الخميس، فبراير 25، 2010

لعبة الورق الأميركية في العراق استهداف للضمير العربي

-->
لعبة الورق الأميركية في العراق استهداف للضمير العربي
في 30/ 7/ 2003م
يمارس اختصاصيو علم النفس والإعلام والاجتماع الأميركيون، الذين يعملون في مؤسسات الدراسات الأميركية، التابعة للشركات الرأسمالية الكبرى، وظائفهم بشكل جيد في التأثير على الحقل النفسي العربي، من خلال التلاعب بمزاج الشارع، ومزاج المثقف، كما على بعض وسائل الإعلام العربية التي تحول البعض منها للترويج إلى الإعلان الأميركي، متأثرين بألعاب الورق والشطرنج والداما الأميركية.
يمارس مخططو السياسة الأميركية، التي يلتف حول صانعيها أخطبوط الشركات الرأسمالية الكبرى، استغفالاً للضمير العربي عندما يحولون قضاياه الكبرى إلى مجرد ألعاب وأوراق لا يشعر المتتبع لحركتها بما يهزه في أعماق ضميره.
أما لعبة الداما، اللعبة السياسية التي يحرك فيها صانعو القرار الأميركي صانعي القرار السياسي الرسمي العربي، كما يشاؤون، فهي اللعبة التي يتحرك على أساسها معظم حكام الأنظمة الرسمية العربية.
أما لعبة الشطرنج، اللعبة التي يحسب الأميركيون فيها أن عليهم في الصراع مع رافضي الإملاءات الأميركية أن يلاحقوا الملك الذي إذا ما قتلوه يعلنون ربحهم في اللعبة، فهم يطبِّقونها الآن- في العراق. ويتمظهر ذلك من خلال ملاحقتهم للرئيس صدام حسين. وتناسوا أن في العراق مؤسسة حزبية لا تنتهي بموت الملك.
أما لعبة أوراق اللعب، فهي التي يعمل الأميركيون على ممارستها في العراق، فيقتلون ويزرعون الرعب بين النساء والأطفال، ويخترقون بكل صلافة وغرور كل تقاليد الأسرة العربية بدخولهم إلى البيوت وخرق حرماتها، وهم بممارسة تلك اللعبة يحولون دون بعض المزاج العربي والاحساس بأن من يقتلون هم بشر من لحم ودم، يحملون قضية سامية، يقاتلون ويتظاهرون ويعترضون ويرفضون من أجلها، بل يتحول بعض ذلك المزاج إلى متابعة آلية لا يشعر فيها العربي بالألم والغضب والثورة واهتزاز الضمير. بل أخذ يمارس أولئك العرب دورهم كمن يتتبَّع لعبة الورق، لهذا أخذوا يتصورون أن من يشاهدون قتله وتعذيبه، من العراقيين، على يد قوات الغزو الأميركي، ليسوا إلاَّ كمثل قتل أوراق لعب كرتونية. فسقوط أوراق اللعب لا يثير ذلك الإحساس الغاضب الثائر في وجه الظلم والتعسف.
مثلما حوَّل الإعلام الأميركي قضايانا وشهداءنا ومعتقلينا في العراق إلى أوراق من اللعب، كاد أن يحوِّل البعض من العرب، ومنهم بعض المثقفين والإعلاميين، إلى مشاهدين للمنظر العراقي، يفتقدون الإحساس والضمير والعنفوان والثورة على الظلم والتعسف والاضطهاد. وإذا ما نجح الإعلام الأميركي في تحويل المثقف عندنا إلى هذا المثال، فهو الانتصار الأميركي الأكبر، لأن انتصاره في حسم الحرب العسكرية النظامية ليس هو الانتصار الحقيقي.
جعلنا الإعلام الأميركي نتلطى وندفع الضمير فينا إلى الموت- تحت ذرائع أن موت هذا أو ذاك، أو اعتقال هذا أو ذاك، أو تعذيب هذا أو ذاك ليس لسبب إلاَّ لأن المقتول أو المُعتَقل أو المعذَّب ينتمي بالنسب أو الانتماء السياسي، إلى من نكن الكره والحقد ضده، أو لأنه يؤيد هذه الإيديولوجية أو تلك التي نشعر بالتعصب ضدها.
نخشى أن يتحول ضميرنا إلى التحجر والانغلاق. فعلى قاعدتهما يكون موت شخص أو تعذيبه لا علاقة له بالإحساس القيمي الإنساني العام أو بالاحساس الوطني والقومي، بل يسهل خبر موت العراقيين أمامنا أو تعذيبهم أو اعتقالهم، فيتلوَّن الشعور الإنساني فينا، وكذلك الشعور القومي والوطني، بتلاوين سياسية وتعصبية. وفي مثل هذه الحالة تضيع الطبيعة الإنسانية والقومية عن قضايانا.
فلو كان المقياس في توجيه الشعور والإحساس الإنساني يستند إلى العصبية والموقف السياسي الشخصي، لضاعت الأوطان لأن تعددية التيارات السياسية والإيديولوجية كثيرة في أمتنا العربية. ولو ضاع التمييز عندنا بين حدود الظلم والعدالة، وبين وسائل حسم الصراعات الداخلية وحسم الصراع مع الخارج، لضاع معها الإحساس بالوطنية، وهنا يكمن موقع الخطر الذي جعل البعض من العرب ينظرون إلى ما يجري على الساحة العراقية وكأنه لعبة من الورق، وهذا ما خططت له مكاتب الدراسات الأميركية التابعة لشركات الرأسمال الأميركي.
لكي تستقيم بوصلة الشعور والقومي والوطني، ليس أفضل من تعبير تلك السيدة العراقية التي علَّقت على مقتل عدي وقصي إبنا الرئيس العراق صدام حسين- قائلةً: يكفي أنهما قُتلا في مواجهة جنود الاحتلال الأميركي ليكونا شهيدين عراقييْن بطلين.
ليس هناك من صادم لكل أنواع الضمير فينا أكثر من تعرُّض العراقيين لشتى أنواع القتل والملاحقة والاعتقال والإذلال التي يمارسها جنود الاحتلال الأميركي والبريطاني بحق الشعب العربي في العراق. وكل تلون أو اجتهاد أو تبرير أو التفاف حول ما يجري في العراق، ضد أي كان من العراقيين على أيدي قوات الاحتلال، لن يكون موقعه أبعد ممن وقع تحت تأثير التنويم المغناطيسي للإعلام الأميركي الذي حوَّل العراقيين ورموزهم الوطنية إلى مجرد أوراق لعب لا يثير مقتلها أو اعتقالها أو تعذيبها أي شعور إنساني أو وطني أو قومي.
هل وجدنا، في ظل سيادة بعض المزاج الشعبي والنخبوي العربي، ما نبرر به موت ابني الرئيس صدام حسين، عدي وقصي وابنه مصطفى، بشجاعة غير أنهم أوراق لعب اقتنصها الأميركيون بشطارتهم في تغليف ضمائر البعض من العرب، بحيث راحوا يعملون على إقناعنا بأنهم ماتوا وأراحونا من الظلم الذي أنزلوه بالشعب العراقي؟!!!
كان من واجب الغيارى على العراق وتخليصه كما يحسبون- من ظلم النظام السابق، أن يتهموا الأميركيين بقتلهم العمد، لكل من قصي وعدي. فهم لو كانت لديهم الأدلة حول الاتهامات الملفقة ضدهما لكان من الواجب اعتقالهما حيين لمحاكمتها، وهم كانوا قادرين على ذلك!!!

ليست هناك تعليقات: