--> -->
المحامي خميس العبيدي:
مقاوم يحمل سلاح القانون يشمخ شهيداً
23/ 6/ 2006
أخاطب في شهادتك كل الشهداء الذين شمخوا على أرض الرافدين.
كما أخاطب في شهادتك كل المنتظرين صفوفاً إلى أن يأتيهم الدور لسلوك طريق الشهادة.
أيها المحامي المقاوم الشهيد
أخاطب من خلال شهادتك كل أبطال القانون من زملائك، فريق الدفاع والإسناد عن الأسرى والمعتقلين العراقيين وإخوانهم ممن قصدوا العراق للدفاع عن أرض العروبة...
إذا كان لكل مقاوم طريقته ورسالته في الدفاع عن الأرض المغتصبة، فكان لك أيها الشهيد ولرفاقك في فريق الدفاع، طريقتكم التي لا تقل عن طريقة الآخرين أهمية، وإن كانت أحياناً تفوقها خطورة.
سلاماً واحتراماً لكل المقاومين فقد جمعهم الإيمان بالدفاع عن الكرامة والسيادة الوطنية، ومن يختار هذا الطريق فلن يخيفه أن يتخطى حدود الحياة الدنيا ويقتحم حدود الحياة الأخرى بقلب لا يعرف الخوف.
أما سلاماً خاصاً لك، وتحية خاصة إليك، وعبرك، إلى فريق الدفاع، فلأنكم رفعتم سلاح القانون في عصر الاحتلال وعملائه، من دون حماية، لهو من أرقى أنواع البطولة.
كانت رسالتكم واضحة وشديدة الأهمية عندما تطوعتم لمهمة شائكة لم يكن أقل صعوباتها مثولكم أمام محكمة فرض الاحتلال كل شيء فيها، ديكوراتها وتشريعها، أي أنها لا تحوز على شرط شرعيتها وقانونيتها.
فبين المثول أمامها والخشية من الاعتراف بشرعيتها، وبين المثول أمامها لتكشفوا من خلال منبرها الإعلامي عن تلك اللاشرعية، وهي فرصة ترغم وسائل الإعلام على نقلها مجاناً، اخترتم أن تجازفوا بالحضور، وكشفتم بالفعل عن المخالفات القانونية المبدئية التي تحيط بتشكيل تلك المحكمة وسقطت عنها ورقة التوت التي كانت تخدع الملايين من المتابعين. وبهذا قد شكّلتم قيادة للمقاومة ضد العدوانيين على القانون واحتلال مقدساته وتدنيس محرابه. ولهذا رضيتم التحدي وكنتم جديرين به. كانت أهدافكم حماية القانون والشرائع الدولية. وباختياركم الجريء ارتكبتم جريمة كبرى في نظر جورج بوش. ذلك الرئيس المغرور قال عن القانون الدولي: «هذا شيء أركله برجلي».
لقد شكَّلتم أيها الشهيد عبئاً ومأزقاً أمام الاحتلال وعملائه. وبلغت درجة المأزق حداً أعجزت وسائل إدارة الاحتلال السياسية والعسكرية عن تحملها. فكانت البداية عندما هوَّلت وسائل الإعلام المعادية، بمساعدة وتنفيذ من زمر عملائها، بتوزيع التهديد والوعيد لكل محام يجرؤ على الدفاع عن الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الأميركي في العراق، وعلى رأسهم إمام المناضلين الرئيس صدام حسين، ولكنكم واجهتم بإصرار المؤمنين بالدفاع عن كرامة العراق والعراقيين عبر الدفاع عن الرئيس صدام حسين ورفاقه.
وبمثل تلك الخطوة الجريئة حملتم أكفانكم وأنتم مؤمنون بقدركم، فكان مهر الدفاع عن العدالة بقناعتكم يوازي حياتكم، فرضيتم أن تدفعوا للعدالة مهرها كاملاً.
حسب العدو المحتل، كما حسب عملاؤه الخونة، أنهم بإحالة الرئيس ورفاقه إلى المحاكمة يخدعون الرأي العام العالمي والعربي والعراقي بأنه يمارسون الديموقراطية، وهم كانوا قد أعدوا المسرح جيداً متوهمين أن السيناريو الخادع سيمر بسهولة. ولكن ما لم يحسبوه، وليست المرة الأولى التي تدل على أن حساباتهم خاطئة، كانت مسألتين:
الأولى أنهم لم يحسبوا أنهم سيشاهدون أبطالاً، أمثال الرئيس ورفاقه، كل رفاقه ممن كانوا في موقع المسؤولية في السلطة وفي قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي. أولئك الذين أرغموا، بمواقفهم البطولية تلك التي فاقت كل تصورات المتعصبين ضدهم، على احترامهم.
أما الثانية فإنهم لم يحسبوا أن هناك أبطالاً يمثلهم فريق الدفاع والإسناد، سيغامرون بحياتهم من أجل كرامة أمتهم، وكرامة القانون الذي يحملون لواءه.
لقد ابتلى الاحتلال وعملاؤه، بالإضافة إلى ابتلائهم بنضال المقاومة المسلحة وجهادها، بمقاومتين من نوع جديد:
-إحداهما مقاومة الأسرى العنيفة ضد المحكمة المهزلة وضد أولياء أمرها وعلى رأسهم إدارة الاحتلال.
-أما الثانية فيرمز إليها إصرار فريق الدفاع على حضور الجلسات وتعرية المحكمة والاحتلال وكشف عوراتهم بشكل تام.
في مواجهة ما لم تضعه إدارة جورج في حساباتها لم يكن أقل من إظهار الوحشية في ممارسة العنف ضد الأسرى، ولم يكن أقل من تحييد فريق الدفاع والإسناد لإبعاده عن المسرح حتى بالاغتيال.
لقد بدأت مظاهر المأزق الأميركي في طريقة التعامل مع المناضلة بشرى الخليل. إذ طردها القاضي «الطرطور» في جلسة 8/ 4/ 2006، وافتعل عوامل طردها في المرة الثانية، طبعاً كانت الأوامر تأتي إليه بواسطة أوراق/ أوامر على قصاصات ورق صغيرة لا تليق إلاَّ بقاضٍ وضيع.
واستكملت الأجهزة الآمرة مهمتها عندما بلَّغها الضابط الأميركي قرار المنع من حضور المحاكمة. وعلى الرغم من أنها بيَّنت له أكثر من وجه من وجوه المخالفات القانونية التي تحيط بقرار المنع إلاَّ أنه كان يتهرَّب من الجواب على طريقة «عنزة ولو طارت».
وانتهى الفصل الأول من عملية إفراغ قاعة المحكمة، بـ«تطفيش» المناضلة بشرى.
وظهر لاحقاً أن الفصل الثاني كان مُتَّخذاً باغتيال المناضل خميس العبيدي.
أما الفصل الثالث فلسنا ندري كيف سيكون، وجلَّ ما نتوقعه من خلال معرفتنا بأساليب العدو وأهداف عدوانه، أن قراراً بإعدام كل من يعمل على كشف أكاذيب «الكذَبَة» أصبح في يد خليل زلماي زاده، وبيد كل الخونة الذين يتاجرون بالدين.
فإذا كان الاحتلال قد اعتدى على العراق تحت ذرائع كشف كذبها بنفسه. فهو قد وقع في فخ تأسيس محكمة يغلِّف فيها ديموقراطيته، فكنت أيها الشهيد ممن أسهم في كشف الكذب والعهر فيها وفي أهدافها، فكان قصاصك الموت بالطريقة البشعة التي مورست في اغتيالك.
بعد أن دمَّر العدو الأميركي العراق، بكل شيء فيه، بدءاً ببنيته التحتية في النهضة العمرانية، والبنية التحتية العلمية، المُمَثَّلة بعلماء العراق وأكاديمييه وأساتذة الجامعات، ولما لم يستطع أن يحتوي ضمير القانونيين وإرهابهم، وهو الضمير الذي أفشل مؤامراتهم في تمرير محاكمة للمناضلين الأسرى تكون سريعة ومجزية لهم إعلامياً، وضعكم تحت نار حامية لـ«اجتثاث» روح الضمير فيكم.
أيها الشهيد الكبير
كما لم تنفع الاحتلال وعملاؤه الخونة، تهديداتهم في محاولة لـ«أسر الضمير» فيكم، فهم لن يأسروه بوسائل الاغتيال والقتل.
وهم إن نجحوا في إرهاب الأنظمة التي لم يرف لأحد جفن فيها، وإن نجحوا في زرع المزيد من الخوف في قلوبهم، إلاَّ أن مسيرة الثورة والثوار، والحرية والأحرار، ومسيرة ضمير الشعوب في رد العدوان بالمقاومة، ستبقى مستمرة حتى تطهير العالم، من بؤر الشر والعدوان التي يقودها المشروع الأميركي والصهيوني ضد كل معالم الخير في العالم، وفي مقدمتهم وطننا العربي.
أيها الشهيد الكبير
ونحن نبكيك، كما بكينا كل المعاناة التي وقع فيها أشقاؤنا في العراق.
ونحن نبكيك كما نبكي كل المعاناة التي وقع فيها أشقاؤنا في فلسطين.
لن يلحق الخوف بنا، كما لن يعرف الخوف طريقاً إلى قلوب الشرفاء في أمتنا، ولن يكون بكاؤنا دليل ضعف أو خوف، بل دليل وفاء لمن يقدمون أرواحهم على طريق تحررنا من الاستعمار والصهيونية.
لن نخاف من أن ترتجف قلوب زملائك، فقد عقدوا العزم منذ أن تطوعوا للدفاع عن الأسرى في العراق، على متابعة المسيرة، مسيرة الدفاع عن الضمير الوطني والقومي والإنساني، فهم اختاروا سلوك الطريق وهم يعرفون مخاطره.
لذا نتقدَّم منهم فرداً فرداً، وإلى كل الذين عزموا على أن يتطوعوا إلى جانبكم ولم يتسن لهم شرف الالتحاق، بأحر التعازي. كما نبارك لعائلتك الكريمة فرداً فرداً بشهادتك الكبيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق