--> --> -->
وسائل الاحتيال الأميركي لتشريع بقاء الاحتلال في العراق:
أساليب «الحرباء القانونية» هي سيدة الموقف
8/ 5/ 2005م
تعدَّدت وسائل تمويه المشروع الأميركي وتعدَّدت ألوانه، ووقع القانونيون الأميركيون في بلبلة وحيرة حول ابتكار وسائل لإضفاء الشرعية القانونية لبقاء الاحتلال في العراق أطول مدة ممكنة. ولعلَّنا من خلال رصدنا لتاريخية الوسائل المستندة إلى نصائح أولئك القانونيين التابعين لمراكز الأبحاث في الشركات الأميركية الكبرى ما يجعل البلبلة في النصائح واضحة، وما يُظهر الارتباك الكبير في مواقف الإدارة الأميركية التي تسير «خبط عشواء»، وهي ما إن تنتقل من خطوة إلى أخرى فلا تجد إلاَّ الكثير من الثغرات، فأصبحت وسائلها مثل ثوب مهلهل ما أن ترقعه في مكان الفتق حتى ينفتق من مكان آخر.
أولاً: لون الخداع «الحربائي» الأول:
تمويه احتلال العراق تحت شعار «تحريره ونشر الديموقراطية فيه»:
بداية، قبل بدء غزو العراق واحتلاله، اتخذت قمة جزر الآزور الثلاثية بين جورج بوش، الرئيس الأميركي، وطوني بلير، رئيس الحكومة البريطانية، وأزنار، رئيس الحكومة الإسبانية، قرار الحرب ضد العراق. فطالما أنه لم يحصل على شرعية دولية كاملة، فليحصل عليها كيفما كان. وهو اتخذ قراره بالعدوان حتى لو اتَّبع شرعية الغاب التي ينفرد بها من بين كل الدول.
حينذاك دعا جورج بوش حليفيه إلى تلك القمة بعد أن أفلس من جرِّ مجلس الأمن إلى إصدار قرار أممي يغطي عدوانه على العراق. وقد هدَّد، بالطبع لأن القوة هي التي تحدد للحق مبادئه، بأن يسعى لتأسيس هيئة أممية تكون بديلة للهيئات السابقة، وهذا واضح بأن تلك الهيئات أخذت تشكل عائقاً أمام أطماعه.
لقد غزا الأميركيون العراق واحتلوه من دون أي غطاء قانوني. ولم يكن جورج بوش يعير اهتماماً للقانون الدولي، وعندما سأله أحد الصحافيين عما إذا كان قد احتاط للجانب القانوني كغطاء للحرب، أجاب: «لا يهمني ما يقوله رجل القانون الدولي.. إننا سوف نركل قفا أحدهم».
أما السبب وراء استهتار الإدارة الأميركية بالقانون الدولي، فأيديولوجي لأن الرأسمالية الأميركية –في مفهوم اليمين الأميركي المتطرف، الذي يمثله جورج بوش- ترى أن القانون الدولي، إذا لم يستجب إلى مصالحها فهو مرفوض، فمصلحة الأميركيين المتطرفين هي المقياس التي يقيسون عليها القوانين الدولية والإنسانية.
ثانياً: مرحلة تلوين العدوان بألوان «الاحتلال» كمنفذ، يهرب فيه من محاسبة القانون الدولي، ويشرَّع من خلاله اتفاقيات مُلزمة:
مغروراً بسرعة انتصاره في الحرب النظامية. ومغروراً بأنه سيضع العالم كله، وعلى رأسهم معارضيه في شن الحرب على العراق، أمام حقائق القوة كما أمام حقائق جغرافية تفرضها القوة العسكرية الأميركية، شنَّ الحرب على العراق واحتلَّه. فعربد على العالم واستشاط غضباً، وهدَّد وتوعَّد. ولتحويل النصر النظامي العسكري إلى كسب سياسي واقتصادي استحضر من دباباته عملاءه من العراقيين، الذين أتى بهم ليشكلوا له الغطاء القانوني. فانصاع العالم لرغبة الإمبراطور الأميركي، الذي له الحق وحده بأن يحتال على القانون الدولي، وأن يستبيح كل شرائع السيادة الوطنية التي ضمنتها القوانين الأممية. فهلَّلت دول العالم الذليلة لنصاعة البياض التي تتحلى بها «ديموقراطية فرعون/ نيرون/ قيصر/ رامبو/ إمبراطور العالم/ جورج بوش»، وأعلنوا معه نجاح معركة «تحرير العراق»!!.
بعد أن نامت الإدارة الأميركية على حرير أوهامها في النصر العسكري النظامي، ابتدأت مرحلة تأمين طلاء كل مظهر للعدوان والغزو بألوان شرعية دولية، فلجأت إلى مجلس الأمن، وحصلت منه على القرار 1483 في 22 أيار/ مايو 2003 م. وهذا القرار –يقول الدكتور عبد الحق العاني-: أغفل تعمداً الإشارة إلى غزو العراق وهو خرق لميثاق الأمم المتحدة، وأسبغ شرعية على بيانات لعملاء أميركا واعتبرها حكومة شرعية (كإشارة إلى بيان الناصرية وغيره في مراحل الاحتلال الأولى)، وبذلك يكون قد نزع شرعية الحكومة السابقة. بينما «ليس له الحق في نزع سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة ... نتيجة حرب عدوانية عليها، وليس لمجلس الأمن سلطة سحب الاعتراف بالحكومة العراقية القائمة».
ويرى الدكتور كمال سيد قادر أن بريطانيا وأمريكا اعترفتا رسمياً حسب قرار مجلس الأمن 1483 بوضعهما القانوني في العراق كمحتلين. ومنذ، تلك اللحظة، ولما ألغتا صفة الغزو، بتواطؤ من مجلس الأمن الدولي، بدأت مرحلة التوسل الأميركي من أجل طلي مشروعها بلون آخر. فنقلته من لون اسمه «تحرير العراق» إلى لون أسمته «الاحتلال العسكري». وهنا تبتدئ مرحلة تمويه «المشروع الأميركي» الثانية.
ثالثاً: مرحلة تمويه تشريع «حكومة عراقية»، كطرف ثاني مخوَّل بتوقيع اتفاقيات ملزمة:
ففي أوائل تموز/ يوليو من العام 2003م، عيَّنت إدارة الاحتلال ما أسمته «مجلس الحكم الانتقالي»، وجمعت فيه كل عملائها القادمين على دباباتها، أو ب«بوسطات» إيرانية. ولما انتهت من ذلك، أرغمت مجلس الأمن الدولي على الاعتراف بشرعيته. فأصدر القرار 1500 في14 آب/ أغسطس 2003م، وفيه رحَّب بتشكيل مجلس الحكم دون تحديد الصفة القانونية التي تم بموجبها تشكيل المجلس أو سلطة تشكيله، وهو بهذا متفق مع موقفه اللاقانوني في القرار 1483.
رابعاً: مرحلة تمويه الاحتلال بلون الجيش الصديق، فتحوَّل اللون من لون «جيش الاحتلال» إلى لون «القوة المتعددة الجنسيات»:
وكي تنفلت الإدارة الأميركية من كل تهمة يوجهها لها القانون الدولي بصفتها دولة محتلة مُلزَمة بضوابط وقوانين وشرائع ترتبها عليها اتفاقيات جنيف، كانت حريصة على تغيير لونها من قوة احتلال إلى قوة صديقة. فأصدر مجلس الأمن الدولي القرار 1511 في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2003م. وفيه اعتبر أن «مجلس الحكم الانتقالي»، ووزراءه، هم الأجهزة الرئيسة للإدارة المؤقتة العراقية، وكذلك الإذن بتشكيل قوة «متعددة الجنسيات» لصيانة الأمن والاستقرار في العراق، لكن –كما يرى الدكتور العاني- دون تحديد الآلية التي تتم بموجبها تشكيل مثل تلك القوة.
وما كان ناقصاً في القرار المذكور، جاء القرار 1546 في 8 حزيران/ يونيو 2004م، حول هذا الجانب ليستكمله. يقول الدكتور كمال سيد قادر: كانت كل من الإدارة الأميركية، والحكومة البريطانية، قد طالبتا مجلس الأمن بتغيير وضعهما القانوني من «قوات محتلة» إلى «قوات متعددة الجنسيات» تساعد على ضبط الأمن في العراق.
خامساً: مرحلة استكمال مسرحية تمويه العدوان الأميركي، وتمويه الطرف العراقي كطرف ثاني، استعداداً للحصول على اتفاقيات تستجيب لمصلحة «مشروع الأميركيين المتطرفين الجدد»:
صحيح أن القرار الرقم 1546، الصادر عن مجلس الأمن الدولي، ألزم الإدارة الأميركية بنقل «السيادة المزعومة» للعراقيين: بدءًا من الثلاثين من حزيران/ يونيو العام 2004م، مروراً بإجراء انتخابات تشريعية في الثلاثين من كانون الثاني/ يناير من العام 2005م، وصولاً إلى تشكيل «حكومة عراقية» منتخبة في كانون الأول/ ديسمبر من العام 2005م، إلاَّ أن واقع التواطؤ الدولي مع مخططات «إدارة جورج بوش» واضح بما لا لبس فيه.
لكن التواطؤ لم يكن من دون إبقاء أفخاخ في نصوص قرارات مجلس الأمن، يرى الدكتور عبد الحق العاني: لقد ألزم القرار 1483 قوات الاحتلال بالقانون الدولي، وهذا ما «يفتح الباب أمام الطرف المعتدى عليه أن يطعن بالحرب والاحتلال بجملته مستنداً إلى قرار مجلس الأمن نفسه».
سادساً: ممحاة المقاومة العراقية كفيلة بتعطيل كل ألوان الخداع والتمويه القانوني الأميركي والأممي:
ومن جهة أخرى، نرى أن مسرحية التمويه والخداع التي يقوم بتمثيلها، والتوقيع عليها، طرفان متعاقدان ناقصا الشرعية القانونية: الإدارة الأميركية، وعملائها على شتى ألوانهم، لن يكونا الطرفان الوحيدان اللذان يتفرَّدا بتحديد مصير العراق. فهناك العامل الحاسم في تحديد مصيره، هو الإيمان باستعادة سيادة العراق، الذي يملأ قلوب العراقيين الأحرار. هم حاملو لواء المقاومة حتى التحرير. هذا الطرف سوف لن يسمح بأن تكون كل الاتفاقيات التي وقَّعها عملاء ال «سي آي إيه» حيَّة وصالحة للتطبيق، إذ سوف يحملها جيش جورج بوش، وتابعه الذليل طوني بلير. كما ستجعل كل القوى الدولية الأكثر ذلاً من بلير، يحملون أوراق تلك الاتفاقيات للاحتفاظ بها في ملفات التاريخ كإدانة لهم عندما يقدمهم الضمير العالمي إلى المحاكمة أمام «المحكمة الجنائية الدولية». وتلك هي النتيجة التي يعلنها كل القانونيين، مروراً بمستشاري الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية، وهم الذين أخذوا يتهافتون على غسل أيديهم من «دم الصدِّيق».
أما العودة إلى الملف المعني بجرائم الحرب التي يرتكبها أكثر الأنظمة قذارة في العالم بحق الشعب العراقي، يجعلنا نُذهل بجسامة الجرائم والكمية الهائلة منها المنشورة في شتى وسائل الإعلام، مما يدفعنا إلى التحضير لهذا الملف، كخطوة استباقية لموعد التحرير لكي يكون جاهزاً لتستخدمه حكومة المقاومة والتحرير في الاقتصاص من الجناة الآثمين.
فبوركت مطارق المقاومة العراقية، فعلى وقعها سيقع جورج بوش، وطوني بلير، وبارلسكوني، وهيوارد... وغيرهم في قبضة العدالة الدولية، لينالوا جزاء ما خدعوا شعوبهم به. وما اقترفته أيديهم من جرائم بشعة في العراق، وغير العراق. ولن يكون أمام مجرمي التاريخ إلاَّ أن يُعلَّقوا على المشانق، وأن يُمنعوا، هم وأولادهم، من التلذذ بالثروات التي كدَّسوها على حساب دماء العراقيين وأعراضهم.
أما هل يستفيق زعماء النظام العربي الرسمي على وقع أصوات الماجدات العراقيات، وهن يستغثن؟ وعلى أصوات أطفال العراق الذين يُهانون كل يوم؟
فلا نحسب أن لديهم آذان تسمع، لكن إلى أين سيهربون من آثام مذلَّة لحقت بهم، وهي لن تُمحى بل يجب أن تُبتر. أما الجواب فهو عند الشعب العربي، الذي لا نظن إلاَّ أنه يتحرق شوقاً للانتفاض والثورة ضد أولياء الأمر فيه، ويجعلهم عبرة لكل آثم ذليل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق