-->
قشرة ثلج ديموقراطية أميركية:
الديكتاتورية كانت السبب في احتلال العراق!؟
في مواجهة القاعدة الإعلامية التي تستند إليها إدارة جورج دبليو »إكذب ثم فتش عن تبرير للكذب«، لا يمكن إلاَّ أن نحكم على كل تصريح إعلامي، لأي عضو من أعضاء إدارته، بأنه كاذب حتى يثبت صدقه. أما المؤلم في وعينا العربي العام أن طبقة من أنتلجنسيا السياسة والثقافة العرب، يبنون أحكامهم على أن الإعلام الأميركي صادق حتى يثبت كذبه، والأشد ألماً أنهم لا يتعبون أنفسهم –لاحقاً- في الحكم عليه بالكذب حتى ولو كشف الضمير الأميركي عن حقيقة سلوك إدارة جورج دبليو المتخمة بالكذابين، والمحتالين والاغبياء.
ومن المستغرب أن تلك الطبقة، التي إما هي غبية أو أنها تعتمد على استغبائنا، تبني أحكامها على الأمور استناداً إلى كذبة أميركية من هنا، أو كذبة من هناك.
من تلك الأكاذيب أن العدوان الأميركي استند إلى شعار »تحرير العراق« من الديكتاتورية. فلاقت الكذبة صدى واسعاً في نفوس طبقة الأنتلجنسيا العربية –المشار إليها أعلاه- وأيَّدتها وروَّجت لها بحماس لافت للنظر. ولما انكشفت الكذبة الأميركية التي كانت السبب في حماس المتحمسين وتأييد المؤيدين من طبقة السياسيين والمثقفين النخبويين، لم يكلِّف أي منهم نفسه بإعادة النظر في أحكامه، فبقيت تلك الأحكام ثابتة على الرغم من ظهور كذب مقدماتها.
ذلك هو شر البلية التي تُضحِك.
يكفينا سذاجة في تصديق ما يقوله إعلام إدارة جورج دبليو.
يكفينا استغباء مما تردده بعض الأصوات العربية التي تنسب نفسها إلى نخبة المثقفين أو السياسيين: لولا ديكتاتورية النظام لما أقدم الأميركيون على احتلال العراق.
يتساوى في الإساءة إلى وعي المواطن العربي كل من إعلام الإدارة الأميركية مع سذاجات الأنتلجنسيا العربية السياسية والمثقفة. أما الأسباب فلا تخرج –كما نحسب- عن التالي:
لتبرير بعض التعصب الإيديولوجي أو لإخفاء حقيقة الأهداف الأميركية يستسهل البعض في أن يحمِّل نظام حزب البعث بشكل عام، والرئيس صدام حسين بشكل خاص، مسؤولية احتلال العراق. أما السبب الساذج، كما يروِّجون، فيعود إلى المعادلة التالية: لولا الممارسة الديكتاتورية للنظام لما كانت الإدارة الأميركية قد أقدمت على احتلال العراق، ولذلك، لو لم يكن النظام ديكتاتورياً لكانت أميركا قد أحجمت عن احتلاله؟؟!!
هكذا وبكل سذاجة، إما أنها تدل على غباء أو تعصب، أو أنها مُوجَّهة من أجل تبرئة الذئب الأميركي من دم ابن يعقوب العراقي. أو أن تلك الدعوات تعتمد على غباء من هنا أو جهل من هناك، أو أمية سياسية في فهم مجريات الأمور من هنالك.
إن أولئك يرتكبون جريمة ذات حدين:
الأولى هو تجهيل حقيقة الأهداف الأميركية الخبيثة، والتي كشفها الضمير الأميركي قبل غيره من الضمائر، والتي لمست خطورتها الحركات السياسية الثورية في العالم، ولم تخرج عن صفها تلك الدول التي يرتبط مشروعها الاقتصادي مع المشروع الأميركي.
أما الثانية فهو تبرير، عن سابق إصرار وعلم، للإدارة الأميركية حقها في أن تتجاوز كل القوانين والشرائع الدولية لتؤدب نظاماً من هنا أو نظاماً من هناك، وتقوم باحتلاله وتغيير النظام فيه تحت ضغط العسكر والدبابات. وهي بالتالي، وهذا أغرب الأمور، التي لم يجرؤ ابن ثقافة عربي على الاعتراض عليه، هو أن إسقاط نظام لا يحظى برضا معارضة مهاجرة جبانة أو قبولها، تبرير لها يمكنها من أن تستعين بشيطان خارجي لينوب عنها في المهمة التي هي مكلفة بها أصلاً وفصلاً.
تصوروا يا أبناء الديموقراطية في العالم العربي خاصة، وفي العالم عامة، أن فيدل كاسترو، كمعارض لنظام باتيستا، قد لجأ إلى الولايات المتحدة الأميركية، وطلب منها إسقاط نظام باتيستا، لأنه نظام ديكتاتوري؟!
أو أن فيدل كاسترو كان قد طلب من الاتحاد السوفياتي أن يأتي بالجنود الشيوعيين من كل أنحاء العالم، وأن يأتي بطائراته ودباباته لإسقاط نظام باتيستا؟!
إنما العكس هو الصحيح، واسألوا فيدال كاسترو –فما زال حياً- لماذا لم يُقدِم على ما أقدمت عليه أكثرية فلول المعارضة العراقية في كواليس المخابرات الأميركية والبريطانية والصهيونية؟
أما كان أجدى لتشي غيفارا ومن الأسهل والأسرع له، أن يطلب تدخل الصين أو الاتحاد السوفياتي لغزو شتى دول أميركا اللاتينية التي تعيش في ظل أنظمة ديكتاتورية؟ ولماذا كان عليه أن يموت في الأدغال؟ بينما لو كان مثقفو الصالونات عندنا اليوم في سن النضوج في ذلك الوقت لكان يمكنهم أن يرشدوه إلى أقصر طريق للثورة في تغيير أنظمة أميركا اللاتينية الديكتاتورية، وهل هناك أغرب من أن يكون ممر المخابرات الأميركية هو أقصر الطرق لتغيير الأنظمة؟؟
رحمة عليك أيتها الديموقراطية، وسلاماً عليك أيتها الديكتاتورية، كم تُرتكب من الآثام الفكرية والسياسية والأخلاقية باسميكما. وممن؟ من أولئك الذين ينتسبون إلى دوائر الفكر والسياسة.
ويؤلمنا أن تقوم فئة من طبقة المثقفين والسياسيين العرب بإحداث انقلاب في المفاهيم، فهي وإن لم تروِّج إلى إحداث انقلاب على القيم الإنسانية المثلى، أو أن تنقلب على كل الشرائع والقوانين التي سنَّتها المؤسسات الأممية حول »حق الدول والشعوب في تقرير مصيرها«، فهي تقوم –بوعي منها أو من دون وعي- بإعادة كتابتها من جديد، وبشكل مخالف لكل الأعراف والقيم. فهي تنصح المعارضات المحلية، في الدول التي لها استقلاليتها المعترف بها دولياً، بأن تحمل حقائبها إلى الخارج كلما حُرِم أحدهم من وزارة أو من منصب، أو كلما هوَّل عليه رجل أمن بقبضة من يده.
وعلى تلك النخبويات الصالونية، أو الموبؤة بالتعصب الإيديولوجي، أو الموبؤة بلوثة مخابراتية مجزية الأجر، أن تشطب شريعة »حق الأمم في تقرير مصيرها« وتستبدله بشرعية تكليف التحالف الأنجلو أميركي الصهيوني بأن ينوب عن المعارضات المحلية في تقرير مصير الشعوب.
فيكون من أهم نتائج هذا التكليف، وكما هو حاصل في العراق المحتل، بمظاهره الفاقعة في لا أخلاقيتها، وفي ديكتاتوريتها، أن يقوم مندوب المكلف الأميركي (غارنر، ومن بعده بريمر، الذي يمكن استبداله) بتعييِن هذا وإقالة ذاك من العراقيين، والمقاييس والأسباب -طبعاً- هي مدى التعبير عن الولاء للاحتلال ومصالحه. وعلى السياق ذاته، يعتقل ويقتل ويدمر، وينتهك الحريات الخاصة والعامة، يبرز ما يريد على الإعلام ويخفي ما يريد. يسمح لهذا المراسل أن يتحرَّك ويمنع الحركة عن ذاك. يقفل تلك الصحيفة بالشمع الأحمر، ويروِّج لتلك. يوزِّع شهادات الوطنية والديموقراطية على كل من يقدِّم له وردة، ويهدي رصاصة أو قذيفة أو صاروخ لمن يرفضون وجوده فيجود عليهم بألقاب الإرهاب والفلول والسفلة والخارجين على القانون.
ترى طبقة الأنتلجنسيا عندنا كل تلك المشاهد، وتقرأ عنها، وتسمع، لكنها تتعامى عنها، ولا ترشقها بوردة، لأن صورة الحكم السابق عندها لم تتغيَّر، فيبقى المتهم عن جرائم الاحتلال هو ديكتاتورية حزب البعث وديكتاتورية صدام حسين!!
قاد حزب البعث المقاومة بعد أن كان قد أعدَّ لها. وترك صدام حسين كل القصور ونعومتها (التي كانت محطاً لاتهامه) لينزل إلى خندق المقاومة ويقودها. فأيَّدت طبقة الأنتلجنسيا العربية المقاومة العراقية واعترفت بأهميتها وفاعليتها وشدة تأثيراتها ووصفتها بالظاهرة التي رفعت رأس العرب، ولكن لم تكن جريئة على الاعتراف بأن الظاهرة التي رفعت رؤوسهم هي بقيادة من أصروا على اتهامه.
إنه الحقد الإيديولوجي الذي ينظر إلى القضايا من نوافذ الشخصنة والفردنة. إنه الانفصام النفسي والشخصي لتلك الطبقة. إنه باختصار كمن يخبأ رأسه في رمال كي لا يربط بين قضية كبرى –كمثل قضية المقاومة العراقية- وبين صانعها ومنفذها وشهيد في صفوفها، ومتحمل القهر والعذاب والتضحيات من أجل استمرارها وتطويرها.
ما أحلاها من ديموقراطية »بوشيَّة« عندما عينَّ بول بريمر »شريفاً« على مزرعته في العراق!! أوَ يبقى ذرة من وعي وإخلاص عند الذين يحمِّلون ديكتاتورية نظام أو شخص في استدراج احتلال لأرض وذبح لشعب؟
أيبقى ذرة من ضمير عند من يمارسون أسلوب الانفصام، بفصل الظواهر الكبرى عن صانعيها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق