إنتخابات البرلمان الأوروبي:
إنتصار الضمير العالمي لشرعية المقاومة العراقية
15/ 6/ 2004م
منذ أن قطفت المقاومة العراقية أول حبة من عنقود الضمير العالمي بالموقف الشهم الذي وقفه الشعب الإسباني، منذ ثمانية أشهر من الآن، كان الضمير العالمي يغلي فوق مرجل الانتصار لحق الشعوب في تقرير مصيرها. وها هو العنقود بكامله يصبح أكثر نضجاً بعد أن أفرزت نتائج انتخاب البرلمان الأوروبي ما يؤكد على ذلك.
يعيش العالم اليوم، ومن ضمنه ما أفرزه الشعب الأميركي نفسه من مظاهر تنتصر للضمير الإنساني، حالة شبيهة تماماً، إذا لم يكن بشكل أسرع وأكثر لفتاً للنظر، بحالة وقفة الضمير الكبرى التي انتصر فيها للقضية الفييتنامية.
حمل الشارع العالمي معالم الشجب ضد العدوانية الأميركية قبل احتلال العراق وبعده، وتحرَّك ضد المشروع الأميركي الرأسمالي في الهيمنة على العالم سياسياً واقتصادياً، وأصيب بنوع من حمى العداء ضد مشروع الإدارة الأميركية الجديدة التي أضافت مثالب أخرى هي الأكثر خطورة على العالم بأكمله، شاملة أطماعه التي ستصل إلى غزو أصدقائه في النادي الرأسمالي في عقر دارهم.
وقفت حكومات بعض الدول الرأسمالية الممانعة للمشروع الأميركي، الخائفة منه على مستقبلها الاقتصادي، مواقف مائعة كانت تتراوح بين ديبلوماسية الغزل الناعم مع إدارة جورج بوش خائفة من موقف القطع الواضح معه خوفاً من ضياع بعض فتات الشركات الأميركية العملاقة في العالم، وفي الوقت ذاته راحت تراهن على من يحمل جرس الهجوم على ذلك المشروع. وكانت أهم مراهناتها معقودة على ما يمكن أن تفرزه المقاومة العراقية، فكانت بمواقفها تلك تتجانس مع مصالح شركاتها من دون أن تضع في مكاييلها كثيراً من حسابات الشرعية الدولية أو الأخلاقية.
على العكس من حكوماتها وقفت شعوب العالم في خندق الضمير الإنساني والأخلاقي وأخذت تراكم حركتها النضالية في سبيلهما من دون كلل أو يأس. فجاء الانتصار الإسباني نقطة الضوء الواسعة التي زرعت الأمل في توسيع دائرة الضوء فشملت أوروبا من أقصاها إلى أقصاها. وخضعت لأول تجربة عملية في أثناء ممارستها لانتخابات البرلمان الأوروبي.
جاءت نتائج الانتخاب، بإجماع كل المراقبين، لتشكل ردَّاً حاسماً ضد ميوعة مواقف الحكومات الأوروبية التي جاملت الإدارة الأميركية من خلال الموافقة على قرار مجلس الأمن الرقم 1546، والذي جاء بنصوصه المائعة لكي يصب في مصلحة الاحتلال وليس في مصلحة العراق. وليضفي شرعية، حتى ولو كانت واهية، لمصلحة التراكيب الرئاسية والحكومية التي جملَّتها قوات الاحتلال بالمساحيق التي تظهرها وكأنها شرعية، لكن القرار كان بعيداً كل البعد عن مصلحة الشعب العراقي.
لم تكن نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي لتصب في مصالح تكتيكية مؤقتة بل كانت ذات نتائج استراتيجية تدين الاحتلال والاستعمار وتدعو لمكافحته من جهة، ولتعطي تأييدها المطلق لحق الشعوب في مقاومة الاحتلال مهما كانت أهدافه ووسائله من جهة أخرى.
تلك هي حقيقة ما عبَّرت عنه نتائج تلك الانتخابات وهي الانتصار للمبادئ. والانتصار للمبادئ يسهم بجدية في توليد عملية تراكم نوعي في الثقافة السياسية على المستوى العالمي. وهي نقطة أساسية تشكل جامعاً ضميرياً لتوحيد الجهود البشرية على طريق ثقافة عالمية تنبني على أسس متينة من القيم الإنسانية العامة.
أما من حيث دلالات النتائج التفصيلية التي تصب لمصلحة تأييد الاستنتاجات الاستراتيجية فقد جاءت كما يلي:
أولاً: إسقاط النهج البريطاني والإيطالي المنحاز للمشروع الأميركي، ومن دلالالته للمستقبل أن حكومتيْ بلير وبرلسكوني أصبحتا في حكم الساقطتين عملياً في الانتخابات المحلية العامة في المستقبل القريب.
ثانياً: نجاح الأحزاب الحاكمة في كل من أسبانيا واليونان لمواقفهما المبدئية من الاحتلال الأميركي للعراق، وتأييدهما حق المقاومة العراقية وشرعية نضالاتها.
ثالثاً: صفارات إنذار ضد مواقف حكومة فرنسا المائعة من قرار مجلس الأمن، التي تقوم على أساس الممانعة، وأحياناً مقاومة المشروع الأميركي، ولكن على قاعدة وضع قدم في الحقل الأميركي ووضع القدم الأخرى في الحقل المقاوم لمشروعه. فتلك المواقف تقترب من دائرة المقاومة السياسية من دون التصلُّب إلى جانب مواقف القيم الإنسانية وانتصاراً للضمير الإنساني. وفيه ما يحابي مصالح الشركات المحلية من جهة، وما يدغدغ ضمير الشارع الفرنسي من جهة أخرى.
ما أشبه ليالي سايغون بالأمس بليالي بغداد اليوم. لقد أعلن الشارع العالمي وقوفه الحاسم إلى جانب الحق الفييتنامي بالعيش تحت خيمة مبدأ الحق في تقرير المصير. وإلى جانب شرعية المقاومة الفييتنامية في دحر قوات الاحتلال الأميركي. والشارع العالمي اليوم يقف إلى جانب الشعب العراقي في تقرير مصيره، وإلى جانب الاعتراف بشرعية المقاومة العراقية في دحر قوات الاحتلال الأميركي.
لن ننسى بالأمس، أنه لما تجاوزت المقاومة الفييتنامية خط الخوف من التراجع تصاعدت موجة التأييد العالمي لها وانتصرت لها، وظلَّت ثابتة على مواقفها إلى أن حققت الانتصار. وهذه المقاومة العراقية قد تجاوزت خط الخوف من التراجع من جهة، وتصاعدت موجة تأييدها في الشارع العالمي من جهة أخرى، وتلك الموجة أصبحت من الثبات بما لا يوحي على الإطلاق بأدنى تراجع في خطواتها. ولعلَّ ثبات نضال المقاومة العراقية وثبات تأييد الضمير العالمي لها، يشكلان دائرة الضوء الواسعة في وصول المقاومة العراقية إلى دخول دائرة النصر، تدخلها وهي منصورة بحركة الضمير العالمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق