الخميس، فبراير 25، 2010

هل تستفيد الدول المعارضة للعدوان من المقاومة؟

-->

هل تستفيد الدول المعارضة للعدوان من المقاومة؟

(تلونات المواقف الدولية من القضية العراقية)

نُشر في جريدة الكفاح العربي: العدد 3589، تاريخ 24/ 9/ 2003م

 
لقد مرَّت المواقف الدولية من القضية العراقية بتلونات متعددة، وكان من ورائها يتلطى منطق المصالح الاقتصادية. وإذا كان لهذا المنطق أن يكون عادلاً فلا بد من أن يساوي بين الدول كل الدول، كبيرها وصغيرها، المتقدم منها والمتخلف؛ وفي مثل هذه الحالة لن نقف بالضد منه.
ابتدأ الاشتباك بين دول المنظومة الدولية، أي الأعضاء الذين يملكون حق الفيتو في مجلس الأمن، على قاعدة الصراع بين شرعية العدوان على العراق أو لا شرعيته. فكان الموقفان الأميركي والبريطاني في وادي العدوان أياً تكن المبررات، لأن قرارهما محكوم بتنفيذ عدوان يراعي مصالح الشركات الكبرى الحاكمة للولايات المتحدة الأميركية؛ بينما كان للموقف الذي توحَّدت من حوله مع بعض التنوعات التفصيلية- كل من فرنسا وروسيا والصين، مدعوماً بقوة من الحكومة الألمانية، يستند إلى عدة من الأسباب، ومن أهمها:
1-الخوف من أن يحكم العالم قطب واحد، خاصة إذا كان أميركياً، فيتحول العالم كله ساعتئذٍ- إلى إمبراطورية أميركية محكومة من إمبراطورية الشركات الكبرى، فيصبح مصير العالم كله، من المحيط إلى المحيط، عبداً لنزوات وشبق رأس المال الأميركي، فيُطعم من يريد، ويحكم بالجوع على من يريد.
2-إن عالماً محكوماً بنظام متعدد الأقطاب يعيد للساحة العالمية إلى حدٍّ ما- عامل التوازن بالمصالح. وهو إطار مناسب للديموقراطية بين الدول.
3-للدول، التي اعترضت على منطق العدوان الأميركي على العراق، ديوناً وعقوداً مع الحكومة العراقية السابقة، وهي تخشى من الاستفراد الأميركي من أن يبتلعها وينكرها عليهم، خاصة وأن هناك سوابق مع الأخطبوط الأميركي اكتوت من نارها.
في ظل هذه الأسباب قاومت تلك الدول الرغبة الأميركية وامتنعت عن تشريع العدوان على العراق، وتكون قد راهنت على خوف الإدارة الأميركية من القيام بحرب قد لا تحظى بموافقة المؤسسات الدولية ذات الصلة. لكن الشبق الأميركي كان المنتصر، فقامت الإدارة بعدوانها مستفيدة من خضوع الحكومة البريطانية لإرادتها. وكانت نتائج الحرب النظامية لصالح قوى العدوان.
في تلك اللحظة وقبلها بقليل، أظهرت دول الموقف الممانع أمنياتها بأن لا ترى الولايات المتحدة مهزومة. وهي قد غطَّت لقواتها جرائم استخدام أسلحة ممنوعة دولياً ضد القوات العراقية في مطار صدام الدولي.
ولما أظهرت الوقائع أن التحالف العدواني قد حقق النصر في الحرب النظامية ضد القوات العراقية، بدأت انحناءات الموقف الدولي الممانع تتمظهر في أكثر من ثوب أو أسلوب، ومضمونه هو العمل من أجل مصالحة مع الإدارة الأميركية على قاعدة أن الله عفا عما مضى. لكن على أن تعترف الإدارة الأميركية بعدد من مصالح تلك الدول في العراق، أي إعطائهم ما تيسَّر من الكعكة العراقية، فوافقت تلك الدول على تمرير قرار مجلس الأمن، الرقم 1483، الذي يعترف بشرعية الاحتلال الأميركي. فكانت نتيجة المساومة في غير صالح القضية العراقية على الإطلاق، ولم تكن أيضاً- في مصلحة تحالف الدول الممانعة، لأنها كانت مصالحة مع الإدارة الأميركية لكبح المزيد من التدهور في علاقاتها مع عملاق أصبح بعد نصره العسكري في العراق- إمبراطوراً ينتظر وضع التاج على رأسه.
بعد أن أثبتت المقاومة العراقية على قاعدة حرب العصابات- فعاليتها ومقدرتها على تنغيص الإدارة الأميركية بنصرها العسكري، وبينما أخذت شكوى المسؤولين الرئيسين في تلك الإدارة تتصاعد من كثرة الخسائر وازدياد حجم التكاليف، أخذت صور المشهد على صعيد الدول الممانعة للمشروع الأميركي- تتغيَّر باتجاه ابتزاز الموقف الأميركي. وبذلك تكون تلك الدول قد امتلكت أوراقاً قوية في سوق المساومات الدولية. فدخلت من جديد، على قاعدة الاستقواء بتأثيرات المقاومة العراقية- باشتباك واضح مع المشروع الذي تقدمت به الإدارة الأميركية في النصف الأول من شهر أيلول-لاستصدار قرار جديد تُسهم على أساسه كل الدول- بالمال والجنود لرفع العبء عن كاهل الإدارة الأميركية من مأزقها الذي أوقعتها به المقاومة العراقية. وهي تمارس الآن-الابتزاز الواضح عليها.
ولما لم تصل المساومات حتى الآن- إلى نهاية واضحة، نرى أن لا بُدَّ أمامنا من أن نلفت النظر إلى الملاحظات والتحذيرات التالية:
1-على تحالف الدول الممانعة أن لا تنسى أن العامل الوحيد الذي فرض لها من جديد كرسياً على طاولة التفاوض / المساومة مع الإدارة الأميركية هي المقاومة العراقية.
2-لا بُدَّ من أن نشكر تلك الدول على مواقفها الممانعة للاحتلال الأميركي للعراق، شرط أن لا يبقى موقفها قائماً على قاعدة المساومات حول المصالح الاقتصادية، بل أن تأخذ بعين الاعتبار ثوابت القيم الإنسانية التي تحرَّكت على أساسها القوى الشعبية الغربية الرافضة للعدوان، وكان من أهمها موقف الضمير الإنساني الذي أعلنه البابا من الفاتيكان.
3-إننا نؤيد قيام عالم متعدد القطبيات يقف بكل جرأة في وجه المشروع الإمبراطوري الأميركي، ويمنعه من الانتشار أكثر. وهو اليوم واقع على الأرض العراقية في مأزق لا يمكن أن يخرج منه سالماً، بل لا بُدَّ له من أن يخرج محترق الأيدي والأرجل بفعل إصرار المقاومة العراقية، ليس على تخليص العراق من مخاطره فحسب، بل تخليص العرب والعالم منها أيضاً.
4-على تلك الدول أن تستفيد من شهادة المقاومين العراقيين الأبطال لتضييق الحبل على عنق الاحتلال الأميركي، ومنع الشركات الأميركية الكبرى من الاستفادة من نفط العراق وثرواته الطبيعية. وهذا أفضل ضمان لمصالح تلك الدول. كما عليها أن تثق بأن ضمان مصالحها لن يمر عبر بوابة الشركات الأميركية العملاقة، وإنما على قاعدة التكافؤ بالمصالح، وخاصة مع دول المنطقة العربية، التي لن تشرب البترول، بل هو سلعة إقتصادية معروضة للبيع وللتبادل التجاري.
5-أن يأخذ تحالف الدول الممانعة قرار المقاومة العراقية على محمل الجد والتطبيق. وقد جاء هذا القرار حاسماً وواضحاً في المنهاج السياسي والاستراتيجي للمقاومة العراقية الصادر عن قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق (نشرته جريدة المجد الأردنية بتاريخ 15/ 9/ 2003م)، وجاء فيه ما يلي: العمل من أجل»استمرارية المقاومة طالما كان هناك احتلال وبأي صيغة وعلى أي جزء من ارض العراق وبغض النظر عن القرارات الأممية اللاحقة للاحتلال«.
كما كان صدام حسين واضحاً في رسالته الصوتية، التي أُذيعت في السابع عشر من شهر أيلول من العام 2003م، حينما دعا قوات الاحتلال الأميركي إلى الانسحاب من العراق دون قيد أو شرط.
إن الإصرار على استمرارية المقاومة »بغض النظر عن القرارات الأممية اللاحقة للاحتلال«، حتى خروج قوات الاحتلال دون قيد أو شرط، يعني أن أية قرارات يوافق عليها التحالف الممانع من دون النظر إليها بعين واستراتيجية المقاومة سوف تكون حبراً على ورق.
لكل ذلك نحذِّر من أنه قد لا تتوفَّر لدول التحالف الممانع فرصة أخرى تفرض لها كرسياً على طاولة مفاوضات مع الإدارة الأميركية، فعليهم أن لا يفرِّطوا بها، لأنها تصب في مصلحتهم ومصلحة المجتمع الدولي بأكمله.

ليست هناك تعليقات: