فتشوا عن المشهد العراقي في شوارع أميركا ومؤسساتها الرسمية والأهلية:
يا جماهير شعب الولايات المتحدة الأميركية،
اتحدوا وانقلبوا على لصوص إدارتكم الرأسمالية
25/ 11/ 2007
انتشرت ظاهرة جديدة في متابعة ما يجري في العراق ومعرفة ما يدور هناك، وتتلخص في تساؤل الكثيرين وأسئلتهم عما إذا كان هناك أخباراً جديدة عن العراق، لكن الظاهرة الجديدة ليست في السؤال وإنما في الجواب، فالسؤال هو هو منذ بداية الاحتلال ولا غرابة فيه سواءٌ أكان ماثلاً لدى من يتعاطف مع محنة هذا البلد العربي، أم كان ماثلاً لدى من يكن العداء له. وإنما الغرابة هي في الحيرة التي يقع فيها من يريد أن يجيب عليه.
غالباً ما نسمع الجواب أنه لا جديد هناك، فالأوضاع هي ما هي عليه منذ انطلاقة المقاومة الوطنية العراقية حتى الآن، ولكن الجواب تجده فيما يجري في شوارع الولايات المتحدة الأميركية وكواليسها السياسية والعسكرية ومنتدياتها الفكرية والصحفية، ومن يريد أن يعرف ما يجري في العراق عليه أن يعرف ما يجري في أميركا. ولكن ذلك لا يشبع فضول السائل وإن كانت هذه هي حقيقة الوقائع على الأرض. فهل هذا منطقي ومقنع؟
لقد بدأت عمليات المواجهة في العراق بعد الاحتلال حسب ثنائية (المقاومة والاحتلال)، فأوفى طرف المقاومة الكيل والميزان، وقام بتعديل موازين القوى بين المتصارعين لصالح المقاومة، فتناقصت موازين الاحتلال وأصابها الضعف والوهن.
واختلال المعادلة بين ثنائية (المقاومة والاحتلال)، قاد إلى اختلال في العلاقة بين شعب الولايات المتحدة الأميركية وإدارتها الحاكمة. وكان السبب في ذلك انكشاف خطة الإدارة الأميركية وكذبها أمام الشعب الذي تحكمه بفعل عاملين:
-صعوبة، بل استحالة، فرض السيطرة الأمنية والسياسية في العراق كشرط لازم لنجاح استراتيجية الاحتلال في استغلال ثروات العراق وسرقتها، وتمويل نفقات الاحتلال من عائداتها.
-صعوبة المحافظة على حياة جنود الاحتلال، كأهم عامل من عوامل استقراره.
تضافرت تداعيات المحافظة على هذين العاملين ووضعت الإدارة أمام امتحان عسير، فهي لم تحصل على أية مكتسبات اقتصادية كما وعدت الشعب الأميركي الحالم بالسيطرة على ثروات العراق النفطية، وأرغمت المواطن الأميركي على الدفع من جيبه، ما يعادل العشرين ألف دولار حتى الآن. وستزداد الفاتورة وتتضاعف كلما طال أمد الاحتلال، خاصة وأن تقريراً نشره النواب الديمقراطيون بمجلس الشيوخ الأمريكي، أكد أن الحرب في العراق ألحقت ضرراً أكبر بالاقتصاد الأمريكي بالمساعدة في رفع أسعار النفط العالمية.
وهي لم تستطع أن تحافظ على حياة جنودها بحيث يُطمَر كل يوم، حسب إحصاءات البنتاغون، على كذبها، ثلاثة جنود عائدين جثثاً من العراق، وتستقبل المؤسسات الصحية، البدنية والنفسية، حسب إحصائيات البنتاغون أيضاً، ثمانية عشر جندياً كل يوم، عائدين إلى بلادهم فاقدي البصر أو الأرجل أو الأيدي... أوفاقدي الأهلية النفسية، والسوية العقلية.
ولما كانت المقاومة الوطنية العراقية مستمرة في أدائها، وعلى فرضية بقائه على وتيرته منذ انطلاقتها. ولما كان العامليْن لا يزالان مستمرين بفعل هذا المستوى من الأداء، الذي تثبت الوقائع ارتفاع منسوبه. فإن أي شيء لم يتغيَّر في معادلة ثنائية ( الاحتلال والمقاومة). وبالنتيجة فإن منسوب كذب الإدارة الأميركية يزيد من كشفه على حقيقته، ويزداد يقين الشعب الأميركي بحقيقة الكذب الذي تمارسه الإدارة السياسية والعسكرية على شعبها.
ومن هنا، لا نرى شيئاً غريباً إذا كان الجواب أن لا شيء جديد على الساحة العراقية، فحقيقة واقع الخلل بموازين القوى الراجح الكفة لصالح المقاومة الوطنية العراقية هو هو لم يتغيَّر منذ بداية انطلاقتها، فتراكم أدائها النوعي أدى إلى إفراز معادلة جديدة تقوم على قاعدة نقل المواجهة إلى شوارع المدن الأميركية وكواليسها السياسية والعسكرية والفكرية والصحافية. ونرمز إليها بالثنائية التالية: (المواجهة بين الأميركيين الرافضين لاحتلال العراق، وبين إدارتهم السياسية والعسكرية). واستتباعاً يمكننا القول: إذا أردت أن تعرف ما يجري في العراق اليوم، عليك أن تعرف ماذا يجري في الولايات المتحدة الأميركية. وما يجري هناك من مواجهات ترتفع أحياناً وتنخفض أحياناً أخرى، إلاَّ أن جمرها لن يخبو أو ينطفئ إلاَّ بإنقاذ الأرواح وتوفير الأموال.
في الولايات المتحدة الأميركية الآن شارعان: شارع يدعو إلى الانسحاب من العراق وهو الأقوى لأنه يمثل نسبة لا تقل عن الـ 70%، وشارع يدعو إلى إعطاء المزيد من الفرص لإدارة المحافظين الجدد من أجل تحقيق النصر الموهوم، وهو الشارع الأضعف لأنه لا يمثل أكثر من الـ 30%.
وفي داخل المؤسسات السياسية تياران: تيار الحزب الديموقراطي ويمثَّل الأكثرية المطلقة وهو يدفع باتجاه جدولة الانسحاب، إلاَّ أن تلك الأكثرية لم تصل إلى حدود الحصول على عدد يُلزم رئيس المحافظين الجدد بمشروعها. وتيار المحافظين الجدد في الحزب الجمهوري الذي يلعب دوراً دفاعياً سلبياً في منع تمرير أي مشروع للديموقراطيين.
يتميز التيار الشعبي الأميركي، الداعي للانسحاب من العراق، بأنه هو الذي يدفع من أرواح أبنائه وجيوب مكلَّفيه، وحول ذلك قالت مديرة مركز الإشراف الاجتماعي للأبحاث حول المنظمة العسكرية بجامعة ميرلاند الدكتورة (مادي سيجل): إن «ثمة عدة أبحاث تشير إلى أنه كلما طالت مدة الخدمة ازدادت مهمة الجنود وعائلاتهم صعوبة في التأقلم». ولذلك فهو صادق بمواقفه طالما أنه هو الذي يدفع فاتورة الحرب، ولا يمكن منع تحييده وحذف تأثيره إلاَّ باستمرار تدفيعه الثمن الذي من أجله انتفض على إدارة المحافظين الجدد وطالبها، ويطالبها، بالانسحاب من العراق. أما التيار المؤسساتي الرافض، وهو تيار الحزب الديموقراطى، فاستمرار ثباته على مواقفه مرهون بثبات التيار الشعبي الذي انتخبه على وقع طبول المطالبة بالانسحاب من العراق. وثبات موقف كل منهما مرهون بثبات أداء المقاومة الوطنية العراقية.
أما التيار المساند لإدارة المحافظين الجدد، فيتميَّز بأنه يشكل النخبة الرأسمالية، ومن خدامها أيضاً، المستفيدة من غنائم الحرب. وتيار الصهيونية العالمية المستفيدة اقتصادياً من خيرات العراق، والمستفيدة أيديولوجياً من تدمير معالمه الحضارية استجابة لشعارها الإيديولوجي القائل بنظرية «شعب الله المختار» الذي عليه أن يمدد دولته «من النيل إلى الفرات». ومن المعروف أن هذا التيار هو الذي يقبض كل شيء، ولا يدفع شيئاً من دمه ولا ماله.
تحت دخان الصراع الدائر في شوارع الولايات المتحدة الأميركية، ومؤسساتها الدستورية، وكواليسها الفكرية والصحافية، تشير التقارير المنشورة إلى الوقائع التي من أجل وجودها واستمرارها تنشط المواجهة بين شعب الولايات المتحدة الأميركية وسلطاتها، مع أرجحية في النجاح للحركة الشعبية المناهضة للاحتلال، وهي التالية:
أولاً: التعتيم على الإصابات التي تلحقها المقاومة بجنود الاحتلال
1-انهيار معنويات الجنود يؤدي إلى الانحراف باتجاه المخدرات: وقد اعترف رئيس الأرکان البريطاني الجنرال «ريتشارد دانات»، في تقرير نشرته صحيفة (صنداي تلجراف) بأنه يواجه مشکلة بسبب تراجع معنويات جنوده فى العراق وأفغانستان. وكشفت صحيفة الأندبندنت البريطانية أن العدوان على العراق تسبب في تضاعف وتزايد تعاطي المخدرات بين أفراد الجيش البريطاني ثلاث مرات.
2-الانتحار: أظهرت دراسة، أعدتها شبكة (سي بي أس) الأمريكية، ارتفاعاً ملحوظاً في عمليات الانتحار التي يقدم عليها الجنود العائدون من ساحات القتال في العراق، فيما أطلق علية اسم «فيروس الانتحار». وجاء في الدراسة أن 6200 جندي ومجندة أمريكية، وضعوا حداً لحياتهم في العام 2005 فقط، بعد عودتهم من ساحات القتال في العراق وأفغانستان، بعد ان عانى غالبيتهم من أمراض نفسية، جراء مناظر الحرب وويلاتها.
كما أكَّدت مذكرة مكتوبة بعثها وزير الدفاع البريطاني «بوب آينسوورث» انتحار 17 جندياً بريطانياً بينهم 15 في العراق، وواحد في أفغانستان وآخر خدم في كلا البلدين.
3-الاختلال العقلي: منذ غزو العراق جرح أو أخل عقليا على الأقل 60 ألف جندي أمريكي. وكشفت صحيفة «يو أس أيه توداي» النقاب عن أن 30 ألف جندي ممن لم تصنفهم وزارة الحرب الأمريكية جرحى في المعارك ظهرت لديهم أعراض أضرار في الدماغ، حسب سجلات جمعتها من مؤسسات تابعة للجيش وللمحاربين القدامى.
4-الجرحى: عن دراسة نشرتها محطة التلفزيون الأمريكية «ديموكراسي ناو» تؤكد أن نسبة الجرحى إلى القتلى، في العراق، هي 8 إلى 1، مقارنة بـ 3 إلى 1 أثناء حرب فيتنام، و 2 إلى 1 للحرب العالمية الثانية. أما النسبة المئوية لمبتوري الأعضاء فهي الأعلى منذ الحرب الأهلية.
5-الفارون: قالت صحيفة لوس أنجلوس تايمز إن عدد الجنود الأميركيين الفارين من الخدمة بالجيش الأميركي هذا العام زاد بنسبة 80% منذ غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003. وهو ما يعني أن أربعة آلاف و698 جنديا فروا من الخدمة هذا العام, مقارنة بثلاثة آلاف و301 العام الماضي.
لم يكن الهرب هو الملاذ الأخير للجنود، بل طالت لوثة الخوف من الموت الجهاز الديبلوماسي وهذا ما أشارت إليه مجلة تايم الأمريكية التي نشرت مقالاً لتشالرز كريين لخص فيها الأسباب الرئيسة التي تقف وراء عزوف الدبلوماسيين الأمريكيين عن الخدمة في العراق. وجاء هذا المقال تعقيبًا على رفض حوالي 300 دبلوماسي أمريكي العرض الذي قدم لهم لملء 50 وظيفة شاغرة في السفارة الأمريكية في بغداد، ومعظمهم أقر بأن مطالبتهم بالعمل في العراق إنما هو بمنزلة إصدار حكم بالإعدام عليهم.
ثانياً: عن الكذب والخداع الذي يمارسه إعلام إدارة المحافظين الجدد،
كتب «جيري لانسون» في صحيفة كريستيان ساينس مونتور ، بتاريخ 30/ 10/ 2007، مقالاً يستغرب فيه التعتيم الإعلامي على الاحتجاجات المناهضة للحرب العراقية في 11 مدينة رئيسية أمريكية على الأقل مثل بوسطن ونيويورك. مقترحاً على المنظمات الإخبارية القيام بواجبها لتغطية الأخبار، وتوعية العامة حول وجهات النظر المختلفة لأي قضية قومية رئيسية.
ثالثاً: عن الكذب والخداع في إخفاء حقيقة أرقام كلفة الحرب:
قال جوش وايت في مقال في صحيفة واشنطن بوست إن دراسة جديدة للديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي خلصت إلى أن «التكاليف المستترة» رفعت تكلفة الحرب في العراق وأفغانستان إلى نحو 1.5 تريليون دولار. وأن هذا الرقم يقارب ضعف مبلغ 804 مليارات دولار الذي أنفقه البيت الأبيض.
هذا، وقد حذر تقرير، نشره النواب الديمقراطيون بمجلس الشيوخ الأمريكي، من أن الكلفة الفعلية للعمليات العسكرية في العراق وأفغانستان قد تصل إلى 3500 مليار دولار بحلول العام 2017.
أما عن تفسير لـ«لنفقات المستترة» فأشار التقرير الذي أجرته منظمة «أطباء من أجل مسؤولية اجتماعية»، وبرعاية السيناتور الديمقراطية باتي موراي، إلى أن التكلفة المالية للرعاية الصحية ورعاية الإعاقات بين الجنود الأمريكيين، الذين شاركوا في الحرب، سوف تتجاوز التكلفة التي تم تخصيصها للعمليات القتالية في العراق، وستتجاوز 650 بليون دولار. وقال التقرير إن الصدمة العقلية والاجتماعية من حرب العراق سوف تظل مع الجنود الأمريكيين الجرحى طوال حياتهم. ولهذا قال السناتور هاري ريد زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ «كل دولار ينفق في العراق يأتي على حساب الشعب في أميركا».
رابعاً: فساد رؤوس إدارة المحافظين الجدد ينعكس فساداً بين المسؤولين الأميركيين عن الاحتلال في العراق:
وعن ذلك أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن المسئولين الأمريكيين أوكلوا إلى رجل أعمال عراقي مهمة توزيع الأسلحة على طلاب الشرطة العراقية، إلاَّ أنها ذهبت باتجاهات أخرى واختفت، وأخذت طريقها للبيع.
وبذلك أسست إدارة الاحتلال لمبدأ «أسرق ودعني أسرق معك»، وهذا ما كشفته ما تسمى بهيئة النزاهة العراقية عن المزيد من قضايا الفساد الحكومية, حيث أعلنت أن 17 ألف اسم وهمي يستلمون رواتب شهرية من مؤسسات الدولة، كما أعلنت الهيئة عن فقدان ملفات تتعلق بالفساد . وكان قد تم اتهام على راضي الراضي رئيس لجنة النزاهة الوطنية في العراق السابق بالفساد واختلاس أموال الدولة وشراء عقارات وبيع أخرى لا تخصه.
وللمزيد من تطبيق المبدأ، حددت الحكومة العراقية الموالية للاحتلال الأمريكي سعر النفط للمشترين في الولايات المتحدة عند سعر خام غرب تكساس الوسيط ناقصا 13.05 دولار للبرميل.
خامساً: أوهام إدارة المحافظين الجدد بتحقيق «النصر الموعود»:
1- الإدارة تعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مصالح أميركية في العراق، وعن ذلك علقت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» على عزم بوش على اتخاذ كوريا الجنوبية نموذجاً لإبقاء 35 ألفاً من جنوده في العراق لعقد من الزمن. لذا تبني الإدارة شبكة من القواعد العسكرية في العالم، أرضية وبحرية وجوية وتجسسية ومخابراتية، تقدر بحوالي سبعمائة أو ثمانمائة قاعدة تكلف الولايات المتحدة سنويا مئات المليارات، من ضمنها عشرين قاعدة في العراق تكلفت 1،1 مليار دولار.
أما عن القواعد في العراق، فأشارت صحيفة دايلي تليجراف البريطانية، إلى أن الجيش الأمريكي بدأ في بناء قاعدة أمنية دائمة في مياه الخليج قرب الأرصفة الخاصة بضخ البترول العراقي لحماية الثروة الإستراتيجية البترولية. وسيطلق عليها مركز العمليات التكتيكية.
أمام هذه الشبكة العريضة من القواعد العسكرية يرى الكثيرون أنها تشكل انتهاكا لسيادة دولهم، لذا زادت حركات المقاومة والمنظمات المدنية الداعية لتفكيك القواعد الأمريكية في معظم دول العالم. وهي تسعي إلى إطلاق حملات توعية تعليمية تثقيفية لشرح خطورتها على الأمن العالمي.
2-الأمر المضحك أن رئيساً خالٍ من الثقة سيصنع النصر لبلاده: وهذا ما أشارت إليه صحيفة الإندبندنت التي شبَّهت خطورة (جورج بوش) على العالم بخطورة (أسامة بن لادن)، وعن ذلك اعترفت مستشارته الدبلوماسية مداورة بذلك قائلة: إن هذا الوصف أفزعها مع أنها تتهم رئيسها بـ«أنه يعمل بطرق غامضة».
وبحسب وكالة «فرانس برس»، جاء في الاستطلاع الذي أعده مركز دراسات في هارفرد أن أكثر من ثلاثة أرباع الأمريكيين (77%) يعتبرون أن البلاد تعاني من «أزمة زعامة» مقابل 65% قبل عامين. ويعتقد حوالي ثمانية أمريكيين من أصل عشرة (79%) بالمقابل أن الولايات المتحدة على خط انحدار إذا لم يتولَّ شئونها قادة أفضل. بحيث اعتبر مدير المعهد ديفيد جيرجن أن «هذه النتائج يجب أن تدق ناقوس الخطر».
سادساً: النصر الموهوم صناعة سيناركية لتمديد فترة للنهب والسرقة
1-الحرب على العراق واحتلاله ليست ذات دوافع قومية أو وطنية:
من المعروف أن أي شعب يخوض حرباً فإنما تكون دفاعاً عن سيادة وطنية مهدَّدة، أو حماية لثرواتها الطبيعية. فهل للحرب التي خاضتها الولايات المتحدة الأميركية ضد العراق ذات علاقة بالمسألتين؟
لم تكن هذه الحرب شرعية بشتى المقاييس، وقد أثبتت الوقائع ذلك، ونكتفي بشهادة الأميركيين أنفسهم عندما اعتبروا أنها حرب يدفع فيها الشعب الأميركي «الدم مقابل النفط». واستكملوا موقفهم بحركة ضاغطة للانسحاب من العراق.
وعلى الرغم من كل ذلك يرغم رئيس إدارة المحافظين الأميركيين الجدد مجلسيْ الشيوخ والنواب على تمويل حرب خاسرة بكل المقاييس. فما هي أهداف إدارة المحافظين الأميركيين الجدد من استمرارها؟
2-فتشوا عن دوافع الاستمرار في الحرب في كواليس الحركة السيناركية:
حرب خاسرة للأميركيين من دون شك، يدفع فيها الدم والمال بسخاء لا مثيل له، ومن المعروف أن الدم والمال يُقدَّمان بسخاء للدفاع عن السيادة. ولما يعترف الأميركيون أن تلك الحرب ليست وطنية، فهناك عوامل تقف، بدون شك، وراء إصرار السلطة الأميركية الحاكمة على متابعتها والاستمرار فيها. وهذه العبثية التي تمارسها إدارة بوش تدفعنا إلى التفتيش عن تفسيرها من خلال معرفة أسرار ما تُسمى بـ«الحركة السيناركية».
إن تلك الحركة تأسست ونشطت في أثناء الحرب العالمية الثانية، وهي عبارة عن مجموعة من المافيات تعمل على إشعال الحروب من أجل التجارة بسلع الحرب وتحصيل الأرباح الهائلة من عائداتها. وظاهرة ما تُسمى بطبقة تجار الحروب وأغنيائها معروفة ومشهورة. وليست لتلك الطبقة أهداف لها علاقة بمن يخسر أو بمن ينتصر، فتطويل أمد الحرب إذا اندلعت هو الهدف المنشود، فبطول مدة الحرب تكثر الثروات وتتكدَّس.
لقد أثبتت أبحاث بعض المفكرين الأميركيين صحة هذا الواقع، كما أثبتت العلاقة الوثيقة بين إدارة المحافظين الجدد وبين تلك الحركة. وما إصرار إدارتهم السياسية الحالية على متابعة الحرب في العراق على الرغم من أنها تكلف الولايات المتحدة الأميركية مبالغ طائلة، لو حُسبت فإنها تعادل إفلاس مليون مليونير من شعبها، إلاَّ أن تلك التكاليف تذهب إلى جيوب حيتان الرأسمالية في إدارتهم الحالية. وإن البراهين على ذلك كثيرة وكثيرة جداً، ليس أقلها امتلاك صقورها لأكبر الشركات النفطية، وشركات المقاولات، والشركات الأمنية الخاصة. أوَ ليست شركتا هاليبرتون، وباكتل، المملوكة لأولئك الصقور إلاَّ برهاناً على ذلك؟
كل هذا يعني أن مبدأ الربح من اندلاع الحروب هو المرشد الأعلى لتلك الطبقة. كما يعني هذا أن صرف مئات المليارات من الخزانة الأميركية ستمطر في جيوب أولئك الحيتان المصرين على تمويل الحرب في العراق. فالمحافظون الأميركيون السيناركيون الجدد يسرقون، ليس فقط أرواح أبناء وطنهم فحسب، بل يسرقون رغيف الخبز من أفواه أبناء شعبهم أيضاً.
إزاء هذا الواقع، لا حل أمام الشعب الأميركي إلاَّ أن يعملوا على الانقلاب على لصوص الطبقة الرأسمالية الحاكمة التي تتاجر بأرواحهم ولقمة عيشهم، وإحالتهم أمام المحاكم، أو العمل على تأميم ثرواتهم التي سرقوها، ليس من دماء الشعوب الأخرى وثرواتهم فحسب، وإنما من دماء الشعب الأميركي وثرواته أيضاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق