نشر للديموقراطية في العراق أم نشر للصهيونية فيه؟
6/ 5/ 2005م
كشف الأستاذ صلاح المختار في مقالة نشرها، بتاريخ 26/ 12/ 2004م، عن جملة من الوساطات، التي قام بها أكثر من طرف عربي أو أجنبي مكلَّف من الإدارة الأميركية، مع الرئيس صدام حسين. وكان محور تلك الوساطات الطلب منه تغيير موقفه من «إسرائيل».
وبناء على تلك المعلومات سنسهم، مع من كتب حول حصة الصهيونية في العراق، بالتركيز على ثلاث مسائل:
الأولى: الأطماع التوراتية اليهودية في أرض بابل، «أرض الفرات»، كحدود للدولة اليهودية. ولتأمين عمق جيو استراتيجي للدولة التي اغتصبت أرض فلسطين.
الثانية: الوقائع الميدانية، والدور الميداني للعدو الصهيوني في العراق.
الثالثة: كشف زيف الغطاء الديموقراطي الذي يتظلل به أعضاء إدارة مشروع بناء إمبراطورية أميركية في العالم، ويقف على رأسهم جورج بوش، رئيس تلك الإدارة، وكاسحة ألغامها.
الأولى: الأطماع التوراتية اليهودية في أرض بابل، «أرض الفرات»، كحدود للدولة اليهودية:
عندما تعثَّر المشروع الصهيوني التوراتي بفعل الرفض الفلسطيني ومقاومته له، أخَّر تنفيذ الحلم وأعاقه، لكنه لم يلغه. فاستمر الحلم حيَّاً لارتباطه بالمشروع الأمبريالي الذي له مصلحة في وجود الدولة الصهيونية كأهم عراقيل توحيد الوطن العربي. فأطلَّ المشروع التوراتي –في هذه الرحلة- من خلال مشروع أصحاب «القرن الأميركي الجديد». فطالما أن لهؤلاء حلماً في بناء امبرطورية عالمية، ولتحقيق الحلم وضرورة استمراره على أصحابه أن يضمنوا وجود مرتكزات ثابتة، فلم يجدوا أفضل من الصهيونية حليفاً ومرتكزاً، لذا كانت الصهيونية –ولا تزال وسوف تستمر- ذلك الحليف الثابت لارتباطه مصلحياً وتوراتياً بالمشروع الأميركي. فكانت الصهيونية شريكاً رابعاً للمشروع الأميركي إضافة إلى التيار المسيحي اليميني المتشدد والمافيات العالمية.
لكل تلك الأسباب كان العشرون من آذار من العام 2003م، بداية العدوان الأميركي على العراق، كأنه إضاءة لشعلة انطلاق تنفيذ المشروع التوراتي الصهيوني. وإذا ما قُدِّر النجاح للمشروع سيكون التاريخ المذكور بداية جديدة للسنة العبرية. ومرادفاً للسادس من أكتوبر الميلادي، الذي يعني بداية السنة العبرية.
الثانية: الوقائع الميدانية، والدور الميداني للعدو الصهيوني في العراق:
لم تتوفَّر معلومات كافية عن الدور الصهيوني في مشروع العدوان على العراق، وبعد احتلاله إلاَّ بعد أشهر قليلة من الاحتلال. وقد بدأت المعلومات والتقارير ذات العلاقة تتسرَّب منذ أواخر العام 2003م. وأخذت تتكاثر وتتراكم، ولا تزال تتكشَّف جوانب كثيرة ومثيرة، عن الأطماع الصهيونية في العراق. وأكثرها دلالة هو أن لاحتلال العراق زوايا استراتيجية في المشروع الصهيوني، ولأن الوجود الصهيوني أصبح ماثلاً بوضوح على الأرض العراقية، فلن تترك الصهيونية تلك الفرصة التاريخية من دون أن تبذل كل الإمكانيات والجهود والتضحيات من أجل نجاح الاحتلال الأميركي والعمل على تثبيته. فالتحالف الأميركي – الصهيوني حول تلك المسألة تحالف استراتيجي ومصيري من أجل هدفين استراتيجيين: الإمبراطورية الأميركية، والدولة التوراتية اليهودية.
باختصار، لقد شاركت الصهيونية العالمية، وربيبتها الدولة الصهيونية على أرض فلسطين المحتلة، في التخطيط وتوفير كل المتطلبات اللوجستية والإعلامية والعسكرية للعدوان على العراق. كما كان للدولة الصهيونية عملاءها ممن سموا أنفسهم، سابقاً، «المعارضة العراقية» (راجع كتابنا الثاني عن المقاومة العراقية). وكان أوضحهم تاريخية هم زعامات كردية معروفة. ولم يعترض التغلغل الصهيوني إلى العراق أية عوائق لأن طرق الوصول كانت معبَّدة وسالكة.
فإلى جانب الاتفاق الاستراتيجي الذي عقدته الدولة الصهيونية مع أطراف كردية، وبرعاية وضمانات أميركية، لبناء دولة صهيونية كردية في شمال العراق (يمكن القارئ مراجعة تفاصيلها في كتابنا الثاني عن المقاومة العراقية)، فقد لعب الصهاينة أكثر من دور في تخريب البنى العلمية والحضارية في العراق، وكان من أهمها اغتيال البنية العلمية البشرية من خلال اغتيال عدد من العلماء العراقيين وتهجير أكثرهم إلى خارج العراق. إلى سرقة المتاحف والمنشآت النووية وتجهيزات المختبرات العسكرية والعلمية بالتكافل والتضامن مع الإيرانيين.
الثالثة: كشف زيف الغطاء الديموقراطي عن إدارة مشروع بناء إمبراطورية أميركية في العالم، ويقف على رأسهم جورج بوش، رئيس تلك الإدارة، وكاسحة ألغامها.
لم تخرج الأهداف الصهيونية في العراق عن سياق إعادة مجد «الدولة التوراتية»، وهي أهداف معادلة في القيمة لأهداف المشروع الأميركي في السيطرة على الثروة البترولية العربية، بل أكثرها أهمية لأن الثروة النفطية مؤهلة للنضوب، بينما بناء «الدولة التوراتية» هو مشروع دائم يرتبط –حسب العقيدة اليهودية- بأوامر إلهية في تيسير بناء دولة دائمة ل«شعب الله المختار».
وبمثل الكشف عن حقيقة الأطماع الأميركية والصهيونية، تتعرَّى الأسباب المعلنة عن أهداف العدوان والاحتلال عن ورقة التوت الأخيرة. كما أنها تكشف للمغفَّلين الذي انطلت عليهم ادِّعاءات إدارة الشر الأميركية، وانكشف القناع عن «الدموع الكاذبة»، في حدقتيْ جورج بوش، حزناً على «الديموقراطية التي كانت منحورة في العراق» كما يدَّعي.
ولمن فاتته الحقائق، عن جهل أو تجهيل أو تجاهل، عن أهداف الاحتلال الأميركي للعراق، من مغفَّلين وأصحاب وطر أو هوى أو ضعاف أمام بريق الدولار والليبرالية الأميركية، عليهم أن يروا -قبل سقوط بيزنطية بالكامل- أن نشر المبادئ الصهيونية في العراق، وتوسيع رقعة الدولة الصهيونية في فلسطين المحتلة، إنما هي لب الأهداف الحقيقية، أما شعارات الديموقراطية فهي قشور لخداع المغفلين وليس غيرهم.
لقد انتزعت الصهيونية أرض فلسطين بعد مجازر كبرى سجَّلها التاريخ بأحرف من العار ضد العائدين إلى أرض الميعاد، وهي تقع في نقطة وسط بين «النيل» و«الفرات». وقد ذلَّلت «النيل»، أو أذلَّته، بـ«اتفاقية كمب ديفيد» مع أنور السادات، الذي اغتيل ودُفن في مقابر الخالدين من «الخونة». وهي انتقلت إلى أرض «الفرات» على دبابات أميركية تحمل أعلام «ديموقراطية القتل»، ورفعت علمها المتميز على روابي «كردستان العراق» بالتنسيق والاتفاق، بالانسجام والتكامل، مع عميلين تاريخيين (الطالباني والبارازاني) يخدعان الأكراد ويعدانهم بدولة كردية، لم يمكنهما الحصول عليها إلاَّ إذا رفعت علم الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة جنباً إلى جنب العلم الكردي. وتسللت تلك الأمنية تحت مظلة «الفيدرالية». وباركتها كل القوى المذهبية في العراق واهمة أنها ستهنأ بفيدرالياتها الخاصة.
وهكذا يتسلل الحلم الصهيوني إلى العراق على دبابة أميركية تحمل علم «الديموقراطية» لتضليل المغفلين والسذَّج من الانفصاليين العرقيين والانفصاليين المذهبيين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق