كي لا تتحول القضية العراقية إلى قضية مطلبية وإصلاحية
19/ 10/ 2009
للقضايا ثوابت أساسية تشكل المحور الذي تدور في فلكه المتغيرات، أي الوسائل والخطط، التي تخدم حركتها والمحافظة على جوهرها، فتصبح القضية جرم يضبط إيقاع الوسائل والخطط التي تعمل في خدمتها، وبغير ذلك يختل التوازن في حركة الثوابت والمتغيرات معاً.
قياساً على ذلك، ومن أجل العمل السليم الذي يخدم القضية العراقية، نربط الحركة الإعلامية التي يتم توظيفها في خدمة هذه القضية، بمفهومنا لهذه القضية الآن. فكيف نرى هذا المفهوم وننظر إليه؟
القضية العراقية الآن هي قضية احتلال قبل أي شيء آخر. والوسائل التي يجب توظيفها هي كيف نقاوم الاحتلال؟ الأمر الذي يجعل ثنائية (الاحتلال – المقاومة) ثابتاً تدور في فلكه كل الوسائل والخطط. وما يخرج عنها قد يحوِّل الأنظار عن المفهوم الثابت إلى قضايا ثانوية مما يفسح الطريق لخلل قد يدفع بالثابت إلى دائرة النسيان، وتحل مكانه في ذاكرة الرأي العام تلك الثانويات.
حول ذلك، وللتبسيط أكثر، نعتبر الغرق في تسليط الضوء على كل الجرائم التي يتم ارتكابها على أرض العراق كما لو أنها أخطاء ترتكبها أدوات الاحتلال وعملائه فقط، والغرق في نصحها أو تهديدها بالإقلاع عنها، نكون كمن يدعو إلى تغيير في البنى الحكومية المحلية، أي تتم معالجتها بمجرد استبدال أشخاص الذين يرتكبونها بأشخاص آخرين. ونكون بذلك كمن يتم تجهيل الثابت الأساس، والثابت هنا هو أن ما يحصل كان نتيجة للاحتلال، ولا يمكن العمل على إصلاحه إلاَّ بالقضاء على السبب الرئيسي أولاً ويأتي القضاء على ذيوله نتيجة حتمية، مترافقة أولاحقة.
ذهب محمد بحر العلوم، وأتى ابراهيم الجعفري، وذهب الجعفري وأتى أياد علاوي، وذهب علاوي وجاء نوري المالكي، وقد يذهب المالكي ويأتي آخر لا يختلف عنه إلاَّ بالاسم. ذهبوا جميعاً، وأتوا جميعاً، فكانوا متغيرات يحكمون باسم ثابت واحد لم يأت كما لم يذهب، وهو الاحتلال الأميركي.
ذهب محمد باقر الحكيم وجاء عبد العزيز الحكيم، وذهب عبد العزيز وأتى عمار الحكيم، وظل الثابت الوحيد الذي لم يذهب، لم يتبدل ولم يتغير، وهو الاحتلال الإيراني.
ذهب محسن سليم، وجاء طارق الهاشمي، والذي لم يذهب ولم يأت هو منهج الحزب الإسلامي العراقي.
الاحتلال هو الثابت الوحيد، أما المتغير فهم عملاؤه. وجرائم العملاء لا تقاس بجريمة الاحتلال، فهذه كانت السبب، وتلك كانت النتائج، وللقضاء على النتائج لا يمكن أن يحصل إلاَّ بالقضاء على السبب.
من كل ذلك، نرى أن القضية العراقية ليست قضية مطلبية، بل هي قبل أي شيء آخر قضية تحرر وطني.
ليست قضية مطلبية يمكن معالجتها بتغييرات داخلية، سواءٌ أكان بإصلاح الحكومات، أم كان بإصلاح المؤسسات المدنية والأمنية والعسكرية. وسواءٌ أتمَّ ذلك عبر تغييرات في بنى الأجهزة، أم تمَّ بعملية انتخابية.
بل هي قضية تحرر وطني، لن يتم علاجها إلاَّ بالقضاء على أسبابها، وسببها الوحيد هو الاحتلال.
ولاحتلال العراق وجهان:
-الاحتلال المباشر، ووجهه البارز والحقيقي يظهر في الحلة الأميركية، عبر مئات الآلاف من الجنود النظاميين والمرتزقة، يساعده عملاؤه المباشرين الذين يديرون العملية السياسية والأمنية والعسكرية.
-الاحتلال المقنَّع، ووجهه إيراني، عبر أدوات عراقية محلية تشكل الغطاء العراقي لمئات الآلاف من الإيرانيين المتداخلين تحت ذلك الغطاء.
كل من الاحتلالين الآن، وفي هذه المرحلة بالذات، يعمل على تجهيل دوره بالإيحاء أن القضية العراقية بكل تداعياتها ليست أكثر من شأن داخلي يمكن تصحيحه بعلاجين: أولهما تثبيت التقسيم ثلاثي المظهر (الجنوب – الوسط – الشمال) لمنع الاحتكاك بين الطوائف والأعراق كما يزعمان. وثانيهما الانتخابات التي يوحيان بأن نتائجها ستؤثر على تصحيح كل الأخطاء التي ارتكبت وترتكب في العراق. أي باختصار تحميل الأوزار للعراقيين وتجهيل الأدوار الخارجية. ولهذا يعملان عن طريق الحوار، الذي ليس هو أكثر من شد وجذب شكليين بينهما، للاتفاق على تثبيت سلة من المصالح قبل أن يداهم الاحتلال الأميركي استحقاق الانتخاب، وقبل أن يداهم الاحتلال الإيراني استحقاق صحوة نظامية عربية تربك مخططه وأهدافه.
استناداً إلى ما نحسبه أساسياً في المرحلة الراهنة، ندعو إلى تكثيف الحركة الإعلامية المساندة للمقاومة العراقية تجاه التركيز على الاحتلال بنوعيه لكي لا ينسى المواطن العراقي أن محنته التي يعيشها ليست أكثر من نتيجة لسبب وحيد هو الاحتلال ولن يستفيد من عملية التجميل التي يجري الإعداد لها باعتبار أن المسؤولية تقع على العملاء وحدهم، بينما الاحتلال بنوعيه يلعب دور الحكم بين المتصارعين من العملاء على كسب ثقة العراقيين في صناديق الاقتراع. هذا مع العلم أن كل من ينخرط في هذه العملية لن يحمل هم العراق والعراقيين بل يتسابقون على احتلال المواقع التي توفر لهم الفرصة للإمعان في الجريمة والفساد والسرقة والنهب.
كما أنه على وفق حساباتنا، ندعو العرب الذين إن صحَّ احتمال صحوتهم على وعي مخاطر ما يجري أن يريحوا أنفسهم من التسابق على كسب من هنا أو هناك، ممن يراهنون على أنهم قد يوفرون لهم مرقد عنزة لمصالحهم في العراق، أن مراهناتهم ستكون أكثر من خاسرة، لأنه إذا استتب الأمر لكل من الاحتلالين، كما نستنج مما يجري وراء الكواليس، فإن مصالح بعض العرب المراهنين على نتائج الانتخاب ستكون على حساب تقسيم العراق وتقاسم المصالح فيه للخارج الأميركي والإيراني، ولن يُسمح لهم بالدخول إلى العراق إلاَّ وفق تأشيرة من واشنطن أو تأشيرة من طهران.
ومن هنا نتوجه إلى العراقيين الذين يعيشون في أتون لم تعرف البشرية أكثر منه ظلماً وظلاماً وقسوة، لنقول إن خلاصهم لن يتم من بوابة الإصلاح التي يراهن عليها البعض، بل إن خلاصهم لن يتم إلاَّ من بوابة التحرير، تحرير بلدهم من كل آثار الاحتلال مهما كان شكله ولونه وطعمه، بينما المتسابقون على ما يسمونه إصلاحاً داخلياً، بالانتخابات أم بغيرها، سيبقون الذراع الإجرامية بيد الاحتلال للإمعان بالجريمة والفساد والسرقة ومصادرة السيادة الوطنية.
كما نوجه الأنظار إلى أنه خير للعرب، أنظمة ومجتمعات وطنية، أن يدخلوا إلى العراق من بوابته العربية، فيكونوا إخوة أعزاء مُرحَّباً بهم، من أن يدخلوا إلى العراق من بوابة الأجنبي وتحت مراقبته وإرادته.
فقضية العراق الآن إذن ليست قضية مطلبية إصلاحية، بل هي قضية تحرر وطني، فلتتحد كل البنادق والأقلام من أجل إزالة السبب واجتثاثه، لأنه بغير ذلك سيضيِّع العراقيون والعرب الوقت والفرصة وهما ثمينان في حياة الشعوب والأمم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق