--> --> -->
جورج بوش يمثل أمام محكمة دينونة الشعب الأميركي
كخطوة للمحاكمة أمام دينونة «المحكمة الجنائية الدولية»
28/ 6/ 2005
أقتل بدم بارد حتى تظهر الجريمة بثياب شرعية ومعترف بها، ولكن عليك أن تنتظر اليوم الذي ينكشف فيه خداعك. فتظهر جريمتك كاملة الأركان وسوف يعلن «المحكمون» أنك مذنب.
أيها الحملان الوديعان، جورج وطوني، لقد تراكمت كرة ثلج جرائمكما في العراق. وأخذ ضمير «المحكمين» الذين طالما سقتم لهم أسباب عدوانكما على العراق بثياب «العدالة» و«الديموقراطية»، و«الحضارة»، يستفيق. وراحت أساليب التضليل والخداع تنكشف تباعاً. فما عليكما إلاَّ أن تراجعا نتائج استقصاءات الرأي التي تعلنها مؤسسات كانت تعلن لكما، منذ سنوات قليلة، أنكما تغزوان العراق حرصاً منكما على مصلحة البشرية.
لم تكن الضرورة الشعبية في أميركا تستدعي الاهتمام بنتائج احتلال العراق لو لم تكبِّر المقاومة العراقية فاتورة القتلى بين جنود الاحتلال، ولو لم ترغم الإدارة الأميركية على دفع فاتورة مالية ضخمة أوقعت ميزانية الولايات المتحدة الأميركية في أكبر عجز عرفته في تاريخها.
بديلاً عن الورود لـ«لمحررين» كان الرصاص الذي يرغمهم إلى العودة إلى ديارهم ملفوفين بورود علم بلادهم، حاملين أحذيتهم لتأخذ مكانها في حدائق البيت الأبيض. وبديلاً عن استثمار ثروات العراق لصالح الأميركيين كان العجز الكبير في ميزانيته حيث ذهبت أموال المكلف الأميركي إلى جيوب «دهاقنة» البيت الأبيض وجيوب شركاتهم الكبرى.
ولما أخذ المستور ينكشف أمام الشعب الأميركي اقتربت ساعة الدينونة الشعبية لتبدأ محاكمة جورج بوش وأركان إدارته. وهي البداية والمدخل لمحاكمة أكبر وأشمل سوف تعقدها «المحكمة الجنائية الدولية» لتطالب بتعويض كل ما اقترفته أيدي المجرمين الكبار والصغار من جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في العراق. وإذا لم يكن هذا المقال يتسع للكلام عن عناوينها فلن نستطيع إلاَّ الإشارة إلى أن الملف هو أكبر بكثير مما نظن. وأفظع بكثير مما نتصور.
لم يكن بالعسير على المراقب الذي يتابع وقائع الصراع بين المقاومة العراقية «معسكر الخير والشرعية» والإدارة الأميركية «معسكر الشر والجريمة»، والذي يعرف قوانين الصراع بين «إرادة المقاومة الشعبية» و«إرادة الاحتلال والاغتصاب»، إلاَّ أن يعرف نتائجه مهما طال الزمن أو قصر. وهذا الوقت هو أوان القطاف الذي أخذت المقاومة فيه تفرض واقع إحالة جورج بوش أمام محكمة الدينونة الشعبية الأميركية. وجورج بوش، كقارئ لتاريخ بلاده في فييتنام، يعرف أن ملامح هزيمتها ابتدأت منذ أن نصب الشعب الأميركي محاكم الدينونة الشعبية لسلفه الرئيس «ريتشارد نيكسون». وللتذكير فقط، نستعيد ذكر أهم ما قام عليه المشروع اليميني الأميركي المتطرف في العام 1973، أي عام «إعلان الهزيمة الأميركية في فييتنام».
قال أريك لوران،الكاتب الأميركي في كتابه «عالم بوش السري»: قبل أن تستفحل ظاهرة اليسار الأميركي، الذي نشأ على وقع حرب فييتنام ونتائجها، خاصة وكان له التأثير البالغ –بمساعدة من الشارع العالمي- في إخراج مشروع الهيمنة الأميركية مهزوماً من تلك الحرب. وعلى وقع تلك التأثيرات، راح كارتل الشركات الصناعية الكبرى، مستعيناً بمراكز الدراسات التابعة لها، يرسم مخططاً جديداً يتَّسم بالنفس الطويل كي تأتي خطواته مضمونة التحقق. وهذا ما أشار إليه لويس باول بمذكرته إلى الأمة الأميركية ناطقاً باسم غرفة التجارة الوطنية؛ وفيها يحذِّر من خطر الشيوعيين واليساريين وغيرهم من الثوريين الذين يسعون إلى تدمير النظام الأميركي الاقتصادي والسياسي. ودعا ليس إلى استعادة السلطة التي اهتزَّت بعد حرب فييتنام، بل إلى تعزيز سيطرة مستديمة على »السياسة والمجتمع الأميركي«، من خلال إنشاء »منظمات يتم التخطيط لأهدافها، ولتنفيذ هذه الأهداف بتناغم مع أعمال تمتد لعدة سنوات تدعمها آليات تمويل تتطلَّب جهوداً متضافرة«. على أن توظِّف الباحثين والصحف والكتب والمقالات والرسائل النقدية لتصويب الخلل الناتج من حرم الجامعات. وبها تشن الحرب ضد الثقافة المضادة.
وعلى الرغم من أن مفكري ومخططي المشروع الأميركي، الذين انتدبوا جورج بوش لتنفيذه في هذه المرحلة، توهموا أنهم قاموا بـ«اجتثاث الفكر الأميركي المعارض» إذا به يظهر، بعد إعلان موته، في نتائج استطلاعات الرأي التي تنشرها وسائل الإعلام الأميركية.
وعلى الرغم من أن بعض المعترضين على استمرار الاحتلال هم من الذين أيدوا الحرب والعدوان، إذا بهم يترأسون نواة الاعتراض والمطالبة بالانسحاب من العراق.
وإذا بالجنود الذين ذهبوا إلى العراق طمعاً بالاستفادة من ثرواته يعودون إلى بلادهم إما ملفوفون بالعلم الأميركي، أو يجرهم رفاقهم وأهلهم على عربات المعوقين، أو ممن يخضعون إلى علاجات نفسية نتيجة إصاباتهم بـ«لوثة تأنيب للضمير». وإذا بآخرين منهم يسهمون في كشف الغطاء عن أقذر الجرائم التي يرتكبها قادتهم. وإذا بالقادة يكشفون عن أن الجريمة في العراق ذات عمق إيديولوجي له خصائص النظام الرأسمالي الأميركي. وباختصار أخذت نواة الثلج تصبح كرة تكبر يوماً أكثر من اليوم الذي سبقه. وإذا بملامح الهزيمة تبدأ بالظهور بوضوح في تصريحات القادة الأميركيين، كما تظهر في تصريحات عملائهم كابراهيم الجعفري وأياد علاوي.
وفي تلك الحالة راحت إدارة جورج بوش تسابق الزمن الذي تعلن فيها هزيمتها في العراق لكي تستطيع لملمة ما يمكن أن تعوّض فيه خسارتها.
لقد بدأت فعلاً مرحلة إحالة إدارة جورج بوش إلى محكمة الدينونة الشعبية الأميركية، وراحت تعد حساباتها على أساس تراكمها واستمرارها، وكانت المفاجأة الأولى لكل أركانها تتمثل في أنها لم تستطع «إعدام الضمير الشعبي الأميركي»، سواءٌ أكان ضمير الشارع أم كان ضمير قادة الرأي في المؤسسة الرأسمالية، ديموقراطية كانت أم جمهورية، ومن أهم ملامحها جلسات الاستجواب التي أُخضِع لها دونالد رامسفيلد أمام الكونغرس. وعندما طالبوه بالاستقالة، والاستقالة هي إعلان لفشل المشروع بأكمله، لم يكن في وسعه ما يردُّ به أكثر من أن رئيسه لم يوافق على استقالته، وحتماً لن يوافق لأنه لا يريد أن يعلن «موت مشروعه المجنون ودفنه»، فهو يريد أن يطيل بعمر إدارته لكي يداوي ما يرى أنه يمكن مداواته قبل إعلان الفشل الذريع.
لقد اعترف روَّاد المشروع اليميني الخبيث بإفلاسهم، وتباروا، كلٌّ من وقعه بالاعتراف:
دونالد رامسفيلد توقَّع للمقاومة أن تستمر اثنتيْ عشرة سنة أخرى. وجون أبي زيد اعترف أن المقاومة وتأثيراتها تتصاعد. والعميل ابراهيم الجعفري اعترف بأن العملية السياسية التي يبنيها سليمة وكفؤة ولا ينقصها إلاَّ عامل الأمن المناسب. وطوني بلير يدعو إلى مشاركة المسلحين في العملية السياسية كضمان لنجاح العملية السياسية. وتتعالى في بريطانيا أصوات من داخل الإدارة الإنكليزية إلى أن العام 2006 سيكون العام الحاسم في اتخاذ قرارات حاسمة لكنها مؤلمة. وإن طوني بلير سيتخذ قراراً حاسماً، على لسان خدمه وحشمه، حتى لو كان شبيهاً بـ«من يتجرع السم»، وهذا ما سبقه إليه «خميني إيران» في العام 1988.
كلها مقدمات لعملية سياسية يستكملها جورج بوش وإدارته، وباستكمالها قد تكون بداية «إعلان الهزيمة». أما السيناريو المرسوم، كما نتصور أنه يجري، فهو كالتالي:
-الخطوة الأولى: لقد تواطأ مجلس الأمن الدولي، في القرار 1546/ تاريخ 8/ 6/ 2004، بإلغاء صفة الاحتلال عن التواجد الأميركي – البريطاني في العراق، كمقدمة لعملية سياسية تدفع بها إدارة جورج بوش إلى تشريع قيام حكومة عراقية تضمن توقيعها لاتفاقيات سياسية وعسكرية واقتصادية تكون ملزمة لأية حكومة عراقية تأتي في المستقبل سواءٌ أكانت حكومة موالية للاحتلال أم كانت «حكومة تحرير العراق من الاحتلال». ومن أجل ذلك، أجرت إدارة الاحتلال –بتوطؤ من المؤسسة الأممية- انتخابات كانون الثاني/ يناير 2005. وكانت نتائجها تشكيل حكومة ابراهيم الجعفري التي كانت مهمتها إطالة عمر الاحتلال عندما طلبت من مجلس الأمن تمديد مهمة ما سمته «القوات المتعددة الجنسيات» في العراق، وهذا ما حصل في أوائل شهر حزيران/ يونيو 2005.
-الخطوة الثانية: إلحاح الإدارة الأميركية على صياغة دستور للعراق في أواسط صيف العام الحالي (2005)، وهي تستخدم كل وسائل التزوير والاحتيال والابتزاز لتظهره وكأنه يمثل كل أطياف الشعب العراقي من خلال ترهيب السنة وترغيبهم في الانضمام إلى اللجنة العميلة التي ستقوم بصياغته. ولأن النتائج معروفة ومضمونة فلن نقف كثيراً أمام السيناريو الذي يتم تنفيذه.
-الخطوة الثالثة: تشكيل حكومة عراقية جديدة في كانون الأول/ ديسمبر 2005، تعترف بها المؤسسة الأممية، وتعتبرها شرعية لتخفي معايبها وتواطؤها وعمالتها للاحتلال، وعلى أساس ذلك تقوم بتوقيع ما تريده الإدارة الأميركية من معاهدات واتفاقيات تعتبرها ملزمة لأي نظام سياسي سيخلفها بعد الانسحاب الأميركي من العراقي.
-الخطوة الرابعة: إن الاعتراف بشرعية حكومة كانون الأول يؤدي إلى الاعتراف بالقوة الأمنية (شرطة وحرس وطني وأجهزة مخابرات...)، التي يعمل الاحتلال على تدريبها وتأهيلها لسد الفراغ الأمني الذي سيخلق نتيجة انسحاب قوات الاحتلال إلى قواعد عسكرية بعيدة عن المدن والقرى العراقية. وهذا يقتضي دعوة دول العالم للاعتراف بشرعيتها، وما يستتبع ذلك من طلب مساعدة عسكرية دولية لحمايتها، أو مساعدتها على حفظ الأمن في العراق.
-الخطوة الخامسة: ستعمل قوات الاحتلال كل جهدها، في فسحة الأشهر الثمانية التي أعطاها مجلس الأمن، من أجل استخدام كل وسائل الإجرام السياسي والعسكري والجنائي، للقضاء على المقاومة العراقية (لعل وعسى تنقلب الطاولة رأساً على عقب). وإذا لم تنجح «الطلقة الأخيرة» في جعبة إدارة جورج بوش، فستكون القواعد الأميركية البعيدة عن المدن حلاً مرحلياً تستخدمه إدارة الاحتلال في محاولة منها لحماية الحكومة العميلة الجديدة، التي لا نحسب أنها ستكون من غير الوجوه التي صدقت الوعد وحافظت على العهد،، ومساندة القوات (التي غلَفتها بقشرة شرعية واهية).
-الخطوة السادسة: وعلى الرغم من أننا نستنتج أن قيادة المقاومة قد أعدَّت لهذا الاحتمال عدَّة مواجهته (قصف التجمعات الكبيرة بالمدفعية والصواريخ، وقطع خطوط الإمداد عنها...) فإن قرار «الاعتراف بالهزيمة الأميركية في العراق جاهز»، ولن تتأخر الإدارة عن إعلانه. والسبب أن ذراع المقاومة العراقية قد بدأت تشق طريقاً لها في الشارع الأميركي، الذي سوف يشق طريقاً أوسع لـ«حركة الضمير العالمي»، وليس ببعيد أن يكون «الضمير العربي» قد بلغ نقطة الانفجار الحاسم متمرداً على قمع الأنظمة الرسمية المتواطئة مع الاحتلال الأميركي.
ستة أشهر أو أكثر بقليل تفصلنا عن الاستحقاق الأخير الذي ستواجهه إدارة جورج بوش، أما طوني بلير فلن ينتظر إعلان الهزيمة من فم جورج بوش، لأنه على قاب قوسين أو أدنى من الصراخ في معركة عض الأصابع مع المقاومة العراقية.
-الخطوة السابعة: لن نذكِّر العملاء الذين أسهموا في ذبح بلدهم، وهم الآن يتوسلون كسب شرعية زائفة من احتلال زائف «لا يرى وجه الله إلاَّ من خلال نقطة بترول»، سوى بمصير عملائه في سايغون. وللأسف سيهرب هؤلاء بالغنائم التي اقتطعوها من فم العراقيين ودمائهم وجلودهم ليلوذوا بالسلامة، كما لاذ أشبهاهم عملاء أنطوان لحد، فنحن نخاطب كل الذين خُدعوا بهم وبوعودهم ليعودوا إلى رشدهم. كما نخاطب كل الذين سوَّغوا لهم جريمتهم بـ«الفتوى الدينية» ليروا كم استغلوا اسم الله ليلحقوا الأذى، كل الأذى، بشرفهم وأعراضهم وأرضهم.
-الخطوة الثامنة: إذا كان ضغط دينونة الشعب الأميركي سيدفع بإدارة جورج بوش إلى الانسحاب من العراق لوقف سيل الخسائر التي يدفعها الشعب من دم أبنائه ومن ماله، فإن دينونة الضمير العالمي (القانون الدولي، حقوق الإنسان، اتفاقيات جنيف، القانون الإنساني الدولي، اتفاقيات المؤسسات الأممية وشرائعها، المحكمة الجنائية الدولية، محاكم مجرمي الحرب الدولية...) لن ترضى إلاَّ بمحاكمة مجرمي الحرب في أميركا وبريطانيا. وعلى كل منهم أن يتحسس رقبته منذ الآن. فملفاتهم الاتهامية جاهزة وحاضرة. وإن غداً أيها المجرمون لناظره قريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق