--> -->
دور المقاومة العراقية أثناء الاحتلال
ودورها في تحديد مستقبل العراق
27/ 4/ 2006
عُقدت في مركز الإعلام والتوثيق في مدينة صيدا – لبنان تحت عنوان (العراق تحت الاحتلال إلى أين؟)
حاضر فيها العميد المتقاعد الياس حنا، والدكتور طلال العتريسي، والسيد حسن خليل غريب. وقدَّم الدكتور مصطفى دندشلي المحاضرين، بالتركيز على أهمية القضية العراقية في الخريطة العالمية في هذه المرحلة.
وأكَّد العميد الياس حنا على أهمية أن يمتلك العرب سلاحاً يدافعون فيه عن أنفسهم في عصر سادت فيه المشاريع الكثيرة التي تستهدف الأمة العربية.
كما أكد الدكتور طلال العتريسي أهمية المقاومة العراقية في كبح جماح الاحتلال الأميركي، ودعا إلى وعي أهمية ما يجري في المنطقة وانعكاساته على القضية العراقية.
وألقى السيد حسن خليل غريب مداخلته تحت عنوان (دور المقاومة العراقية أثناء الاحتلال ودورها في تحديد مستقبل العراق ما بعد التحرير). وهذا نص المداخلة:
لقد أصبحت اهداف احتلال العراق واضحة، ودلَّت وقائع الأمور على أن كل ما أشيع عن أسباب، كمثل استعادة الديموقراطية، واستعادة حقوق مذهبية أو عرقية كانت مسلوبة، دلَّت على أنها قشوراً واهية كشفت عنها أكاذيبٌ مارستها إدارة جورج بوش. أوَ ليس تصريح مادلين أولبرايت حول ذلك ما يكفي؟
قالت المذكورة: ان ما يثير قلقى خصوصا هو ان الديموقراطية تتحول الى كلمة سيئة لأنها باتت تنطبق على الهيمنة والاحتلال.
تواطأ مع إدارة بوش عراقيون كشفت وقائع ما بعد الاحتلال أنهم كذبةً ومتواطئين على سيادة بلدهم وكرامته الوطنية. وأكثر هؤلاء ممن قامت أجهزة المخابرات المعادية لعروبة العراق وسيادته الوطنية بإعدادهم وتأهيلهم للقيام بدور الخيانة الوطنية.
فمن أجل احتلال العراق أيضاً تواطأ تحالف واسع شمل إدارة أميركية وصهيونية وأنظمة عربية وغير عربية، ونجحت في احتلاله بفعل القوة العسكرية النظامية، أي بواسطة قوة لا تجد ما يضارعها بين القوى النظامية على المستوى العالمي.
ولأن الحكم الوطني الذي كان يقود العراق له استراتيجيته الخاصة، الذي كان متأكداً أنها تضارع قوة الاحتلال التكنولوجية بل تتفوق عليها، لم يستجب إلى كل أنواع الإغراءات والتهديدات التي قدمتها الإدارة الأميركية عامة، وإدارة المحافظين الجدد بخاصة. واعتبرت في حينه أوساط كثيرة، عربية رسمية، وعربية مثقَّفة ليبرالياً، وأوساط رسمية عالمية، أن في ممانعة العراق للطلبات الأميركية نرجسية قومية تتصف بالرومانسية، واعتبرها البعض الآخر أنها نوعاً من الجنون السوريالي.
بين كذب الإدارة الأميركية وتواطؤ شلة الحاقدين على النهج الوطني القومي لنظام حزب البعث، وصمود البعث على المواجهة على الرغم من قوة الخصم وكثرته، كشفت التجربة عن جملة من الحقائق التي علينا أن نخضعها لميزان المنطق والنقد بغرض الاستفادة منها في رسم صورة مستقبل العراق بعد التحرير.
لقد استهجن البعض واستغرب، في أثناء التحضير للعدوان، طريقة مواجهة نظام البعث للتهديدات الأميركية، وهم يستغربون اليوم ويستهجنون أن يتكلم أحد عن مرحلة ما بعد التحرير. وتلك هي روحية تلك التجربة وأهميتها لأنه لن يستطيع الإحاطة بها إلاَّ من آمن بأهمية استراتيجية المواجهة على قاعدة حرب التحرير الشعبية، ومصداقيتها وصلاحيتها، وعلى هذا الأساس لن نجد الكثير ممن يريحهم الكلام عن مرحلة ما بعد التحرير.
أيتها السيدات أيها السادة
من على هذا المنبر وغيره، نتكلم بلغة الواثق من أن العراق دخل مرحلة التحرير الفعلي. اما مظاهره ومقدماته فتأتي من داخل البنتاغون، ومن داخل البيت الأبيض، ومن داخل الشلة السياسية والعسكرية والسياسية التي خططت لما يعرف بـ«القرن الأميركي الجديد».
فإذا كانت تأثيرات المقاومة العراقية على أرض العراق تتعرَّض إلى «فلترة» الإعلام المعادي للمقاومة، فإن «فلاتر» الإدارة الأميركية الحالية لا تستطيع أن تحجب الحقائق الفعلية عن الساسة والعسكر والشارع في أميركا.
فمن الإعلام الأميركي خاصة والإعلام الغربي عامة نستطيع ليس قراءة ماهيةِ المأزق الأميركي في العراق فحسب، بل نقرأ أيضاً أن الإدارة الأميركية، على الرغم من أكاذيب رئيسها وجوقته المحيطةِ به، سائرةٌ إلى الخروج من العراق على قدم وساق. ولكن
ما يتم التحضير له هو اختيار شكل للانسحاب لا يوحي بالهروب أو الهزيمة حفاظاً على سمعة أكبر جيش في العالم.
لو قلنا إن الإدارة الأميركية فشلت في توفير العامليْن الأكثر أهمية في أهدافها الاستراتيجية، وهما: عامل أمن القوات المحتلة وعملائها أولاً، وعامل السيطرة على ثروة العراق النفطية ثانياً. لن يكون قولنا كاملاً معبراً عن حقيقة المأزق، بل لاستكماله نقول: إن الإدارة الأميركية بدلاً من أن تقبض، وهو هدفها الرئيس والاستراتيجي، نراها تدفع الخسائر الكبيرة من دم جنودها، ودم عملائها، واستنزافاً لميزانيتها بمئات المليارات إن لم يكن بآلافها.
تلك الخسائر دفعت مجموعة أصحاب المشروع الأم إلى التفسخ وتبادل الاتهامات، ومن أكثرها تأثيراً وإيلاماً، متغيرين اثنين:
الأول يشمل بعض من كانوا من المؤسسين والمنظرين له ومن أكثرهم شهرة، فوكوياما وبريجنسكي، وتبعتهما مادلين أولبرايت، التي وجدت في جورج بوش وجهاً أقبح من وجهها.
والثاني ممن خططوا للمشروع عسكرياً أو أيدوه، ومن أكثرهم شهرة السيناتور جون مورثا الذي يتزعم مجموعة من قادة الجيش الأميركي السابقين، ومنهم من خدم في معركة العدوان على العراق واحتلاله.
تقول الواشنطن بوست جريدة أميركية، مستندة إلى معارضة كبار الضباط ودعوتهم للانسحاب من العراق، إن أميركا مهدَّدة بانقلاب عسكري ضد إدارة جورج بوش إذا ما ظلَّ مصراً على متابعة مغامرته في العراق. وهذا النوع من المعارضة لم يحصل في أثناء حرب فييتنام.
يحق لنا أيتها السيدات والسادة أن نتكلم عن مرحلة ما بعد تحرير العراق بالفم الملآن.
تلك النتيجة تجعلنا نتساءل، كما تجعلنا نتعجل الطلب إلى النظام العربي الرسمي، وإلى دول الجوار الضالعة والمساهمة في احتلال العراق، كما نتوجَّه بشكل أساسي إلى من ظل صامداً من تياراتِ وأحزابِ وقوى وشخصياتِ حركة التحرر العربي بعرض رؤيتنا لعراق ما بعد الاحتلال. وكل ذلك على قاعدة أن في تجربة العراق مع الاحتلال ما يفيد وما يجب الوقوف عنده لاستخلاص الدروس والعبر من تجربة الصراع بين الشعوب المستضعفة ضد أكبر قوة استعمارية عرفها التاريخ العالمي.
أولاً: على كل من يرفع اليوم إصبعاً معترضاً في وجه جورج بوش أن يتذكَّر أنه لولا تضحيات المقاومة العراقية بكل فصائلها القومية والإسلامية، التي يقودها البعثيون في الميدان، كما يقودها أمينهم العام من أسره، لكان الاحتلال الأميركي قد كسرها وبتر اليد التي تحملها. وبناءً عليها على الجميع أن يعلموا أنه لا يمكن أن تتفوق الشعوب الموضوعة على لوائح الاحتلال إلاَّ بالمقاومة الشعبية المسلحة.
ثانياً: كل من له أطماع، متسللاً تحت دبابات الاحتلال الأميركي، لاقتطاع حصة من العراق تحت أي اسم أو مسمى، فيدرالي أو غير فيدرالي، مذهبي أو عرقي، أن يعرف أن المقاومة العراقية التي قطعت يد الاحتلال الأميركي، لن تكون عاجزة عن اقتطاع الأيدي الأقل قوة منها.
إن ما يُخشى منه بعد تحرير العراق أن تصمَّ بعض القوى أذنيها عن سماع نداء المقاومة العراقية التي لن ترضى بغير عراق موحَّد يساوي بين الأديان والمذاهب والأعراق على قاعدة نظام يحفظ للجميع حقوقهم كمواطنين في دولة واحدة أن يمتنعوا عن تأسيس بنى سياسية، كمثل ما هو حاصل اليوم، تعمل على تمزيق النسيج الوطني والقومي للعراقيين وتحويلها إلى مجموعة من المذاهب والأعراق والأديان.
إن إصرار من يصر على تكوين عراق يتساكن فيه مواطنوه مذهبياً ودينياً وعرقياً مرفوض بالمطلق، فالمقاومة لا ترى في العراق إلاَّ نظاماً مدنياً تعددياً يحترم الخيارات الدينية لكل مواطن على أن يوحد الجميع مبدأ حماية العراق والمحافظة على ثرواته الوطنية والدفاع عن سيادته.
إن عراق ما بعد التحرير معرَّض للقسمة والتقسيم. وإذا كان هذا الخطر ماثلاً فنحن نرى أن بعد هزيمة المشروع الأميركي الصهيوني في العراق سوف تتوفر ظروف جديدة ومعطيات جديدة تنتج تحالفات جديدة واستراتيجيات جديدة وتتلخص كلها في إلغاء كل المؤسسات التقسيمية التي كوَّنها الاحتلال وعملاؤه وشركاؤه وكل الساكتين عنه والمتواطئين معه.
لن يوفر الاستقرار في الوطن العربي والدول المجاورة للعراق إلاَّ عراق موحد ومستقل تربطه مع جيرانه المصالح المشتركة على قواعد الاحترام المتبادل والمساواة المطلقة. وعلى تلك القاعدة سيكون الجوار العربي والجوار الجغرافي منخرطاً في معركة إعادة توحيد العراق، وأما من سيكون شاذاً ومن سيخرج عن تلك الاستراتيجية فلن ينال إلاَّ التقريع والهوان والعمل من أجل إعادته إلى وعي مستلزمات العصر والأخذ بها.
ثالثاً: إن كل ثورات التحرر في العالم، خاصة تلك التي واجهت الاستعمار وكبحت من هجماته وصدتها، أصبحت رمزاً لكل الثورات العالمية كلها.
هذا السبب يدعونا إلى التساؤل والاستهجان.
لقد سجَّلت المقاومة العربية ضد الاستعمار النصر تلو النصر، بدءًا من الجزائر، مروراً بفلسطين ولبنان، وانتهاءً بالمقاومة العراقية التي تسجل ليس للعرب نصراً فحسب، وإنما تسجل النصر لحركة التحرر العالمي أيضاً.
تنتصر المقاومة العربية، ولا نزال نرفع صور هوشي منه، وفيديل كاسترو، وغيفارا وغيرهم.
من حق هؤلاء أن نرفع صورهم، ولكن هل وصل بنا العقم إلى أن لا نرفع صور العرب الأفذاذ الذين وفَّروا للأمة موقعاً بين الأمم بما خططوا له أو قدموه للإنسانية من انتصارات في مواجهة الاستعمار والصهيونية؟
ليس من المستغرب أن نستورد، أو نقتدي، رموزاً للنضال من التراث الثوري العالمي، ولكن المستغرب أن الأمة تنتج أمثال تلك الرموز أو ما يفوقها تأثيراً، بينما لا نضعهم في موقعهم اللائقة بهم.
أوَ ليس من المستغرب أن تضع بعض حركات التحرر العالمية مقاومة العراقيين وصدام حسين في لائحة رموز التحرر العالمية؟ يحصل هذا بينما نحن نتجادل بين من يعترف برمزيتهم ومن يرفض ظلماً تلك الرمزية؟
أوَ لا تكفيهم رمزيةٌ أنهم حطَّموا أسطورة رامبو الأميركي وأرغموه على الهروب من العراق؟
أوَ لا تكفيهم رمزيةٌ أنهم خططوا لمقاومة عراقية قلَّما عرف التاريخ العالمي مثيلاً لها؟
أيجوز أن يعترف كاسترو، رمز الثورة الكوبية، بأهمية المقاومة العراقية وشدة تأثيرها؟
أيجوز أن تقتدي فنزويلا، وبوليفيا، والبرازيل، وغيرها من دول أميركا اللاتينية، وبقية دول العالم الثالث، باستثناء المرتهنين، أو المرهونين، لإرادة الإدارة الأميركية، بينما لا نرى نحن تلك الحقيقة؟
وهل يجوز أن نبقى خارج نادي الرموز القومية والوطنية في الثورات العالمية؟
وهل آن لنا أن ننتقل من العداء الإيديولوجي لنرفع رموزاً تستحق اللقب إلى لائحة رموز التحرر في العالم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق