-->
--> -->
حروب الاستتباع للاحتلال الأميركي للعراق تبدأ فصولها تباعاً
29/ 8/ 2006
كما أشرنا في مقالات سابقاً عن أن حكومة المالكي، كحكومة تعمل على التوفيق بين روزنامة الاحتلال الأميركي والتدخل الإيراني، سيتولد عنها سلسلة من حروب الاستتباع، والسبب الذي قمنا بتشخيصه هو أن حكومة المالكي تنفذ كل ما ليس له أية علاقة بالمصلحة العراقية أولاً، والمصلحة القومية ثانياً. فهي تعمل على الأقل على رعاية مهمتين استراتيجيتين:
1-تفتيت العراق: وهو هدف أميركي – إيراني مشترك. يريد الطرف الأول أن يمرر خريطة الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، كما يتناغم تفتيت العراق مع مضمون الأهداف الإيديولوجية الإيرانية القائمة على التفتيت المذهبي على حساب وحدة الأرض الوطنية.
2-إلغاء كل آمال وحدوية قومية عربية: وهو هدف أساسي يترجم أهداف المشروع المذكور على القواعد المذكورة.
إن حروب الاستتباع الظاهرة حتى الآن ثلاث:
-الأولى: عملية الفرز في جنوب العراق بين تيارين عريضين: التيار المناهض للاحتلال الأميركي، والتدخل الإيراني. والتيار الموالي للاحتلال الأميركي والحاضن العراقي للتدخل الإيراني.
-الثانية: الفيدرالية الكردية تثير المخاوف الاستراتيجية لدول الجوار، وقد واجهت سورية تلك المخاوف في أحداث القامشلي منذ أكثر من عام، وهذه الدولة التركية تدخل على خط مكافحة تلك المخاوف بتهديدها في غزو شمال العراق حيث تتأسس الدولة الفيدرالية الكردية، ولن تسلم إيران من تأثيرات الدولة الكردية السلبية في المستقبل القريب. فهي ساكتة عنها الآن لأن لديها هم أساسي هو تركيز مواقع فيدرالية الجنوب وتثبيتها.
-الثالثة: فيدرالية شيعية في الجنوب يقودها عملاء إيران: وهي تثير عدة مخاوف في الوسط السياسي لدول الخليج، من أهمها اثنين: الأول جغرافي وسببه اختراق إيران حاجز العراق الجغرافي الذي كان يحمي دول الخليج كجزء من الوطن العربي،وبهذا الاختراق تصبح إيران على الحدود الجغرافية المتاخمة لتلك الكيانات. اما الثاني فهو الغزو الإيراني الطائفي المحتمل لجزء من التركيبة السكانية لدول الخليج، بعد أن يستتب له الأمر في فيدرالية جنوب العراق، مما يؤدي إلى تقسيمات مذهبية للمجتمعات القطرية في تلك المنطقة.
لقد أثارت المتغيرات المحتملة، التي تنفَّذ على نار حامية، الهواجس السعودية التي كانت مكبوتة أميركياً، السبب الذي دفع سعود الفيصل وزير خارجية السعودية إلى عقد مؤتمر صحفي لإعلان تلك الهواجس مداورة، ومن أجلها دعا إلى أن يأخذ العرب دورهم فيما يجري على ساحة الأمة كلها، بدءاً من لبنان، مروراً بفلسطين، وصولاً إلى العراق، وهو بتقديرنا مربط فرس الهواجس السعودية.
أن تأتي متأخراً، خير من أن لا تأتي أبداً، ونقول صح النوم غيرة على الكيان العربي الذي يُراد تهديمه، وإذا ما سارت الأمور على ما هي عليه، نعتبر أن هذا الكيان أصبح في حكم المهدَّم لا ينقصه إلاَّ الإعلان عنه.
يضع البعض تصريحات سعود الفيصل في دائرة المناورة ذات الأبعاد الأميركية التي تشتبك مع الإيرانيين حول مضمون مشروع الشرق الأوسط الجديد، وليس على هويته وأهدافه من جانب. وفي دائرة إستحضار المعادلة التي كانت سائدة منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي، التي كانت تشير إلى وضع «الأصولية الإسلامية» في مواجهة «المد القومي العربي»، ولما استقوت الأصولية على صانعيها، استحضر سعود الفيصل، بدفع أميركي أم بدونه، إلى قلب المعادلة بحيث يدفع الآن «الشعارات القومية» لوضعها في مواجهة «الأصولية الإسلامية».
باستثناء جانب التوافق بين بعض الأصوليات الإسلامية والقوى القومية العربية على هدف مواجهة الاستعمار والصهيونية وممارستها على أرض الواقع، مما يجب أن تبقى مستمرة وأن لا تشكل أية أسباب أخرى مسلكاً لصراع بينهما، لا يجوز أن يكون في إعلان سعود الفيصل ما يمكن أن يضع التيارين في مواجهة بينهما، التي ستكون إضعافاً لتيار التحرر من الاستعمار من جهة، ومن جهة أخرى ستهب مجاناً للاستعمار فرصة إعادة إحياء آماله التي تتجه نحو الانحسار أو على الأقل تأجيلها إلى ظروف مؤاتية.
ومن منطلق حسن الطوية، المبنية على معطيات الواقع واحتمالات المستقبل، نرى أنه ليس لدول الخليج العربي من خلاص أكثر من خشبة إعادة النظر من جديد، وبعين المصلحة القطرية على الأقل، عما ارتكبته تلك الدول من أخطاء وخطايا بحق النظام الوطني في العراق. إن الإدارة الأميركية بعد أن أوهمت دول الخليج أن النظام الوطني في العراق، نظام حزب البعث العربي الاشتراكي، يهدد أمنها ومصالحها، وبعد أن أثبتت وقائع الأمور كذب التخويفات الأميركية أصبح من الثابت لتلك الأنظمة أن العكس هو الصحيح، إذ كان نظام حزب البعث يشكل أحد أهم عوامل الحماية للأمن القومي العربي بشكل عام والأمن الوطني لدول الخليج بشكل خاص.
واستناداً إلى قراءة الحركة الشاملة، وفيها الكثير من المتغيرات التي لم تصبح واضحة تماماً أمامنا حتى الآن، نعتبرها نقلة نوعية في المتغيرات التي يمكن المراهنة عليها في استشراف آفاق المستقبل القريب.
إننا نرى أن المأزق الأميركي، كما الإيراني، في العراق أخذ ينعكس سلباً منذ الآن على المخططين المذكورين من خلال انعكاسه سواءٌ على الداخل العراقي، خاصة في الجنوب، أم على الجوار العربي وغيره للعراق. وعلى تلك المظاهر نرى أن في الأفق عوامل ومتغيرات جديدة دخلت، بشكل غير مباشر، لمصلحة المقاومة العراقية. فالمقاومة كانت كفيلة وجديرة بوضع المشروع الأميركي أمام المأزق التي من خلالها دفعته إلى اتخاذ بدائل سياسية ليتجاوز بها مآزقه، ولكنها انعكست تأزيماً على دول الجوار العراقي فوضعت أسس حروب الاستتباع المذكورة أعلاه، والتي من أهم نتائجها أن دول الجوار أخذت تحضِّر نفسها، من أجل حماية أمنها العسكري والسياسي والسيادي، لاستعادة وحدة العراق، فتفتيت العراق هو الأنموذج الماثل لتفتيت المنطقة كلها. ومن أهم معالمها هو «تسخين موتورات الدبابات التركية» التي لا يزال ما تبقى من «هيبة» أميركية يؤخر حركتها. وإصبع سورية على الزناد من أجل منع امتداد تأثير انفصالية الأكراد في شمال العراق على أكراد سورية، وهي ترى في السكوت على انفصالية أكراد العراق تهديداً استراتيجياً ودائماً لوحدة الأرض السورية والشعب السوري.
ومن النتائج التي أصبح من الممكن استشرافها بأكثر ما يمكن من الوضوح هو أن معالم «القادسية الثالثة» تتراكم، وشروط خوضها من جديد تتوفر من خلال مظهرين اثنين:
-الأولى: حالة العداء ضد التدخل الإيراني تتراكم في جنوب العراق من خلال أكثر من مظهر، حتى لو كانت في بعض جوانبها تنطلق من أسباب وأهداف قاصرة عن الثوابت الوطنية، وهي قابلة لتجميع وتوحيد كل الجهود المخلصة والجادة، ونرى أنها ستكون كرة من الثلج سوف تجرف أمامها كل العوائق التي تنادي بالانفصالية وتعمل جاهدة لتثبيتها، وهي كرة ستشق الطريق أمام المقاومة الوطنية من أجل استعادة وحدة العراق، وهي ستشكل الجناح الثاني للعراقيين، فيكتمل جناحا الطائر ويتوحَّدا.
-الثانية: حالة الرعب التي بدأت تشق طريقها في الأوساط الحاكمة في دول الخليج، وهي بدورها ومن أجل الحفاظ على أمنها ووجودها وسيادتها الوطنية، ستكون الحاملة التي ستمد الطائر العراقي الموحَّد الجناحين ببعض أسباب القوة والاحتضان والحماية، فهي ترى أنه بدون عراق موحد لن تحلم بأن وحدة أراضيها وشعبها سيكون من الممكن أن تستمر.
إن ما يحول دون حصول «قادسية ثالثة» هو أن يقوم النظام الإيراني بمراجعة أخلاقية أولاً تؤدي إلى الوقوف في مواجهة «الشيطان الأكبر»، والخروج من نفق محاباته ومجاراته بمشاريعه، أما ثانياً فإنه لا دور فاعل لإيران في المنطقة من دون وجود عربي فاعل وقوي. بل بالأحرى من دون وجود جار عراقي قوي، خاصة وأن النظام الإيراني متأكد أنه ليس للعراق خاصة، بل للجوار العربي بشكل أعم، أطماعاً جغرافية في إيران وليس لهم أطماع مذهبية أو عرقية في المجتمع الإيراني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق