-->
-->
حفل تأبين الشهيد حسين علي غريب
لقد تم العثور على رفاة الشهيد حسين علي غريب في تلة الشريكي التابعة لبلدة الخيام، بتاريخ 31/ 10/ 2002. تمَّ نقل رفاته إلى مقبرة بلدته دبين، ودُفنت باحتفال رمزي.
كان الشهيد منتسباً إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، ومنخرطاً في العمل العسكري في القطاع الشرقي من لبنان في مواجهة العدو الصهيوني وعملائه في بلدة الخيام. سقط شهيداً في 12/ 9/ 1977م في تلة الشريكي – الخيام عندما اقتحمت القوات الصهيوني تلك التلة كضمان لسيطرتها على بلدة الخيام.
وتكريماً له، وللشهيد تامر عون الذي وُجدت رفاته مدفونة إلى جانب رفاة الشهيد حسين غريب، أُقيم حفل تأبيني لهما في بلدة دبين، بتاريخ 17/ 11/ 2002م.
تكلَّم الدكتور أسامة سعد في الاحتفال مشيداً بالمقاومة الوطنية، ودعا فيها إلى التضامن مع فلسطين والعراق في معركتهما الدائرة مع التحالف الأميركي – الصهيوني.
وأُلقيت في الاحتفال كلمة آل الشهيد عون مشددة على النضالات الوطنية والقومية، ودعا الخطيب إلى المشاركة في النضالات القومية الدائرة الآن على الساحة العربية.
وأُلقيت، أيضاً، كلمة دبين وآل الشهيد غريب ورفاقه، وهذا نصها:
أيها الحفل الكريم:
لئن وقفنا في محراب الشهداء فإنما نقف في حضرة الباري الذي أمر بتكريمهم. نقف اليوم في محراب شهيدين نالا شهادتهما معاً على طريق تحرير أرض الجنوب التي ننعم بحنانها. وإن كنا ننعم بدفئها، فلأن أجساد الشهداء انغرست فيها، بحيث كان كل شهيد يسلِّم الراية إلى من يأتي بعده، وهكذا تواصلت قوافلهم حتى التحرير.
يا شهيدينا، تامر وحسين، لقد سلكتما طريق الأخضر العربي، وعلي شرف الدين وعبد الأمير حلاوي. ولبَّى نداء الواجب، على طريق الشهادة، بلال فحص وجمال الحبال وسناء محيدلي ولولا عبود وعامر كلاكش وعمَّار حمود. وغيرهم وغيرهم الكثيرون.
استشهد حسين في صفوف حزب البعث وكانت له أهدافه على طريق الوحدة والتوحيد. فهو يعتز بحزبه لكنه استشهد في صفوف القوات المشتركة، يعتز بدينه لكنه استشهد باسم لبنان، يعتزُّ بلبنان لكنه استشهد باسم أمته العربية. قدَّم كل الشهداء أرواحهم على مذبح الوحدة الوطنية والقومية الجامعة. فحرسوا بذلك أديانهم عندما حرسوا وطنهم، وحرسوا وطنهم عندما حرسوا عروبتهم. فتحية لهم وهنيئاً لهم بشهاداتهم وطنيين وقوميين وإسلاميين.
يا حسين، يا رفيقي في حياتك، ويا رائدي في مماتك، لقد ملأت نفوس عائلتك الصغيرة، وأمتك الكبيرة، بالفخر والاعتزاز. فأنت وكل الشهداء الذين بنوا خزانات الشهادة، وقفتم في وجه مشروع خبيث تقوده الإمبريالية، مشروع يعمل من أجل تفتيت الأمة وتجزئتها للسيطرة على مقدراتها. يتمظهر التفتيت تارة في رسم الحدود الجغرافية بين الأقطار، وتارة أخرى برسم حدود التنابذ والفرقة بين الطوائف والمذاهب. بدأ المشروع منذ قرن وأكثر، ولا يزال مستمراً، بحيث تتولى قيادته اليوم الصهيونية وأميركا.
وقفت يا حسين، مع من وقفوا، في وجه مؤامرة كامب ديفيد، فكانت قوى الغدر والعدوان أقوى من إمكانيات المناضلين المادية، فمرَّت المؤامرة ابتداءً من مصر. وغزت الصهيونية أرض لبنان في أكثر من مرة بمشاركة أميركية. وكان الغزاة يعتقدون أنهم حققوا ما يصبون إليه. ووسعوا مؤامرتهم إلى أكثر من ساحة، فتواصلت في فلسطين، ووصلت إلى العراق، ومرَّت بسوريا وطالت السودان والحبل على الجرّار. وسوف تتواصل كلما أنجز المشروع المعادي حلقة من حلقاته.
ليست الصورة قاتمة في هذه اللحظة. فأنا استند في تقييمي إلى منطق الشهداء، فهم ينظرون إلى النتائج من خلال نضالهم بمنظار النصر الحتمي. فلولا إيمانهم لما كانوا يقدِّمون أرواحهم بسخاء. يقتبس الشهيد من الظلمة نوراً، والنور وليد للإيمان بقضية، والقضية هي الحق في العيش بحرية، إذ ذاك تكون القضية أكثر وضوحاً، والشهادة في سبيلها أكثر قناعة وإيماناً.
بعد مرور خمسة وعشرين عاماً على استشهادكما يا رفيقيَّ، جرت متغيرات عديدة:
تحرر الجزء الأكبر من جنوب لبنان بفعل ضربات المقاومة الوطنية والإسلامية المتتالية والرائعة. وانتقل جيش لبنان إلى مرحلة الجيش المقاوم، يتعهده فخامة رئيس الجمهورية، العماد إميل لحود، بموقف سياسي وطني وقومي أصيل. وهو يسير على هدي هذا الموقف على طريق توحيد لبنان على أسس نهج وطني وقومي.
وفلسطين، بعد استشهادكما، راحت تحقق أجمل حلم عربي سطَّر فيه الطفل الفلسطيني بحجره أروع ملاحم الصمود والمقاومة. وتحوَّل الجسد الفلسطيني إلى قنبلة موقوتة تنفجر في صفوف جيش العدو وآلته العسكرية. وانتشر عشق المقاومة والشهادة عند شعب فلسطين بما زرع الرعب والخوف في نفوس أصحاب المشروع المعادي.
بسبب رفض العراق لذلك المشروع، تنتشر موجات من الهستيريا عند الإدارة الأميركية. هذا العراق العربي، بموقفه الصامد ضد وحشية وصلف أصحاب المشروع الإمبريالي الصهيوني، يقاوم العدوان بصلابة. لا يجوز أن نحوِّل، نحن العرب، مشكلة العراق إلى مشكلة إنسانية، أو نحدد موقفنا منها على قاعدة مضامين أطيافها السياسية المحلية، بل إنها ذات علاقة بموقفه القومي من قضايا الأمة، وعلى قاعدة رفضه ومقاومته للمشروع الإمبريالي الصهيوني. فما يجري ضد العراق هو الصورة التي قد تُمارَس ضد كل قطر آخر يقف في موقع الدفاع عن قرار الأمة، فقضية العراق هي دفاع عن الكرامة والحرية في امتلاك القرار السياسي والاقتصادي. فلقد أرغم موقفه أصحاب المشروع الإمبريالي الصهيوني الخبيث على الشكوى من نفاذ الصبر، وسوف يستنفد موقف العراق صبرهم كثيراً. إنهم يهوِّلون، ويستجمعون قواهم، لكنهم لن يحققوا أهدافهم في وجه من يمتلكون إرادة وتفاؤل الشهداء. فالشعب العراقي لن يركع، ولن يستسلم، فهو قد اختار طريق الشهادة، للدفاع عن أرضه وعن كرامته القومية وعن قرار الأمة العربية جمعاء.
ينتشر اليوم منطق التراجع والضعف لدى بعض الأنظمة العربية، فيغطون ضعفهم بغطاء التخويف من قوة الاستعمار، وهم بين مذعور ومتواطئ. وتناسوا أن رباطهم مع الاستعمار هو رباط المصالح، بينما رباطهم مع العراق هو رباط المصير، ودفاعهم عنه هو دفاع عن مصالح الشعب العربي بأكمله. تناسوا أن التحالف الأميركي الصهيوني، لن يرحم تلك الأنظمة إذا سقط العراق. ولن يكون الثمن الذي سوف يقبضونه أكثر من حفنة من الدولارات كثمن لموقفهم المتواطئ، لكن بوش لن يدفع إليهم يده ليصافحهم كأصدقاء، بل سيقول لهم إن اليد التي تواطأت على شعبها لن تكون صادقة مع أية جهة أخرى.
وفي المقابل تنحسر صورة التشاؤم لتحل مكانها صورة التفاؤل، فهناك الحوافز التي تعتلج في نفوس الشعب العربي الذي يعلم أن التحالف الإمبريالي الصهيوني لن يعمل إلاَّ لمصلحته فقط، كما يعلم أن الدفاع عن العراق هو دفاع عن النفس. إن الدائرة المركزية في مقاومة المشروع الإمبريالي الصهيوني يمثلها العراق في هذه المرحلة بالذات. وليست للعرب والمسلمين مصلحة إلاَّ الاصطفاف إلى جانبه لمقاومة ذلك المشروع، وليس مسموحاً لأحد أن يقف على الحياد وكأن المعركة لا تعنيه، فاليوم دور العراق وفلسطين، وغداً يأتي دور الآخرين.
ولن يفوتنا ما يجري من بعض خطوات التنسيق والتعاون العربي لمواجهة العدوان، وما تضيفه من إيجابيات على إدارة الصراع. وإننا لواثقون من أن التشكيك في استمراريتها لهو مراهنة خاسرة بما لا ريب فيه.
إن الإرادة الشعبية العربية لن تتنحى عن دورها على الرغم من كل مظاهر القمع التي تتمظهر، هنا وهناك. وسوف يفاجئ الموقف الشعبي العربي والإسلامي جورج بوش وأعوانه، الذين سخروا من المراهنة عليه، فهو سيقضي على أحلامهم ومشاريعهم.
تكفينا اليوم صورة مشرقة أننا امتلكنا إرادة المقاومة والرفض لأوامر السيد الأميركي، وإننا اقتنعنا بان طريق الشهادة في سبيل الكرامة هو طريقنا إلى النصر والتحرير والحرية.
إننا يا شهيدينا، قد سجلنا أسماءنا في سجل المقاومين حتى الشهادة أو النصر، والنصر في منطق الشهداء هو نتيجة حتمية، وإننا لمنتصرون لأننا سوف نقف ونقاتل إلى جانب فلسطين والعراق، ونقف إلى جانب سوريا التي تتعرَّض لابتزاز أميركا وتهديداتها. ونقف إلى جانب كل حركة أخرى تتعرَّض للتهديد. ولأن مصائر الجميع مترابطة، سوف نقاتل في كل بقعة عربية تتعرَّض للعدوان الإمبريالي الصهيوني. سوف نستمر في نهجكم المقاوم، هنا في لبنان، أنتم يا من حطمتم أسطورة التخويف من شدة بأس التكنولوجيا الصهيونية.
ولأن الشعب العربي اختار طريق المقاومة والشهادة، فإنه لمنتصر بما لا ريب فيه.
والسلام عليكم ورحمة من الله وبركاته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق