السبت، فبراير 27، 2010

ليس شيعياً من يتنكر لقوميته

-->
ليس شيعياً من يتنكر لقوميته العربية،
أو يتضايق منها أو يكرهها.
رد على البيان الذي أعلنته المعارضة الشيعية العراقية في الخارج، والذي نشرته جريدة النهار. كما نشرت ردود عدد من الذين وقَّعوا البيان على مقال المحامي حسن بيان. ولكن ردَّنا أعلاه امتنعت عن نشره.
27/ 7/ 2002م
1-حقائق لا بُدَّ من تثبيتها
قبل أن نبدأ بالرد على الرد لا بُدَّ من أن نسجِّل الحقائق التالية، وهي:
أولاً: رداً على المستنكرين، من أدعياء الحرص على شيعة العراق من المعارضين العراقيين، نسألهم إذا كان لا يحق لعربي لبناني أن يبدي رأيه في وثيقة لها علاقة بشيعة العراق، على أساس أنها مسألة تهم العراقيين وحدهم، أو أنها تهم شيعة العراق وحدهم.
في هذا الصدد لا يحق لسالم مشكور أن يمنع أي عربي من إبداء رأيه في أية مسألة لها طابع قومي تحت ذريعة واهية أن من يتعاطى مع »إعلان شيعة العراق«، إما هو محسوب على النظام، أو أنه يدَّعي الوصاية على شعب العراق، أو هو من الذين تُغدَق عليهم »الأموال بدون حساب ليكون عوناً للسلطة على الشعب، وبوقاً لها في الخارج«.
لقد ضاق صدر سالم مشكور من عربي لبناني يتكلَّم بضمير عربي ضد من يجب علينا أن لا نلومهم »على كرههم للشعارات القومية«. ومن فم سالم مشكور تأتي إدانته، ولن نقول بحقه أكثر مما أدان فيه نفسه. وهذا ما لا يجعلنا مستغربين محبته للأميركيين.
ثانيـاً: ليس شيعياً من يتنكر لقوميته العربية، أو يتضايق منها أو يكرهها. فالشيعة عندما يحصرون ولاية المسلمين بأبناء الإمام علي بن أبي طالب، يعرفون قبل غيرهم أهمية وإلزامية أن يكون ولي أمر المسلمين من العرب دون غيرهم. والسبب في ذلك أنه لا يمكن لأبناء الإمام علي وأحفاده أن يكونوا غير عرب. في مجتمعاتنا الذكورية لا يصح انتساب الأبناء لغير الأب، ولما كان الإمام علي بن أبي طالب عربياً، ولما كانت الولاية محصورة بين أبنائه، فلا يمكن أن يكونوا إلاَّ عرباً. ولما كانت محبتهم من أولويات الواجبات الدينية الإسلامية، ولما كانت ولايتهم ومحبتهم واجباً دينياً عند الشيعة، ولما كان أبناء علي بن أبي طالب عرباً، فواجب محبتهم عند الشيعة لا يلزمهم بمحبة هويتهم العربية فحسب، بل والدفاع عنها أيضاً.

2-رد على سالم مشكور

وهل تريد يا سالم أن يكون هناك رابط بين العرب غير الروابط القومية والوطنية؟

إننا لا نرى، من أجل إلغاء الأنظمة الطائفية السياسية، إلاَّ أن نصادق الروابط القومية والوطنية. ولسنا نرى أن مشاريع التيارات السياسية الإسلامية صالحة لتوحيد مجتمعنا القومي، سواء جاء هذا الكلام على لسان عناصر السلطة في العراق أم لم يأتِ. وهذه تجربتنا في لبنان هي أكبر دليل على مصداقية هذا المبدأ.
أما أن تحاول أن تلفت نظر القارئ لتخيفه من أن حسن بيان هو بعثي يؤيد نظام الحزب في العراق لتحسم معركتك ضده، فهذا سلاح مُصاب بالفلول. إنه شرف للبعثيين أن يدافعوا عن كل نظام عربي يلعب دوره القومي الأصيل. ولكن ليس البعثيين وحدهم، وخاصة في لبنان، يرون أن التيارات السياسية الإسلامية لن تحقق وحدة الدولة والقانون. فننصحك أن تستبدله بسلاح آخر.
دع المبالغات جانباً يا سالم حتى تصبح »مشكوراً«، فهل بربك أنت مقتنع حقاً، أم أنك تريد أن تساند رأي المخابرات الأميركية، عندما تقول بأن »لا أحد يجادل « في دموية السلطة العراقية؟ فتِّشوا عن ذرائع أخرى أكثر إقناعاً للآخرين غير الاتهام تحت شعارات رفض الدموية والمخابراتية وغياب الديموقراطية لأنها أصبحت نوعاً من الأغطية الاستعمارية التي تثيرها أجهزة المخابرات المعادية لتمرير مشاريعها المعادية. فهي تروِّج تلك الشعارات لتغطية جرائمها البشعة ضد الشعوب، ظناً منها أنها تجمع حولها عداء الشعوب لأنظمة لا تستجيب لإرادة المستعمرين.
هل حقاً أنت تدافع عن حقوق للطائفة الشيعية كممر لإلغاء الطائفية السياسية؟ وكسبيل لتكريس الانتماء الوطني؟
لا يرى من يسمعك تقول إن »قومية السلطة في العراق دمَّرت البلاد«، إلاَّ انك تُسقط معاداتك للقومية على كل من يفكر تفكيراً قومياً، وكأنك لا تريد أن يفتح أحد من العرب فمه إلاَّ لكي يروِّج لما تروِّج له المخابرات المركزية الأميركية وإلا ما تروِّج له المخابرات الصهيونية، وكأنك أصبحت في خندق واحد معهما لأنهما يريدان أن يسلبا أهم قوة من العرب ألا وهي وحدة الشعور القومي. إن أية قضية عربية هي ملك لكل عربي يمتلك الحد الأدنى من الشعور القومي. لا أنت ولا غيرك من المروجين للعداء ضد العروبة يستطيع أن يمنع أي عربي صادق ومؤمن من أن يرفع صوته بـتأييد العراق في معركته الدائمة والمستمرة ضد أميركا و»إسرائيل «. أتناسيت، من شدة غيظك من القومية العربية ما فعلته أميركا بأرض وطنك وأرواح شعبك وحبة الدواء لأطفالك وأطفال الآخرين؟ أتناسيت أن الحصار المفروض على العراق مفروض على كل العراقيين، وهو يشمل السنة والشيعة والعرب والأكراد؟ أتناسيت أن حبة الدواء المحجوبة محجوبة عن كل العراقيين؟ أنسيت كل المظالم التي يقوم بها الأميركيون أنها تطول كل العراقيين؟ أو لست تدري أنه إذا ركع العراق –لا سمح الله- أن العرب كلهم سيركعون؟ هل تدري أن حسن بيان –دفاعاً عن نفسه وعن لبنان من أن يركع- يستل قلمه للدفاع عن العراق؟
لا فضل لحسن بيان، أو لغيره من الأقلام، في أن يدافع عن العراق، فهو بلد عربي. ولا حجة لأحد أن لا يقاتل ضد أميركا –حتى ولو بالكلمة- لأن أميركا عندما تستهدف العراق فهي تستهدف كل بلد عربي، وعندما تستهدف فلسطين فهي تستهدف كل العرب. لقد كتب حسن بيان كثيراً عن فلسطين، فهل كان يعتاش، أيضاً، على شعار العروبة؟ لا بُدَّ من أنك كتبت عن قضية فلسطين، فهل هذا ممنوع عليك؟ وهل على الفلسطينيين أن يكرهوا الشعارات القومية لأن سالم مشكور كتب عنها وهاجم عملاء »إسرائيل« من الفلسطينيين؟ فحتى تكون يا سالم »مشكوراً« عليك أن لا تفصح عن عدائك وكرهك للشعارات القومية.
هل يحب الأميركيون الشعارات القومية؟ ولماذا؟ هم يكرهونها لأنها تعمل ضد ما تدَّعيه أنت، وكأنه حرص منك وغيرة على شيعة العراق؟ هل يريد الأميركيون مصلحة الشيعة في العراق؟ فإذا كان الجواب لا، فلماذا لم ترشقهم بوردة؟ على الأقل وردة واحدة من آلاف الورود التي ترشق بها دولتك؟
أما حول ادِّعائك بوجود مكتب الاستخبارات الأميركية في العراق، فلن يحولنا إلى سُذَّج وبسطاء نصدق ما ترمي إليه. لا تستغفل القراء. فهناك فرق بين أن يكون لكل سفارة في أية دولة جهاز استخباراتي تابع لها، أو كجزء متمم لعملها، وبين أن يلجأ أدعياء الوطنية وأدعياء الحرص على مصالح أبناء مذهبهم إلى مراكز الاستخبارات الأميركية في نيويورك ولندن وغيرهما من المراكز في شتى أنحاء العالم.
ولماذا يتواجد ملايين العراقيين خارج وطنهم؟ فإذا كانوا كلهم من المعارضين، فهل المعارضة في الخارج تُسقط النظام؟ وإذا كانوا في خارج وطنهم طلباً للعمل فعلينا أن نسأل مشكور، وهل خرج العراقيون بمثل تلك الكثافة إلى خارج وطنهم قبل الاعتداء الأميركي الوحشي على العراق في العام 1991م؟
لا تُسقط يا مشكور آثامك وهروبك من الحقيقة على القومية العربية، لأنك لا بُدَّ من أن تجد نفسك، إذا لم تكن قد وصلت بعد، أميركياً أو أي شيء آخر إلاَّ أن تبقى عربياً. وساعتئذٍ تستطيع أن تكون ما تشاء.
وإذا كنت تريد أن تهرب من قوميتك وتنسى هويتك وتكره عروبتك، لكي تهاجم القوميين العروبيين وتنكر عليهم واجبهم القومي، فمن العار عليك أن تطلب من الآخرين أن يرتكبوا الإثم الذي ارتكبته أنت بدون أي رادع ديني أو إنساني، فأنت قد نسيت قوميتك وكرهت عروبتك وتنكرت لأمتك، وكل هذا الكلام لا يعني إلاَّ أنك تكره أبناء مذهبك، ومتى أصبحت ضد قومك فلن تكون إلى جانب أبناء مذهبك على الإطلاق، فأنت عندما تدافع عن شيعة العراق فأنت غير صادق مع نفسك، فراجعها لتعرف إلى أي درك قد هوت.
3-لماذا جاء رد موفق الربيعي خالياً من أي اتهام لدور أميركا في ضرب شيعة العراق؟
يلقي الربيعي اللوم على القصور الأميركي في فهم » طبيعة النظام العراقي«، لذلك –كما يحسب- كانت أميركا مقصِّرة حول وضع تصور للطريقة »التي يمكن فيها تغيير نظام الحكم في العراق«. وحسبت أميركا، أيضاً –يقول الربيعي- إن العقوبات الذكية هي التي يمكن من خلالها »إزالة نظام الحكم وتقويض وجوده في السلطة«. ولما لم يسقط النظام. وهو لن يسقط، يحسب الربيعي أن المعارضة العراقية، خاصة موقعو »إعلان شيعة العراق «، فقدت الأمل في جدية الولايات المتحدة بالقيام بمثل ذلك الدور، فأصيبت بحالة »من الإحباط النفسي«!!!. وهنا يتأسف موفق الربيعي، أيضاً، ويلوم الولايات المتحدة الأميركية على موقفها السلبي مما يسميه الانتفاضة الشعبية الشيعية في آذار من العام 1991م، أي حركة التمرد في جنوب العراق التي حصلت تحت ستار العدوان الأميركي على بلده.
لما فقد الربيعي الأمل من أي دور يمكن أن تلعبه أميركا في تغيير النظام، وكان هذا الفشل موقع أسفه الشديد في أن عدو بلاده لم يتمكن من إسقاط سلطته الوطنية. ولما سادت من جراء ذلك »الأجواء الخاملة سياسياً«، وما حسبه الربيعي أجواء شعبية مشحونة، يقول بأن أهل الدار من شيعة العراق الموجودين في بريطانيا حاولوا أن يتولّوا المهمة التي كانوا يراهنون على أميركا بأن تقوم بها. أما مهمتهم فكانت »تجميع الرؤى الشيعية« لوضع دراسة حول »أبعاد المشكلة الطائفية في العراق«، فكانت الخطوة الأولى التي أوصلت إلى صياغة »إعلان شيعة العراق «.
بربكم هل الربيعي، استناداً إلى رسم دور الذين وقَّعوا »إعلان شيعة العراق «، هم عراقيون؟ وهل الذي يراهن على عدو بلاده إلاَّ عدواً لها؟ وما هو الفرق بين أميركا التي تضرب العراق وبين الذين يصفقون لها من العراقيين. طبعاً نحن نربأ بالشيعة أن يقفوا هذا الموقف المشين، لأن موقعي إعلان شيعة العراق لا علاقة لهم بالشيعة على الإطلاق، لا في العراق ولا في غيره.
يحاول الربيعي أن ينفي تهمة العلاقة بين الإعلان وبين المخطط الأميركي. إلاَّ أنه يعجز عن نفي التهمة، لأنه يعترف، بما لا يقبل الشك، أنه كان يراهن على الدور الأميركي. ولما فقد الأمل في جديته، عمل على إعادة التذكير بقضية العراق، لأنه لو كان المشروع الأميركي جدياً لما حاول الربيعي أن يُتعب نفسه في إعادة التذكير بقضية وطنه.
فبهذا المعنى نوافق الربيعي بأن هناك فصل بين »الإعلان« وبين المشروع الأميركي، بمعنى التنسيق المباشر. ولكن هناك وصل بين الإعلان وبين المشروع الأميركي، بمعنى أن لهما أهدافاً واحدة هو تغيير النظام. فالربيعي يرضى، بسابق إصرار وتصميم، أن يتم التغيير على أيدي (الشيطان) حتى ولو كان أميركياً. والدليل الشكلي حول ذلك نقرأه من العنوان الذي وضعه الربيعي تحت الرقم (1): »1-الإعلان ليس جزءًا من (المبادرة) الأميركية«.
ليس وصف ما تقوم به أميركا بمبادرة هو الوصف الحقيقي إلاَّ إذا اعتبر الربيعي أن من حق الأميركيين أن يحددوا مستقبل العراق بالنيابة عن أبنائه. فليس استخدام تعبير (المبادرة) بالاستخدام البريء، بل هو اعتراف بحق الأميركيين وتأييد للطريقة التي يتعاملون بها مع العراق، سواء كان شعباً أو نظاماً. فموقف الحياد الذي يقفه عراقي بين النظام الذي يحكم بلاده وبين المواقف الأميركية المعادية لوطنه العراق وأمته العربية، ليس حياداً بريئاً، بل إنه منحاز إلى الموقف الأميركي ومبرر له. هذه حقيقة أولى.
أما الحقيقة الثانية، فهي أن »إعلان شيعة العراق«، لم يرشق الأميركيين بوردة، وكأن العدوان الأميركي في العام 1991م، على العراق لم يكن يطول حقوق الشيعة، وكأن الصواريخ الأميركية كانت تطالب لشيعة العراق بحقوقهم، وكأن (جورج بوش) كان يشعر بأن الهم الشيعي في العراق يؤرقه، وهو هدفه الرئيس.
ألم يتضرر شيعة العراق من العدوان الأميركي؟ ألم يدفعوا عشرات آلاف الشهداء؟ ألم يلحقهم التجويع والمرض من جرائه؟ ألا يستأهل ما لحق بشيعة العراق من آلام ودمار وقتل وتشريد، من جراء العدوان الأميركي، أي لوم من واضعي »إعلان شيعة العراق«؟
لم يوضح لنا الإعلان ولا توضيح الربيعي وضَّح لنا لماذا ترك كثيرون من السُنَّة أرض العراق والتحقوا في صفوف ما يُسمى بالمعارضة العراقية في الخارج؟ هل كان احتجاجاً على انتقاص حقوق شيعة العراق؟ وهل كان التحاق بعض الشيوعيين بالمخابرات الأميركية، كان بسبب انتقاص حقوق شيعة العراق؟ ولماذا ينضم بعض الأكراد السُنَّة إلى صفوف المعارضة، هل سبب التحاقهم هو غيرة على حقوق شيعة العراق؟
المعارضة العراقية في الخارج لها اتجاهات ومشاريع يختلف بعضها مع البعض الآخر. فهذا يحمل الهم المذهبي، وذاك يحمل همَّ أوهامه السياسية المتعصبة، وثالث يحمل أوهاماً ورؤى وعقد نفسية وحزبية، دفعتهم جميعاً إلى دوائر الخصومة مع نظام يقود العراق منذ عقود، أثبت من خلالها أنه يثير مخاوف أعداء الأمة العربية، ولولا ذلك لما كان قد تعرَّض إلى أكثر من عدوان، ولما كان العدوان مستمراً بالحصار، وبالتهديد والوعيد. لقد تناسى الجميع أنهم من حَمَلة الشعارات الجوفاء في محاربة الاستعمار، فإذا بهم حلفاء للاستعمار.
نحن لا نفهم كيف يكون في العراق تمييز بالتقديمات الاجتماعية والصحية والتعليمية بين الطوائف. فهل موقعو »إعلان شيعة العراق« يرون أن المدارس والجامعات والمستشفيات ووسائل النقل العام والرواتب والقيام بفتح المصانع أو تأسيس المزارع مفتوحة الأبواب أمام طائفة من دون الأخرى؟
وهل مساجد ومقامات جماعة دينية مفتوحة الأبواب ومُحاطة بعناية الدولة، بينما مساجد ومقامات الشيعة مقفلة أمام الشيعة؟
لا يمكن أن نعالج الطائفية بمثل الأسلوب الذي يدعو إليه الربيعي، لأننا نكون كمن يعالج المسموم بإعطائه المزيد من جرعات السم.
إن للطائفية السياسية وجوه واضحة، كما هو حاصل في لبنان، ففي لبنان نظام –حتى لو كان مؤقتاً أو عُرفاً- يوزِّع المواقع السياسية والإدارية على الطوائف. وعلى الرغم من هذا التوزيع، يعترف اللبنانيون أن التوزيع والتقسيم هو من أسوأ الأنظمة. ويتم العمل من أجل استبداله بنظام يعترف للمواطن بحقه ويُلزمه بواجباته من دون النظر إلى دينه أو مذهبه. ومن هنا، نرى أن »إعلان شيعة العراق « يدعو إلى قيام نظام شبيه بالنظام اللبناني، بحيث تتكرَّس الطائفية السياسية لا أن يتمَّ إلغاءها تحت حجة الاعتراف بالحقوق السياسية للطوائف. أما حول التمايز المذهبي أو الديني فهذا حق يكفله الدستور على أن تكون الروابط القومية والوطنية هي المعيار الأساس الذي نقيس عليه حقوق الإنسان وواجباته.
أما حول ما يثيره الربيعي من أن النظام القائم مارس »إساءات متعمَّدة ومتواصلة للتراث الثقافي والديني للشيعة«، فهذا اتهام يمكن إعادة النظر فيه. ولأنني لن أقوم مقام العراقيين في نفي أو تأكيد ما يقوله الربيعي، فإنني أتمنى أن يُسأل الشيعة اللبنانيون من الذين يقومون بزيارة العتبات المقدسة في العراق، ومن ضمن وفود متواصلة، وأن يُسأَل الزوَّار الشيعة الإيرانيون عن رأيهم بما يرون ويشاهدون بأنفسهم عن صحة أو كذب ما يدَّعيه الربيعي.
فليذكر لنا الربيعي، وليسأل من درسوا سابقاً، أو من يدرسون حالياً في النجف الأشرف إذا كانت أية قوة مرئية أو غير مرئية قد فرضت مناهج للدراسة في كليات النجف أو معاهده؟ وهل نسي الربيعي أن الخميني، بنفسه، كان من بين العلماء الشيعة الذي كان يلقي دروسه في النجف؟ وهل يعلم الربيعي أن أهم ما كتبه الخميني حول ولاية الفقيه، ونشره في كتاب عنوانه »الحكومة الإسلامية«، كان عبارة عن محاضرات ألقاها الخميني مع طلاب النجف في العام 1968م؟ وعلى الرغم من ذلك لم يلقَ أي اعتراض أو إساءة، والدليل على ذلك أن ضيافته في العراق استمرت –على الأقل- عشر سنوات بعد إلقائه محاضراته تلك؟ وهل الخلاف الذي حصل بينه وبين النظام العراقي كان خلافاً مذهبياً أو خلافاً سياسياً؟
يظهر الربيعي قلقه من أن النظام يعمل من أجل تغيير التركيبة السكانية للعراق من خلال استقدام ملايين المصريين، أو من خلال محاولات إسكان الفلسطينيين في العراق. فهذا خوف ساذج وسطحي، وإلا فليقل لنا الربيعي كم بقي من المصريين في العراق بعد العدوان الثلاثيني عليه؟ وهل أعطاهم النظام الهوية العراقية؟ وهل يتعرف العربي على مذهب العراقي من خلال هويته؟ وهل تضع دوائر النفوس العراقية المذهب الديني للعراقي على هويته لتمييز العراقي عن الآخر؟
أما بالنسبة للفلسطينيين، فهل يدري الربيعي أن من أهم شروط رضى الأميركيين عن النظام مشروط برضى العراق بتوطين الفلسطينيين؟ وهل يدري أن من أهم أسباب العدوان عليه هو موقفه المتميز من القضية الفلسطينية؟ ونتيجة موقف العراق الرافض لتغيير هوية فلسطين يرفض رفضاً مطلقاً إعطاء الفلسطينيين الهوية العراقية؟

4-طبيب يداوي الناس وهو عليل

كان من الأفضل والأكثر شرفاً للطبيب العراقي الذي يسكن في الولايات المتحدة الأميركية وتسكن في نفسه أجهزة مخابراتها أن يداوي نفسه من مرض »نقص المناعة « الوطنية والقومية، ومن رهاب قلة الثقة بالنفس، والخوف من قوة »الرعب الأميركية«، التي منعته من أن يعترف بفظاعة العدوان الذي شنته الولايات المتحدة الأميركية على شعب العراق، الشعب الذي يدَّعي الطبيب العليل بأنه ينتسب إليه.
إذا كان حسن بيان محام عن العراق، وهو بلد عربي، فله الشرف بأن يدافع عن بلد عربي تنكَّر له بعض أبنائه وراحوا يسهرون –على وقع موسيقى القنابل الأميركية التي تتساقط على رؤوس العراقيين- في ملاهي لاس فيغاس وغيرها. أما أنت فغض الطرف لأنك تدافع عن »الشيطان الأميركي الأكبر«، فلا وطنيتك وقوميتك بلغت ولا أبناء مذهبك محتاجون لوصفاتك الطبية. شيعة العراق يموتون ولا يأكلون »بأثدائهم«، فانظر أيها الطبيب البارع أين تبيع بثدييك.
تشخيصك للمرض المصاب به حسن بيان ليس سوى إسقاط لأمراضك على الآخرين، فكان عليك لو لم تكن مصاباً بقصور النظر أن ترى جرائم الأميركيين بحق شعبك في العراق، وبحق أخوتك في فلسطين، وبجرائم تزويد الكيان الصهيوني بكل أنواع الأسلحة الفتاكة هذا غير التأييد السياسي اللامحدود.
حبذا لو تجرَّأ الطبيب العليل أن يقول بأن العراق هو من أهم الأهداف التي على أمريكا أن تزيلها من خريطة المنطقة، ليس حباً بنقل الديموقراطية إلى العراق لحماية الطبيب العليل، بل كرهاً بهذا النظام الذي أراد أن يمتلك التكنولوجيا الذرية والتسليحية التي تصنع القنبلة العربية والصاروخ العربي.
5-مدين الموسوي يتجاهل من هم الأميركيون الفعليون
قل لي عمن تدافع أقول لك من أنت.
إنني أسألك يا سيد مدين عن القاعدة الوطنية التي ابتدعتها وقرَّرت صلاحيتها؟ من أين جاء الحق للمعارضة في أن تختلف ومع من تختلف أو تتفق مع من يتَّفق مع أهدافها؟
لو كان المبدأ محدداً وخاصاً لما لفت انتباهنا، ولكن جاء مبدؤك عاماً وتناسى أن بعض التحالفات مشروعة وبعضها الآخر غير مشروع.
أنت تتغنى، بلا شك، بدور المقاومة ضد العدو الصهيوني، وتعرف أن هذا هو الوجه الوطني الأصيل، فهذا وجه من وجوه الحقيقة. أما الوجه الآخر للحقيقة فهو أن تهاجم كل من تعاون وتحالف مع ذلك العدو من اللبنانيين. إن المجموعات التي تعاونت مع العدو، وهي –حكماً- خائنة لبلدها. كانت تلك المجموعات تدَّعي أنها تعمل على طرد المقاومة الفلسطينية من لبنان. وهي الأهداف ذاتها الذي يعمل العدو الصهيوني من أجل تحقيقها. فهل تعطي وحدة الأهداف بينهما الحق لتلك المجموعات في أن تتحالف مع العدو؟ وهل ترى أن من يتعامل مع العدو الصهيوني، من العرب ومن اللبنانيين، إلاَّ خائناً لوطنه؟ لماذا؟
يخوض لبنان صراعاً مع العدو الصهيوني، فمن بديهيات الأمور أن يقاوم اللبنانيون ذلك العدو، سواء الذين يؤيدون النظام اللبناني أو الذين يعارضوه؛ ولا عذر لأي لبناني أن يتذرَّع بتحالفه مع العدو بأنه معارض للنظام اللبناني من جهة، وأن أهداف العدو تتلاقى مع أهداف المعارضين من جهة أخرى، فالذين تعاونوا مع العدو من اللبنانيين كانوا يريدون اقتلاع المقاومة الفلسطينية من لبنان، وهذه هي أهداف العدو ذاتها أيضاً. فبناء على قاعدتك في أصول التحالفات تعطي مبرراً مشروعاً لعملاء العدو الصهيوني في أن يعقدوا تحالفات معه، لأنهم أحرار في أن يعقدوا تحالفات مع أية جهة تلتقي أهدافهم مع أهدافها. لكن القاعدة الثابتة والتي لا لبس فيها، هي أن تعاون أية مجموعة من بلد ما مع عدو بلدها يتَّصف بالخيانة، سواء كانت معارضة لحكم بلدها أم كانت موالية له. فيصبح من بديهيات الأمور أن يكون كل من يتعاون مع العدو الصهيوني خائناً لوطنه.
تعرَّض العراق، وما زال يتعرَّض، للعدوان الهمجي الأميركي، والعراق بلد عربي، فواجب على العرب أن يساندوا العراق ويشاركوه في مقاومة العدوان، وهذا ما يُرتِّبه الواجب القومي عليهم. وكل عربي يشارك الأميركيين في العدوان، أو يسكت عنه، هو من الذين يخونون واجبهم القومي. وواجب على كل العراقيين، سواء الذين يؤيدون النظام أو يعارضوه، أن يقاوموا العدوان الأميركي، ولا حجة لهم أن يقولوا بأن العدوان الأميركي يعمل لإسقاط النظام في العراق، وتلتقي أهدافه وتتفق مع أهداف المعارضة العراقية التي تعمل لإسقاط النظام، فهل يبرر المبدأ الذي وضعه الموسوي أن تتحالف المعارضة العراقية مع أميركا المعتدية على حرمات العراق، أرضاً وشعباً؟
يجيز موفق الموسوي هذا التحالف وهو مقتنع تماماً بشرف التعاون مع الأميركيين، فهو يدافع عن أهمية »العامل الأميركي« الذي ليس بهامشي ولا ضئيل، بحيث لا يمكن للمعارضة العراقية أن تهمله أو تتجاوزه، بل عليها أن تستند إليه وتعمل على مساعدته في سبيل إسقاط النظام العراقي. فأي منطق هو الذي يقودك يا موفق الموسوي لكي تؤكد حقاً للمعارضة العراقية بأن تتعاون مع العدو الأميركي ضد بلدك؟ هل التعاون الدولي والعربي مع الأميركيين يعطيك المبرر لأن تنزلق إلى تحالف مع عدو ضرب بلدك ويعمل على احتلالها ويديم حصاره الجائر حولها؟ وهل ستتحقق مطالب شيعة العراق إذا استطاع العدو الأميركي أن يُسقِط نظام الحكم في العراق؟
هذه إيران، ذات الحكم الشيعي، أدخلها الأميركيون في دائرة »تحالف الشر والإرهاب«، ولم تشفع لحكمها الشيعي ولا لأكثرية سكانها الشيعة أن يستبعدهم الأميركي من عدوانه. فلا هنا تجد تبريراً، في سبيل الدفاع عن حقوق شيعة العراق، ولا تبريراً للأميركي في الاعتداء على العراق بحجة إسقاط النظام البعثي، فها هو يستهدف نظاماً بعثياً قومياً من جهة، ونظاماً شيعياً من جهة أخرى. أوَ لم تتساءل عن ماهية دوافع العدوان الأميركي على نظامين أحدهما يقوده فكر قومي وآخر يقوده نظام شيعي؟
هل أصبح مثالك الأعلى أن يتسارع المهرولون على طرق أبواب الرضى والبركة الأميركية؟ فأين هي ثوريتك يا ترى؟ أوَ لم تغادر بلدك لأنك ثوري؟ أغادرتها لتلتحق بركب المهرولين أفراداً ودولاً؟
إسمح لي يا موفق أن أقول لك إنك تبرر لعملاء إسرائيل من اللبنانيين خيانتهم لوطنهم، فقد أعطيتهم صك البراءة عندما أجزت للمعارضة العراقية أن تتحالف مع ألد أعداء وطنه من الأميركيين. فكما هو مشروع للمعارضة العراقية –استنادا إلى مبدأك في التحالفات- أن تتحالف مع الأميركيين الذين يعتدون على بلدك العراق، أصبح من المشروع لبعض المجموعات اللبنانية أن يعقدوا تحالفاً مع العدو الصهيوني الذي يمارس اعتداء على بلدهم لبنان.
6-كمال حسين يبرر للجندي العراقي أن يخون وطنه بسبب كرهه للنظام
من الأهمية بمكان أن نسأل كمال حسين، هل لجأ العراقيون المعارضون للنظام العباسي عندما هاجم هولاكو وجنكيزخان بغداد وأحرقوها، ولونوا مياه دجلة والفرات باللون الأسود بحبر مكتباتها؟
بلى لقد لجأ عدد من المعارضين للخليفة العباسي، يومئذٍ، إلى صفوف جيش هولاكو وجنكيزخان. وهنا أستحلف كمال حسين، الكاتب العراقي اللاجئ في السويد، أية نعوت ألصقها التاريخ بهم؟
بلى لقد هاجر مئات الضباط العراقيين، بعد العدوان الأميركي على العراق، إلى كنف من جعلوا مياه دجلة والفرات سوداء من حبر مشاريع التكنولوجيا العراقية التي كانت تأمل بتحرير العقل العراقي والعربي من التبعية للغرب. لقد تحوَّلت مياه دجلة والفرات إلى اللون الأسود عندما قامت أميركا، هولاكو القرن العشرين، بإتلاف وثائق مفاعل تموز للعلوم الذرية، وإتلاف وثائق مشاريع الصواريخ التي دكَّت تل أبيب لأول مرة في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني. ولماذا لا يلجأ الهاربون من وهج اكتساب التكنولوجيا الحديثة التي عمل في سبيلها النظام القائم، والتي من أجل منعه من امتلاكها تعرض، وما زال يتعرض، لأبشع عدوان عرفه تاريخ المنطقة العربية. فهل يظن الهاربون أن العدوان على العراق كان من أجل سواد عيون حقوق شيعة العراق، ومن أجل تأمين الديموقراطية للهاربين؟ وهل يظن الهاربون أن العدوان على العراق كان من أجل عيون الديموقراطية لكي يتمتع الهاربون بنعيمها؟ وهل يظن من زرعوا الفوضى في جنوب العراق تحت حراب العدوان الأميركي أن أهداف ذلك العدوان كان من أجل أن يبني لهم دولة شيعية في جنوب العراق لإزالة الظلم اللاحق بالشيعة؟ وهل ظنَّ الذين زرعوا الفوضى في شمال العراق أن أهداف العدوان الأميركي على العراق أن يبنوا دولة كردية تتمتع بالاستقلال والحرية؟
إسألوا بعض اللبنانيين الذين راهنوا على النخوة الأميركية، والذين راهنوا على النخوة الصهيونية، كيف كانت نتائج مراهناتهم؟ وإلى أين وصلت بهم سفن المراهنة على العدوين معاً؟
إسألوا بعض اللبنانيين الذين راهنوا على خرائط تقسيم لبنان بين طوائفه أين أصبحت مراهناتهم؟
هل تناسيتم تعاون سعد حداد الضابط اللبناني سابقاً، وانطوان لحد، اللواء السابق في الجيش اللبناني، مع العدو الصهيوني؟ ألا يمكن أن يعطي هروب بعض ضباط الجيش العراقي للتعاون مع المخابرات الأميركية مبرراً لرفع تهمة خيانة حداد ولحد لوطنهما، ولرفع ما ألحقه كلاهما من تلويث بشرفهما العسكري؟
تعلموا أيها المعارضون العراقيون من تجربة اللبنانيين. فلا معارضتهم من الخارج نفعت، ولا مراهناتهم على الخارج أطعمتهم خبزاً وأكسبتهم شرفاً. فعودوا إلى رشدكم، وعودوا إلى وطنكم فهو مهما قسا عليكم فهو أرحم بكثير من عطف الأعداء الكاذب عليكم. وهو متى ما استطاع أن يصل بمخططاته إلى درجة النجاح، فسوف تكونون كما قال نابليون للجاسوس الذي قدَّم إليه خدمات ضد بلده: خذ هذه الحفنة من المال أجراً لك ولكنك لست جديراً بمصافحة نابليون لأن من خان وطنه لن يكون اكثر أمانة لعدو وطنه. فأنتم، بالتأكيد، تخسرون الوطن ولكنكم لن تكسبوا صداقة العدو أيضاً.
لبنان في 27 / 7 / 2002م
-->

ليست هناك تعليقات: