الخميس، فبراير 25، 2010

حق للقوميين أن يدافعوا عن العراق وواجب عليهم

-->

حق للقوميين أن يدافعوا عن العراق وواجب عليهم،

وحق للعرب أن يستفيدوا من تقنيات العلوم أياً كان مصدرها

شباط 2003

 

لماذا يعاني بعض من يعتبرون أنفسهم من المعارضين، للنظام السياسي في العراق، من عقدة دفاع بعض المثقفين العرب عن العراق؟ ولماذا ينسبون كل دفاع عنه وكأنه مدفوع الأجر مسبقاً؟

ولماذا ينسبون كل تعاون تقني بين دول الغرب والعراق وكأنه تهمة للعراق بالعمالة لهم؟
وهل التعاون التقني بين طرفين، أحدهما العراق والآخر هو تلك الدول، يصب بالضرورة في مصلحة محور الدول الإمبريالية؟
وهل التعاون التقني بين طرفين متناقضين هو بالضرورة ارتهان إيديولوجي للمستورد لإرادة المضمون الإيديولوجي للمصدِّر؟
استناداً إلى تلك الهواجس سنعمل من أجل توضيح ما هو ملتبس في أحكام من حكم، لعلَّنا بمثل هذا العمل نساعد على شفاء من يشقى بمرض العقدتين، وهما: الترابط الإيديولوجي القومي بين المثقفين العرب وبين قضايا الأمة الوطنية أولاً. أما الثاني فيطرح إشكالية المدى الذي يمكن أن يستند إليه حق الدول النامية في الاستفادة من تكنولوجيا محور دول الغرب الإمبريالي.
أولاً: زاوية النظر إلى العلاقة بين المثقف العربي وبين القضايا الوطنية الساخنة:
إذا كنت ذو اتجاهات قطرية فافعل ما تشاء لتدعيم قطريتك، لكن فلتعلم أن قطريتك آفة من آفات ضعفنا العربي. أما إذا كنت قومياً، وهذا من أهم واجبات العربي، فمساحة رأيك لن تقف عند حدود هذا القطر أو ذاك. وإذا كنت أممياً فلن تحد من أمميتك خصوصيات القضايا القومية السياسية والفكرية والاقتصادية.
استناداً إليه هل لا يجوز للعراقي أن يبدي رأياً بما يجري في لبنان وفلسطين ومصر وقطر؟ وهل لا يجوز للمثقف اللبناني أن يبدي رأياً بما يجري في العراق وفلسطين ومصر وقطر؟
من جانبنا، لأننا نعتنق إيديولوجيا قومية عربية، نرى أنه ليس من المستحبات أن نبدي رأياً فيما يجري على كل ساحة قطرية فحسب، بل نرى أنها من الواجبات أيضاً.
فإذا كان كل تأييد لكل قضية وطنية ممنوعاً على من هم من أقطار أخرى، تحت طائلة الاتهام بأنه »رأي منتفع« ليس لسبب إلاَّ لأن الرأي لا يروق لتقييم معارض لنظام من هنا أو من هناك، أو لأنه لا يدغدغ عواطفه، فهو منتهى الشوفينية واللاديموقراطية.
وإذا صحَّ ما يكيله بعض من يسّمون أنفسهم معارضين عراقيين من اتهامات لكل مثقف عربي يريد أن يشارك العراق في صد العدوان الأميركي عليه، سواء بالكلمة أو السلاح، لكان من البديهي -على سبيل المثال- أن نتَّهم (جورج غالوي) النائب في مجلس العموم البريطاني بالمنتفع من النظام العراقي لأنه يدافع عنه، ويقول بكل وضوح: إنه ليس من حق جورج بوش أن يتدخَّل في تغيير نظام اختاره شعبه.
ومن جهة أخرى نحن مقتنعون -كمثقفين قوميين- أن العدوان الذي تقوده أميركا ضد العراق، هو عدوان على الأمة العربية كلها، ومقتنعون -أيضاً- أنه ليس من أهدافه أن يساعد من يطلقون على أنفسهم المعارضة العراقية لإحلال النظام الديموقراطي في العراق، بل هو عدوان تمارسه أميركا من أجل السيطرة على آبار النفط العراقية أولاً، وإجبار العراق على التنكر لإيديولوجيته القومية الوحدوية ثانياً.
ونقولها، كعرب يشعرون بمدى خطورة ما يجري ضد العراق، لكل الذين يعتبرون أنفسهم من قوى معارضة للنظام السياسي في العراق: من الخطأ الفادح، أن لا يحسبوا أن أوان معركتهم، غير حماية العراق، مناسب في مثل هكذا ظرف، ومع هكذا حليف. وإذا حسبوا غير ذلك فسوف تسوء الظنون بهم وتأخذ كل المناحي غير منحى محبة العراق والحرص عليه. إن كيان العراق ووجوده مهددان بالخطر الشديد، وثروات العراقيين مهددة بالسرقة، فعليهم -أولاً وقبل أي شيء آخر- أن يحافظوا على وجود العراق ضد الإلغاء، ليبقى للعراقيين وطن يتفرغون من بعد حمايته إلى تجميله بما يتفقون عليه من المشاريع السياسية. فمن الخطأ الكبير أن تذهب إلى المزين ليصفف لك شعرك بينما رأسك محكوم عليه بالقطع.
ثانياً: في الاتفاق حول إشكالية حق الدول النامية في الاستفادة من التقدم التكنولوجي من أي مصدر يمكن الوصول إليه:
فإذا كان محور دول الشر الإمبريالي يمتلك التقدم التقني، وعلى رأسه تقنيات السلاح الاستراتيجي، الذي يهدد به الدول الأخرى، فهل يُحرَّم على من يعملون من أجل إيديولوجيات متناقضة معه أن يستفيدوا من تقنياته؟
من السذاجة بمكان، عند المدافعين عن قضاياهم العادلة، أن يزهدوا بالحصول على علوم وتقنيات من أميركا إذا كانت تساعدهم على امتلاك القوة للوقوف في وجه مشاريعها في الاستغلال والهيمنة. وإذا كان الأميركيون والبريطانيون الذين هم الأكثر عداءً لقضايا أمتنا العربية في المرحلة الراهنة- قد باعوا العراق تكنولوجيات أسهمت في صنع سلاح عربي استراتيجي، لا يعني على الإطلاق أن الإيديولوجيا القومية العربية التحررية التي يعمل من أجلها العراق أصبحت مُرتهَنة لإيديولوجيا الاستعمار الأميركي البريطاني. وإنما العكس هو الذي تثبته وقائع المرحلة الراهنة.
ليس هذا من قبيل الدفاع الإعلاني!!! بل إن الواقع هو الذي يثبت ذلك. أو لا يكفي دليلاً أن تدمير ما يمتلكه العراق من أسلحة تم تدميرها، هو من أهم هموم التحالف الأمبريالي - الصهيوني؟ أو ليس العمل باستماتة ونفاد صبر- لتدمير العقل العراقي الذي امتلك خبرة ومراساً، هو دليل آخر على أصالة الهدف الوطني والقومي للنظام السياسي في العراق؟
في التمييز بين العمالة واللاعمالة لا يمكن تحكيم طريقة الحصول على خبرة تصنيع الأسلحة، بل إلى تحكيم الهدف الذي من أجله تُوظَّف تلك الأسلحة بعد تصنيعها، أو حتى استيرادها مُصنَّعَة من الشرق أو الغرب.
وهنا نتساءل: ما هي الأهداف التي وضعها العراق عندما تمكن من الحصول على التكنولوجيا من الغرب، والشرق أيضاً؟
نسأل لنجيب: إسألوا العدو الصهيوني واسألوا أميركا فعندهم الخبر اليقين.
ليس العراق وحده هو الذي استورد التكنولوجيا من الغرب. فهل هناك نظام عربي واحد لم يستورد الأسلحة الغربية؟ ولماذا ننسى الجميع ولا نرشقهم بوردة، بينما لا نرى القشة إلاَّ موجودة في عين العراق؟ فهل من دليل على مرضى »عمى الألوان« أكثر من هذا »الحول السياسي«؟ أو ليس من العدالة أن ننظر إلى الجميع نظرات متساوية؟
أو ليس من حقنا أن نتساءل: لماذا سكت الأميركيون والبريطانيون عن الأسلحة التي أودعوها مخازن بعض الأنظمة العربية غير العراق؟
أو ليس من حقنا أن نتساءل: لماذا يجهد الأميركيون أنفسهم في التركيز على تدمير أسلحة العراق بمفرده؟
إن الجواب الذي لا بُدَّ منه هو أن العراق استورد التكنولوجيا الغربية، ولكنه وظَّفها في دائرة الصراع العربي الصهيوني، وفي دائرة الصراع بين حركة التحرر العربية والإمبريالية. ولهذا قامت قيامة التحالف »البوشاروني«، كأحد وجوه التحالف الأميركي - الصهيوني، ضد العراق، ولن تقعد حتى يضرب كل ما يمكنه من مرتكزات القوة العراقية، في السياسة والفكر والاقتصاد.
ليس استيراد الخبرة التكنولوجية جريمة، حتى ولا استيراد المواد الأولية لتصنيعها، بل عدم استيرادها هو الجريمة. فمن أهم مظاهر التخلف القومي العربي هو واقع إهمال التقدم التكنولوجي إنتاجاً وليس استهلاكاً. وأن يتحول العرب إلى منتجي التكنولوجيا هو الجريمة الكبرى في نظر تحالف دول الاستعمار. ولأن العراق امتلك ناصية إنتاجها تحوَّل إلى العدو الأكبر للمصالح الإمبريالية.
ماذا يبقى لنا -كعرب وكعراقيين- إذا بقينا مستهلكين لإنتاج أميركا وبريطانيا؟
علينا أن لا نضيَّع البوصلة، وأن تكون حصانتنا ضد مرض»عمى الألوان«، ماثلة في أن العراق عندما تمكن من الحصول على التكنولوجيا من الغرب عمل من أجل توظيفها لمصلحة الأمة العربية جمعاء، ولم يرتهن على الإطلاق لإرادة من تمكن من الحصول عليها منهم. وهيهات أن نجد من يعمل لتحويل طاقات الأمة إلى عملية إنتاج يدعم مصالحها حتى لو كانت مصادر الخبرة آتية من أميركا نفسها.

ليست هناك تعليقات: