وجهات نظر في ورشة حوار ديموقراطي:
«كُتَّاب المقاومة العراقية» يتسجالون
حول تحديد يوم لانطلاقة المقاومة العراقية
28/ 4/ 2005م
لقد أثار السجال الدائر حول تحديد انطلاقة المقاومة الوطنية العراقية عندي هواجس ومخاوف كتلك التي تناقضت حوله شتى التنظيمات اللبنانية فيما له علاقة بتحديد انطلاقة المقاومة الوطنية اللبنانية في الربع الأخير من العام 1982م وامتدَّ إلى العام 1983م، و لا يزال التناقض جارياً حتى الآن. إذ لا تزال مختلف التنظيمات اللبنانية غير متفقة حول تحديد يوم الانطلاقة الأول. إذ يحتفل كل تنظيم بيوم يختلف عن اليوم الذي يحتفل به الآخر.
لقد لعبت الأهواء الإيديولوجية، للتنظيمات اللبنانية التي شاركت في مقاومة العدو الصهيوني، دوراً أساسياً في ذلك الاختلاف. وقد تحرر الجنوب، وكل ينسب إلى نفسه جزءًا من الفضل في ذلك، وهو محق بلا شك، فالجميع أسهموا بقسط أو بآخر. وإذا كانت المقاومة الإسلامية، التي ليست هي تنظيم آخر غير حزب الله، قد قطفت الإعلام واختطفت الأضواء، فلأنها استكملت المراحل الأخيرة من تاريخ المقاومة اللبنانية لأسباب ليس من المفيد إعادة التذكير بها، لأنها ستفتح سجالاً لا نجد فيه كلبنانيين فائدة في الوقت الذي يتحضَّر فيه الواعون لمقاومة الاستدارة الأميركية من العراق إلى لبنان وسوريا. وهي متروكة للتاريخ لكي يُنصف الجميع. وعليه أن ينصفهم. لكن تلك الثغرة لا تدع أحداً إلاَّ وهو معتز بشهادة كل الذين ارتفعت هاماتهم على الأرض التي تحررت أياً تكن هوياتهم الإيديولوجية، السياسية والدينية.
وإذا كان على من يمهِّدون لتأريخ حدث كبير، كمثل حدث المقاومة العراقية العملاقة، لا يمكن أن يخضعوا كل التفاصيل التي يعتمدها المؤرخ لغربال التقييم. وطبعاً لن ينتظر تسارع الأحداث نتائج عمل الأكاديميين ويعطيهم الفرصة الكافية لكي يأخذوا وقتهم الكامل في التدقيق والتمحيص والنقد. هذا بالإضافة إلى الاستحالة في جمع كل الوثائق والشهادات المطلوبة.
ولأننا نعرف أهمية التعبئة، وشد الهمم الذي يستوجبه علينا نضال المقاتلين في الخنادق. وهو بدون أدنى شك واجب على الإعلام الداعم والمشارك أن يمارسه. وإن تحديد يوم يحتفل به كل المقاومين وكل الداعمين والمؤيدين هو أمر يستوجبه الإعلام المقاوم من أجل تكريم المقاتلين أولاً، وتحريض الشعب العراقي لبذل المزيد من الانخراط في صفوف المقاومة ثانياً، ومن أجل الكشف عن حقائق ما يعتِّم عليه الإعلام المعادي ثالثاً، ولإثبات شرعية المقاومة ضد الاحتلال رابعاً.
ولأننا نعرف أن كل الذين انخرطوا في السجال حريصون على المقاومة العراقية، ندعوهم إلى حرص مقابل، هو أن لا يقعوا في المحاذير التي وقع فيها المقاومون اللبنانيون.
وبما يتوجبه عليَّ احترام كل المنخرطين في ورشة الإعلام المقاوم، وأقول بكل صراحة إن كل المتابعين لهذا الإعلام –حتى بأسماء المنخرطين فيه تنظيمات وأفراد- بدأوا يُصابون بالصدمة من مظاهر السجال واعتبروها بداية غير صحية. لكن هذا لم يقلل من شدة احترامهم لجميع الذين أبدوا وجهات نظرهم، إلاَّ أنهم يخشون من استمرارها.
ولكي لا يبقى الالتباس حاصلاً في أذهان من كتب، كما في أذهان من قرأ، وجدت نفسي معنياً بتقديم وجهة نظر، آملاً أن تجد عند أصحاب القرار مكاناً. كما آمل أن يتم حسم الموضوع لمنع حدوث السجال مرة أخرى. فيذهب من بعده كل الكُتَّاب المنخرطين فيه لممارسة دورهم الإعلامي الذي كشف تزوير الإدارة الأميركية، وبه نفخر، وبواسطته يرفدون المقاومة الباسلة في ظل تعتيم إعلامي خبيث، كبير وواسع.
ولعلَّ الجميع بكتاباتهم يجعلون طلقة المقاتل مسموعة لدى الآذان الصماء التي تجهل مدى تأثير الزنود العراقية السمر، وكل من شاركها أو قد يشاركها من العرب والمسلمين، وطلقات بنادقهم وأصوات عبواتهم الناسفة التي تصدِّر جثث الجنود والضباط المعتدين إلى مرؤوسيهم النائمين على وسادات من الحرير يحسبون كم حصَّلوا ويحصِّلون من ثروات عدوانهم على العراق. ولكن الأرق يلازمهم من محاكمات سوف تُقام لهم في محاكم مجرمي الحرب.
أما فيما يتعلَّق بوجهة نظري الشخصية، فأوردها بعد استعراض مكثَّف لشتى وجهات النظر. راجياً أن يعتبر كل من أسهم بالسجال الدائر أن ما أسهم فيه لا تعدو كونها وجهة نظر حتى تتحوَّل إلى قرار يحدد يوماً رمزياً للاحتفال بانطلاقة المقاومة العراقية:
1-وجهة نظر الكاتبة إيمان السعدون: تقول إنه في الحادي عشر من نيسان (ابريل) انطلقت المقاومة العراقية معلنة بداية اندحار المشروع الاستعماري الأمريكي، ومسجلة ولادة أسرع مقاومة وطنية لاحتلال أجنبي في التاريخ. لذا تقترح أن تقوم جماهير شعبنا في العراق وأبناء امتنا العربية في الاحتفال في يوم الحادي عشر من نيسان (ابريل) من كل عام عيداً وطنياً وقومياً تحيي فيه وتحتفل ببطولات شباب الأمة وشاباتها من أبطال المقاومة العراقية.
2-وجهة نظر الدكتور محمد العبيدي: يقول إن المقاومة العراقية انطلقت من منطقة الأعظمية في بغداد، الأعظمية التي أصبحت تعرف بعاصمة المقاومة في بغداد. ويستند في ذلك إلى شهادات من كانوا حاضرين التجمع الذي جرى عند ساحة الإمام الأعظم (أبو حنيفة) يوم 9/4/ 2003م، حين أمرهم السيد الرئيس بحمل بالسلاح لمواجهة الغزاة. وقد تصدى أبناء الأعظمية الأبطال للغزاة عند منطقة شارع المغرب التي تبعد حولي كيلومترين من ساحة الإمام الأعظم مساء يوم 9/4. وللتأريخ –يقول الدكتور العبيدي- فقد قتل في تلك المعركة أول (علج) أمريكي مجرم في بغداد على أيدي المقاومة الشعبية. وبذلك استحقت هذه المدينة اسم عاصمة المقاومة في بغداد. هذا وقد اعتقلت قوات الاحتلال يومها عدداً من الأبطال بينهم المناضل أحمد عادل العزاوي، الذي لا زال معتقلاً لغاية هذا اليوم ولا يُعرف مصيره.
يستطرد الدكتور العبيدي قائلاً: لدينا العشرات من الشهود على أن المقاومة الباسلة قد بدأت في يوم 9/4/ 2003م، وفي منطقة الأعظمية بالذات، وهي بذلك تكون امتداداً للمعركة التي كان يخوضها الجيش العراقي، والتي انتهت باحتلال بغداد. ويشير إلى أن مقبرة الإمام الأعظم فيها جانب لشهداء ذلك اليوم العظيم من تأريخ المقاومة.
3-وجهة نظر الأستاذ ماجد مكي الجميل: في العاشر من نيسان/أبريل 2003 لقي رئيس العرفاء (تيري دبليو. همنغواي Terry W. Hemingway) مصرعه في أحد شوارع بغداد عندما انفجرت سيارة ملغومة قرب عربة القتال المدرعة برادلي التي كان يستقلها. وفي العاشر من نيسان أيضاً لقي العريف (جيفري بوهر Jeffery E. Bohr) مصرعه في شمال بغداد عند تعرضه لنيران أسلحة رشاشة. هذا ما تنبؤنا به البيانات الصحفية لوزارة الدفاع الأمريكية حول مقتل جنودها على أرض العراق (البيان الصحفي رقم 234/03 بتاريخ 12 أبريل 2003 بالنسبة لهمنغواي، على سبيل المثال).
4-وجهة نظر الأستاذ طلعت الرشيدي: دعا إلى الاحتفال بيوم المقاومة في التاسع من نيسان ليكون متصلا من غير فاصل مع نضال شعبنا وهكذا يكون العراقيون مستمرين بجهادهم من غير توقف .
5-وجهة نظر المحرر في «دورية العراق»: يثور الجدل حالياً حول ما إذا كان بدء انطلاقة المقاومة العراقية الباسلة يوم 10 نيسان أو بعد ذلك . و لا ندري لماذا يحدد تاريخ انطلاقة المقاومة بعد احتلال بغداد ، وكما نعرف أن جيش الاحتلال شق طريقه من الجنوب وقد صادف في طريقه الطويل ليس الجيش العراقي وحده وإنما أنواعاً من المقاومة الشعبية نذكر بعضها :
-أعلنت وكالة الأنباء العراقية الرسمية مساء الجمعة 4-4-2003 أن الانفجار الذي استهدف حاجزاً للقوات الأمريكية بالعراق، وأدى إلى مقتل ثلاثة جنود أمريكيين هو عملية استشهادية قامت بها امرأتان عراقيتان: الفدائية نور الشمري، والفدائية وداد الدليمي. ونفذ ضابط عراقي يدعى (علي جعفر موسى حمادي النعماني) عملية استشهادية السبت 29-3-2003. وفي رأينا إذا أردنا تأريخ المقاومة الشعبية فلنعتبر يوم 4/4/2003 يوم الشهيدتين العراقيتين الفدائيتين وداد ونور هي بداية.
6-وجهة نظر الأستاذ محمد البغدادي: إن يوم انطلاق المقاومة هو يوم التاسع من نيسان عام 2003 وهو يوم متواصل مع بقية أيام كفاح الشعب العراقي ضد العدوان الأميركي المستمر على بلدنا منذ العام 1991. ويسوق الأستاذ البغدادي الأدلة ذاتها التي أشرنا إليها في وجهة نظر الدكتور العبيدي. لكنه يستطرد قائلاً: وتمييزاً عما زعم الاحتلال أنه«يوم التحرير»، الأمر الذي سيخدم الآلة الإعلامية للعدو المحتل، ولأن فيه تجنٍ على التاريخ والتضحيات والدماء، يدعو الأستاذ البغدادي إلى اعتبار 9/ 4، يوماً لانطلاقة المقاومة.
7-وجهة نظر استناداً لشهادة الملازم الأول خالد السلطاني من فريق حماية الرئيس صدام حسين: يوم التاسع من نيسان/ إبريل أي يوم الإعلان عن احتلال بغداد، وقتها كانت الأعظمية تعيش مشهدا مختلفا. غير أننا شعرنا في ذلك اليوم، وقد اقتربت الساعة من الخامسة مساء، أن الموضوع مختلف. ويعتقد السلطاني أن الأعظمية التي تعد معقلا تاريخيا لحزب البعث التي يقطنها بغداديون أصلاء هي التي دفعت بالرئيس إلى اختيارها ليقدم منها أول رسالة للمقاومة الشعبية. في ذلك اليوم قال الرئيس للمواطنين الذين تحلقوا حوله في الجامع، اليوم بدأت معركتنا الحقيقية مع الأعداء، هذه المعركة نحن الذين سنحدد مسارها، ويبدو أنه كان واثقا من كلامه، بدليل الانطلاقة السريعة للمقاومة العراقية. الرئيس صدام حسين شارك المقاتلين العراقيين والمجاهدين العرب بشكل فاعل في معركة نفق الشرطة يوم الخميس في العاشر من نيسان/ إبريل/ 2003م.
إن الرئيس صدام حسين كان فخوراً بالصمود البطولي لمدينة أم قصر وحاميتها، ولمدن الجنوب التي قال الأعداء أن أهلها سيستقبلونهم بالورود، فكان استقبالهم بالبنادق والرصاص، وكان يتحدث طويلا مع معاونيه وقادته العسكريين عن ضرورة الاستفادة من درس أم قصر في الصمود.
8-الامام الخالصي يدعو للمشاركة في المظاهرات للتنديد بالاحتلال بمناسبة مرور سنتين على احتلال العراق في يوم التاسع من نيسان عام2005.
9-حسب وثائق «موقع الكادر»: 10 أبريل سجَّل مقتل ضابط بريطاني في البصرة برصاص قناص.
10-حسب وثائق «نداء المقاومة»: منذ الأيام الأولى لتدنيس قوات الغزو الأمريكي- البريطاني بغداد وبقية المدن العراقية ، بدأت عمليات المقاومة الشعبية البطولية ضد الغزاة المحتلين.
11-وجهة نظر«أبو أوس»، كما وردت في متن نص الأستاذ صلاح المختار حول الموضوع نفسه: هناك جنديان أمريكيان قُتِلا يوم العاشر من نيسان 2003، الأول بواسطة سيّارة مفخخة والثاني خلال مصادمات مع عناصر عراقية مسلحة... من هذا المنطلق يرجِّح الأستاذ أن يكونً العاشر من نيسان يوماً لانطلاق المقاومة... فهناك، على الأقل، دليل مادي ملموس على وجود مقاومة يوم العاشر من نيسان...
وعليه، يتابع الأستاذ أبو أوس، لو تم الاحتفال بيوم الحادي عشر من نيسان يوماً لانطلاقة المقاومة كيف سيتم الرد على سؤال بسيط جداً : «تحتفلون في يوم الحادي عشر من نيسان بانطلاقة المقاومة ... إذاً من قتل الجنديين الأمريكيين يوم العاشر من نيسان؟..».
12-وجهة نظر الأستاذ صلاح المختار: يعلِّل وجهة نظره استناداً إلى الاجتماع المهم لقيادة قطر العراق في مدينة الدور يوم 11 نيسان من العام 2003م، وفيه –يقول- اتَّخذت القيادة قرار خوض حرب الشعب، كما أن قيادة الحزب قد هيّأت واستعدت وأعدت الشعب لخوض حرب التحرير الشعبية منذ وقت طويل قبل بدء الغزو...
ويستطرد قائلاً: وجود هجمات على قوات الاحتلال يوم10/4/2003 صحيح تماماً، وكذلك يوم 9/4 بالذات قد شهد معارك نوعية للمقاومة في خمسة مناطق من بغداد على الأقل، من بينها معركة الاعظمية التي كانت تدور رحاها بقيادة الرئيس صدام حسين، في نفس وقت إسقاط القوات الأمريكية لتمثال الرئيس في ساحة الفردوس. وكانت هناك –أيضاً- عمليات حرب عصابات منذ بدأ الغزو يوم 20/3/2003 إلى جانب الحرب النظامية.
على الرغم من ذلك، يستطرد الأستاذ المختار، فإن حرب العصابات أو حرب الشعب ، كستراتيجية رسمية وأساسية ، كان بعد اجتماع الدور التاريخي يوم 11/4 ، حيث صدرت الأوامر لكافة التشكيلات القتالية ، الحزبية والعسكرية بان تنفذ الخطة (ب) كما أُطلق عليها عالمياً.
13-تحديد يوم الانطلاقة كما ورد في بيانات حزب البعث: هناك التباس حصل في تحديد يوم الانطلاقة في بيانين متتابعين:
-جاء في بيان قيادة قطر العرق، بتاريخ 19/ 3/ 2005م، ما يلي: «إن يوم التاسع من نيسان 2003 قد شكل بداية التقابل القتالي مع الولايات المتحدة تأسيساً على مفهوم نضالي ثوري للبعث، حيث بدأت صفحة جديدة ومهمة في المنازلة، تتميز بأنها الصفحة المدبرة والمصممة مسبقاً، ووفقاً لمنظور وتشخيص قيادة الحزب والدولة وفي المقدمة الرفيق الأمين العام رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة... عندما لا نستطيع تجنب العدوان علينا فإننا سنقاتل، وللقتال صفحاته، وصفحة حرب الشعب والمقاومة الشعبية المسلحة هي الصفحة البعثية باقتدار».
-كما جاء في بيان قيادة قطر العرق، بتاريخ 3/ 4/ 2005م، ما يلي: «لقد كان يوم التاسع من نيسان 2003 يوماً حالك الظلام إلا أن فجر العاشر منه بدد كل ذلك الظلام فكانت الانطلاقة المنظمة لأقوى أسرع وأعظم مقاومة شهدتها حركات التحرر للشعوب في العالم وكان ذلك اليوم بمثابة الإجابة على تساؤل ماذا بعد الاحتلال؟».
بعد أن استعرضنا مجمل وجهات النظر التي حصلنا عليها، سندلي بوجهة نظرنا التالية:
إن تحديد يوم محدد لانطلاقة المقاومة هو رمز نضالي أكثر منه رمزاً سياسياً أو تاريخياً. ولكنه يستفيد من الوقائع السياسية والتاريخية ليكون أقرب إلى الدقة.
إن يوم الانطلاقة الرمزي لهو تكريم لكل الشهداء، والمناضلين، الذين ارتفعوا بهاماتهم فوقنا جميعاً عندما صدّوا العدوان قبل احتلال بغداد أو بعده. بداية من أول إطلاقة وجهها المناضلون في أم قصر وانتهاءً بآخر يوم يتم فيه تحرير العراق.
وبعد أن أثبتت الحرب النظامية لا جدواها منذ احتلال فلسطين في العام 1948م، من دون أن ننسى أي شهيد ارتفع بهامته وهو يقاتل في صفوف أي جيش نظامي عربي. ولأن علينا أن نحتفل بانطلاقة عصر المقاومة الشعبية في العراق، وهذا ما يستوجب تحديد يوم رمزي لانطلاقتها، ولأن ذلك اليوم مرتبط بالتوقيت الذي استكملت فيه المواجهة النظامية أغراضها ودورها. نرى أن هناك ضرورة لتحديد تاريخ لهذا اليوم الرمزي.
وبعد أن عدنا إلى الوثائق المنشورة، أي تلك التي توفَّرت لدينا حتى الآن. نقترح على قيادة المقاومة في العراق أن تفصل بهذه المسألة وتعلن أمام كل المؤيدين والمشاركين والداعمين يوماً يحتفلون به. وتسهيلاً لاتخاذ ما تراه مناسباً. نضع بين أيديها أول وثيقة أُعلنت، وبها تم تبشير الرأي العام بولادة المقاومة، وطمأنت النفوس بوجود القائد صدام حسين حياً، وأعلنت أنه سيتوجه برسالة إلى الأمة.
تلك الوثيقة هي البيان الأول الذي وجَّهته قيادة المقاومة والتحرير بتاريخ 22/ 4/ 2003م. وفيه أعلنت أن أول عملياتها في المقاومة الشعبية قد ابتدأت بتاريخ العاشر من نيسان من العام 2003م. وفي بيانها الثالث، بتاريخ 29/ 4/ 2003م، مهَّدت لأول رسالة سيتوجه بها الرئيس صدام حسين للأمة:
وجاء في البيان الأول: منذ يوم 10/ 4/ 2003 ورجال ونساء المقاومة والتحرير يخوضون عمليات قتالية ما بين الهجوم الخاطف والعمليات الاستشهادية.
كما بشَّر البيان الذي نشرته جريدة القدس العربي، بتاريخ 29/ 4/ 2004م، بأن الرئيس صدام حسين لا يزال حياً، وهذا نص العبارة: « وللمعلومات فان الرئيس صدام حسين لم يقتل، وما زال على قيد الحياة وسيوجه خلال 72 ساعة رسالة لأبناء العراق والأمة». وتصديقاً لما ورد في البيان، فقد وجَّه الرئيس رسالته المنتظرة، والتي أرِّخت في 28/ 4/ 2003م.
وجهة نظر:
بتاريخ شهر أيلول/ سبتمبر من العام 2003م، وبتلقائية الباحث مستنداً إلى الوثائق المتوفرة في ذلك الوقت، سجَّلت في الفصل السادس من كتاب «المقاومة الوطنية العراقية: معركة الحسم ضد الأمركة»، الذي وجد طريقه للنشر في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2003م، ما يلي: «احتفل الغزاة بإسقاط تمثال الأمين العام للحزب في ساحة الفردوس في بغداد، في التاسع من نيسان من العام 2003م، إعلاناً منهم بانتهاء الحرب، وكأنهم بذلك يؤكدون أن حزب البعث انتهى بانتهاء سلطته السياسية في الحكم... وفي غمرة الفوضى العارمة، التي أشاعتها قوات الاحتلال وسمحت بها، بالتعاون مع عملائها. وما كاد الإعلام الأميركي، إعلام الغزاة الذين لا يريدون ما ينغِّص عليهم انتصارهم العسكري النظامي، يعلن انتصار القوات الأميركية في العراق، حتى كانت في الجهة الأخرى ترتفع زنود الأبطال العراقيين، بقيادة الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي، منذ العاشر من نيسان من العام 2003م».
وكنت قد اعتمدت على أول وثيقة أعلنتها «قيادة المقاومة والتحرير»، والتي نشرتها جريدة القدس العربي، بتاريخ 22/ 4/ 2003م، وفيها جاء إعلان واضح لا لبس فيه: «منذ يوم 10/ 4/ 2003 ورجال ونساء المقاومة والتحرير يخوضون عمليات قتالية ما بين الهجوم الخاطف والعمليات الاستشهادية». ومن أجل النظر إلى الوثيقة بعين النقد للتأكد من صحة ما ورد فيها، وشرعية الذي أصدرها، لاعتمادها في التأريخ الصحيح، نبيَّن الوقائع التالية:
أولاً: وردت في بيان قيادة المقاومة والتحرير بتاريخ 29/ 4/ 2003م، العبارة التالية: «ولا بد من توضيح أن القيادة (أي قيادة المقاومة والتحرير) ليست امتداداً للحكومة العراقية التي لا نشك في وطنيتها وإن كنا نختلف معها في إهمالها الخطوات الجادة للتحول نحو الديمقراطية... واليوم اتضحت للرئيس صدام حسين الحقيقة، فقد اكتشف أن من كان يعارض الديمقراطية في العراق من المسؤولين الحكوميين هم أول من هرب من ساحة القتال».
وجاء في رسالة الرئيس صدام، بتاريخ 28/ 4/ 2003م، دعوة إلى العراقيين قائلاً: «انسوا كل شيء، وقاوموا الاحتلال، فالخطيئة تبدأ عندما تكون هناك أولويات غير المحتل وطرده». يتابع الرئيس صدام حسين، في رسالته الثانية، بتاريخ 7/ 5/ 2003م: »وحين يكون هناك وقت ومكان لمراجعة التجربة (أي تجربة حزب البعث قبل احتلال العراق) سنفعل بروح ديمقراطية لا تخضع لأجنبي أو صهيوني«.
ثانياً: كما بشَّر البيان الذي نشرته جريدة القدس العربي، بتاريخ 29/ 4/ 2004م، بأن الرئيس صدام حسين لا يزال حياً، وهذا نص العبارة: « وللمعلومات فان الرئيس صدام حسين لم يقتل، وما زال على قيد الحياة وسيوجه خلال 72 ساعة رسالة لأبناء العراق والأمة». وتصديقاً لما ورد في البيان، فقد وجَّه الرئيس رسالته المنتظرة، والتي أرِّخت في 28/ 4/ 2003م.
إن تلك الإشارات المُثْبَتة بالنص تؤكد علاقة الرئيس صدام حسين بـ«قيادة المقاومة والتحرير». كما تؤكد -بشكل غير مباشر- أن تلك القيادة لن تكون شيئاً آخر غير القيادة التي التقت في مؤتمر الدور الذي كشف عنه الأستاذ المختار. ولارتباط «قيادة المقاومة والتحرير» مع الرئيس صدام ينفي إمكانية أن تكون للمقاومة قيادتان: تلك التي أعلنت البيان الأول، بتاريخ 22/ 4/ 2003م. وتلك التي اجتمعت في الدور بتاريخ 11/ 4/ 2003م. وقد تكون أهداف المؤتمر هو وضع آلية للتنسيق بين شتى البعثيين المكلفين بمهمات يتكامل بعضها مع البعض الآخر. ولأن المهمات الموكلة إلى العسكريين هي غير تلك الموكلة للسياسيين، ولأن العمل العسكري لن ينتظر بياناً سياسياً لينطلق، ولهذا فقد سبق العمل العسكري البيان السياسي، وهذا ما قد يفسِّره صدور البيان السياسي الأول عن قيادة قطر العراق، بتاريخ العاشر من حزيران/ يونيو من العام 2003م.
وعلى أية حال، فإن الاحتفال بيوم انطلاقة المقاومة مظهر احتفالي نضالي، تشارك فيه كل القوى المؤيدة للمقاومة التي لا تستطيع المشاركة بالعمل العسكري من أجل تكريم المقاومة بمناضليها وشهدائها. لهذا نعتبر تحديد يوم واحد ثابت من كل عام أمراً ضرورياً.
ولأنه يوم رمزي، ولا علاقة له بإيديولوجية غير «إيديولوجية المقاومة الشعبية»، يستطيع أي تنظيم أن يكرِّم مناضليه وشهداءه فيه. وفي توحيد المناسبة أكثر من مغزى توحيدي، نفسي ومعنوي، يشمل المقاتلين والشهداء والمناطق والأطياف.
كما يمكننا، من أجل تحديد يوم انطلاقة المقاومة في العراق، أن نجمع ما بين عامليْ التاريخ والتأثير القيادي. ولأن قيادة البعث كانت قائدة مخططة ومنفِّذة، لا يمكن إلاَّ أن نضع حصيلة وجهات النظر بين يديها، ونطالبها بإعلان يوم وطني وقومي، وفي تقديرنا أنه سيكون يوماً عالمياً لكل حركات التحرر في العالم، ليقوم الجميع –وفي وقت واحد- برفع أصواتهم لدعم المقاومة في العراق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق