خطة بوش – المالكي الأمنية
تتآكل تحت وابل من عمليات المقاومة الوطنية العراقية
طليعة لبنان الواحد: عدد شباط 2007
أطلقت الإدارة الأميركية، بالاتفاق مع حكومة المالكي العميلة، مغامرة جديدة، منذ أواسط شهر شباط، تحت اسم «فرض القانون» في بغداد، وقد حشدا لها أكثر من مائة ألف جندي، أكثريتهم الساحقة تضم قطعات من جيش الاحتلال الأميركي. ولقراءة مستقبل نجاحها أو فشله، لا بدَّ من دراسة موازين القوى بين طرفيْ الصراع: الاحتلال وعملاؤه من جهة، والمقاومة الوطنية العراقية والشعب العراقي من جهة ثانية.
قرَّر جورج بوش متابعة معركة الاستيلاء على العراق، بخطة جديدة، واستراتيجية جديدة، وهو يعترف أنها فرصته الأخيرة في إنقاذ مشروع المحافظين الجدد قبل أن يدق ناقوس نهاية ولايته في العام 2008.
وافتتح مرحلة الدفاع عن خطته، داعياً الأميركيين إلى التحلي بالصبر، لأن الخطة لن تكون نزهة سريعة بل يتطلب إنجازها أشهراً حدد سقف انتهائها في تشرين الثاني القادم. ومرارة استجداء الصبر من الأميركيين تعود إلى عاملين لم يستطع إغفالهما، وهما: اليأس الذي دبَّ في نفوس القادة العسكريين الأميركيين في العراق، التي وصفها الجنرال كايسي، قبل استبداله بقائد آخر، بأن زيادة القوات الأميركية ليس أكثر من تجميل لن تكون لها نتائج على الأرض. أما العامل الثاني فهو التخطيط الذي بدأه الحزب الديموقراطي تحت مُسمَّى «استنزاف خطة بوش»، وتوجتها هيلاري كلينتون، المرشحة للرئاسة الأميركية، بدعوة بوش إلى سحب الجيش الأميركي من العراق خلال تسعين يوماً وإلاَّ فسوف تسحبه بنفسها.
فجورج بوش يخوض معركته الأخيرة وهو يواجه نوعين من المقاومة: المقاومة الوطنية العراقية على أرض العراق مدعومة بالشعب العراقي، والمقاومة الأميركية مدعومة بأكثرية الشعب الأميركي الممثلة في الشارع كما في داخل المؤسسات التشريعية الأميركية. وهذا يعني في قاموس التوازن العسكري بين طرفين أن الشعبين العراقي والأميركي يقفان إلى جانب المقاومة العراقية، ويرفضان الاحتلال رفضاً مطلقاً. السبب الذي يجعل معادلة الصراع في العراق تميل بشكل واضح إلى صالح المقاومة العراقية، وهي في المقابل تشكل خسارة أساسية لإدارة جورج بوش.
على الرغم من أن تلك المعادلة ستحدد مسار الصراع الدائر في العراق، وسيتحدد على ضوئها نتائج مغامرة بوش الراهنة، التي لم تكن الأولى، وإنما ستكون الأخيرة، تأتي التداعيات السلبية في علاقات المجتمع الدولي مع إدارة جورج بوش لتصب في خارج مصلحة عناده على متابعة معركة خاسرة، ستزداد فيها معاناة الشعب العراقي، كما ستزداد الخسائر الأميركية على أكثر من صعيد، سواءٌ أكان الأمر عائداً إلى خسارته في الأرواح، أما كان استنزاف جديد لميزانية أميركا، أم كان دفع خسائر جديدة تقع في صفوف أصدقائها في العالم. ومن أهم معالم التداعيات السلبية، هي التالية:
-تأتي عملية الانسحاب التجميلية للقوات البريطانية من العراق أكثرها خطورة وأشدها إيلاماً، خاصة وأنها ترافقت مع قرار الدانمارك في سحب قواته، وبهذا تتداعى عوامل الإسناد الأوروبي لتكاد أن تكون خالية تماماً.
-بعد الانسحاب البريطاني الذي لن يبقى تجميلياً تحت ضغط الشارع البريطاني، لن يقدِّم تأييد رئيس حكومة أستراليا أ يؤخر، لأن هذا التأييد لا يتعدى كونه ديكوراً سياسياً خالٍ من أي دعم عسكري.
-تستعيد الإدارة الأميركية من تصريحات الروس والفرنسيين الناقدة للأداء السيئ لقوات الاحتلال الأميركي في العراق، مقرونة بدعوات إلى برمجة الانسحاب، ممانعة الدولتين للعدوان الأميركي على العراق في العام 2003، وتلك نواة ستؤسس إلى موقف روسي وفرنسي جدي خاصة وأنها تستند إلى جدار من الاعتراض السياسي الأميركي في الشارع وفي القوى السياسية المؤهلة للوصول إلى البيت الأبيض في العام 2008.
-خسارة الإدارة الأميركية لعامل الإسناد الإيراني الجدي الذي حصلت عليه قبل العدوان وبعد الاحتلال، وهو إن كانت أسبابها تعود إلى خلاف حول الحصص في العراق وفي الوطن العربي، إلاَّ أنه يؤدي إلى إضعاف في قوة الصديقين اللدودين في مواجهة المقاومة العراقية.
-تُضاف إلى خسائر إدارة جورج بوش السابقة، خسائر أخرى تتزايد معالمها وعلاماتها، في المواقف التركية كما في مواقف أصدقاء أميركا من العرب. أما السبب فهو أن المخاطر التي تتأسس في العراق اليوم، السائرة نحو التقسيم الطائفي والعرقي، لهي أكثر من خطيرة على النسيج المجتمعي للشعب التركي والنسيج المجتمعي لمجتمعات الدول العربية الرسمية، وأشدها خطورة ما سوف يتعرض له الأمن الوطني لتلك الدول.
هل بعد هذا الإيجاز السريع للعوامل السلبية التي تحيط بخطة بوش الجديدة ما يدعو إلى الغموض في نتائجها، وإلى أين ستصل؟
باستثناء ما سيدفعه الشعب العراقي من آلام وعذاب ومجازر وحشية في هذه المرحلة، التي قد تكون شبيهة بما حصل في الفلوجة أنموذجاً، وهي تستأهل من كل العالم استنكارها والضغط من أجل إنهائها، ليس هناك أي سبب يدعونا إلى القول بأن خطة بوش الجديدة ستحقق له النصر. وليس هناك في أداء المقاومة العراقية البطولي وصمودها في مواجهة وحشية جورج بوش ما يدعونا إلى الخوف عليها من الهزيمة، وليس في التداعيات التي تشهدها الساحة العراقية في هذا الظرف إلاَّ كل ما يؤكد أن النصر أصبح في متناول المقاومة، والهزيمة أصبحت تدق البيت الأبيض والبنتاغون بكل قوة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق