--> -->
المشهد العراقي في شهر أيار من العام 2006
لم يكن في أداء المقاومة الوطنية العراقية منذ انطلاقتها في أم قصر، واستكمالاً لها في العاشر من نيسان في العام 2003 إلاَّ ما يثلج الصدر ويقلب موازين القوى في استراتيجية الصراع مع الاحتلال الإنجلو أميركي، وإلاَّ ما يجعل أعداد التوابيت العائدة إلى إدارة جورج بوش تزداد وتضيف متاعب جديدة للساكن في البيت الأبيض وزمرته الحاكمة. و إلاَّ ما يجعل الخزينة الأميركية تزداد وتيرة إفلاسها، و إلاَّ ما يجعل صرخات المعارضين للحرب والعدوان، في داخل أميركا وخارجها، تزداد وتتعالى ارتفاعاً. وفي المقابل ترتفع صرخات عملاء الاحتلال وتتعمق أزمتهم لأنهم لا يستطيعون حماية أنفسهم.
وإذا كنا نتابع نتائج نضال المقاومين العراقيين يوماً بيوم، سواءٌ بإبداعات تطوير وسائلهم التي أربكت آلة الاحتلال العسكرية المتطورة، وجعلت جنرالات الاحتلال يئنون تحت وطأة أسلحة المقاومة المبتكرة، وتعجز مصانع أسلحتهم عن اللحاق بالتجديد الذي يضيفه المقاومون من رجال التصنيع العسكري في وسائل المقاومة، فهناك إضافات نوعية على تلك الوسائل وهي تحويل معتقلات الاحتلال وعملائه إلى خنادق سياسية للمقاومة جعلت العدو يقع في شر أعماله عندما توهَّم أن إحالة قيادة الحزب والدولة في العراق ستصب في مصلحته فإذا بإبداعات القادة الواقعين تحت حالة الأسر أو الاختطاف، تحت ظل جناح الرئيس صدام حسين الثائر الأكبر، تحول قيادة الاحتلال في البيت الأبيض إلى أسرى ومطاردين ومتَّهمين بأنهم وفَّروا للمقاومة خندقاً إعلامياً لم يكونوا ليحلموا به. وكثرة النعوش الوافدة من العراق دفعت بأمهات وآباء الجنود الأميركيين إلى الصراخ في أُذُنيْ جورج بوش وإدارته، وبذلك أضافوا عبئاً جديداً دخل منازلهم وغرف نومهم. أوَ لا يصب قانون منع التظاهرت الشعبية في أثناء تشييع جثث الجنود الأميركيين المقتولين في العراق في رؤية المأزق الداخلي لإدارة جورج بوش؟
فالمشهد العراقي في شهر أيار شهد تصاعداً في وتيرة حالة الاعتراض الأميركية الداخلية ضد إدارة جورج بوش، وهي الحالة التي أشرنا إليها في العدد السابق من (طليعة لبنان الواحد) واعتبرناه بداية تحول نوعي، فهي تزداد تراكماً على الرغم من أن اجتماع جورج بوش وطوني بلير، في الأسبوع الأخير من شهر أيار المنصرم، لم يُنتج إلاَّ المزيد من التصريحات العنترية بقرب القضاء على المقاومة العراقية من جهة، و إلاَّ التغني بكبر الإنجازات الديموقراطية بولادة حكومة نوري المالكي من جهة أخرى.
جاءت تصريحات المأزوميْن معاً لتصب في استراتيجية الخروج الذي لا يوحي بهزيمة معلنة لمشروع احتلالهما للعراق، و على الرغم من الابتسامات المصنَّعة في مكاتب علماء نفس المخابرات الأميركية لتخفي وراءها حدة الأزمات المتفاقمة، والتي تزداد أزمة وراء أزمة. فإذا كان الناخب البريطاني قد حسم أمره في الانتخابات البلدية السابقة، فإن طوني بلير يسعى من أجل إيقاف حالة التراجع التي يعاني منها حزب العمال الذي يتزعمه، وظهر الأمر جلياً أن أسباب التساقط كانت تعود إلى تأثير مغامرة طوني بلير في احتلال العراق، ويبدو الأمر واضحاً في أنه لا يعني ما قام بالتصريح به من منبر جورج بوش، وإنما الذي يعنيه ولا يجرؤ على التصريح به، هو برمجة غير معلنة للانسحاب من العراق. وسواءٌ أأشاد طوني بلير أم جورج بوش بولادة الحكومة العراقية العميلة فالسبب يعود إلى أنهما في عجلة من أمرهما لتسليمها أمناً لم يستطيعا توفيره تحت حراب مئات الألوف من جنودهما ومرتزقتهما وعملائهما. وهذا لا يعني إلاَّ أن الانسحاب أصبح في متناول اليد. ولكنهما في الوقت ذاته ينتظران فرصة سحرية قد توفِّر لهما مكتسبات خسراها بحماقتهما وغرورهما كان للمقاومة الوطنية العراقية فضل تكسير غرورهما ليدفعهما إلى رؤية حماقتهما بوضوح.
أما الفرصة السحرية التي ينتظرها المأفونان الغبيان، وهي مصطلحات يستخدمها معارضو الاحتلال الأميركيون والبريطانيون، فتظهر في محاولتهما تأجيج الفتنة الطائفية والعرقية، بمساعدة عملاء إيران من أجهزة مخابرات وميليشيات تمتهن القتل والتخريب.
كما يستغفلان ما تُسمى بأجهزة الأمن العراقية، تشكيلات الشرطة والحرس الوطني، يستخدمها جيش الاحتلال كدروع بشرية ليسقط منهم العشرات كل يوم، لشن حملات عسكرية تتصف بالوحشية الحيوانية بارتكاب مجازر لم تستطع قيادة الاحتلال ولا إدارة جورج بوش إلاَّ الاعتراف بها، كمثل ما حصل في اللطيفية وما يحصل في الموصل والأعظمية وسامراء والفلوجة والرمادي...
لكن عمليات الوحوش بدلاً من ترهيب المواطنين فإنها تزيد من أعداد المقاتلين وتزيدهم شراسة وإيماناً في قتال العدو وعملائه.
لقد شهد شهر أيار عنفاً في بعض المحافظات والمدن والقرى شبيهاً بما جرى في الفلوجة والقائم وسامراء، وهي تمثل عمليات اليائس أو كما نسميها «الخرطوشة الأخيرة في جعبة الصياد» الذي رجع فاشلاً من رحلة صيد. كما أنه على الرغم من العذابات والشقاء التي يعاني منه الشعب العراقي إلاَّ أنه أثبت أنه مستمر في مواجهة الاحتلال ومصمم عليها، مدفوعاً بوعي كامل بأنه لن يخسر إلاَّ الديموقراطية الأميركية التي أمست تثير اشمئزاز مادلين أولبرايت، وسخط فوكوياما، واحتقار نعوم تشومشسكي، وتثير حفيظة أصحاب الضمائر الحية من الأميركيين.
من أهم المتغيرات التي برزت بوضوح في المرحلة السابقة هي تلك الغضبة الشعبية التي تتنامى في البصرة، ومن تابع عيون أهاليها وقبضاتهم وتفرَّس في وجوههم وهم يحرقون آليات طوني بلير العسكرية لعرف أن غضبة البصراويين لن تهدأ ولن يناموا على ضيم الاحتلال. وما تصاعد وتيرة العمليات العسكرية في مناطق جنوب العراق إلاَّ دليل واضح على أن العراقيين لن يتركوا قريباً أو بعيداً يهنأ بوضع قدم على أرض العراق ويكون مطمئناً إلى أنها لن تُبتَر.
إن ما يحصل في البصرة اليوم، سواءٌ أكان موجهاً إلى قوات الاحتلال البريطاني، أم ما يحصل من صراعات بعضها يدور بين ميليشيات الترهيب والسرقة والنهب، أم من حالات اعتراض لوجود الاحتلال وميليشياته، ينبئ بوصول حالة النقمة الشعبية إلى مستوى متقدم ينذر بتحريك المقاومة ضد الاحتلال وعملائه بوتائر أسرع تكون أكثر إيذاء للاحتلال والمتواطئين معه. كما لا بدَّ من الإشارة إلى أن حكومة ومؤسسات تقوم على المحاصصات الطائفية والعرقية تحمل تناقضاتها في ذاتها، وتلك من العوامل التي ستساعد في انهيار كل ما بناه الاحتلال من مؤسسات يتوهم أنها ستحميه وهو الذي أصبح عاجزاً عن حماية نفسه.
إن دفتر محاسبة الاحتلال أصبح أكبر من أن تستطيع حاسبات البيت الأبيض من تدقيقها فهي مليئة بالديون الوفيرة وهو الذي كان مزمعاً على الاستفراد بالعراق وثرواته.
وبإحصاء ما يمكن أن يجنيه من غلال احتلال كان مرهقاً له، تحولت إلى أغلال في عنقه.
فويل له لأنه سيدفع للنظام الإيراني حصته،
وويل له فاتورة دول مجلس الأمن الدولي الموعودين بحصصهم نتيجة تواطؤهم في إنقاذه بالقرارات التي صدَّروها.
وويل له فاتورة عملائه الذين لن يرضوا بعد بالفتات الذي كان محسوباً لهم أن يقتاتوا به.
وويل له من غضبة شعوبه التي استفاقت على كارثة بشرية واقتصادية،
وويل له من ثورة دول أميركا اللاتينية، وما ستفرزه من تداعيات مأساوية ستحترق بها أصابعه عندما تستفيق شعوب دول العالم الثالث لترى الفيل الأميركي قد تحوَّل فأراً هزيمته ممكنة.
فإذا كان الفيل الأميركي قد ناء تحت ثقل أحمال المقاومة الوطنية العراقية وحدها، فكيف به وقد اكتمل تكوين المقاومة الأفغانية، وراحت تؤتى أُكُلها. تلك مصيبة كبرى أصيب بها الإمبراطور الأميركي خاصة وأن الشعب الأفغاني نزل إلى الشارع يرفد مقاومته ويدعمها.
إن أمام جورج بوش وطوني بلير مجلدات من جرائم الحرب التي ارتكباها، وهما معروضان لبيعهما إلى المحاكم الجنائية الدولية كتعويض للشعوب الكثيرة التي تعرضت لعدوانيتهما. ولن يكن عرضهما بالأغلال أمام المحاكم الدولية إلاَّ الثمن الأصغر لكي تستعيد الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة هيبتهما حتى أمام الراكعين في بلاطهما. وسيكون التعويض الأصغر أمام الشعوب التي تعرَّضت لاضطهادهما لكي تعود الثقة بين تلك الشعوب والشعبين البريطاني والأميركي.
المحكمة العراقية المهزلة
بالإضافة إلى تعرية الاحتلال وعملائه حتى من أوراق التوت التي كانت تستر جرائمهم، وهي أكثر من أن تحصى، تبرهن القيادة الوطنية للعراق المأسورة / المخطوفة، أنها كانت جديرة بالحكم، إذ أنها كم تبدو رائعة في مواقفها التي تتحدى الاحتلال وعملائه. وكم تبدو متماسكة وواعية لمهماتها، وشجاعة أقله أنها لا تفكر بمصيرها الشخصي لأنها ربطت مصيرها بمصير أمتها وقضاياها العادلة.
كل جلسة تمر، وأصبح عددها حتى الآن ثلاثين جلسة، أي ثلاثين وقفة تتميز بالعز والجرأة والشجاعة جعلت حتى المعادين أو المضللين يعترفون بها، ويعلنون إعجابهم بأنموذج من القيادات لم يعرفوها عند القيادات الأخرى.
تميَّزت جلسات الأسبوع الأخير من شهر أيار بأكثر من ظاهرة تدعو إلى الاعجاب والاحترام، ومن أكثرها تميزاً الدفاع الجريء والواعي والمتماسك الذي عرضه الرفيق طارق عزيز، ذلك الرجل الذي لم يفقد ذرة من شخصيته المعروفة على الرغم من عذابات السجن والمرض.
كما أن الفصل المميز هو ذلك الدفاع الذي أدَّاه شاهدان غير علنيين من الدجيل في الجلسة الرقم (30):
الأول: وقد أثبت أن ثلاثة وعشرين من الذين زعم الادعاء العام (الموسوي) أنهم أُعدموا، لا يزالون أحياء يًرزقون. ونفى أن يكون أحد من الذين أعدموا لم يتجاوز السن القانونية. والأكثر إثارة انه شاهد المدعي العام جعفر الموسوي واقفا مع شهود الاثبات الاول والثاني والثالث في مركز شباب الدجيل اقيم فيه احتفال ومعرض صور بالمناسبة (ذكرى الاغتيال) وانه كان قريبا منهم وسمع نص الكلام واحدهم يقول: اخوي اخوي نشد حزام على حزام ونخلص من صدام حسين ونحاول اعدامه لأنه اذا بقي يظل سرطانا على الامة العربية والعراق واخواننا في ايران يقولون اصرفوا ولا تقصرون من الدينار الى المليار وانا عندي جماعة .. خبراء في تزوير الوثائق وتعبر على اكبر خبراء العالم .
ويوضح احد المحامين ان القرص المدمج الذي رفضت المحكمة عرضه يتضمن فيلما عن هذه الحفلة وفيها الموسوي مع شهود الزور. وهناك صور ايضا قدمت للمحكمة .
أما الثاني: وأهمية شهادته أنه قال: بعد حوالي شهرين وبعد اربعة ايام من بدء عملية تجريف الاراضي اعتقله رجال الأمن وارسلوه الى الامن العامة في بغداد حيث بقي سبعة ايام وكان معه آخرون من الدجيل وقد اخذوه مع حوالي 20 منهم الى الطبابة العدلية لتقدير اعمارهم ، فمن وجدوه صغيرا اطلق سراحه ومن وجدوه بالغا استبقوه. ومثل سابقه تحدث عن الأحياء من اهل الدجيل الذي ادعت المحكمة انهم اعدموا وذكر بعض الاسماء. ثم تحدث عن حفلة مركز الشباب في الدجيل التي حضرها المدعي العام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق