إذا قال بوش
بأن »رامسفيلد يقوم بعمله بشكل رائع« فصدِّقوه
11/ 5/ 2004م
يقول الأميركيون –على أعلى المستويات وأدناها- أن جورج بوش يمارس العادة السرية في الكذب والخداع. لقد ظلم الأميركيون رئيسهم، عندما وجهوا إليه تلك الاتهامات. أما نحن فنرى أن بوش صادق وأكثر من صادق. والذين يطلبون منه أن يُصدِقهم القول فهم لا يعرفون أن بوش ينفِّذ مشروعاً، وهو ينفذه بمنتهى الدقة والأمانة والمصداقية. وكل من ينفِّذ مشروعاً آمن به فهو صادق وليس كاذباً.
من أهم أعمدة المشروع الذي يشارك فيه جورج بوش، هم دونالد رامسفيلد كوندوليزا رايس وبول وولفوويتز، ومنذ أيام يقوم كل منهم بتمثيل الدور المندوب إليه ويقوم بتنفيذه. والتمثيل يتم على مسرح سجن أبو غريب يقوم الجنود الأميركيون، بتنفيذ أوامر ضباط في السي آي إيه، بتحويل حياة السجناء العراقيين والسجينات العراقيات إلى جحيم قبل استدعائهم للتحقيق. وضباط السي آي إيه يتلقون أوامرهم من زمرة إعداد المشروع الأميركي في احتلال العراق، وهم المذكورة أسماؤهم أعلاه. والجميع مرتبطون وموكل إليهم المشروع التالي، وبالوسائل التالية:
فلسفة المشروع قائمة على فكرة الصراع والحرب: »صراع الحضارات«، و»حرب الأفكار«، و»معركة هرمجدون بين محور الخير ومحور الشر«... ومن أهم مظاهره الإعلامية أو العسكرية، هي تلك المصطلحات التي كانت سائدة قبل العدوان، وأثناء الحرب، وبعد الاحتلال، ومن أمثلة ذلك: »لقد نفذ صبر الإدارة«، استخدام وسيلة »الصدمة والرعب«، والعمليات العسكرية التي تأخذ أسماءها من مصطلحات إرهابية كمثل »عقرب الصحراء«, »أفعى الصحراء«، و»المطرقة الحديدية«، و… وأدوات التنفيذ مجموعات من المرتزقة ال»بدون قضية وطنية« وكل قضيتهم أنهم يقبضون رواتب مميزة، وموعودن بحمل هوية »الجنة الأميركية«، وجنود أميركيون ومجندات أميركيات يتصفون أو يتَّصفن بالشواذ الجنسي والسادية (والدليل على ذلك رؤية مجندة أنثى تدخن سيكارتها بأعصاب باردة وبسمة لا تدل على أنها سوية أمام مناظر أسرى عراقيين عراة بالكامل، ويظهر أن بعضهم قد أجبر ليظهر بمظهر الذي يمارس اللواط مع زملائه…).
أما فلسفة المشروع الأميركي فقد قامت على ما يلي:
-صنعت النخبة الاقتصادية الأميركية إيديولوجيتها الخاصة القائمة على قاعدة »البقاء للأقوى« داخل مجتمعاتها، وراحت تعمل على تصديرها إلى خارج الولايات المتحدة الأميركية.
-ووضع لويس باول الأساس الفكري لما سُمِّي ب»حرب الأفكار« في أوائل السبعينيات، ومضمونها القضاء على كل الأفكار التي تهدد الإيديولوجيا الرأسمالية، فلاقت رواجاً عند وليام كورز الأميركي، الذي أسس مراكز للأبحاث تروِّج لتلك الإيديولوجيا. وكورز هو من المتطرفين الذين ينظرون باحتقار وازدراء تجاه العمال وعلى رأسهم الأميركيين السود، وقد وصف أجداده وأجدادهم قائلاً: »إحدى أفضل الأشياء التي قام بها تجار العبيد بحقكم هي جرّ أجدادكم المكبلين حتى وصلوا بهم إلى هنا«.
-يترأس (ديك تشيني) نائب الرئيس بوش، مجموعة من اليمينيين المتطرفين، وهم يُعرَفون ب(الشتراوسيين)، وتقوم فلسفة (شتراوس) على القيام بحروب موجَّهة ضد الحضارة الإنسانية لبناء حكومة عالمية تتَّصف بالقسوة والإرهاب.
تؤكد مضامين فلسفة المشروع الأميركي على أنها خالية من أية مضامين إنسانية أو أخلاقية في فرض نفسها على طبقات المجتمع الأميركي التي هي دون طبقة النخب الاقتصادية الكبرى. وهي مليئة بالدعوات إلى استخدام القوة بشتى أنواعها، فهي –بلا شك- ستكون عقيدة ملزمة للمؤمنين بها:
-بدءًا من الذين سينفذون مضامينها ابتداءً من الإدارة السياسية العليا (بوش تشيني ورامسفيلد…).
-مروراً بالحلقة الوسيطة (جهاز السي آي إيه، وكبار الضباط في القيادات العليا).
-وصولاً إلى العصا الغليظة الميدانية (صغار الضباط والرتب والجنود والمجندات).
وانسجاماً مع هذا الترتيب الهرمي لمنفذي المشروع نستطيع تفسير وقائع تنفيذ الجرائم بحق الأسرى العراقيين والأسيرات العراقيات في سجن أبي غريب وغيره من السجون.
اعترفت رئيسة سجن أبي غريب، معطوفة على اعترافات الجنود الأميركيين، أن صغار الضباط في السي آي إيه كانوا يصدرون الأوامر لصغار الرتب والمجندين بأن يحولوا حياة الأسرى إلى جحيم. وإذا كنا لا نشك بسادية أولئك المكلفين بالتحقيق والإشراف الإداري والحراس، فهم لا يمكن أن يرتكبوا جرائمهم طوال أشهر امتدت منذ شهر أيار/ مايو من العام 2003م إلى أواسط نيسان من العام 2004م من دون أن تتغير إلى أن كشفتها ضمائر بعض المجندين الذين لم تستطع ضمائرهم أن تتحمل ما كانت ترى عيونهم، وفي أسوأ الحالات سرَّبها متعاطفون مع المعارضة الأميركية لأغراض انتخابية. وكرَّت السبحة بعد أن دق أول ضمير مجند جرس الإنذار، والحكاية والصور أصبحت في متناول جميع البشر.
ولما استوفت مرحلة الترتيب الهرمي الدنيا شروطها أخذت تنتقل المسؤولية إلى المراتب الأخرى، وهنا ابتدأ دور وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، الذي –متحملاً كل المسؤولية (حسب تصريحه)- أعلن أسفه وقدَّم اعتذاره تحت الضغط الشديد الذي تعرَّضت له الإدارة الأميركية من جراء وقوع أكبر جرائم العصر تحت مسؤوليتها. وقد تبيَّن –بعد اعتذار رامسفيلد وتحمله المسؤولية عن تلك الجرائم- أن الأدوار بين رؤوس الإدارة كانت منسَّقة على طريقة التنظيمات المافياوية. تلك الطريقة تقوم بأن يتحمل أحد أعضاء المافيا مسؤوليته عن الجريمة –بالنيابة عن الجميع- على قاعدة وعده بأن المافيا تضع كل ثقلها في سبيل الحصول على براءته.
وما أن مثَّل رامسفيلد دوره بناءً لطلب الإدارة حتى جاء دور أعضاء المافيا الآخرين على الشكل التالي:
-لم يرفض جورج بوش أن يُقيل رامسفيلد من منصبه في وزارة الدفاع فحسب، وإنما أعطاه شهادة حسن سلوك نصها: »إن دونالد رامسفيلد قام بعمله بشكل رائع« أيضاً.
-راح كل من كوندوليزا رايس (مستشارة الأمن القومي)، وبول وولفوويتز (نائب وزير الدفاع)، يروِّجان أن دونالد رامسفيلد هو »أعظم وزير دفاع في تاريخ أميركا«.
مما تقدَّم تكون مافيا »إدارة بوش« قد أتقنت أصول التمثيلية وإذا بعد عدة أيام تكون أكبر جرائم العصر قد أعلنت براءة المافيا المجرمة براءة نفسها بنفسها من على مسرح البيت الأبيض.
وبعد تلك الإيضاحات من يستطيع أن يقول إن جورج بوش كاذب؟
ليس جورج بوش كاذباً بل هو صادق ألف مرة. وقد تمر خدعة »شخصنة « المشروع الأميركي الخبيث على البسطاء، أي أنه يمكن تقديم شخص واحد أو عدة أشخاص كفدية من أجل إنقاذ المشروع، وكان من الممكن أن يتم تقديم رامسفيلد كفدية. وهو على الرغم من أنه أقسم، مع غيره من إدارة مافيا البيت الأبيض، على أنه قد يضحي بنفسه من أجل سلامة المشروع، فقد يكون قد أصابه الضعف في اللحظة الأخيرة من أن يفقد مجداً خطط له منذ سنوات مديدة، فرأى أن سلامته الشخصية أصبحت تواجه خطورة كبيرة، وهذا ما دفع برامسفيلد إلى تمثيل دور الفدية على شرط أن لا تكون جدية، فنال وعداً سرياً بالعمل على الحصول على براءته وإلا فإنه لن يلتزم بتوقيعه لأنه يكون قد هدد بأن »من بعده الطوفان« أو »عليَّ وعلى (أصدقائي) يا رب«.
ولما انتهى رامسفيلد من تنفيذ شق الاتفاق من جانبه، بادر جورج بوش، ومن بعده كوندوليزا رايس وبول وولفوويتز، إلى تنفيذ شق الاتفاق المتعلق بهم، وهو العمل من أجل إعلان براءة رامسفيلد. لكل هذا كان جورج بوش صادقاً عندما أعلن أن »رامسفيلد قام بعمله بشكل رائع« لأنه لو لم يأمر بارتكاب تلك الجرائم لكان »مرتداً« عن إيديولوجيا المشروع الأم القائم بحد ذاته على الحرب والوحشية والإرهاب.
وعلى العالم أن لا ينخدع أبداً بأن ينشغل بمتابعة محاكمات صغار الجنود والضباط، ويعتبر أن القضية تقف عند تلك الحدود، لأن إدارة مافيا الإدارة الأميركية تكون قد استبدلت وحوشاً بوحوش آخرين، تلبية لموجبات تنفيذ المشروع الخبيث. وإلى أن تكتشف وسائل الإعلام، أو تلتقط بعض الضمائر الفردية، جرائم أخرى قد تكون نتيجة استمرار أسلوب القسوة وتحويل حياة العراقيين إلى جحيم هي السياسة التي ستغطيها حملة مواكبة المحاكمات، التي بشِّرت الإدارة أنها ستستهلك وقتاً طويلاً لتُعرَف نتائجها.
أليس هذا واضحاً من الجرائم الكبرى التي ترتكبها قوات الاحتلال في النجف والكوفة وكربلاء؟؟!! وهي تتم وتتابع مساراتها الوحشية تحت دخان تصريح تلاوة فعل الندامة من قبل رامسفيلد، وتصريحات بوش، ومعه كل إدارة المشروع الأميركي الخبيث، من أجل تسليم رامسفيلد صك البراءة.
ومن بعد أن تصل الإدارة كلها إلى شاطئ السلامة، يعمل مسؤولوها متكاتفين متضامنين، من أجل أن يكون بعض صغار الوحوش المنفذين فدية عن أسيادهم، وهو ما تخطط له الإدارة الأميركية لامتصاص النقمة عليها في داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها.
لن نعفي طوني بلير من المسؤولية إذا لم نذكره في كل مرة نتوجه فيه إلى كشف جرائم الإدارة الأميركية، لأننا عندما نكشف مسؤولية رأس الأفعى نكون قد كشفنا مسؤولية ذنبها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق