--> --> -->
المشهد العراقي في كانون الأول 2006
الإدارة الأميركية تجازف بالمئات من حياة جنودها
في المعركة الأخيرة مع المقاومة العراقية
(طليعة لبنان الواحد/ كانون الأول 2006)
بينما العالم يودِّع عاماً آخر، يبقى العراق تحت الاحتلال الأميركي حيث يحتدم الصراع ويتواصل ويحمل معه مؤشرات جدية لانتصار المقاومة. ولكن بأية حال يودَّع العراق هذا العام، وما هي مؤشرات العام الجديد؟
بداهة نقولها إن العام الذي تودِّعه الإدارة الأميركية، نتيجة عجزها عن تثبيت احتلالها للعراق، سيعيد عليها العام القادم بالكثير من المآزق الحبلى بأكاليل أشواك الهزيمة، وهي الآن تدرس استراتيجية الخروج منه بأقل ما يمكن من حصد أشواك العار.
قراءة في عامل الإرباك الداخلي الأميركي بعد تقرير بيكر
تستعد إدارة جورج بوش لاستقبال عام جديد، وقد أخذ رئيسها فسحة من الزمن ليقرأ ما تجمَّع لديه من أوراق وتقارير ترشده إلى ما يجب عليه فعله في العام 2007. وفي كل الأحوال ستتم مراجعاته ودراساته على أرضية واحدة رسمتها له نتائج الانتخابات النصفية في تشرين الثاني الماضي.
ثلاثة عوامل داخلية أميركية لا يمكننا أن نفهم ما سوف يحدث، ومتى، وكيف، من دون وضعها في حسابات أو تحليلات من يحاول أن يستكشف آفاق مستقبل قرار الإدارة الأميركية بشأن الساحة العراقية، وهي:
-المحافظة على معنويات الجيش الأميركي في خطة الانسحاب.
-وتأثير القرار الذي اتخذه الشعب الأميركي، ممثلاً بنتائج الانتخابات النصفية، بالانسحاب من العراق.
-المتغيرات الفكرية الانقلابية التي مهَّدت لإسقاط الاستراتيجية الإمبراطورية في مشروع إدارة بوش.
وتجدر الإشارة إلى أن الانتخابات، التي أتت بالديموقراطيين إلى مجلسيْ النواب والشيوخ، كان الناخب الوحيد فيها صوت المقاومة الوطنية العراقية، التي أقنعت الشعب الأميركي بأن يرفع صوته من أجل قضية واحدة، وليس غيرها، هي مطلب الخروج من العراق، من دون تسويف أو تلكؤ.
ووعد الديموقراطيون الذي فازوا بالانتخابات أنهم سوف يعطون الأولوية لسحب الجيش الأميركي من العراق، اليوم قبل الغد. أما السبب في ربطهم بين اليوم والغد، ليس لتسويف قد يلجئون إليه، وإنما لأن ما يجمعهم مع الجمهوريين، وهذا ما لا يتعارض مع أمنيات الشعب الأميركي، هو المحافظة على معنويات أقوى جيش لأكبر دولة في العالم.
إن المؤشر الأهم الذي سيحكم قرار الإدارة الأميركية في المستقبل المنظور، هو الانقلاب الفكري والسياسي الاستراتيجي الجديد، للقيادات التي رسمت الخطة التي قامت إدارة جورج بوش بتنفيذها لاحتلال العراق. ويجدر التذكير بأهم مفاصلها:
-افتتح فوكوياما، سلسلة مراجعات المحافظين الجدد، بموقفه القائل أنها في اندفاعها نحو الحرب على العراق قد تناست «أن طموحات الهندسة البشرية عملية في غاية الصعوبة ويجب الاقتراب منها بعناية وتواضع». وأعلن بوضوح أنه «استخلص أن حركة المحافظين الجدد كرمز سياسي وفكري، قد تطورت إلى شيء لا أستطيع تأييده بعد الآن».
-كان ريتشارد بيرل يتوقع بعد احتلال العراق أن الإصلاحيين الإيرانيين سيتشجَّعون على تغيير نظامهم بينما ستنظر سورية بجدية للحدث الجديد. وبعد الاحتلال ذهب إلى حد القول: إذا ما عاد به الوقت فإنه لن يدافع عن غزو للعراق»، بل سيقول: «دعونا نفكر في استراتيجيات أخرى في التعامل مع الأمور التي تعنينا أكثر».
-فماذا عن شخصيات المحافظين الجدد الاخرى؟
إن شهاداتهم توحي ليس فقط بخيبة الأمل دائماً، بل باليأس والغضب من عدم كفاءة إدارة بوش. فديفيد فروم، الذي كان يكتب خطب بوش، يقول الآن: إن الهزيمة قد تبدو الآن لا مفر منها. أما كينيث أدلمان، الذي سبق أن قال، «اعتقد أن إزالة قوة صدام حسين العسكرية وتحرير العراق ستكون شيئاً هيناً»، فالآن يقول: إنني في غاية خيبة الأمل من النتيجة في العراق، وإن «فكرة السياسة الخارجية المتشددة، والاعتماد على القوة للخير الأخلاقي في العالم»، قد ماتت الآن على الأقل لمدة جيل. أما جيمس وولسي، الذي دعا لغزو العراق، وكان يردد «إن جورج بوش قد جعل العالم مكاناً أكثر أماناً»، يردد الآن: إذا ما انتهت المغامرة العراقية بالهزيمة، وهو ما يبدو الآن ممكناً تماماً فان النتائج ستكون مرعبة».
ليست تلك العوامل مما يمكن لحورج بوش أن «يركلها برجله»، كما يركل القانون الدولي، وإنما ستكون ماثلة بقوة على مكتبه عندما يريد أن يتَّخذ القرار الأخير. لكننا آخذين بعين الاعتبار، عامل المحافظة على معنويات الجيش الأميركي بسبب الإجماع عليه أميركياً، باستطاعتنا الحكم بأن الكثير من القرارات مما سيعلنه جورج بوش، ستكون مظاهرها مخالفة لبواطنها.
وانتظاراً لقرار جورج بوش، على الرغم من كونه دستورياً يستطيع أن يقبل منها ما يشاء، ويرفض ما يشاء، نحسب أنه سيعي جيداً أن لتلك العوامل الداخلية تأثيراً ملحوظاً.
وانتظاراً لتسلم الديموقراطيين مهامهم للتأكد من مدى جديتهم في ملاحقة تنفيذ وعودهم أمام الناخب الأميركي. خاصة، بالإضافة إلى إعلاناتهم السابقة بإعطاء الأولوية لمسألة الانسحاب من العراق، ففي مواجهة ما تعتبره إدارة جورج بوش الوسيلة الأخيرة للإنقاذ، بزيادة عدد القوات المحتلة، بدأت ردود فعل الديموقراطيين تتوالى، وكان من أهمها ما نقلته وكالة «فرانس برس» عن السيناتور الديمقراطي «كريستوفر دود» العضو البارز بلجنة العلاقات الخارجية الذي زار العراق في منتصف كانون الأول، أنه قال: لا أرى كيف أن زيادة أعداد القوات الأمريكية يمكنه أن يساعد في الحد من العنف في العراق. إن القادة والجنود في العراق أكدوا أن زيادة القوات الأمريكية لن يساهم في إيجاد حل سياسي أو دبلوماسي. وطالب دود البدء في خفض أعداد القوات الأمريكية في العراق خلال أسابيع وليس شهوراً، مؤكدًا أن الوجود الأمريكي أصبح عائقًا أمام تحقيق الأهداف الأمريكية.
هناك فسحة من الزمن أمامنا ننتظر فيها القرار الأخير للإدارة المقرِّرة، والمؤسسات التي احتلها الديموقراطيون التي لا تستطيع أكثر من أن تعترض وتمارس الضغط على إدارة جورج بوش.
فانتظاراً لما سوف تؤول إليه الأمور، سنعمل على استعراض تطورات القضية العراقية في الشهر الفائت، ونقوم بقراءتها، ونحاول أن نستخلص النتائج.
كان من أهم ما حصل في شهر كانون الأول، هو الإعلان عن تقرير جيمس بيكر الذي انتظره المراقبون أشهراً، ولم يُعلن إلاَّ بعد تسريب الكثير من محتوياته قبل إعلانه، ونحسب أن القصد من تلك التسريبات كان نوعاً من جس النبض لكل من له علاقة بها، بما يتعلَّق بالقضية العراقية تحديداً. ولقد ابتدأت تداعيات التقرير تتوالى وانعكست على المعنيين، في داخل العراق والإقليم المجاور للعراق، مباشرة أو مداورة، ففرضت نوعاً من ردود الفعل الاستباقية، وكان من أهم مظاهرها الأحداث التالية:
عملاء الاحتلال الأميركي يعلنون مخاوفهم
كان من أبرز ردود أفعال عملاء الاحتلال، على شتى مستوياتهم في داخل العراق، هي المخاوف التي أبدتها الأوساط المنخرطة في ما يسمى بالعملية السياسية.
-تصريحات الطالباني التي حملت الكثير من المخاوف على مشروعه الانفصالي، وكأنه الذي بيده القرار رفض توصيات تقرير بيكر، وطلب بقاء قوات الاحتلال الأميركي في العراق.
-وتصب مبادرة المالكي في طلب التجديد لقوات الاحتلال الأميركي سنة أخرى في بئر المخاوف ذاتها، وأسرع مستجيباً لمحتويات تقرير بيكر فأطلق الخرطوشة الأخيرة في جعبته عندما دعا إلى عقد مؤتمر ما سماه بمؤتمر المصالحة، الذي تُوفي وهو يولد لأكثر من عامل وسبب. واستجابة للتقرير ذاته، وما سبقه من ضغوط مارستها عليه إدارة جورج بوش في وجوب تحميله مسؤولية تدهور الأمن المعيشي والعسكري والسياسي في العراق، كشف عن زنوده، وزنود وزرائه في الدفاع والداخلية، وأعلن أنه ذي كفاية في استلام ناصية مسؤولية إعادة الأمن إلى العراق. وقد يكون الحل، الذي لا يريح المالكي، هو الجهد الذي تبذله إدارة جورج بوش لما يُسمى عملية الإسراع في تدريب قوات الشرطة والجيش العراقي العميلين، من أجل تسليمهم الأمن، كأكبر خطوة تراجعية للاحتلال، وهي الخطوة التي قد تسبق الانسحاب/ الهزيمة.
مأزق الإدارة الأميركية مع الدور الإيراني
كانت ردود أفعال الإقليم غير العربي، وأكثرها استعجالاً تركيا الخاسرة من تقسيم العراق، وإيران المستفيدة من التقسيم، تتصاعد حدة وتتسارع، إذ راح كل منهما يستحضر أوراقه، ويُعد نفسه لمتغيرات ستفرضها مرحلة ما بعد الانسحاب، أو تترافق معها.
أوفد النظام الإيراني عبد العزيز الحكيم، كأكبر عملائه، والأكثر تأثيراً وتأثراً فيما يجري على الساحة العراقية، إلى اللقاء مع جورج بوش، حاملاً إليه سلة من الإغراءات الإيرانية على قاعدة تقاسم النفوذ، بحيث يحقق النظام الإيراني حلمه في الاستيلاء على جنوب العراق، ويضمن فيه مصالح الشركات الأميركية في عقود نفطية طويلة الأمد.
لقد سرَّبت بعض التقارير بعض جوانب المشروع الذي نقله المذكور إلى الإدارة الأميركي، ومن أهمها: دعوة الى تشكيل «نظام أمن اقليمي ذكي» يشمل جميع دول المنطقة، خصوصاً جيران العراق، يستهدف ضبط الحدود وتبادل المعلومات وتوقيع اتفاقيات أمنية، إضافة الى تأسيس شراكة اقتصادية فيما بينها. وقد ركّز أيضاً على دور للشركات الاميركية العملاقة بالتعاون مع شركة نفط العراق وشركات اقليمية في هذا المجال.
إن للنظام الإيراني تأثيراً يفوق تأثير الإدارة الأميركية في العراق، فهو يقود ميليشيات بواسطتها يستطيع أن يهدد وجود الاحتلال الأميركي متى يشاء، وتتلازم مشيئته مع فشل المساومة بينه وبين الإدارة الأميركية، إذا لم يحصل على حصته التي يريد. وفي المقابل لا تستطيع إدارة جورج بوش أن تخضع للشروط الإيرانية لأنها تتناقض مع أمن حلفائها في المحيط الجغرافي للعراق، وهما: أمن حليفها السعودي، وأمن حليفها التركي.
أصدقاء أميركا يُعدُّون أنفسهم لمآزق ما بعد الانسحاب
أما أمن حليفها السعودي فلا يمكن أن يكون مضموناً بوجود إيراني على كتفها الشمالي، أي في جنوب العراق، وهي لا تطمئن إليه خاصة في ظل انعدام إمساك عسكري أميركي للعراق قبل الانسحاب منه، وبشكل أكبر بعده.
وأما أمن حليفها التركي، فلا يمكن أن يكون مضموناً أيضاً، بوجود دولة كردية إنفصالية في شمال العراق. وحول ذلك صرَّح رئيس الوزراء التركي أردوغان أن عزوف الوزراء في حكومته عن عدم زيارة بغداد يعود إلى أسباب سياسية. وأضاف: «إنني أظنّ انه من واجب الولايات المتحدة الآن الإعلان عن خريطة طريق للانسحاب التدريجي من الساحة العراقية». وأعرب عن استغرابه من ادّعاء البعض أن شمال العراق منطقة آمنة متسائلاً: «كيف يتسنّي ذلك لشمال العراق وقد تحول الإقليم إلى وكر لمتمرّدي حزب العمال الكردستاني! ».
وكان من الملفت للنظر أن تركيا استضافت مؤتمراً عراقياً معارضاً للاحتلال الأميركي داعياً إلى مساندة المقاومة العراقية، وانسحاب قوات الاحتلال من العراق وإلغاء كل المؤسسات التي بناها.
لكل تلك الأسباب لا نرى أن محاولات التقارب بين المحتليْن الأميركي والإيراني، على قاعدة الخروج من العراق، مكتوب لها النجاح. أما السبب فهو وجود أكثر من عائق يحول دون تقريب أهدافهما، لأن ما يجمع بين الإدارتين الأميركية والإيرانية هو أقل مما يفرِّق بينهما، خاصة إذا أخذنا مصالح جيران العراق، ويجب أن نأخذها، بعين الاعتبار.
مأزق جورج بوش في المراهنة على دور عربي
كان أكثر ردود أفعال الجوار العربي للعراق تأثراً السعودية، بالإضافة إلى حالة الغياب المريب للنظام العربي الرسمي، الذي لم يجرؤ على إعلاء صوت الحد الأدنى من الاعتراض.
لقد ربط تقرير بيكر – هاملتون بين مجمل قضايا الصراع العربي - الأميركي، والعربي – الصهيوني، في محاولة منه لإغراء المترددين من العرب، وحقن المراهنين منهم على كرم الإدارة الأميركية بجرعة وعود خداع جديدة.
لا شك بأننا نشتمُّ من الربط بين كل تلك الملفات خديعة أخرى يمارسها بيكر، الذي رضع الحليب في بيت آل بوش، في محاولة منه لإعطاء جورج بوش الإبن فرصة أخيرة يعمل فيها على تدعيم حيطان الاحتلال المنهارة، ومن أهمها:
-العمل على استقطاب دعم عربي، أو تدعيم ما هو منهار منه، لتقديم كل ما يمتلكون من إمكانيات، هذا إذا بقي لديهم منها شيء لم يضعوه في خدمة العدوان والاحتلال.
وإذا كان ما بقي منه شيء، فنعتقد أن المقصود فيه هو مخاطبة نظامين عربيين مأزومين، ومتأثرين، بما يجري في العراق، وهما سورية والمملكة العربية السعودية:
-أولاً: محاولة دمج الإمكانيات السورية في المخطط العام دمجاً تاماً، ولعلَّ التلويح بفتح ملف الأراضي السورية المحتلة هو الإغراء الذي قدَّمه التقرير لجذب سورية إلى الاندماج في لعبة محاولة تسويف ستقتنصها إدارة جورج بوش. لكن سورية بدورها، حيث تمتلك أوراقاً فلسطينية ولبنانية أكثر مما تمتلك أوراقاً عراقية، ستدخل ميدان المساومة، ولكننا لا نحسب أنها ستفرِّط بأية ورقة بيدها ما لم تضمن الحصول على ورقة مقابلها، أما السبب الذي يدعوها إلى أن تكون مساوماً صلباً فهو ما تراه من رخاوة وضعف في الموقع الأميركي المنهار في العراق. تلك الورقة كان عليها الاستفادة منها استراتيجياً بمزيد من الضغط على الاحتلال الأميركي وعملائه، وليس بإظهار حسن النوايا التكتيكية كما فعلت بالاستجابة إلى التنسيق الديبلوماسي والأمني المباشر مع حكومة المالكي العميلة. ونحسب أن التوصل إلى نتائج في هذا المضمار صعب وشائك وغير عملي لأن الإدارة الأميركية ستكون عاجزة عن تقديم أثمان بديلة للأوراق السورية.
-ثانياً: دعوة السعودية ودفعها إلى لعب دور على قاعدة طائفية سنية في مقابل الغزو الإيراني الذي تسلل إلى داخل العراق على قاعدة طائفية شيعية. وإذا كان إغراء سورية يتم بناء لوعود أميركية تُغدَق عليها في ملفات أخرى غير العراق هي بحاجة إليها، فما هي الإغراءات التي ستُقدَّم للسعودية غير الغرق في متاهات الصراع الطائفي وتأجيجه؟ وعلى قاعدة أن النظام السعودي، المتأكِّد من وقوع الهزيمة الأميركية في العراق، يرتعد خوفاً من اقتراب التأثير الإيراني من حدود الخليج العربي البرية، متسللاً من بوابة العراق، هل هو مقتنع بأن الدخول في مشروع التوازن الطائفي – الطائفي، يؤدي إلى طرد الوجود الإيراني خارج العراق، ومنع عملائه من تثبيت فيدرالية شيعية في جنوبه؟
تلك إشكاليات لا ترى السعودية أنها تشكل حلاً ناجعاً يُهدِّئ من مخاوفها. ليس السبب عائداً إلى أن النظام السعودي يفكر قومياً، كما أنه ليس خارج دائرة الأنظمة السياسية الثيوقراطية، بل لأن مخاوفه قائمة على قناعته بأن الاحتلال الأميركي زائل لا محالة، والنظام السعودي لا يستطيع الاستمرار في حرب ذات لون وعمق طائفي لأن لها قوة الاستمرار طويلاً، بل الأسلم والأجدى، كما يتلمَّس المراقب للموقف السعودي، والأقل كلفة والأسرع حسماً، هو في أن يُوظِّف النظام إمكانياته في حركة عربية وإقليمية شاملة تنخرط فيه تركيا وسورية وكل القوى والتيارات العراقية على قاعدة استعادة وحدة العراق، وهذا لن يحصل، ليس في إفشال قيام فيدرالية شيعية، وفيدرالية كردية فحسب، وإنما في الامتناع عن العمل من أجل تثبيت فيدرالية سنية أيضاً.
ومن تلك الوقائع لا نرى في إغراءات تقرير بيكر ما يمكن أن يوفِّر عوامل إسناد عربية أو إقليمية لإدارة بوش، هذا إذا حاولت من جديد أن تخوض مغامرة أخيرة تعمل فيها على حصار المقاومة العراقية أو تجفيف عمقها الشعبي أو تقليصه إلى أقل منسوباته.
المرحلة الفاصلة مغامرة عسكرية أميركية – إيرانية وحشية
مستفيدة من حاجة النظام الإيراني، وميليشياته، للقضاء على المقاومة العراقية والتخلص من كابوس عودة حزب البعث إلى السلطة، قد تكون نوايا الإدارة الأميركية مبيَّتة على استمرار التحالف مع تلك الميليشيات من أجل القيام بمغامرة عسكرية جديدة لعلَّها تأتي بنتيجة ما تحفظ ماء وجهها لتوظيفها في خروج من العراق يحافظ على معنويات جيش قوي لأكبر دولة في العالم.
إن هذا الاحتمال، الذي نعتبره أكثر ترجيحاً في المرحلة الانتقالية التي تعد الإدارة الأميركية نفسها للخروج من الوحل العراقي، يستدعي أكثر مستويات الحذر من ارتكاب مجازر شنيعة بحق المدنيين العراقيين في آخر مغامرة عسكرية للاحتلال، إلاَّ أننا نثق بأن المقاومة العراقية تعد نفسها أيضاً لمواجهة هذا الاحتمال. أما الفرق بين دوافع الاحتلال والمقاومة، فهو أن الاحتلال يمهد لخروج مشرف، بينما المقاومة تعد نفسها لانتصار أكيد، وهي المعركة الحاسمة التي تشبه آخر معركة خاضها الفيتناميون قبل الهروب الأميركي من فييتنام.
ليس الخروج الأميركي من العراق هو آخر حلقة من مسلسل الألم العراقي، بل نتوقَّع أن تتبعه حلقات أخرى، يكون فيها العامل الأساس هو الأطماع الإيرانية. وهي ستمثل خطورة أكيدة لعلاقة تلك الأطماع بما نُقل عن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد قوله: »إن زمن الصعاب والأحقاد ولّى وإن شاء الله سيعود عيسى المسيح قريباً إلى الأرض، كذلك الإمام المهدي للقضاء على الظلم.«
لكن من قطع بحر الاحتلال وقدر على تجفيفه، لن يكون عاجزاً عن قطع السواقي، خاصة أن مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي ستشهد اصطفافات جديدة لمصلحة استعادة وحدة العراق، وليس غير وحدة العراق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق