دول الجوار الجغرافي للعراق
في بيت الطاعة الأميركي
1/ 12/ 2004م
تترابط أهداف اجتماع وزراء داخلية الدول المجاورة للعراق في طهران مع أهداف مؤتمر شرم الشيخ. وقد انعقدا استلحاقاً لنتائج الانتخابات الأميركية، التي أعطت فرصة أخرى لأصحاب مشروع «القرن الأميركي الجديد» لاستكمال احتواء العراق، فأخذ أصحابه يبذلون جهوداً مكثَّفة، استباقاً للانتخابات العراقية من أجل ترتيب ما يمكن ترتيبه لتخفيف تأثيرات المأزق الذي وضعتهم فيه المقاومة العراقية، لعلَّ وعسى يصلح «العطَّار الإقليمي» ما أفسده المقاومون العراقيون على المشروع الأميركي. فأخذوا يستعينون باحتياطهم من الذين حجروا عليهم في «بيت الطاعة» الدولي والإقليمي، ويترأسهم نظاما حسني مبارك في مصر، وملالي إيران في طهران.
ما بين نتائج الانتخابات الأميركية التي جدَّدت أربع سنوات أخرى لإدارة الشر الأميركية بقيادة جورج بوش، والانتخابات العراقية التي من أهدافها التجديد في عمر الاحتلال للعراق إلى أمد غير منظور، مسافة يستغلها جورج بوش للإعداد إلى انتخابات بما يضمن تمريرها بأقل ما يمكن من العوائق. فاستخرجت إدارة الشر الأميركية من جعبة بيت الطاعة التي تأوي فيه زوجات موضوعة تحت الاختبار الدائم، فجمعت في شرم الشيخ (كبيت فرعي للطاعة) باستخدام النظام المصري، كسمسار خاضع للإرادة الأميركية، جمع عدداً من الأقطاب الدوليين والعرب ودول الجوار الجغرافي العراقي، من أجل تأمين ستار من الشرعية الدولية والعربية والإقليمية على وجودها في العراق. كما جمعت في طهران (بيت فرعي آخر للطاعة) وزراء داخلية دور الجوار الجغرافي لاتخاذ قرارات تساعد الاحتلال، ممثَّلاً بحكومة أياد علاوي، مستخدمة النظام الإيراني، كسمسار له مصلحة في ضرب المقاومة العراقية، لكي يؤمن له حصة مهما بلغت من القلَّة في كعكة ذبح العراق.
كان مؤتمرا شرم الشيخ وطهران وكأنهما يمثلان اجتماعاً ل«أهل العريس» الأميركي الذي يريد تزويج الاحتلال مع أرض العراق. فأجمع «العريس الأميركي» مع أهله من المؤيدين لهذا الزواج كل من منطلقاته (وهذا لا ينفي أهمية بعض الاعتراضات من هذا الطرف أو ذاك)، على العمل من أجل تسهيل هذا الزواج. لكن حكاية الموافقة على التزويج من طرف واحد لا تنتهي بهذا المؤتمر أو ذاك. فلكي يكتمل الزواج لا بدَّ من أن توافق «العروس العراق» وأهلها. وبانتهاء موافقة «العريس الأميركي» وأهله يبدأ رفض «العروس العراق» وأهلها.
تبدأ حكاية أهل العروس من أن أرض العراق تأبى أن يدنِّسها أي احتلال مهما كان لونه ورائحته وشكله، ومهما كان عرقه أو دينه أو مذهبه، فهي تلفظه وترفضه، كما تلفظ «الكريات البيضاء» أي نوع من الجراثيم والأوبئة التي تتسلل إلى دم الإنسان وترفضها وتقاومها بشتى الأشكال والوسائل. ف«العروس العراق» أبيَّة وعصيَّة ضد أي زواج بالإكراه، وأكثر مظاهر الإكراه قبحاً هو الاحتلال الأجنبي، وأكثره فظاظة هو الاحتلال الأميركي، وأقبح مشاريعه ووسائله هو وجه أصحاب «القرن الأميركي الجديد».
أرض العراق هي غير أرض الملوَّثين بالتعصب الأعمى للمذهب، والتعصب الأعمى للعرق.
وأرض العراق ارتوت من مياه دجلة والفرات، كما أنها ارتوت من دم الغزاة منذ فجر التاريخ.
أرض العراق لا مذهب ولا عرق فيها فهي أرض العراقيين كلهم وكفى.
أرض العراق رفضت منذ فجر التاريخ الأول أن «تأكل بثدييها». أرض العراق شريفة وطاهرة وكل من تلوَّثت يداه بغير الطهارة من العراقيين لم يكن من أبنائها.
فإذا كانت تلك سمات أرض العراق فهي سمات العراقيين أيضاً. ولأنهم كذلك استقبلوا الغازي الأميركي بما يستأهله من أصوات الرصاص والقذائف والعبوات الناسفة. فبين العراقيين والغزاة تاريخ طويل من الصراع والعداوة، وكانت العداوة ضد الغازي الأميركي أكثر تلك المظاهر وضوحاً، وأكثر تلك الأعمال أذى وإيذاءً لوضع جنوده ووضعه السياسي، وكلاهما في وضع لا يحسدهما أحد عليه.
من وهج أعمال المقاومين العراقيين ونتائجه، التي فاقت التصور (ولمن لم يقتنع بعد فليراجع حقائق ما يجري على أرض الفلوجة التي أذهلتنا جميعاً)، لجأ العدو الأميركي إلى استخدام الاحتياط ممن يسكنون «بيت طاعته» من أجل مساعدته بعقد مؤتمر من هناك أو لقاء هناك. فكان من بينها مؤتمرا «شرم الشيخ»، و«طهران». وبهما وافق «العريس وأهله»، وراحا يطلبان ود العروس.
فكان الجواب سريعاً في كل أنحاء العراق، إذ تحتفل المقاومة كل يوم بتشييع جثث جديدة للجنود الأميركيين وعملائهم ممن خانوا الوطن، وجرحى جدد، يصلون كل يوم إلى أهلهم بالأكفان. ومن لا أهل له تلقي بهم «طائرات الشينوك» في أعماق دجلة والفرات مكفَّنين بأكياس سوداء تبرَّعت بها إدارات الشركات الكبرى في أميركا تكريماً لكل من يقاتل دفاعاً عن مصالحها، أو تدفنهم في أماكن نائية في صحراء العراق لكي تكشفهم الحيوانات الكاسرة، فتكشف وحوش البراري عن وحوش مدفونين في أرض العراق.
أما الرد الأول والأخير «لعروس العراق» جواباً على المحتل الأميركي وكل من جيَّشهم لتوسيطهم في كسب ودِّها، وودِّ العراقيين ستذروها رياح الصحراء وستدفنها في أعماق الرمال بحيث لن تبقى ولن تذر.
وإذا كنا لن نراهن على أن يسمع رئيس الإدارة الأميركية «المأفون» نصيحة المقاومة العراقية، فإن ملامح العتب على البعض من العرب والمسلمين، والألم من تواطؤ البعض الآخر، وخيانة بعض هذا البعض، لا بدَّ من أن تكون معلنة برسمهم لعلهم يفيئون إلى أمرهم. وأشد آيات السخط تتوجَّه من الشرفاء إلى العراقيين الذين لا يدرون ماذا يفعلون بوطنهم، إذ عليهم أن يتذكروا أن الأميركيين والإيرانيين يتصرفون بمصير العراق على قاعدة أنهم ليسوا «أم الولد» الحقيقية. فإننا ندعوهم أيضاً إلى أن يعوا أنهم هم الضحية ولن يكونوا بمنأى عن الذبح لتمتلئ معدات الشركات الأميركية والإيرانية، وتُتخَم، باللعق من دماء العراقيين، كل العراقيين، بغض النظر عن شيعيتهم أو سنيتهم. عن عروبتهم أو كرديتهم، أو آشوريتهم، أو كلدانيتهم.
إن مهر «العروس» غالٍ، فهي ترفض الاحتلال «بالثلاث». وليس ذلك فحسب، لأن العروس لا تقبل بأقل من أن تشيِّع جثمان الاحتلال إلى مثواها الأخير أيضاً. وليس هذا فحسب، وإنما لن ترضى بأقل من أن تخيِّب مراهنات عملاء أميركا فتكون اللحظات الأخيرة في بقائهم على كراسي المسؤولية في «بيت الطاعة الأميركي» أيضاً.
ومن أهم وسائل ذبح وحدة العراق تأتي جريمة الانتخابات على رأسها، فجريمة المشاركة فيها «تُدخِل نار جهنم» وليس العكس. ولن ينجو من عواقب تلك الجريمة، المتواطئ عن عمد أو عن جهل، من داخل العراق أو من خارجه. فالكل المشارك في تلك الجريمة لن يكون بمنأى عن تسلط المخطط الأميركي. فهل نسي البعض أو تناسى عنجهية جورج بوش وفلول إدارته في الأول من أيار من العام 2003م، عندما أعلن الإمبراطور الأميركي «السخيف» و«الكذاب» انتهاء الحرب في العراق، كما أعلن أن خطوته التالية هي قضم الآخرين حبة حبة؟؟؟!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق