-->
الديموقراطية قشرة ثلج
تغطي كوماً من القاذورات الأميركية
إشتهرت في الأدب العربي القديم حكايات »ألف ليلة وليلة«، وتشتهر اليوم في أدب أصحاب »القرن الأميركي الجديد« حكايات »ألف قشرة ثلج إعلامية أميركية وقشرة«. وسوف نبدأ في التأسيس، ونرجو من الكتَّاب القوميين أن يسهموا في الكشف عنها واحداً واحداً، لعلَّنا نخدم البشرية في تعرية الجسم الإمبريالي الأميركي، وغيره، حتى من ورقة التوت التي تستر عوراته كلها.
بداية جرَّد الأميركيون -من المعارضين لمشروع أصحاب »القرن الأميركي الجديد«،وبعض من عملوا في كواليسه- جورج دبليو وإدارته من الثوب الذي يستر أكاذيبهم. وصحَّ على وصف الإدارة بإدارة الكذب والخداع.
وكان أخطر ما كشف عنه »ليندون لاروش«، الأميركي العريق، أن تلك الإدارة تخفي وراء مشاريعها حقيقة حركة سياسية اقتصادية، أطلق عليها اسم »تحالف القوى الدولية المالية والمصرفية«، تدير عمليات »الإرهاب الأعمى« و»استراتيجية التوتر«. وتستخدم من أجل تحقيق مآربها كل الموبقات اللاأخلاقية، على الطريقة الميكيافيلية، ومنها الكذب والخداع.
على قاعدة الاحتيال والكذب، يطل علينا بول بريمر، المندوب السامي الأميركي »قوَّاد« المافيات الأميركية والعالمية، كل يوم بمعزوفة جديدة يعبِّر فيها عن عشقه للديموقراطية، ويهاجم فيها من يحسبهم »أوباشاً« وإرهابيين من الذين يحولون بينه وتعميم ديموقراطية رئيسه وإدارته ومشروع أوليائه من أصحاب »القرن الأميركي الجديد«. يهاجمهم لأنه لا يريدون –كما يزعم- أن تعمَّ التجربة الديموقراطية في العراق.
ويطل علينا جورج دبليو، وبول بريمر، كلما أفلحت وسائل الإعلام في الكشف عن بعض نتائج أعمال المقاومة العراقية في »قصف رقاب« عدد من جنوده المضلَّلين أو من مرتزقته، لنراه دامع العين، باكياً على جثمان الديموقراطية المذبوح في العراق على أيدي »الجهلة والإرهابيين«!! ممن لا يريدون أن يسمحوا لمشروعه الإنساني!! أن يشق طريقه إلى خارج أميركا.
لا شك بأن الديموقراطية تعبير سياسي للحرية. والحرية قيمة إنسانية عليا. وهي بالنسبة للفرد الذي يعيش في مجتمع من أولويات حاجاته كالطعام والتنفس… ولكن على ألاَّ تكون قميصاً جاهزاً، أي بالتعبير الأجنبي »ستاندارد«، تلبسه كل الأجسام. وعلى ألاَّ يكون شعاراً يستخدمه كل من يريد، كما يفعل جورج دبليو وبول بريمر، غطاءً لأعمال قذرة تُبذَل من أجل كل شيء إلاَّ الهدف الديموقراطي. ومن هنا تبدأ حكايتنا الطويلة والمملة مع الديموقراطية الأميركية.
أولاً: الثوب الديموقراطي الأميركي مفصَّل على مقاييس جسم اتحاد الشركات الأميركية الكبرى: فالثوب عندما يفصِّله الخياط فإنما يكون على مقاييس جسم خاص. أما ثوب جورج بوش الديموقراطي فهو مفصَّل على مقاييس الجسم الطبقي الرأسمالي. والجسم الرأسمالي لا يليق به إلاَّ ثوب ديموقراطي يلغي كل مصالح الطبقات الأخرى، ويرتهنها من أجل خدمة جيوب »الفوق نخبوية« الاقتصادية على الطريقة الرأسمالية.
فحتى الطبقات المسحوقة في أميركا الرأسمالية لا تعني ديموقراطية جورج بوش لها شيئاً إلاَّ أن تكون خادمة لنفض الغبار عن أثواب طبقات الشركات الكبرى التي من أهم المستفيدين من خيراتها هم جورج بوش الأب ونائبه ووزير دفاعه ونائب وزير دفاعه إلى آخر السلسلة من إدارة أصحاب »القرن الأميركي الجديد«.
مراجعة سريعة لبعض جوانب إيديولوجيا الشركات الكبرى في أميركا تكشف لنا مدى الحقد الذي يكنّه أصحاب الرساميل لكل فكر تجديدي لا يعير مصالحهم أدنى اهتمام. فهذا لويس باول، (رجل الأعمال الأميركي ومؤسس إيديولوجيا »حرب الأفكار«)،يرى في أي إجراء تقدمي مؤمن بالإصلاح السياسي والاجتماعي هجوماً يستهدف المبادئ المؤسِّسة لأميركا. أما تلك المبادئ فهي تلك التي وضعها »اتحاد الشركات الكبرى« الأميركية العاملة تحت اسم »غرفة التجارة الوطنية«. ومن أهم أهدافها »اجتثاث« تأثير النقابات العمالية، ومحاربة الفكر الذي يدعم الأقليات العرقية.
وهذا وليم كورز، أحد الأقطاب الأميركيين المؤسسين لإيديولوجيا »القرن الأميركي الجديد«، يخاطب الأقليات السوداء، بحقد، قائلاً: »إحدى أفضل الأشياء التي قام بها تجار العبيد بحقكم هي جرّ أجدادكم المكبلين حتى وصلوا بهم إلى هنا«.
ثانياً: ليس الثوب الديموقراطي الطبقي هو الوجه الوحيد المرفوض في ديموقراطية جورج دبليو بل الوجه الوطني هو الوجه الآخر. ولأنه ليس للرأسمال وطن، فالثوب الأميركي الطبقي، الذي لا يتناسب مع الطبقات المسحوقة في أميركا، لن يلائم أبداً جسم الشعوب المقهورة ولا يعبِّر عن مصالحها الوطنية. فالمشروع الذي ينهب جهد مواطنيه وعرقهم لن يكون أقل رحمة بجهد غيرهم وعرقهم.
منذ الخمسينيات من القرن العشرين، وبعد الحرب العالمية الثانية، وبعد حالة التراكم الصناعي والمالي النوعي في الولايات المتحدة الأميركية أعلن »اتحاد الشركات الأميركية الكبرى« أن القرن العشرين هو القرن الأميركي بامتياز. ولأن النمط الأميركي في التفكير والسلوك هو على مثل تلك المقاييس: »لا يرى شيئاً خارج ذاته«، أصبح استيلاؤه على المجتمعات الأخرى يشكل الخطورة الأولى على البشرية.
إن تأصيل المحتوى الإيديولوجي لمفهوم الديموقراطية في القاموس الأميركي هو خير برهان ودليل على نوع الديموقراطية التي يريدها كل من جورج دبليو ومندوبه السامي في العراق. أما مظاهر المحتوى العملي لتلك الديموقراطية فهي أكثر من معبِّر كما سنحاول الإشارة إليها، أي تلك التي يجهد بريمر نفسه لإقناعنا بها، ومن أهم عناوينها ما يلي:
احتلال أرض بشكل مخالف لكل الشرائع الأممية (قوانين وتشريعات الأمم المتحدة).
ولكل الأعراف الدينية (معارضة بابا روما والكنيستين الغربية والشرقية معاً).
ولكل الأعراف الأخلاقية (وصف طوني بن، الوزير البريطاني السابق، احتلال العراق بأنه »سطو مسلَّح«).
وللضمير العالمي (المظاهرات الكبرى في شوارع أكبر المدن في العالم).
وللضمير الأميركي والبريطاني (تظاهرات الأميركيين في العشرات من المدن الأميركية، والبريطانيين في المدن البريطانية).
حتى الأنظمة التي ساندت الاحتلال لم تلتفت إلى الديموقراطية ببلادها ولم تعرها أدنى اهتمام، بل تصرفت على العكس من رغبة شعوبها (مثال أسبانيا المباشر). وعلى الطريقة ذاتها تسير الشعوب الإيطالية والأوسترالية واليابانية والبولندية…
فعلى من تنشر أكاذيبك يا جورج دبليو؟ (أصبح يوصف بالنبي الكاذب في أميركا يمكن للقارئ أن يعود إلى عشرات التصريحات المنشورة،الصادرة عن شتى شرائح المجتمع الأميركي ابتداءً من الجندي انتهاءً بالسيناتورات الأميركيين).
وعلى من تنشر أكاذيبك يا بول بريمر؟ أعلى الأميركيين (وقد وصفوا كل إدارة رئيسك بالكذب، وبالطبع أنت خادم بينهم تنتظر حصتك كقواد للشركات الكبرى)، أم على الشعب العراقي؟
أما إذا كانت أكاذيبك موجَّهة إلى الشعب العراقي، فهي مردودة إليك من دون أي كلمة شكر. فالشعب العراقي أكثر من ملسوع من تلك الأكاذيب. وما نستخدمه من براهين لكشف أكاذيبك لهو آتٍ على لسان العراقيين الذين يشتموك من على شاشات التلفزيون على الرغم من أنك تقطع لسان كل صحفي ينقل خبراً لا يمر من خلال المصافي الإعلامية التي تأتمر بأوامر أولياء أمرك من ثيران »القرن الأميركي الجديد«.
وإذا كانت المجلدات، للكلام عن تلك الأكاذيب، ليست كافية، لأن المتابعين للوضع الحقيقي على الأرض لديهم عشرات آلاف الأدلة، فإننا نحيلها إلى القراء الذين يختزنون الكثير والكثير جداً منها.
بعد ذلك، أناشد ضمائر من بقي لديهم ضمير من وسائل الإعلام العربية، وأسألهم: أوً ليست الديموقراطية التي يبكي من أجلها جورج دبليو، ومن أجلها أرسل الشباب الأميركي لينتحر على أرض العراق، أوَ ليست ستاراً جميلاً يخفي وراءه الأكوام الهائلة من قاذورات مشروعه الخبيث في العراق، وفي غيره من الدول المستهدَفَة لاحقاً؟
وإلى الحلقة القادمة تحت عنوان ( »إعمار العراق؟«:خدعة أميركية لتضليل الضمير العالمي)، نستودع عزيزنا القارئ. وكل كشف آخر عن قشرة ثلج إعلامية أميركية جديدة وأنتم بخير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق