المصدران الوحيدان والحصريان للفقه الإسلامي، ولكن الخلاف يبتدئ في تفاصيل الفقه لكل مذهب منها. وهناك من يقول إن الشيطان يسكن في التفاصيل. ونحن هنا لن نبذل أي جهد في تحديد تلك التفاصيل لأن في تاريخ العلاقات بين المذاهب الإسلامية أكثر من دليل وبرهان. وإذا كنا نريد أن نأتي بوقائع معاصرة، فكل من المتحالفيْن السياسييْن الإسلامييْن يعرفها أكثر من أي جهة أخرى. و إلاَّ نطلب منهما أن يبرهنا لنا أن بينهما ما يجمع أكثر من عامل مرحلي.
ولكي نستطيع أن نقرِّب إلى الأذهان صورة الإشكالية بوضوح أكثر، نسأل الأحزاب والتيارات والحركات السنية: هل هم متفقون على نصوص فقهية واحدة؟
كما نسأل الأحزاب والتيارات والحركات الشيعية: هل هم متفقون على نصوص فقهية واحدة؟
واستتباعاً نسأل: هل مشروع الدولة الإسلامية الذي يعتنقه الحليف الإيراني مطابق لمشروع الدولة الإسلامية الذي يعتنقه تيار حركة الإخوان المسلمين مثلاً، أو غيرهم ممن يتقاربون مع المشروع الإيراني، أو يقتربون منه؟
كلها أسئلة لن نجيب عنها ونتركها للحليفين. ولكننا سنعتمدها مدخلاً للبراهين السياسية التي سنسوقها من أجل التعليل والبرهان، تلك البراهين التي سنستقيها من واقع المرحلة السياسية الراهنة في واقع التحالف الإيراني الأميركي في العراق، وسائر التيارات السياسية الإسلامية الأخرى ذات العلاقة بالواقع العراقي تحت الاحتلال ، كما عن واقع التحالف، المعلن أحياناً أو غير المعلن أحياناً أخرى بين التيارين الدينييْن: التيار المذهبي الإيراني الشيعي، والتيارات السياسية الفرقية للسُنَّة العرب.
واستناداً إلى تلك الأسئلة، ومنها، ننتقل إلى تحليل الواقع السياسي الراهن لتحليل آفاق التحالفات الشاذة بين النظام الإيراني والاحتلال الأميركي للعراق من جهة، وآفاق التحالف الشاذ بين مختلف التيارات السياسية الإسلامية على أرضية الاستراتيجية الإيرانية في العراق من جهة أخرى.
ثانياً: تأصيل العوامل السياسية للمشروع الإيراني وعملائه، والتيارات السياسية الإسلامية الأخرى، في العراق:
في مرحلة تحالف التيارين السياسييْن الإسلاميين، الشيعي والسني، مع المشروع الأميركي – الصهيوني، أو مرحلة السكوت عن احتلاله للعراق، لا يمكن أن يرقى إلى أذهاننا أنهما جادان فيه، وإنما يستفيدان من خدماته في إسقاط كل الأنظمة الوطنية أو القومية العلمانية أولاً، فهما يحسبان أنهما ينصبان كميناً له يخلعانه حالما تنتهي وظيفته، أي وظيفته حسب منظورهما.
إنها تقيَّة يمارسانها، وهما يحسبان أن العدو المحتل غافل عنها. وللاستطراد أكثر نقول: إن العدو ينصب كميناً لهما، ويعمل على خلعهما معاً بعد أن تستقيم الأمور له. فالعدو أيضاَ يمارس التقيَّة. وهو سيستفيد منهما لاحقاً، ومعاً.
وعلى قاعدة الفرضية التي يستند إليها الحليفان الإسلاميان، التي نستنتجها من قراءة لسياستهما الاستراتيجية المستندة إلى الإيديولوجيا الخاصة بكل منهما، وقد توافقا عليها قبل أن يتحالفا، وهو أن المرحلة القادمة، بعد إسقاط النظام الوطني العلماني في العراق، سيكون مرحلة مقاومة الاحتلال الأميركي، واستناداً إلى فرضيتهما، سيرحل الاحتلال تحت ضغط المقاومة التي ستكون مشتركة بين التيارين الحليفين.
ومن متابعتنا، ومن فرضية طرد الاحتلال ستنشأ الإشكالية بينهما، وهي الإشكالية التي وصفناها بأنها ستكون الأكثر مرارة من الإشكالية الأولى. وهي إشكالية التفاوت في حقوق مواطني الدولة الدينية وواجباتهم، أي بين المسلمين من جهة، والتنوعات الدينية الأخرى من جهة أخرى.
أما الإشكالية الثانية فستتأسَّس على قاعدة التفاوت أو التعارض أو التناقض بين مختلف تفاصيل الفقه الإسلامي بين شتى المذاهب الإسلامية، أي سيبتدئ الصراع الفقهي – الفقهي. هذا الصراع الذي سيتخذ صورة الصراعات الفقهية في التاريخ الإسلامي الذي امتد لألف وأربعماية عام، ولم تنته فصوله حتى هذه اللحظة.
نحن نصدر أحكامنا من خلال قراءة نصوص المتحالفين الإسلاميين، وإذا كانت قراءتنا مغلوطة أو خاطئة أو ناقصة، نسألهما معاً: هل لديكما تصور موحَّد لقيام دولة دينية إسلامية ستخلف الاحتلال الاستعماري الصهيوني لأقطار أمتنا العربية؟
فإذا فقأ المتحالفان حصرمة في أعيننا، وأعلنا ذلك الاتفاق الذي يستند إلى نصوص فقهية وأصول دينية إسلامية، كما أن يُعلنا بأن بإمكانهما أن يؤسسا دولة إسلامية يمكنهما أن يضعا قوانين وتشريعات مشتركة لا تثير الخلاف بينهما، يصبح من حقهما أن يمارسا قاعدة شرعية تقول «إن الحرب خدعة».
ولكن... على من يقرآ مزاميرهما؟
فلا النصوص الفقهية التي وضعها كبار علمائهما عبر التاريخ، ولا النصوص المنشورة لكليهما في تاريخنا الحديث والمعاصر، تجعلنا نطمئن إلى أن تحالفهما مبني على أسس إيديولوجية استراتيجية مُتَّفق عليها، بل هو مبني على أسس مرحلية، يستقوي بها أحدهما بالآخر إلى حين الانتقال إلى مرحلة يتوهمان فيها أنهما سيطردان الاستعمار والصهيونية، ومن بعدها سيبني كل منهما استراتيجيته الخاصة، وستكون تلك الاستراتيجية عامل تناقض آخر سوف تدفعهما إلى اقتتال وصراع حول أي مقدس يريده كل منهما، وتلك مرحلة سوف تكون مُرَّةً وصعبة.
وهنا لا بدَّ من أن نسألهما معاً: إذا كانت الخدعة تجوز على العدو الأميركي – الصهيوني المشترك، فهل من الجائز أن يخدع أحدهما الآخر؟
ولكن ما ننصح به، أن يكونا على حذر لأن العدو أعدَّ كل ألوان الخداع والكذب، ونصب لكليهما فخاً، وكميناً، لا نحسب أنهما سينجوان منه. فكما أنه يتفوَّق في تكنولوجيا السلاح والمادة، فهو يتفوَّق أيضاً بتكنولوجيا الخداع والكذب والنصب والاحتيال، وأعدَّ لها عشرات الآلاف من الاختصاصيين في شتى فروع المعرفة في العلوم الإنسانية.
لقد احتل العدو الأميركي أرض العراق، واستفاد من تواطؤ البعض فيهما، وسكوت البعض الآخر، وأعدَّ العدة لخلعهما معاً. وهو متى استقرَّ على الأرض سيصبح الأقدر بينهما على الإمساك بها، وهو الأقدر على الإمساك بالكتلة الشعبية، بقيادة نخب مذهبية، تلك الكتلة والنخب التي قاما بتضليلها وخداعها، لأنه سيرغبها بما لا يستطيعان، ويرهبها بشتى الوسائل والأساليب، وستكون أساليبه في الترغيب والترهيب ناجعة خاصة وأنهما شرَّعا أمامها إما أبواب الخيانة وإما أبواب الاستسلام والخنوع.
النتائج التي نستشرفها من واقع العراق الراهن في التحالفات الشاذة
تحالفات شاذة من هنا أو هناك، قائمة على التقية و«الخدعة»، تحالفات لا تعرف فيها «من يخدع من؟»، ولا «كيف يخدع الحليف حليفه»، ولا متى ينقلب «الحليف على حليفه»، ولا متى يخلع «الصاحب صاحبه»، تدفعنا إلى القول: إن القوة ورباط الخيل اللذين يعدهما النظام الإيراني سيجري توظيفه ليس في سبيل مصلحة العراق، ولا في مصلحة وحدة الأمة العربية، ولا في سبيل وحدة الأمة الإسلامية، ولا في سبيل الشيعة في العالم بشكل عام، أو الشيعة في العراق والوطن العربي بشكل خاص.
التحالف الشاذ الأول، سواءٌ أكان مباشراً أم غير مباشر، بين التيارات السياسية الدينية الإسلامية، وبين العدو الأميركي – الصهيوني على أرض العراق. وشذوذه يستند إلى تناقض المصالح الحقيقية بينهما. كما يستند إلى مرحليته القائمة على الخداع.
والتحالف الشاذ الثاني، بين التيارات السياسية الإسلامية الآنفة الذكر، وشذوذه يستند إلى التناقض الإيديولوجي بينها. وهو تحالف مرحلي يخدع فيه أحدهما الآخر.
ومن أجل تصويب مسار التحالف بين التيارات السياسية الإسلامية والمشروع الأميركي – الصهيوني، لا يجوز أن تكون شروط حدوده الدنيا أقل من رفضه وإدانته ومقاومته مهما كان مستوى خدماته لهما، لأنه لن يوفِّر خدمات لأحد على الإطلاق. فالتحالف معه أو السكوت عنه، مهما كانت مبرراته وأهدافه، سيكون مرفوضاً بشتى المقاييس، كما لا يجوز السكوت عنه، فهو في حدِّه الأدنى يؤدي خدمات قصوى للمشروع الأميركي الصهيوني.
ومن أجل أن تكون الأهداف الاستراتيجية، بين التيارات السياسية الإسلامية، سليمة لا يمكننا أن نطمئن إليها إلاَّ إذا أخذت بعين الاعتبار وحدة الأمة العربية. ولن تكون الوحدة العربية سليمة إلاَّ إذا أخذت بعين الاعتبار الواقع الحديث والمعاصر للدولة القومية، كحل بديل للدولة الدينية. ولن تكون الدولة القومية سليمة إلاَّ إذا أخذت بعين الاعتبار حرية الأديان والمذاهب كخيار روحي لكل فرد أو مجموعة. ولن يكون الخيار الروحي سليماً إذا لم يعترف للخيارات الأخرى بقدرتها على تمهيد طريق الخلاص في الآخرة.
ولأن التحالفات الشاذة تهمل تلك الحقائق، وما سوف تجره على الأمة من ويلات، لا يجوز السكوت عن كشفها وتعريتها، لأن في السكوت تضليل لمئات الملايين من أبناء أمتنا الطيبين الصادقين.
من أجل كل تلك الأسباب والعوامل والمشاريع والمخططات نقول: إن النظام الإيراني فوَّت علينا فرصة الفرحة في امتلاك إيران، كدولة من الدول النامية، من رباط الخيل التكنولوجى ما يساعدنا على درء الخطر الأميركي – الصهيوني, ولكن هذا لا يعني على الإطلاق أننا نرفض أن تمتلك إيران القدرة النووية، أو أن تمتلك السلاح المتقدم، بل العكس هو ما نتنماه.
على الرغم من أننا نتطلع إلى عالم يسوده السلام، إلى عالم خالٍ من أسلحة الدمار الشامل، فنحن ندعو إلى التمرد على قرار الدول الكبرى في احتكار السلاح النووي، لأنه يتنافى مع أدنى حقوق الشعوب في المساواة بالدفاع عن نفسها بكل وسائل القوة وأساليبها، وأصناف الأسلحة وأنواعها. وبناء على تلك القيمة الإنسانية المجردة، لن نكون إلاَّ من داعمي إيران في امتلاك السلاح بغض النظر عن نوعه أو صنفه. ولكن لكي لا يكون السلاح الإيراني موجَّهاً إلى صدور العرب، أو المسلمين الآخرين، ندعو إيران إلى إقناعنا بأن سلاحها سيكون موجهاً إلى المشروع الأميركي – الصهيوني وحده. وستكون الساحة العراقية هي المختبر الأول والأساسي في الكشف عن نوايا النظام الإيراني الحقيقية. وإذا كنا الآن غير مطمئنين لأكثر من سبب وسبب، ولأكثر من واقع وواقع، ولأكثر من مظهر ومظهر، فالكرة الآن تدور في ملعب النظام الإيراني، والذي سيبقى تقديرنا تجاهه مستنداً إلى حسن الطوية والنية وصدقهما، في دعوته إلى وضع سلاحه الآن، قبل غد في مواجهة «الشيطان الأكبر»، وهو أقرب إلى الأرض الإيرانية من «حبل مياه الخليج العربي» الذي كان مسرحاً لاستعراض القوة أمام بوارج ذلك «الشيطان».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق