الحزب الديموقراطي، بالدعوة للتفاوض
مع إيران وسورية حول العراق، يبدأ بالخطوة الخطأ
11/ 11/ 2006
حدثان متلازمان فاصلان بين مرحلتين في تاريخ الاحتلال الأميركي للعراق، وهما:
الحكم بالإعدام على الرئيس صدام حسين
وتنفيذ الحكم بالإعدام على إدارة الرئيس جورج بوش
استناداً إلى وقوعهما في شهر واحد وأسبوع واحد، واستناداً إلى أنهما ذي علاقة بقضية احتلال العراق، كان الهدف من الحكم بالإعدام على الرئيس صدام حسين تعزيزاً للدفاع عن حزب جورج بوش، في معركة الانتخابات النصفية لمجلسيْ النواب والشيوخ. ولعلَّه عندما يكسبها يكسب وقتاً إضافياً يحلم فيه بـ«النصر» في العراق.
ولما كان صبر الشعب الأميركي قد نفذ من أكاذيب رئيسه ووعوده بـ«النصر في العراق»، فلم ينخدع بقرار إدارة بوش حينما أمرت بإصدار الحكم بإعدام الرئيس صدام حسين بأنه سيجلب لهم النصر في العراق، فأسقطوه. وبهذا لم يُجد إصدار الحكم بالإعدام جورج بوش شيئاً، إذ سقط حزبه في الانتخابات، وأصبح جورج معروضاً أمام محكمة الشعب الأميركي لمحاسبته، منذ أن أصبحت إدارته، ومصير احتلاله للعراق، تحت رحمة الحزب الديموقراطي.
إن سبب سقوط الحزب الجمهوري، ولن نقول سبب نجاح الحزب الديموقراطي، لأن السبب الذي أدَّى إلى سقوط هذا كان هو السبب ذاته في نجاح ذاك. أما هذا السبب فكان وحيداً وكافياً، وهو سقوط الاحتلال في العراق، الذي لم تجد إدارة جورج بوش أية وسيلة من أجل منعه، إلاَّ وأخفقت فيها، لذلك أخفقت في الانتخابات النصفية وسقطت.
وبهذا يكون نجاح الحزب الديموقراطي مرتبطاً بمراهنة الشعب الأميركي عليه في إخراج الجيش الأميركي من الوحل العراقي، كما عبَّر عنها مئات الجنود الأميركيين في العراق حينما أرسلوا صورة لبعض منهم وهم يحملون يافطة كبيرة، يناشدون فيها جون كيري قائلين: «جون كيري أخرجنا من العراق، لقد توحلنا فيه».
إن مثل هذه الحقيقة، التي إذا لم يجد لها الحزب الديموقراطي حلاًّ سريعاً، نعتقد أنه سوف يسقط في الشارع قريباً، لأنه وصل على حصان وعوده بإخراج أميركا من المأزق الذي أوقعها فيه حزب الرئيس جورج بوش.
لقد أصدق الحزب الديموقراطي القول عندما دعت أكثر نائبة أميركية حظاً في ترؤس مجلس النواب الأميركي الرئيس جورج بوش إلى الإسراع في فتح ملف الاحتلال في العراق. وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على مدى سخونة الموقف، وهو بمثابة طلب الشعب الأميركي «المعجَّل المكرر» لمجلسيْ النواب والشيوخ، كما أنه كان معجَّلاً وأكثر من مكرر أمام جورج بوش.
إن رضوخ الرئيس الأميركي لواقع الأمر، ظهر واضحاً في إعلانه أنه منفتح على كل الاقتراحات، ومن أهمها إعلان النوايا الحسنة الذي أرسله إلى الحزب الديموقراطي ومفاده أنه في نيته التعاون معه حول الملف العراقي. ويرى البعض أن تقرير جيمس بيكر هو الذي سيشكل ورقة العمل الأساسية التي سترسم إطار الحلول لقضية احتلال العراق.
ولأن الأمر كذلك، ولِما تسرَّب عن التقرير ما نحسب أنه يكفي لإبداء الرأي فيه، سنبدأ تحليل ما قد تؤول الأمور فيه في المستقبل القريب. وقبل ذلك يمكننا أن نؤكد ثابتين مشتركيْن سيلعبان دوراً في ما سيحمل المستقبل من حلول نظرية، وهما:
-إن الحزبين، الديموقراطي والجمهوري، متفقان على أنه لا يجوز سحب الجيش الأميركي من العراق بما يوحي بأنه «مهزوم»، وهذا يرتبط بما يرى فيه الحزبان أنه يمس بموقع الولايات المتحدة الأميركية الدولي، أي بما يعني أيضاً أن الشعور الوطني الأميركي لا يحتمل أي معنى من معاني هزيمة جيشه.
أما الثاني فذي علاقة بالجامع المشترك بين الحزبين، وهو جامع الإيديولوجيا الرأسمالية التي توحِّد بينهما ليكونا حريصين على مصالح الشركات الأميركية.
إن هذين الثابتين قد يوحِّدا بين الحزبين في تصوُّر استراتيجية للخروج من العراق لا تمس بهما. وهما يراهنان على أن يضمنا وجود سلطة عراقية موالية لأميركا، مدعومة من حلفائها في المنطقة، ومحمية مما تعتبرها نفوذاً إيرانياً وسوريا في الداخل العراقي.
إننا نلمح في الأفق أن في انتظار توفير شروط الأمان للثابتين ما يحتمل تسويف الحزبين الأميركيْين في إيجاد حلول مناسبة للمصالح الأميركية، وهذا ما بدا واضحاً من خلال المبادرة الأميركية الأخيرة في الدعوة إلى التفاوض مع كل من إيران وسورية لكي تلعبا دوراً في خروج أميركي آمن من العراق، والقيام بدور يحمي وجود حكومة المالكي أو غيره من الموالين لأميركا. وهذه المبادرة أصبحت جامعاً مشتركاً بين الحزبين المذكورين.
فإذا كان ما سرَّبته وسائل الإعلام عن تلك المبادرة صحيحاً، خاصة وأن تقرير جيمس بيكر يحمل ما يؤكد احتمال صحتها، فنرى أن العلاج لقضية الاحتلال قد انطلقت من النقطة الخطأ للأسباب التالية:
-إن من أعاق مشروع الاحتلال ومنعه من النفاذ ليست أية جهة أخرى على الإطلاق غير زنود أبطال المقاومة الوطنية العراقية. فهي الوحيدة التي بدأت، وهي الوحيدة التي ستستمر في مواجهة الاحتلال. فلا حلَّ إذاً إلاَّ عبرها، واستناداً إلى قرارها.
-ولأن هذا موقع المقاومة وتأثيرها، ولأنها حدَّدت في منهجها السياسي الاستراتيجي، الصادر في 9/ 9/ 2003، أنها «ستمنع تحقيق مصالح الآخرين المجاورين على حساب العراق ووحدته الوطنية». ولأن إيران، التي يقترح تقرير بيكر الاستنجاد بجهودها من أجل خروج أميركي آمن من العراق، هي على رأس من استفاد من جريمة «ذبح العراق»، ومن يعمل على تمزيق وحدة العراق الوطنية، يصبح من السخرية أن يكون مدخل لجنة بيكر من البوابة التي لا يمكن أن تشكل حلاً أو بداية حل، بل ستضيف تعقيداً على تعقيد. وبهذا سينتظر بيكر، والحزب الديموقراطي الناجح في الانتخابات النصفية، طويلاً وطويلاً جداً. ولن ينتظر إلاَّ أن تُسقطه مظاهرات الأميركيين في الشارع.
-ونعجب أن تُدرج المبادرة المذكورة اسم سورية كطرف تستنجد به اللجنة لتساعد على توفير مناخ آمن لخروج أميركي تدريجي من العراق، خاصة أن هذا الخروج سيكون مرتبطاً مع نجاح، أو إنجاح، ما تُسمى «العملية السياسية» التي يقودها عملاء الاحتلال الأميركي. واللجنة، أو المبادرة، من أجل حشرها في الملف العراقي، تُضمر تقديم إغراءات لسورية في لبنان، وهي تُضمر، من دون شك، أن تُغدق وعوداً عليها في إعادة فتح ملف التفاوض حول الجولان المحتل. وفي كل المقاييس لن تفلح تلك الإغراءات في جذب سورية، لأن إعطاءها امتيازات مرحلية في لبنان لن تعوِّض عليها ما سوف تخسره من مكاسب استراتيجية على النطاق القومي العربي، خاصة عندما تمنع مشروع تقسيم العراق، وتحريره من الاحتلال الأميركي، والحؤول دون بقاء أي عميل لأميركا في أي موقع مسؤول في السلطة.
وهي تعلم، أو نرجو أن تعلم، أن بقاء العراق تحت الاحتلال الأميركي، سواءٌ أكان البقاء مباشرة أم كان مداورة، سيشكل خسارة استراتيجية لسورية، إذ أن أميركا في تلك الحالة ستجرِّدها من كل مكاسبها المرحلية، في لبنان وغير لبنان.
ليس عجبنا عبثياً بل هو يقوم على عدد من الحقائق التي هي بمثابة الثوابت، ويأتي على رأسها ومن أهمها:
-إن بقاء عملاء الاحتلال على رأس الحكم في العراق، ستستفيد منه أميركا وإيران، لأن مصالحهما تتقاطعان بإنجاح إعادة تقسيم الوطن العربي حسب خطة «شرق أوسط جديد» تكون الأقليات الطائفية أساساً لتقسيم جديد وهو ما يجمع بين مشروعيهما. وهل يمكن لإيران أن تحصل على حصة في الوطن العربي إلاَّ عبر تلك الخطة؟
-إن بقاء عملاء الاحتلال على رأس الحكم في العراق ، ستستفيد منه أميركا والحركة الانفصالية الكردية، بواسطة بناء دولة كردية تكون مدعومة من العدو الصهيوني بشكل أساسي.
تلك الحقائق الثوابت تدعونا إلى العجب، لتقودنا إلى السؤال التالي:
هل تعتبر امتيازات ستُعطى لسورية في لبنان معادلة للمخاطر الاستراتيجية التي ستتعرض لها من جراء استمرار عملاء أميركا وإيران في استلام السلطة في العراق؟ أي هل تقسيم العراق إلاَّ بوابة لمخاطر كثيرة ستحيط بسورية؟
وهل الوعود التي ستُعطى لسورية في إحياء المفاوضات حول الجولان إلاَّ وعوداً عرقوبية؟ بل هل توازي استعادة الجولان السكوت على بناء دولة صهيونية في شمال العراق؟
إننا هنا، نؤكد جهوزية إيران في التفاوض السريع مع الأميركيين، وهم ممن لم تنقطع علاقتهم في أي وقت من الأوقات، خاصة بدءاً من التنسيق المباشر قبل احتلال أفغانستان، فإيران مستفيدة بما يتجاوب مع مشروعها الاستراتيجي طويل الأمد، سواءٌ أكان الأمر بشكل عاجل من أجل إنقاذ رأس مشروعها النووي، أم بشكل آجل من أجل تثبيت مخطط تقسيم العراق لتحتضن جنوب العراق في مشروعها الإيديولوجي الاستراتيجي.
ولكن هل سورية تقف على الدرجة ذاتها من الجهوزية؟
إن أقل ما نستنتجه في عجالة مقالنا هذا، هو أنه إلى الحين الذي تحصل فيه على ضمانات لمصالحها المعروفة، ستحصل الكثير من المفاوضات المكوكية، وسينقضي بسببها وقت لن تتحملَّه القوات الأميركية في العراق طويلاً، ولن تتحمل حكومة العملاء في العراق انهيار كل شيء، وعلى رأسها الملف الأمني، فتكون المراهنة على دور سوري «طبخة من البحص»، وسيعلق الحزب الديموقراطي في دوامة المبادرات الفاشلة، وستجعل من الشارع الأميركي أكثر من «نافد للصبر».
لأجل تلك الأسباب والوقائع، نرى أن الحزب الديموقراطي، بكون الكرة في ملعبه، والناخب الأميركي قام باختياره لتشكيل إدارة أميركية سياسية على أساس إخراج سريع للقوات الأميركية من وحول العراق، هو قاب قوسين أو أدنى من السقوط. لأنه إذا كان سينتظر من أجل ألاَّ يمسَّ بالثابتين المذكورين أعلاه فسيكون كمن ينتظر إنضاج طبخة من البحص، ستُضيف خلالها المقاومة الوطنية العراقية سلسلة طويلة من القتلى، وسلسلة طويلة من الخسائر المالية.
كما أننا نرى ألاَّ يضيِّع الحزب الديموقراطي وقتاً، يعمل فيه الجمهوريون على كسب وقت ضائع طالما بقي جورج بوش في رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، وفيه سيُعزِّز الدعاء من أجل «نصر إلهي» يحلم فيه.
وإن من مظاهر كسب الوقت تأتي المراهنة على دور إيراني – سوري، مطلوب من الحزب الديموقراطي، أن يقلع عنها، قبل أن يرغمه الشارع الأميركي على العودة إلى القرار الصائب. القرار الذي اجتمعت على رفعه المقاومة الوطنية العراقية، كما طالب به الشارع الأميركي، وهو إعلان الانسحاب من العراق من دون لفٍّ أو دوران. وهذا لن يكون له أية بوابة على الإطلاق إلاَّ بوابة المقاومة وقرار الشعب العراقي الذي يرفض كل تدخل إلاَّ إذا كانت نتائجه تصب في وحدة العراق الوطنية، العراق العربي حامل لواء الوحدة والحرية والاشتراكية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق