-->
الاتهامات النقالة
والهدف تجهيل وطنية المقاومة العراقية وتجاهلها
28/ 12/ 2004م
من أهم أهداف الاحتلال الأميركي أن يضلِّل الرأي العام الأميركي أولاً، والرأي العام العالمي ثانياً، من تصنيع شرعية لاحتلال للعراق.
ولما كان يروِّج –في أثناء الإعداد للعدوان- بأن احتلال العراق سيشكل عملاً رائعاً لدى العراقيين، كما أنه سيكون محل ترحيبهم الواسع بحيث أنهم زرعوا حدائق الورود لقطفها ورشِّها على طلائع قوات الغزو، كان –في ذلك الوقت- واقعاً تحت تأثير التضليل الذي غرسه عملاء أميركا و«إسرائيل» في ذاكرة جورج بوش وزمرته من المحافظين الأميركيين الجدد.
لقد انطلت أكاذيب من كانت تطلق على نفسها اسم (المعارضة العراقية للنظام الوطني في العراق)، على تلك الإدارة. فلم يترك لها مجالاً لأن تخطط لمرحلة الاستقرار بعد الاحتلال. وهذا السبب الذي يتلطى تحت خيمته المحللون الذين يربطون فشل الاحتلال بفشل إدارة جورج بوش في التخطيط لتلك المرحلة.
وإذا كنا من الواثقين بأن المشروع الأميركي في احتلال العراق فاشل مهما كانت الأسباب والذرائع التي يتلطى تحت مظلتها، ولا نرى أن فشله في التخطيط لمرحلة ما بعد الاحتلال هو السبب الوحيد في عجزه عن احتواء مد المقاومة العراقية، بل إن فشله أصبح أكيداً منذ خطط للاحتلال، فالاحتلال هو لا شرعي بكل المقاييس. وهو احتلال غير عملي منذ أن مارس العراقيون حقهم المشروع ضده، ومنعه جنوده من الاستقرار على الأرض. وجل ما نقوله هو أن فشل مشروع الاحتلال حالة أكيدة لأن من رفض إملاءات المشروع الاستعماري الأميركي كان يعد لحرب تحرير شعبية لا طاقة له على مواجهتها سواء أعد لمرحلة الاستقرار أم لم يعد، لأن النظام الوطني في العراق كان واثقاً أنه يمثِّل إرادة الشعب العراقي وليس العكس. وكان واثقاً أن تشخيص ما كانت تسمي نفسها (معارضة عراقية) كان باطلاً بالشكل والمضمون.
لما حصل الاحتلال، وانكشف الغطاء عن وجود مقاومة عراقية تحسس الأميركيون وطأتها وضخامة تحديها لاحتلاله، فأخذ يحس بوطأة خطئه، وليس بين يديه ما يبرر الأسباب التي غزا العراق من أجلها. فراح يختلق الأساليب والذرائع لتغطية فشله.
وكان من أهم تلك الذرائع هي البرهان على أن المقاومة العراقية ليست وطنية الأهداف والوسائل. ومن خلال رصدنا لبعض تلك الذرائع والاشاعات التي كان يطلقها ولا يزال، بحيث كانت مشوبة بالارتباك، وكان ينتقل بها من اتهام هذا العامل أو ذاك. أما الجامع المشترك بينها فهو الايحاء للرأي العام في أميركا، أو تضليله بأن المقاومة التي تجري ضد قواته في العراق، هي إرهاب وافد من الخارج. ولا يخفي ادِّعاءاته بالتضليل التي يمارسها بأن الشعب العراقي ممتنٌّ له، ويدين له بالجميل لأنه خلَّصه من النظام السابق. ولكي يحظى احتلال العراق بقبول الرأي العام الأميركي والعالمي، مارست إدارة الشر الأميركية أسلوب الاتهامات «النقالة» التي تجهد من أجل تصوير عمل المقاومة العراقية بأنه عمل «إرهابي» آتِ من الخارج. أي أن اتجاهات الإعلام الأميركي المعادي كانت تريد أن تنفي عن المقاومة العراقية عمقها الوطني من خلال تكثير الاتهامات للخارج العراقي. لتبدو المقاومة وكأنها عمل ثأري يقوم به كل ما هو خارجي ضد قوات الاحتلال. ولهذا قمنا بمحاولة لرصد اتجاهات تلك الاتهامات.
أولاً: ابتدأ إعلام إدارة الشر في أميركا بوصف العمليات الفدائية في العراق، بأنها من صنع «فلول نظام صدام حسين»، بحيث أن عامل اليأس هو دافعها لاستعادة نظام خسرته، لذا تقوم بعملياتها العسكرية ضد قوات الاحتلال بدافع مصلحي.
ثانياً: ربط إعلام الاحتلال بين عمليات المقاومة وقرار حل الجيش العراقي (القرار الذي أعلنه بول بريمر المعزول). فوصف القائمين بتلك العمليات أنها من صنع من فقدوا مصدر عيشهم. وصوَّرهم وكأنهم يقاتلون من أجل لقمة عيشهم. التي –إذا ما تأمَّنت- تشكل دافعاً يوقف المقاومون عملياتهم في حال غيابه.
ثالثاً: ربطوا ما بين المقاومين وغياب الخدمات من ماء وكهرباء، وكأن عودة المياه في خراطيم المنازل، وعودة التيار الكهربائي إلى الأسلاك، نقطة البداية في الابتعاد عن الإعداد للعمليات العسكرية وتنفيذها.
يجمع تلك الإشاعات رابط أساسي وهو تصوير المقاومة وكأنها ردود أفعال سطحية لها علاقة بكل شيء مادي باستثناء أنها مبدأ من مبادئ شرعة حقوق الإنسان والدول في مقاومة القوى التي تحتل الأرض الوطنية.
طبعاً ليس هناك في قاموس الرأسماليين، وخاصة نخبة النخبة من بينهم والأكثر تطرفاً، ما يعبِّر عن حس وطني أو كرامة وطنية. فالرأسمال يجتاز الحدود القومية والوطنية ليستقر في أي مكان من العالم ليُشبِع جشعه ضمن شروط الأمن والاستقرار، بحيث يبيع مالك الرأسمال كل حس وطني أو كرامة وطنية ليلتحق بأكثر المواطن أمناً وأماناً لحقيبته التي يحمل فيها شيكاته وأسهمه.
ولأن ربط المقاومة بدوافع محض مادية وخدماتية لم تقنع أحداً. راحت آلة الإعلام الأميركي تبتكر أوصافاً تعلم أنها تستثير حفيظة الأميركي بشكل خاص والرأي العام العالمي بشكل عام، وهي العمل على وصف المقاومة العراقية بالإرهاب القادم من خارج العراق. ولم تجد أفضل من إعادة ربطها بصورة ينظر إليها الأميركي خاصة، والرأي العام العالمي عامة، بحذر وحقد، ولم تكن تلك إلا صورة تنظيم القاعدة وصورة بن لاذن.
وبمثل هذا الابتكار راحت أبواق الإعلام الأميركية تربط ما بين المقاومة العراقية وما تسميه (تعسفاً) «إرهاب القاعدة» أو «الإرهاب الأصولي الإسلامي»، فابتكرت صورة الزرقاوي. وقد اقتات إعلام الاحتلال كثيراً من تلك الصورة في التحريض ضد المقاومة وتغييب هويتها الحقيقية. وكان ابتكارها ذاك يستفيد من جانبين من جوانب الصورة المبتكرة، وهي أن الزرقاوي –وتنظيمه- ليس عراقياً أولاً، وهو يرتبط بالإيديولوجيا مع تنظيم القاعدة وبن لاذن ثانياً.
ومن المظاهر المكشوفة التي تدل على لاواقعية الظاهرة الزرقاوية هي أن الإعلام الأميركي قد أوكل إلى تلك الصورة الوهمية الكثير من المهمات التي يعجز آلالاف المقاتلين عن القيام بها. ومن أجل الدلالة وليس الحصر، كانت عمليات الذبح والخطف وآلاف العمليات العسكرية في الشهر الواحد، والانتقال من مدينة إلى أخرى من مدن العراق: من البصرة جنوباً إلى الموصل وكركوك شمالاً، كانت –كما يصورها إعلام الاحتلال- من صنع الظاهرة الزرقاوية!!!
وكي لا ننسى، فقد حصرت وسائل الإعلام تلك، مكان الزرقاوي في الفلوجة، ولأنها هي التي صنعت تلك الخدعة فقد قامت بتهريب الزرقاوي إعلامياً من الفلوجة إلى خارجها بعد معارك شهر تشرين الثاني من العام 2004م، وهي بذلك كانت تريد أن تبرر جرائمها الإنسانية في تلك المدينة العظيمة، وكأن تلك الجرائم جاءت ثمناً مبرراً كان على سكانها أن يدفعوه لأنهم حموا أبا مصعب الزرقاوي. ولهذا كان يريد إعلام قوات الاحتلال أن يوحي للرأي العام بأن ما قام به لهو عمل مبرر ومشروع ما دام جيش الاحتلال يلاحق «إرهاب الزرقاوي».
وربما كانت مخيلة الماسكين بمسارات الإعلام، وتوجيهه، تمهد لنقل الزرقاوي –إعلامياً- إلى مدن عراقية أخرى، من أجل تكرار المجازر التي ارتكبتها في الفلوجة ليظهر السبب وكأنه ملاحقة للإرهاب.
أما المرحلة الراهنة من استراتيجية «الاتهامات النقالة» الهادفة إلى تجهيل وطنية المقاومة العراقية، فهي تلك التي ابتدأت منذ أقل من شهر من الآن، وهي مرحلة ما بعد اليأس الأميركي من السيطرة على الفلوجة، فقد أخذت تتناول دول الجوار الجغرافي للعراق، ويأتي على رأسها سورية.
بشكل متزامن مع استصدار قرار مجلس الأمن (1559) الهادف إلى إرغام سوريا على تقديم تسهيلات لحصار المقاومة العراقية، كثمن للسكوت عن بقائها في لبنان، راحت الكثير من الأبواق الإعلامية تمهِّد لدفع سوريا إلى اتخاذ ما يتعارض مع المصلحة القومية.
لقد أفلست الابتكارات الإعلامية الأميركية من استخدام ذرائع المرحلتين الأولى والثانية، أي تجهيل وطنية المقاومة العراقية بغلاف من ردود فعل ضد فقدان الخدمات والأمن، أو تجهيلها من خلال إعلانات ألصقت عليها صور الزرقاوي (الغير عراقي والمرتبط بتنظيم القاعدة). وبعد إفلاسها راحت تنفِّذ المرحلة الثالثة التي تميَّزت باتهامات راحت توزعها على دول الجوار الجغرافي للعراق. وكان أبرزها الاتهامات الموجَّهة إلى سوريا. فتطوَّع من أجل بث تلك الإشاعات كل الأجهزة الإدارية والأمنية في النجف، وهي بحكم عمالتها للاحتلال، راحت توزِّع أخباراً تحت مسميات «اعترافات» لمن تدعي أنهم ضالعون في عمليات أمنية في النجف وكربلاء.
إن إدارة الاحتلال الأميركي للعراق، في مواجهة الاستحقاق الانتخابي، تعمل على تغطية فشلها المسبق، على قاعدة لا شرعيتها أولاً، وعلى قاعدة تبرير النتائج التي لا شك بأنها تمثِّل تزويراً لا مثيل له في كل أنواع الديموقراطيات وأصنافها. وهي بتلك الاتهامات إنما تريد أن تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.
يأتي العصفور الأول ذو علاقة بالضغط السياسي على سوريا بعد مسرحية استصدار القرار 1559 المرتبط بالوجود السوري في لبنان.
أما العصفور الثاني، فهو حالة تلبيس مفتعلة لقميص هوية المقاومة العراقية، بأنها لا تزال مقاومة آتية من خارج حدود الوطنية العراقية. وكأن الإقليم العربي الجغرافي للعراق هو الذي يعمل على الضد من إرادة العراقيين.
أما العصفور الثالث فهو الإيحاء باستمرار أن وجود الاحتلال، سواء كان بلباس أميركي أم بريطاني أم بولندي أم كوري أم ياباني... هو الوجود الشرعي الوحيد الذي يمثل الإرادة العراقية.
فتصوير وجود حالة إسلامية تقف إلى جانب المقاومة العراقية وكأنها تغريب للعراق عن عمق ثقافته، أو تصوير وجود حالة عربية تقف إلى جانب المقاومة وكأن سلخ للعراق عن محيطه العربي، أو سلخ للعروبة عن العراق. ولأن العراق يرتبط مع عمقه الإسلامي والعربي، كحقيقة واقعية ومصيرية، أصبحت هي القاعدة الشاذة، بالمفهوم الاستعماري، فهي تريد أن توحي بأن المقاومة هي حالة ليست شرعية من جهة، وتريد من جهة أخرى أن تستغفلنا بأن الوجود الاستعماري -مدعوماً بشلل من العملاء العراقيين- هي الحالة الشرعية الوحيدة.
بمثل تلك الوسائل والأساليب يعمل الاستعمار الأميركي الاحتلالي على تزوير كل وقائع التاريخ والروابط المصيرية بين العراقيين وحلفائهم من العمق الإسلامي التحرري والعمق القومي العربي التحرري أيضاً.
وإذا كنا نشخِّص الآن طبيعة المرحلة الثالثة من اختلاق الاتهامات التي تبترها مؤسسات الشركات الكبرى الأميركية نرى أنها ليست إلاَّ أداة ووسائل الغرض منها سلب المقاومة العراقية وسلخها عن العمق العربي ما هي إلا بالونات للتخويف والتهويل على كل رابطة قومية تجذب المجاهدين والمناضلين للقيام بواجبهم ضد الاحتلال على أرض العراق.
وإذا كان من واجب على القوميين والإسلاميين –في هذا الظرف بالذات- أن يؤدوه فهو دعم المقاومة العراقية بكل الإمكانيات: مقاتلين وأسلحة وأموال. وإن النداء الذين يمكننا أن نسهم في إطلاقه هو أن لا ينساقوا بالعكس من ذلك لكي لا يسمحوا بأن ينطلي الكذب والتزوير على عقولنا. فلا شرعية يمكن أن تكون بغاية من الوضوح أكثر من أن الواجب القومي والديني الإنساني هو الموقف الشرعي الوحيد على قاعدة رفد المقاومة العراقية بكل الإمكانيات.
وعلى العكس مما يقوم بتزويره الاحتلال الأميركي، مدعوماً من عملائه، أن يقوم بتجهيل دور العراقيين -بعثيين وإسلاميين وقوميين وشيوعيين من شمال العراق وجنوبه، شرقه وغربه- في قيادة المقاومة العراقية. وكل الروافد الداعمة، من إسلامية تحررية وقومية عربية، لا تلغي ولن تلغي وطنية المقاومة العراقية وحقها المشروع في تحرير الأرض من دنس الاحتلال وعملائه، من عراقيين ودوليين.
ولا بد، أخيراً، من أن نسخر من برنامج الإدارة الأميركية الإعلامي الذي يريد أن يستغفلنا من جديد موحياً بأن تهديداته لسوريا هي نصيحة مجانية لوجه محبة تلك الإدارة للديموقراطية في أن تسود في لبنان. ولهذا يحاول جورج بوش أن يوحي –من خلال حميته ومحبته المفاجئة للشعب اللبناني- أن عيون الديموقراطية في لبنان تستأهل التضحية الأميركية من أجلها.
ولن يكون جوابنا أكثر من أننا لن نُلدَغ من جحر مرتين. لقد لدغتنا الإدارة الأميركية في المرة الأولى عندما ادَّعت –كذباً وزوراً- أن احتلالها العراق لم يكن إلاَّ من أجل عيون الديموقراطية فيه؟؟!!
فليخرج الساحر الأميركي من أرضنا أولاً، لأنه عندنا هو «الخارج» الوحيد. أما غيره ممن يساعدون المقاومة العراقية –كواجب ديني أو قومي- فهم من أهل البيت. ومشاركتهم للمقاومة العراقية هي مشاركة شرعية وواجبة في كل المقاييس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق