الخميس، فبراير 25، 2010

كلام هادئ في مغالطات كبيرة

-->
كلام هادئ في مغالطات كبيرة
نشرت جريدة الديار، بتاريخ 6، 7، هـ 9- 1990 مقالتين: الأولى، تحت عنوان »الخديعة الكبرى... وتهالك اللانظام العربي الراهن« على حلقتين متتاليتين.
الثانية، تحت عنوان بين التزام أصيل بالقومية وضرورات توزيع عادل للأعباء.
المقالتان وقعهما الدكتور ممدوح البلتاجي، رئيس الهينة العامة للاستعلامات المصرية. محتويات المقالتين: يحدد الكاتب مراحل نمو النظام العربي أو مراحل تحولاته في ثلاث:
- الأولى: مرحلة التبعية للاستعمار.
- الثانية: مرحلة الصحوة القومية بقيادة ثورة 23 يوليو عن طريق الشارع العربي.
- الثالثة: وهي المرحلة الراهنة حيث يسود فيها حسب تعبير الكاتب نظام »اللانظام«.
أما المرحلة الثالثة، وهي التي تدور حولها مضامين المقالتين، فيضعها الكاتب تحت مجهر معالجاته: ضربت الثورة المصرية ونظام الصحوة القومية في العام 1967، حيث انتصر المشروع الأجنبي (الإسرائيلي- العربي)، فتحولت اهتمامات العرب، حتى الذين مثلوا إرادة الصمود، إلى موقف دفاعي منحسر جل اهتماماته إزالة ثار العدوان. انفرطت الجبهة العربية بسبب تقاعس الثروة النفطية، وتزايد ظاهرة الانكفاء الذاتي، وضربت كل محاولات التكامل الاقتصادي، ازدادت الخلافات العربية، دخلت القوة العظمى الأولى شريكاً مباشراً، في حسم التوازن الاستراتيجي لصالح إسرائيل..
قاد العراق في مؤتمر بغداد العام 1979 حركة الحصار والملاحقة والخنق والتجويع، ضد القاهرة، لاستلاب دورها القيادي، شاركها في ذلك دول الخليج الغنية، وقع العراق مباشرة في مستنقع حرب الثماني سنوات مع إيران، اتجه رأسمال دول الخليج نحو استنزاف نفسه بعيداً عن بناء القاعدة التنموية العربية، وانغمس في حلقة التآكل المنظم في بورصات وبنوك الغرب.
يخلص الكاتب إلى أن سمة اللانظام العامة جعلت مراكز المبادرة أو القرار الحقيقية للعالم العربي من خارجه!.
إلى هنا ينتهي التشخيص العام ويبتدئ الكاتب في تحليل وتعليل السمات الخاصة لدور العراق في أزمة الخليج، وتجدر الإشارة إلى أن العام استهلك 30% من المقالتين و 80% منهما لدور العراق المخادع (حسب تعبيره)، ليخلص بنتائج أن هناك واجبات تجاه مصر لسبب أعبائها في هذه المرحلة، على العرب أن يؤدوها كاملة.
ولضرورة المحافظة على منهجية واضحة للرد على الدكتور البلتاجي، وجدنا من المناسب أن نعرض مواقفه التي حددها حول العديد من الموضوعات المتشابكة في مقالتين، وهذه الموضوعات هي التالية:
النظام المصري- أمريكا وحلفائها- إسرائيل وحلفائها- دول النفط العربية العراق.
بداية، وللأمانة الموضوعية نعتقد أن الكاتب قد حدد مراحل التحول في النظام العربي تحديدا دقيقاً، لكننا نسجل عليه أن ما يؤثر في التحولات ليست الأنظمة فحسب، وإنما لا ننسى الدور المؤثر للاتجاهات الفكرية والسياسية التي تنغرس في أذهان الجماهير بقيادة الحركات الشعبية المنظمة المسلحة بمناهج فكرية وسياسية ثوريه، من هنا نجد في مقالتيه تغليب عواطفه تجاه الأنظمة وليس تجاه لجماهير.
ما هو موقع الكاتب وموقفه من النظام المصري الراهن؟ ان لم يكن دورنا أن نحدد العوامل النفسية الذاتية المؤثرة في صياغة الاتجاهات لكننا نرى أنفسنا مضطرين إلى الاعتقاد بأن موقع الدكتور البلتاجي على رأس مؤسسة رسميه تابعة للنظام المصري، ولن يصل إلى هذا لموقع إلا من مارس هذا العمل عشرات السنين، يكون خلالهما قد تأقلم نفسياً واكتسب سمة التأثر بكل ما هو تابع للنظام الذي يخدمه.
لذلك نرى أن كل ما جاء لسانه وفيما يختص بالنظام المصري يأتي في خانة الدفاع عن هذا النظام سواء كان ظالماً أو مظلوما، في مواقفه أم مصيب، وهذا ما يسم دفاعه بالعصبوية "النظامية" ويشكل سبباً لوقوعه في تناقضات متعددة.
إن الدكتور البلتاجي، أظهر إعجابه وبقيت أحكامه الإيجابية ثابتة لصالح النظام المصري، رغم أنه قد شهد تحولات جذريه بين مرحلتين: مرحلة الصحوة التي مثلتها ثورة 33 يوليو المجيدة، ومرحلة ما أطلق عليهما الكاتب نفسه مرحلة الموقف الدفاعي المنحسر تسعى فيه دول المواجهة مع إسرائيل إلى إزالة آثار العدوان حتى لو كان عنا طريق المفاوضات السلمية مع العدو الإسرائيلي. المرحلة الأولى مثلهما الرئيس الراحل جمال عبد الناصر واتسمت بشعار "ما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، أما المرحلة الثانية فمثله أنور السادات واتسمت بشعاره، ان التناقضات مع العدو الصهيوني هي تناقضات نفسية، وما زالت هذه المرحلة مستمرة بقيادة الرئيس حسني مبارك.
انطلاقاً من هذا التناقض، لا ندري كيف استطاع دكتور البلتاجي ان يقتنع بالتوفيق بينهما حيث وصف الأولى بأنها "كسرت، إلى حين ونسبياً، نظام التبعية" ورغم نسبية الكسر فإنها قد حققت مـا نصبو إليه من امتلاك للإرادة والقرار العربي الحر.
باعتراف الدكتور البلتاجي، أن كسر نظام التبعية هو طموح هام من طموحاتنا القومية، فهل جاءت المرحلة. الثانية لتناضل من أجل الكسر المطلق للتبعية؟
في تقديرنا جاءت المرحلة الثانية، لا بنية تطوير المكاسب النسبية التي حققتها المرحلة الأولى للنظام العربي في مصر، وإنما، لتعيد الأمة العربية إلى مرحلة نظام التبعية، ولتي كانت واضحة في شعار أنور السادات المشهور، "99 % من أوراق الحل هي بيد أميركا". وبتلك الرئيس حسني مبارك الطريق ذاته حسب منطق الشعار السالف ذكره، فعهد الرئيس مبارك هو امتداد لمرحلة الساداتية.
بالرغم من موقفه اللامقتنع من مرحلة "الموقف الدفاعي المنحسر" يبرز حماس الدكتور البلتاجي إلى جانب كافة المواقف التي اتخذتها أو تتخذها قيادة هذه المرحلة، وللتأكيد على صحة ما نقول تقتطع بعض العبارات الدالة على حكمنا.
1- مصر الوفية (الكاتب يقصد النظام، ونحن مقتنعون بوفاء الشعب المصري) حينما فشلت في رأب الصدع العربي في قمة القاهرة (آب 1990) "انحازت مصر- وبحسم واجب- إلى الشرعية.. شرعية مواثيق العرب... وشرعية العلاقات الدولية المعاصرة".
وبدورنا نسأل: هل يتم رأب الصدع العربي بإرسال قوات مصرية لتقف إلى جانب قوات حلف الأطلسي حامية إسرائيل؟ فإذا كانت المسألة نفسية، كما على عهد السادات، من هنا يبدأ الانزلاق الخطر ومن هنا يتأكد إصرار الرئيس حسني مبارك على متابعة خطى ا لسادات.
ما هي شرعية العلاقات الدولية؟ أين هذه الشرعية التي لم تستطع تطبيق قرارات مجلس الأمن التي تدين العدو الصهيوني؟ نحن إذا كنا لن ندافع عن الذين يخرقون هذه الشرعية أو الذين يتمردون عليها، إنما يحق لنا أن نؤشر بإصبع الاتهام إلى من ينظرون إلى هذه الشرعية بعين واحدة.
3- ورد عنده فيما يختص بموقف مصر من الحرب العراقية الإيرانية العبارة التالية: "استنفار النخوة القومية المصرية.. " هل يعني الكاتب ما يقول، أم أنها زلة لسان؟
لا نظن أنها زلة لسان فالمسألة القومية عنده متلازمة مع مفهومه للقومية المصرية، فهل هناك ما يتعارض بين تعبيره وبين المفهوم العامي المصري حينما يعبر عن نفسه بأن، "مصر أم الدنيا"؟
لن ننزلق إلى التسطيح في تفسير التعبير السابق ذكره والترابط بين التعبيرين: "القومية المصرية" و"مصر أم الدنيا"، وإنما نعود إلى ما ذكره الكاتب في مقالته الثانية عن المسألة القومية حينما يعبر أن "هوية مصر العربية وانتمائها القومي حقيقة موضوعية استراتيجية وليست أداة سياسية تكتيكية... تلك قضية محسومة منعقد عليها إجماع مصري وسع رغم بعض الخلاف أو بعض الجدل حولها...".
في مقالته الثانية وحسب تعريفه للقضية القومية والخلاف الواقع حولها ي مصر، يدل بشكل واضح ومن خلال عدم قدرته على التمييز بين لقومية المصرية والعربية، أن الكاتب هو من المناصرين لبعض لمصريين الذين يجادلون، في هوية صر العربية حساب صر لمصرية.
ان توضيحنا لهذا الجانب له أهمية أساسية في تفسير المواقف الخاطئة التي أتخذها الكاتب أثناء معالجته لأكثر من قضية في مقالتين اثنتين.
3- بعد حرب تشرين في العام 1973 وحينما أدركت مصر بحدسها السياسي الدقيق (حسب تعبيره) مخاطر إبقاء حالة اللاسلم واللاحرب بعد أكتوبر وحررت أراضيها بالتفاوض والسلام،... يتابع الكاتب بما معناه: واصل النظام المصري سعيه لحسر احتلال الإسرائيلي عن بقية الأراضي العربية المحتلة وإقرار الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في إطار سلام عادل وشامل مستقر.
ونتيجة لهذه السياسة الحدسية برزت مصر، يتابع الكاتب، من عقد كامل مضى، كدولة صانعة للاستقرار والسلام الإقليميين يحترم المواثيق والعهود.
لست أدرى لماذا يسعى الدكتور البلتاجي إلى استخدام مفردات غامضة في تحليله وتعليله، هذه المفردات تساعده على الهروب من النظر إلى، لحقيقة بجرأة، مثل استخدامه الحدس السياسي الدقيق الذي تتميز به مصر. الحدس الذي يكشف المخاطر...
لنا ملاحظتان في هذا السياق:
الأولى: لماذا يخلط باستعماله تعبير مصر، بين النظام وبين الشعب، وبين الاستراتيجية الفكرية لكل منهما وكذلك الاستراتيجية السياسية. فهل ما يقصده ان لا فرق بين الاتجاهات السياسية وبين الحدس السياسي؟ هل هو حدث النظام، أم حدس الجماهير، أم حدس القوى المصرية المعارضة للنظام؟
بدورنا، لا نشك أن الدكتور البلتاجي يحسب أن النظام المصري هو كل مصر.
هل أصبح الحدس بديلاً للاتجاهات العلمية؟ وهل يتميز النظام المصري بحالة إلهامية قدسية لا يأتيها خطأ من أمامها أو ورائها؟
هل النظام المصري، الذي يقصده الدكتور البلتاجي، هو حالة منفصلة عن البشر، أم أن تكوينه والممثلين له من البشر؟ فإذا كانوا بشراً، لن نظن بالحالة الحدسية إلا حالة عابرة تعبر عن موقف أنساني سريع.
تقديرنا أن تعبير الحدس السياسي الدقيق الذي يحدد اتجاهات قرار بمثل الخطورة التي يتميز بها الصراع العربي- الصهيوني، ليس إلا مباركة من الدكتور البلتاجي لاتفاقيات كامب- ديفيد.
ولان أسلوب المفردات الغامضة هو الذي يطغى على التحليل في المقالتين، فهو لم يستخدمه في هروبه من تحديد موقعه في النظام المصري واتجاهاته فحسب، وإنما لجأ إلى استخدام هذه المفردات الغامضة كلما أضطر أن يتكلم عن أميركا، عرابة اتفاقيات كامب- ديفيد. وإلى أن نصل إلى تحديد هذه المفردات الخاصة بأميركا "لا بد هن تحديد موقع الدكتور البلتاجي في حماية نظام كامب- ديفيد المصري، وكيف يحاول أن يستغفل عقول القراء لتمرير قناعاته تلك بأسلوب المفردات الغامضة".
يحاول الدكتور البلتاجي أن يعبر عن معارضته لنظام الصحوة التي تمثلها ثورة 23 يوليو من جهة، وأن يدافع بحرارة غن نظام كامب- ديفيد. فكيف يحصل ذلك؟ إليك تعبيراته التالية بالنص الحرفي:
- "ثانيها نظام الصحوة أو التحرر الوطني والصعود القومي حيث قادت الثورة المصرية النظام العربي عن طريق الشارع العربي وبدلت الخريطة السياسية لهذا العالم وكسرت، إلى حين نسبياً، نظام التبعية... ".
- "هوية مصر العربية وانتمائها القومي حقيقة موضوعية استراتيجية وليست أداة سياسية تكتيكية... تلك قضية محسومة منعقد عليها إجماع مصري واسع رغم بعض الخلاف أو بعض الجدل حولها... وهو جدل لا بأس به، إذا ما أريد للعقل المصري أن يتحرر بالديموقراطية وأن تثرى بالرؤى المتباينة روافد الفكر والقمل الوطني والقومي في بلادنا... ".
فهل الديموقراطية في شيء أن يتنكر أحدنا لأمه وأبيه؟
- "... وبعدها ارتأت مصر- وعن حق- تحرير أراضيها المحتلة عن طريق المفاوضات السلمية... ".
-"وهي ما تخلت عن أرض عربية أو سيادة عربية أو حق عربي حينما أدركت بحدسها السياسي الدقيق مخاطر إبقاء حالة اللاسلم واللاحرب بعد أكتوبر وحررت أراضيها بالتفاوض والسلام ".
- "وبعد تحرير التراب الوطني المصري اثر توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل...".
- "ومنذ عقد كامل مضى برزت بقوة كدولة صانعة للاستقرار" والسلام الإقليميين تحترم المواثيق والعهود... ".
من العودة إلى كافة هذه التعبيرات وغيرها في مقالتي الدكتور البلتاجي، يبرز بوضوح موقفه الخجول بالنسبة لمرحلة الصحوة القومية، في الوقت الذي يدافع فيه بحرارة عن مرحلة كامب - ديفيد.
- كيف يحدد موقفه من أميركا؟
إن أميركا هي صانعة كامب ديفيد، ومن يدافع عن كامب ديفيد عليه أن يدافع عن صانعه، لكن الدفاع عن أميركا لا يتناسب مطلقاً مع الإخلاص للقومية العربية الذي يبدي الدكتور البلتاحي حرصه عليه، وبالرغم من ذلك فهو يدافع فكيف؟. "
فإلى القارئ ما توصلنا إليه، بملاحقتنا للمفردات التي استخدمها الدكتور البلتاجي كلما اجبر على الكلام عن الدور الأميركي في الشرق ا لا وسط:
4- في هذه الفقرة نقتطف كافة المفردات التي تتعلق بالكلام عن أميركا:
- "مند أن ضربت الثورة المصرية، ومعها الصمود القومي، بالعنف المسلح عام 00067 انتصر المشروع الأجنبي- الإسرائيلي- ا لغربي... ".
-... ودخلت القوة العظمى الأولى شريكاً مباشراً في حسم التوازن الإستراتيجي لصالح إسرائيل".
- "... ناهيك عن التآكل المنظم لهذه الأموال في بورصات وبنوك الغرب التي تديرها جماعات معروفة بولاءاتها الحقيقية لدى العالم أجمعين.
- "... والإخلال بالحد الأقصى المتفق على ضخه في منظمة الدول المصدرة للبترول يبدو بدوره لدى الدول المتضررة كما لو أنه يأتي تنفيذاً لتوجيهات القوة الأجنبية المستهلكة للبترول... ".
- بعد إعدام الجاسوس البريطاني بازوفت وقعت القوى الوطنية والقومية في فخاخ العراق لاعتبارات، لعل أهمها تلك الحملة الشرسة والمدبرة التي قادتها إسرائيل والأوساط الموالية لها ضد العراق... ".
- عندما رفضت إسرائيل كافة مبادرات السلام يؤازرها عوامل عدة ومنها "... تباطؤ- ان لم يكن انصراف- أميركي عن دفع عجلة السلام...".
- بعد دخول العراق إلى الكويت، "ارتفعت طبول الحرب وبدأت القوات الأجنبية تندفع إلى المنطقة... وبدا الغرب بقيادة أميركا لدى قطاعات الشارع العربي القومي كما لو كان يكيل بالفعل بمكيالين... ".
بالعودة إلى هذه التعبيرات نرى ما يلي:
أ- يخشى الدكتور البلتاجي ان يذكر أميركا بالاسم فهو يستعمل مفردات يتلطى وراءها ليمنع إلا راج عنه في تسمية الأشياء بأسمائها ولهذا فهو عندما يريد ان يسمى أميركا يستعمل المفردات التالية: (الأجنبي- الإسرائيلي- الغربي)- (ا لقوة ا لعظمى ا لا ولى) (بورصات وبنوك الغرب)- (جماعات معروفة بولاءاتها الحقيقية)- (القوى الأجنبية المستهلكة للبترول)- (إسرائيل والأوساط الموالية لها) (القوات الأجنبية).
ب- عندما يضطر إلى تحديد الموقف الأميركي من قضايا إلى شرق الأوسط فهو يستعمل مفردات يراد بها تخفيف المسؤولية عن أميركا، وكأن الدكتور البلتاجي يريد أن يوحي بأن 99% من الأوراق الإيجابية، و1% من الأوراق السلبية فقط هو بيدها. لذلك يستعمل مفردات مثل "تباطؤ أميركي" وكنا نتمنى أن يكون هناك خطأ مطبعي في وضع كلمة "تباطؤ" بدل كلمة "تواطؤ" التي هي اصح. ولكن الظن خاب عندما وجدنا انه يستعمل المنطق الدفاعي التخفيفي عن الدور الأميركي في تدخله على أرض الخليج العربي عندها اخذ يوحي بأن الجماهير العربية غير محقة بحكمها على أن أميركا تكيل الشرعية الدولية فعلاً بمكيالين، عندما استعمل المفردات التالية: "بدا... كما لو كان... ". وليس أمامنا إلا أن نحكم ضمير الدكتور البلتاجي، هل أميركا تكيل بمكيالين أم لا؟
من خلال مواقف الدكتور البلتاجي المؤيدة لنظام كامب ديفيد أولاً، وعواطفه الإيجابية تجاه الإمبريالية الأميركية ثانياً، ولموقعه الفكري الميني- قومي ثالثاً، فستطيع متابعة النقاش معه حول المسائل الأخرى التي حدد مواقفه السلبية تجاهها، واضعاً في مركز الدائرة القطر العراقي كأساس لنقده، مستعيناً في نقده بالعوامل الأخرى. وهذه المسائل، تحديداً، هي التالية:
1- العراق ومسألتي: الحرب العراقية- الإيرانية من جهة، واستعادة الكويت من جهة ثانية.
3- القوى الوطنية والقومية، والجماهير العربية، المخدوعة بالمطالب ا لعراقية.
3- دول الخليج التي تتحمل مسؤولية في انكسار نظام الصحوة ا لقومية.
لقد راعينا في ترتيب القوى التي نقدها الدكتور البلتاجي، الأولوية في قائمة اهتماماته، حيث شكل العراق المركز الأساس في هذه الدائرة بالرغم من ذلك فإننا نرى أن نبدأ بالهرم من قاعدته في الرد، على! الشكل التالي:
1- دول الخليج.
3- القوى الوطنية والقومية.
3- ا لعراق.
أولاً: دول الخليج:
مثلت دول الخليج، في نظر الدكتور البلتاجي، الحلقة الوسيطة التي تعبث تخريبا في إطارين:
- قومي: التقصير لمحي دعم المعركة ضد العدو الصهيوني.
- طبقي: التقطير على أبناء الوطن العربي.
في هذين الإطارين، يتابع البلتاجي، كان الدور التخريبي لأنظمة الخليج يترجم نفسه، بشكل مباشر أو غير مباشر، في خدمة بورصات الغرب من جهة وفي التواطؤ مع العراق في مؤتمر بغداد في العام 1979 ضد مصر من جهة أخرى، وإغراق السوق النفطية لمنع ارتفاع أسعار البترول في سياق سياسة خسارة بصالح شعوب ودول عربية من جهة ثالثة.
إلى هنا، وحسب أننا عبرنا بوضوح وإيجاز عن وجهة نظر الدكتور البلتاجي بالنسبة لدول الخليج.
" نحن نتفق مع الدكتور البلتاجي حول الدور التخريبي الذي تمارسه أنظمة دول الخليج على المستويين القومي والطبقي، لكي نكون أوضح فإننا نرى أنفسنا ملزمين بالإشارة إلى بعض جوانب عقيدتنا الفكرية والسياسية حول المسألة القومية:
1- إن الإيمان بالقضية القومية فكريا، لا يستقيم بدون العمل للوحدة السياسية بين الأقطار العربية، والوصول إليها يتخذ الشكلين الفكري والسياسي، وتبدأ أساساً في تجنيد الجماهير العربية للارتقاء بوعينا السياسي والنضالي، لأنها تمثل القاعدة الرئيسية لوحدة راسخة. هذه الوحدة يقف قي طريقها عوائق أهمها:
- الإمبريالية الأميركية والبريطانية بشكل رئيسي، وربيبتها إسرائيل، الكيان المصطنع على أرضنا العربية الفلسطينية.
- الكيانات القطرية المحكومة بأنظمة لا تتبنى النظرية القومية بشكلها العميق الواعي العلمي، هي أنظمة متعددة الألوان والمشارب والعلائق الخارجية.
- الرجعية العربية، التي أصبحت اليوم تتمثل بدول الخليج الثرية، والتي تحمي نفسها بسياج واه من الشعارات الإسلامية.
2- إن الوحدة العربية، تقوم أساساً على وحد ة المصير القومي، ولا يمكن ان تشكل مطلباً ملحاً للجماهير العربية إذا لم تكن ذات، مضامين اجتماعية- اقتصادية. وهو ما يعبر عنه بمبدأ الاشتراكية.
استناداً إلى مبدأي الوحدة والاشتراكية نرى أن موقع أنظمة الدول الخليجية يقع في الطرف النقيض للحركة القومية العربية الوحدوية الاشتراكية في اكثر من وجه، أهمها أن هذه الأنظمة ضالعة بالتبعية للإمبريالية وأنها تعيش في رفاهية وبذخ بما لا يمكن تصوره. فرؤيتنا لواقع هذه الأنظمة يحكمها نظرية التغيير الثوري الجذري وليست نظرية التوفيق الإصلاحية، فكيف نتعارض مع الدكتور البلتاجي في هذه الرؤية؟
- امتناع دول الخليج عن الدعم الواجب تقديمه إلى دول المواجهة، ليست دوافعه الرغبة في التقتير أو التقطير، كما يراه إلى"ة الدكتور البلتاجي، وإنما دوافعه الحقيقية تتمثل في الضغط الذي تمارسه الإمبريالية (ونقول لها بالفم الملآن بدون خجل أو تعمية) على الأنظمة البترولية لاتباع هذه السياسية التي هي إحدى الوسائل، التي تتبعها الإمبريالية في حماية الكيان الصهيوني، تلك الوسائل التي تستند إلى منع الترسانة العربية من أن تحقق توازناً مع إمكانيات العـدو.
- كنا نتمنى أن يكون الدكتور البلتاجي جريئاً بأحكام عندما يتناول الجانب الخاص بإغراق السوق النفطية العالمية بفائض من الإنتاج غير المبرر لدول الخليج وعلى رأسها أمراء دولة الكوبت، الذين ما ارتضوا هذه السياسة الإغراقية بدون ضغوط أميركية واضحة ليس للإضرار بالشعب العربي فحسب وإنما بشكل أساسي لمنع العراق من متابعة إنتاجه للسلاح الاستراتيجى، وهذه مسألة لها علاقة في لقمة العيش ليس فحسب، وإنما لها علاقة باستعادة الكرامة العربية من خلال امتلاكنا لوسائل القوة الرادعة لأي عدوان وأهمها العدوان الإسرائيلي والهيمنة العسكرية الأميركية.
- أما بالنسبة للثروات الطائلة لبعض العائلات والمليارات الضخمة، والإسراف المخيف على الملذات الترفيهية، حسب مفردات الدكتور البلتاجي من خلالها نرى أن الفرق الشاسع بين غنى خليجي وفقير عربي لا تحل بوسائل الكرم وما تريد النفس أن تبذله من صدقات، وإنما هو حق من حقوق كل العرب، لان الثروة هي ثروة عربية وليست خليجية فحسب، وإنما الحل يكون في بناء نظام اشتراكي قومي، تتكامل فيه طاقات الأمة وثرواتها على قاعدة بناء القاعدة الصناعية- الزراعية- ا لدفاعية- ا لتكنولوجية المتطورة.
- بالتالي ننظر إلى دول الخليج العربي نظرة الشريك الواحد لثروات الأمة، من حيث استخدام هذه الثروات سلاحا يعين الأمة العربية على بناء علاقات متكافئة ميع كافة دول العالم من جهة وبناء اقتصاد عربي تفيد منه كافة الأقطار العربية بجماهيرها العريضة من جهة أخرى.
هذا البناء يتم على قاعدة تأمين حد التساوي بالغنى وليس التساوي بالفقر، وهذه الثروات هي حق من حقوق الأمة العربية وواجب ملزم من واجدات هذه الأنظمة تجاه هذه الأمة.
ان نظام التبعية، الذي تكلم عنه الدكتور البلتاجي، ما زال سائداً بشكل خاص على أنظمة الخليج العربي، هذا النظام الذي تسعى الإمبريالية الأميركية للمحافظة عليه، والدفاع عنه بكافة الوسائل، وهي تقف بشراسة توازى أهمية وجوده وفائدته لها. وان ما حصل من تدخل سريع من قبل التحالف الأنكلو- أميركي في السعودية تحت ستار المحافظة على شرعية الأنظمة القائمة، هو أبلغ دليل على التواطؤ الأميركي وعلى أهمية هذه الشرعيات القائمة في المحافظة على مصالح الإمبريالية، السبب الذي يفسر لنا سيادة منطق التقتير والتقطير، والبذخ الفاحش في مقابل الفقر.
من هنا علينا أن نحدد موقفنا من مفهوم التضامن الذي يبكيه الدكتور البلتاجي، وموقفنا من، اللانظام العربي القائم ".
إذا كانت مفاهيم "التضامن العربي " و"المواثيق العربية" و"الشرعية الدولية" نصوصا منزلة لا يمكن مناقشتها، لكان من الواجب على- هذه المفاهيم ان تحمل مضامين العدالة.
ونحن بدورنا نتوجه إلى الدكتور البلتاجي، هل يفهم التضامن. و العربي بأن يعترف الفقير بشرعية الغني في الوقت الذي يأكل الغني حق الفقير؟
إذا كانت الإمبريالية الأميركية هي عدوة للعرب، لأكثر من سبب يعرفه هو ونعرفه نحن وتعرفه جماهير الأمة العربية، ألا يحق لنا أن نتساءل عن سبب الغيرة الجامحة التي دفعت بالإمبريالية إلى حماية شرعية إحدى العائلات الخليجية، مثل آل الصباح وآل سعود وآل نهيان؟ هل هي للمحافظة على التضامن العربي، أم للمحافظة على الشرعية الدولية أو المواثيق العربية؟
إذا كان ذلك كذلك، فأين هي المواثيق العربية التي تدفع بأميركا إلى الاعتراف بشرعية الغزو السوري للأراضي اللبنانية؟ وأين هي سلة. المهملات التي ألقت الصهيونية بها قرارات مجلس الأمن الخاصة بمصر والأردن وسوريا ولبنان؟
ثانياً: القوى الوطنية والقومية:
جاء الدكتور البلتاجي، لكي يستغفل الجماهير العربية، وكذلك قواها الوطنية والقومية، بسذاجة ليس بعدها سذاجة. يقول ان العراق قد مارس عملية خداع لهذه الجماهير، كيف؟ حصل ذلك عندما طرحت القيادة العراقية مطالب ظاهرها العدل، وباطنها العذاب.
ما هي هذه المطالب؟
أهمها فكرة العدل الاجتماعي العربي، ثم حديث القيادة العراقية عن الثروات الطائلة لبعض العائلات والمليارات الضخمة والإسراف المخيف على الملذات، كل هذا يحصل في الوقت الذي تستشري فيه ظاهرة الفقر عند الملايين العربية.
ان القيادة العراقية، بإثارتها هذه الفكرة، حسبما يرى الدكتور البلتاجي، كأنها تضلل الجماهير العربية وقواها الطليعية.
أي منطق هو هذا الذي يستند إليه؟ هل كل من بشر بضرورة العدالة الاجتماعية هو مضلل الجماهير؟
أن الدكتور البلتاجي يعترف طوال الوقت الذي يعالج فيه موضوع "الثروة النفطية ث! بأن هذه الثروة، عندما تقاعست وقطرت تقطيرا، ساعدت على انفراط الجبهة العربية. وان هذه الثروات قد استنزفت في مشروعات غير إنتاجية "ناهيك عن التآكل المنظم لهذه الأموال في بورصات وبنوك الغرب... ". هنا نتساءل هل الدكتور البلتاجي يعمل لخداع الجماهير، عندما يحنق كثيراً على ضياع هذه الثروات وتقاعسها عن القيام بدورها القومي، أو على الأقل عندما يعبر عن الأعباء التي تتحملها مصر عندما يتساءل "هل سنتحمل وحدنا، أو بمشاركة لا تتكافأ مع حجم مواقفنا وتضحياتنا، هذه المرة أيضاً، كل أعباء اختياراتنا الصحيحة لصالح الأمة العربية؟ ثم يذهب الحمد والشكر " والعرفان فعلا- لا قولا- للقوة ا الأجنبية من منطلق "عقدة الخواجا" التقليدية لدى البعض منا؟ "
من يناشد الدكتور البلتاجي في ندائه؟ ألا يناشد الثروة النفطية للقيام بواجباتها تجاه مصر؟-ألا تعني المناشدة أن أنظمة الخليج لا تقوم بواجباتها تجاه بلده؟ والذي لا يقوم بواجباته، هل لتعبيرات تنديد به هو خداع للآخرين؟
- هناك وجه آخر يحاول الدكتور البلتاجي أن يصف فيه الخداع الذي يمارسه العراق على الجماهير العربية وقو 6ها القومية والوطنية، وهو يحاول أن يجعل قلبنا ينفرط حزنا على هذه الجماهير والقوى التي وقت في أفخاخ العراق ".
أما كيف وقعت، فهنا المصيبة الكبرى، أجل لقد وقعت لا لما العراق تعرض لحملة "خبيثة ظالمة" من قبل إسرائيل والأوساط الموالية لها، وقد صدقت الجماهير هذه الحملة. لقد وقعت الجماهير، إذا، في فخاخ العراق... ولكن هذه الحملة، كما يعبر الدكتور البلتاجي، أكانت حجة للأسف، تستهدف إثبات أن للعرب دائما وجه كريما)؟
إن ما زاد الحزن في أنفسنا، هو استياء الدكتور البلتاجي من نجاح الحملة، لماذا؟ لأن العراق بدا "عندئذ كقوة عربية قومية يراد كسرها وحرمانها- ومعها العرب أجمعين- من السلاح والتكنولوجيا دفاعاً عن النفس... ".
إن الدكتور البلتاجي، يشهد أن للعراق قوة تكنولوجية، وهو يلوم إسرائيل والأوساط الموالية لها التي قادت الحملة، لأنها كانت السبب في انخداع الجماهير العربية وقواها الوطنية والقومية بأن العراق بدا أنه قوة عربية قومية... وهل هناك حس أصيل اكثر من حس الدكتور البلتاجي، لماذا؟ لأنه يلوم إسرائيل، ومن يستطيع منكم أن يلومها؟ النتيجة، لم نستطع ان نفهم كيف كان العدل ظاهر المطالب ". العراقية، ولم يكن هو المضمون الفعلي لها. ولم نفهم كذلك كيف كان باطنها العذاب؟
هل هنا ليس من تفسير لذلك أقل من أن المطالب العراقية هي فعلا صحيحة؟ لكن ما يعذب الدكتور البلتاجي هو أن الوضوح في صحتها دفعت الجماهير وقواها التقدمية لتصديقنا بكل وعي واقتناع؟
فعذرا من الدكتور بلتاجى، إذا قلنا له، أن من ينخدع بنظام كامب ديفيد، والذي يحاول آن يغطي الفكر القومي "الميني- جوب " الذي، يتغطى بقشرة من الأصالة، وكما بينا ذلك في مقدمة ردنا عليه " والذي لا يجرؤ أن يقول لأميركا "ما أحلى الكحل بعينيك "، أنك لست المرجع الصالح ولست المؤهل الذي يصف الجماهير وقواها الوطنية) ! والقومية بالانخداع.
ئالثـــــــاً: ا لعرا ق:
كانت المقدمة في المقالتين جذابة، إلى الدرجة التي كنت أتصور فيها أن الدكتور البلتاجي سوف يصل إلى نتائج يطلب فيها العمل على القضاء على مرحلة "اللانظام العربي فإذا به يدعو إلى القضاء على العراق بما يمثل من قوة ومقدرة على نسف هذا "اللانظام ".
في مقالتيه، يدور البلتاجي حول فكرة مركزية فيما يختص بالعراق، وهي التالية:
"قادت العراق في مؤتمر بغداد 79 حركة المقاطعة العربية لمصر-، بل قل الحصار والملاحقة والخنق والتجويع- بهدف استلاب دور القاهرة القيادي موضوعيا، في العالم العربي... " " ا! المعركة هي حول مبدأ التنافس على الزعامة، هكذا بكل بساطة، معركة انتخابية بين مرشحين، مصر والعراق، في هذه الحملة يتبنى الدكتور البلتاجي ترشيح مصر فيها، ولهذا ضمن واجبه كداعية انتخابي أن يعدد مثالب العراق، وأن يبرز حسنات مصر، لذلك نثبت فيما يلي أوجه المقارنة بين المرشحين كما يعتقدها هو:
- العراق مخادع.. لأنه غزا الكويت، بينما مصر تمثل قيادة عربية- مخلصة لأنها كانت تسعى لاحتواء الأزمة والتوسط من أجل الحل العربي لها. !
- العراق ضرب التضامن العربي وقسم العرب إلى راديكاليين وثوريين، بينما مصر دعت إلى مؤتمر القاهرة للمحافظة على هذا التضامن.
- العراق يتمرد على الشرعية الدولية، بينما مصر تدفع باتجاه احترام المواثيق الدولية والمحافظة على شرعيتها.
فالنتيجة، إذا، إدانة للعراق لأنه يعمل بالخداع، وضرب التضامن، والتمرد على الشرعيتين العربية والدولية.
ولتبرير إدانة العراق يحدد، الدكتور البلتاجي الكثير من التفاصيل نحاول أن نوجزها بما يلي:
أ- حصار وتجويع مصر، في مؤتمر بغداد 1979.
ب- كسر أضعف حلقات اللانظام العربي القائم بغزوه للكويت.
ج- ممارسة أسلوب الخداع لتغطية عمله، على كل من:
* قيادة عربية مخلصة وبشكل أشمل على مستوى الجماهير العربية.
أما كيف حصلت عملية الخداع، وهي محور العنوان الذي حملته المقالة الأولى »الخديعة الكبرى«!... وتهالك اللانظام العربي الراهن. لقد طرح العراق مطالب وهي: العدل الاجتماعي العربي- السياسة البترولية الخاطئة لبعض الدول المصدرة للبترول- لا شرعية الثروات الطائلة لبعض العائلات- الخطاب السياسي الجديد أي المزاوجة بين الخطاب الإسلامي والقومي.
إن هذه المطالب جاءت للتغطية على خطيئته الأساسية في احتلال الكويت، ولذلك، يعدد الدكتور البلتاجي، أساليب العراق الملتوية لكي يتهرب من حل هذه المسألة بالتالي:
- لم يرض بتزامن انسحاب قواته من الكويت مع انسحاب قوات أجنبية في مؤتمر القاهرة.
- السخرية من العقل العربي عندما طرح مبادرته في ضرورة بحث كافة الاحتلالات في الشرق الأوسط.
- مبادرته تجاه إيران لتطبيق اتفاقية الجزائر التي رفض تطبيقها سابقاً.
إن أهداف العراق من كل ذلك، كما يراها الدكتور البلتاجي، هي التالية:
- التواطؤ بين أهداف العراق ومصالح الولايات المتحدة الأميركية قد يدفع العراق للتخلي عن حلفاء الأمس.
- تواطؤ مع إيران لفرض نوع من الحكم الثنائي العراقي الإيراني للمنطقة.
إن منطق محاكمة الأمور على أساس تجزئتها إلى وقائع منفصلة عن بعضها البعض لا علاقة تفاعلية بينها من جهة، وعلى أساس الجهل بتحديد الأسباب والنتائج من جهة أخرى. استطعنا أن نكتشف أن الدكتور البلتاجي يجهل أو يتجاهل المنطق الجدلي وضرورة العلاقة بين الأسباب والنتائج، فهو يعتمد العقل الستاتيكي في كافة المراحل النظرية الساندة في مقالتيه. والمثال على ذلك انه ينظر بمنظار واحد في تقييمه لمرحلة الصحوة القومية في مصر التي كسرت حلقة النظام التبعي، وكذلك لمرحلة الاستسلام في مرحلة نظام كامب- ديفيد. كلاهما يدلان على إخلاص القيادة المصرية للمسألة القومية العربية... وقد يأتي نظام آخر مختلف عن الاثنين معا، فحسب منطق الدكتور البلتاجي، سوف يكون مخلصا كذلك. والسبب أن البلتاجي لا يتميز بحس نقدي جرئ وثوري في تحديد الأمور بوضوح أي باختصار أنه يتميز بموقف اللاموقف، وهو الذي يصف في نهاية مقالته الثانية أي نظام عربي جديد بقوله: "ومن يدرى لعله أفضل، بل هو في الغالب أفضل... "، إنما استدلالنا لهذا النمط من التفكير الجائر الذي لا يجرؤ فيه الدكتور البلتاجي على تحديد موقف، هو أكبر دليل على الضياع الفكري الذي يعانى منه في مقالتيه. هذه الحيرة تربكه وتجعل نتائجه هزيلة، وتدل دلالة واضحة على انه يحاول استخدام الفكر، أو ما يسمى فكرا، لغايات سياسية تخدم الأطراف والقوى المعادية للامة العربية وهي أميركا ودول الخليج ونهج كامب ديفيد.
أما جهل أو تجاهل الدكتور البلتاجي في تحديد الأسباب والنتائج فقد دفعه إلى الاعتقاد أن غزو العراق للكويت، هو سبب، وما تفرع عنه من أمور أخرى، نتائج، كمثل أن العراق لتغطية دوافعه في الاحتلال لجأ إلى اتهام أمراء الكويت باللجوء إلى سياسة إغراق السوق النفطية، وإلى اتهامهم بسرقة البترول من حقول الرميلة...
ولكي نعيد الأمور إلى نصابها، فإننا نلفت نظر الدكتور البلتاجي إنه كان عليه أن يحدد الأسباب أولاً ولن نفعل شيئا جديدا لأننا سوف نستخدم المعلومات ذاتها التي استخدمها هو بالذات!
- الثروة النفطية، منذ العام 1967، تقاعست عن القيام بدورها في دغم دول المواجهة في معركة المصير العربي.
- الثروة النفطية استنزفت في مشاريع لا علاقة لها بالتنمية، وتآكلت في بورصات ومصارف الغرب.
- الكويت أغرقت السوق النفطية لمنع ارتفاع سعر البترول، وهي سياسة ضارة لمصالح الدول العربية.
- الكويت "سرقت بترول حقول الرميلة، (وإذا لم يقم الدليل القاطع على ذلك لدى الدكتور البلتاجي، فلن يعني ذلك، أن الواقعة تصبح كاذبة).
- إسرائيل والأوساط الموالية لها قاما بحملة شرسة ضد العراق، وليسمح لنا الدكتور البلتاجي أن نقول بوضوح إن أميركا وبريطانيا هما الضالعان. غاية هذه الحملة تجريد العراق من الإمكانيات العسكرية التي امتلكها وحقق فيها التوازن مع التفوق العسكري الإسرائيلي.
في تقديرنا، شكلت تلك العوامل المذكورة أسباباً رئيسية في إعاقة العمل القومي لمنع تحقيق المصلحة القومية، وإذا كانت تشكل عوامل ضارة في العراق كقطر، كما نفهمها كقوى وطنية وقومية، فلأن العراق يمثل اليوم طموح الجماهير العربية كمدافع يمتلك الإمكانيات، عن مصلحة الأمة العربية قاطبة.
ولان المؤامرة على العراق، من قبل الإمبريالية الأميركية ولسبب من موقعه المتميز، ابتدأت منذ سلك هذا القطر طريق الدفاع عن المصلحة القومية، استخدمت فيها الإمبريالية وسائل كثيرة كان أهمها الرادع الصهيوني، وإشغاله بحرب طويلة مع إيران، وأخيراً قيادة حملة شرسة خبيثة وظالمة منذ أوائل نيسان في العام 1995، هذه الحملة كانت رديفا لمؤامرة اقتصادية كانت تجري في الخفاء، كان ضالعا فيها بشكل مباشر أمراء الكويت باتباعهم سياسة إغراق السوق النفطية العالمية وسرقة النفط من آبار حقول الرميلة.
ليس صحيحا أن العراق خدع قيادة عربية مخلصة في توسطها لمعالجة الخلاف القائم بين العراق والكويت على قاعدة الحل العربي لها. وإنما السبب كان مبطنا في نوايا أمراء الكويت، المدعومة بالتشجيع والحماية الأميركيين، بالوصول في المفاوضات إلى حائط مسدود، واتباع أسلوب المماطلة في الوصول إلى نتائج حتى تستطيع أميركا إيجاد المخارج اللازمة لتدخل مباشرة على ارض الكويت ا لعربية.
الخطة مرسومة بدقة بين أميركا وأمراء الكويت، والذي فاجأهم هو عندما لجا العراق إلى اتخاذ فعل جذري في معالجة الأمور لتفويت الفرصة على المتآمرين (أميركيين وأمراء)، إنما جاء هذا الأسلوب في المعالجة ليس خرقا للشرعية القومية ولا للشرعية الدولية، وإنما لمنع استخدام هاتين الشرعيتين غطاء للتآمر الإمبريالي الأميركي والثروة/ النفطية الخليجية.
أصبحت الأسباب واضحة، وأصبح واضحا كذلك أنها قادت إلى نتيجة اضطر فيها العراق إلى ممارسة حقوقه التاريخية المشروعة في استعادة ارض الكويت إلى حضن العراق الأم، لأنه عندما وجد أن هذه الثروة تهدر لصالح الإمبريالية والمصالح الشخصية للأمراء، وبعد أن حاول بالعلاقة الأخوية أن تعود هذه الثروة لتصب في مصلحة الأمة العربية، وبعد أن واجهه إصرار من الأمراء في تثبيت موقعها المعادي لمصالح الجماهير العربية، كان لا بد من استعادة هذه الحقوق العربية لأصحابها الحقيقيين.
إن الذي حصل، كشف وبشكل لا لبس فيه، مجموعة من ردأت الفعل !- كنتائج، كشفت وبالعلن مدى الترابط القوي بين مصالح الإمبريالية الانكلو- أميركية وبين مصالح أمراء النفط.
من هذه النتائج كان الحصار الأكثر، فأي تحالف كشف عنه هذا الحصار حول العراق؟
1- إصدار قرار أميركي سريع لحصار العراق عسكرياً واقتصادياً، تبناه مجلس الأمن لأسباب متعددة ليس بينها على الإطلاق ما يدل على أنه حماس للمصلحة العربية.
فإذا كان السبب غير ذلك، فليقل الدكتور البلتاجي، ما هي مصلحة الأمة العربية أو على الأقل الدول العربية الفقيرة في حماية أمراء آل الصباح وآل سعود، وهل يستطيع أن يقول غير ما ورد في مقالتيه حول الدور التآمري للثروة النفطية على الاقتصاد العربي، وهو ما كتبنا عنه بالتفصيل في فقرة سابقة في ردنا هذا؟
وهل من العدل أن يعود أمراء آل الصباح إلى حكم الكويت لزيادة سرقاتهم التي فاقت مئات المليارات من الدولارات ووضعت في خدمة الإمبريالية ا لأنكلو- أميركية؟
هل قدمت جيوش الأطلسي إلى أرض العرب في نجد والحجاز محبة بالمحافظة على الشرعية الدولية؟ إذا كان هذا السبب صحيحا فلينتظر القارئ ردنا على ذلك في المكان المخصص له.
3- حصل فرز حقيقي داخل الجامعة العربية، بين راديكاليين وقوميين ثوريين، هذا الفرز يحسبه الدكتور البلتاجي "انتكاسة وتقهقر إلى ماضي سحيق تخبطنا جميعا فيه وخسرنا جميعا- بسببه... "، كما جاء في مقالة ثالثة له نشرت في جريدة الديار". نتساءل هنا، هل كانت انتكاستنا السابقة بسبب الفرز السابق، أم بسبب شدة المؤامرة التي لم يقف فيها العرب يدا واحدة في مواجهتها؟ المؤامرة كانت وما زالت منصبة على التيار القومي الثوري. إننا نصبح أقوياء في مواجهتها كلما ازدادت فضيلة النضال والتضحية عند جماهير الأمة العربية، وهذا الازدياد، في الوقت ذاته، يتطلب زيادة في حجم القوة المعادية لمواجهته، وهذه قوانين الصراع في معارك التحرر.
إن العراق أضاف زيادة نوعية في فضيلة النضال والتضحية داخل التيار القومي الثوري، وهذه الإضافة زادت الإمبريالية الانكلو- أميركية هلعا بشكل أساسي، وزرعت الأرق والقلق، في عيون أمراء الثروة النفطية. وقد أثارت خوف الأنظمة الراديكالية على مواقعها، هي التي ربطت قرارها ومصيرها بتوجيهات المعسكر الإمبريالي خوفا من بطشه العسكري أولاً، وبرضى أصحاب الثروة النفطية طمعا ببعض فتات موائدهم ثانيا.
حصل الفرز، نعم، انهار التضامن العربي. ! وعن أي تضامن تتكلم؟.
نفهم التضامن على أنه حالة من التكافؤ والاحترام المتبادل والتعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري، يقوم فيه كل بدوره على قاعدة التكامل. ولا تقوم أية حالة تضامنية إلا على قاعدة التحديد الفكري والسياسي لمصير المجموعات المتضامنة. "
إن التضامن العربي، كما هو في حالته الراهنة، كان تعبيراً عن هدنة لوقف إطلاق النار بين الأنظمة غير المتجانسة. هذه الأنظمة نصنفها إلى ثلاثة مستويات: أنظمة الثروة البترولية التي تربط مصيرها ومصالحها الإمبريالية، الأنظمة الراديكالية التي تسعى لكسب رضى القوتين (ا لثروة، والإمبريالية)، والأنظمة ا لعربية الثورية.
في هذا الواقع الذي يعيشه التضامن العربي، والذي يصب بنتائجه الإيجابية في صالح أنظمة الثروة البترولية، نجد أن من مصلحة هذه الأنظمة قيام ستاتيكو عسكري سياسي، فهي ما دامت تحتفظ بثرواتها دون من ينغص عليها هناءة العيش نجدها تعمل جاهدة للمحافظة على هذا الستاتيكو.
فأين مصلحة بقية الأعضاء في الواقع التضامني الراهن؟
هل مصلحة الأنظمة الراديكالية تتأمن باصطياد فتات الموائد العامرة على حسابها وحساب شعوبها؟
هل مصلحة الأنظمة الثورية تتأمن، في أن تخرج أنظمة الثروة البترولية على قواعد التضامن الهش، لتحيك المؤامرات ضدها وضد شعوبها؟
فأي تضامن يدافع عنه الدكتور البلتاجي؟ هل هو التضامن الذي يدعو فيه أمراء الخليج لصرف مكافآت إلى مصر وشعب مصر نتيجة الأعباء القومية التي يقوم بها النظام المصري؟
" لا تبكى ليلى، جانب الدكتور البلتاجي، ولا تأسف على هند. كلتاهما سوف تبيعان نظام مصر أمام الفارس الأشقر جورج بوش، لأنه لن يسمح حتى لمصر أن تمارس راديكاليتها إلا بوصاية مارغريت تاتشر وبرعاية من اسحق شامير. لن تفتح ليلى وهند ذراعيهما إليك إلا بأمر من جيمس بايكر لتعويضك نتيجة الخدمات التي تؤديها لصاحبة الجلالة، الإمبريالية، في تأمين غطاء شرعي لها لدخول الأماكن المقدسة للمسلمين.
نحن نتفق معا، ليس بضرورة التضامن فحسب، وإنما نحن طلاب الوحدة الكاملة" سواء تحققت هذه الوحدة بعد سنة أو بعد مائة سنة، لكننا لن نتفق معك بالتضامن كيفما كان.. فللتضامن الذي نؤمن به شروط موضوعية إذا لم تشكل مضمونا لتضامن حقيقي يصب في مصلحة الأمة العربية، حقوقا وواجبات، يصبح شعارا ملقى على طريق قديمة أهملت لأنها لم تعد تستوعب حركة التطور الثوري المعاصر.
من هنا، ما تسميه في مقالتك الثالثة بالغزو الذي أحدث شرخا هائلاً في جدار المستقبل الذي دفع بالتضامن العربي إلى الاحتضار، لا يستقيم مع حكمك في مطلع مقالتك الأولى حين تصف هذه المرحلة بأنها مرحلة حصار الثورة القومية بعد أن ضربت عسكريا في العام 1967 حيث استقر "وضع قائم على تقسيم فعلي للعالم العربي إلى دول الأغلبية الفقيرة المكتظة بالبشر والسلاح، ودول الأقلية الغنية الضعيفة في الكثافة السكانية والقدرات الدفاعية والتي ترفل في ثراء لا مثيل له في التاريخ. "أو لم تقل كذلك في مقالتك الأولى- الجزء الأول منها- وهكذا أصبحت مراكز المبادرة أو القرار الحقيقي في شؤون العالم العربي من خارجه " أو لم تقل كذلك ما يناقض عشقك للتضامن "... تزايدت ظاهرة الانكفاء الذاتي على النفس وضربت كل محاولات التكامل الاقتصادي العربي وهو حجر الزاوية في الأمن القومي بمفهومه الشامل.. بل وبدأت مرحلة جديدة من الخلافات العربية- العربية...، وألم تقل بأن هذا هو النظام- أو على الأصح- اللانظام العربي القائم... ". !؟!
ألم تغفل مسؤولية أساسية فيما يحصل من لا تضامن عربي إلى أنظمة الثروة البترولية؟ هل تحمل هذه الأنظمة المسؤولية عن التآكل المفجع للامة العربية، قبل غزو العراق للكويت، أم بعده؟ !؟ إذا كانت هذه الأنظمة تتحمل مسؤولية اللاتضامن، قبل غزو الكويت، وهذا ما تؤكد بنفسك أنه حصل قبل العام 1973، فكيف تحمل العراق مسؤولية احتضار تضامن عربي؟ اعترفت أنت أنه غير موجود؟
قليل من الروية في الأحكام، عزيزي الدكتور البلتاجي، فالاستعجال يجرك إلى مأزق التناقضات القاتلة فيما تكتب.
أخيراً، كيف واجه القطر العراقي حالة الحصار العسكري- السياسي - الاقتصادي الذي اجتمعت لفرضه، كافة الدوائر الإمبريالية، وبعض من تربطهم مع الغرب صداقات استراتيجية، وبعض دول العالم الثالث بفعل خضوعها لنظام التبعية العالمي الإمبريالي، وبعض من الأنظمة العربية كي منطلقاتها وأسبابها المختلفة؟
إننا نختار من وسائل المواجهة التي لجأ إليها العراق التي حددها الدكتور البلتاجي بنفسه:
1- قادت الإمبريالية الانكلو- أميركية حملة الحصار ضد العراق، في ضمان الحصول على قرارات مجلس الأمن ذات الأرقام: 0 6 6-1 66-663-664، وكان مضمون كل قرار لاحق يصعد في إجراءات الحصار. والعنوان البارز الرئيسي الذي أعطاه جورج بوش لهذا الاهتمام هو أن العراق تمرد عـلى الشرعية الدولية، وللأسف فقد خدع الدكتور البلتاجي بهذا التفسير الإعلامي.
ولكي يدل العراق على أن جورج بوش يخدع الرأي العام العالمي والعربية ببكائه على استخفاف العراق بالشرعية الدولية، فقد لجأ إلى تقديم مبادرة سلمية، يفضح فيها بكاء جورج بوش. كانت المبادرة التي أعلنها الرئيس صدام حسين تتضمن خطة يعمل مجلس الأمن على استعادة هيبة قراراته المداسة وذلك على قاعدة انسحاب القوات الأجنبية من الخليج وانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية المحتلة وانسحاب القوات السورية من لبنان. وهذه الاحتلالات بعضها قد مر عليه عشرات السنوات ولم تنسحب فيها قوات الاحتلال بالرغم من قرارات الشرعية الدولية.
يصف الدكتور البلتاجي هذه المبادرة، بأنها ضرب من الإصرار أو بالأحرى الإصرار على السخرية من العقل العربي أو من العالم بأسره، كيف يصل الدكتور البلتاجي، إلى هذه النتيجة؟!!!: العراق لم يتحدث بشكل حاسم عن الانسحاب من الكويت، وطرح " عبارات مبهمة. متحدثا عن الحقوق التاريخية للعراق على الكويت- إن الحديث عن هذه الحقوق تبرر، كما يظن الدكتور، القبول بفكرة الحقوق التاريخية لليهود على "يهودا" و "السامرة" والقبول كذلك بفكرة الحقوق التاريخية لتركيا.
نستحلف الدكتور البلتاجي بأصالته القومية، هل هو مع الحقوق التاريخية للأمة العربية في الوحدة السياسية أم هو ضدها؟
إن الدعوة للوحدة العربية نابعة من ضرورات متعـددة وعلى رأسها التاريخ الواحد للأمة العربية، فهل ينكر البلتاجي هذه المسلمة؟ وإلا فنحن ننتظر منه أن يشرح لنا ما هي مفاهيمه حول المسألة القومية العربية والوحدة العربية.
إن من يقارن بين الحقوق التاريخية للصهيونية في "يهودا والسامرة، وكذلك تركيا، وبين الحقوق التاريخية للعرب في تحقيق وحدتهم هو واحد من اثنين، وليسمح لنا الدكتور البلتاجي والقراء الكرام، فهو إما جاهل وإما أن يكون منتسباً إلى أية جنسية ما عدا الجنسية العربية.
وإذا ما تجاوزنا تحليل الإشكالية التي يطرحها الدكتور، بإطار الفكرىء فإنما لكي نطرح السؤال عليه: إذا كان مضمون الهجوم الإنساني العالمي الذي تتزعمه "الحبيبة" أميركا على العراق، رغبة منها بحماية شرعية القرارات الدولية، فليقل لنا الدكتور البلتاجي، وهذا لم يتجرأ على الإجابة عليه في مقالاته، لماذا الهجوم الإنساني المزعوم لم يشمل برعايته تطبيق قرارات مجلس الأمن السابقة للقرار 660، فهل يكون السبب حسب تعبير الدكتور أن هناك "تباطؤ- إن لم يكن انصراف- أميركي عن دفع عملية السلام... "؟ نظن أن عجلة السلام قد "بنشرت نفسها، فلماذا القسوة على أميركا باتهامها أنها انصرفت عن دفعنا أميركا لن تنصرف أبدا عن الاهتمام أ بالسلام حتى لو اقتضى الأمر أن يقطع جورج بوش إجازته المخصصة للعبة الغولف المحببة كثيرا لديه، فهو يضحي بلعبته المحببة كرامة لعيون السلام إذا كان هذا السلام هو سلام أحبابه أمراء الخليج، أصحاب الوجه الصبيح، وليس الوجه الكريه كما يصفه الدكتور البلتاجي.
3- أما، الطامة الكبرى في الخداع العراقي... وهو الرهان القاطع.
سيد الأدلة جمعاء على الخديعة الكبرى... يتابع الدكتور البلتاجي، أن، يعلن العراق قبوله لاتفاقية الجزائر مع إيران... ياللهول. الاتفاقية التي فرضها الشاه. وأشعل العراق الحرب بسببها... ثمانى سنوات من الحرب المدمرة من أجل لا شيء... ويتابع الدكتور البلتاجي بإسقاط العراق أوراق التوت، كما يشاء، وكذلك أوراق الحور، يبتدئ بالأدلة القاطعة وينتهي بالتهويل وضرب الرأس ولطم الخدود، كل ذلك لان العراق ارتضى أن يطبق اتفاقية الجزائر بعد أن حارب من اجل إلغائها مدة ثماني سنوات.
نسى الدكتور البلتاجي أنه بنفسه قد أكد"أن سبب الحرب لم يكن بسبب إلغاء الاتفاقية عندما يقول في إحدى مقالتيه: عندما أوضح دور مصر في الوقوف إلى جانب العراق "خلال حرب الثماني سنوات المريرة مع إيران، فقد كان ذلك التوجه (توجه مصر) بدوره مبنيا على رؤية عميقة وصحيحة لمقتضيات الحفاظ على الأمن القومي العربي المهدد بانهيار جداره الشرقي وتدفق الفكر المتطرف وأعمال التخريب الذي أرادت طهران في ذلك الوقت تصديرهما عنوة إلى كل المنطقة... ".
يؤكد الدكتور البلتاجي، إذن، أن سبب الحرب لم يكن سوى القرار الذي اتخذته إيران، وهي تعيش مرحلة الزهو بانتصار الثورة على الشاه، ومضمون هذا القرار هو تصدير الثورة إلى كل المنطقة انطلاقا من العراق، السبب الذي جعل العراق في موقف الدفاع وليس في موقع افتعال الحرب بهدف إلغاء اتفاقية الجزائر.
إن الموقف العراقي عندما وقع اتفاقية الجزائر كان ينشد إلى التوجه للانخراط في المعركة الأساسية ضد العدو الصهيوني، وهو الذي رضى بتطبيقها مجدداً، رغم انتصاره بالحرب ضد إيران، وللسبب ذاته هو التفرغ للمعركة الرئيسية في مواجهة الإمبريالية الأنكلو- أميركية التي زرعت الأرض العربية بالجيوش والأساطيل البحرية والجوية.
3- من المآخذ التي يسجلها الدكتور البلتاجي على العراق أنه استخدم "خطاباً سياسياً جديداً موجهاً بالدرجة الأولى إلى الشارع العربي وبعض القوى الوطنية والدينية والقومية العربية ألا وهو الخطاب الإسلامي والقومي في آن واحد... وراح النظام البعثي العلماني يستعيد مشاعر الجماهير...
أن الدكتور البلتاجي يأخذ على العراق الذي يحكمه حزب علماني أن يستخدم الخطاب الديني، ويخشى من خطورة استجابة الجماهير لهذا الخطاب لمدى عمقه في الوجدان العربي- الإسلامي والقومي.
إن هذا الاستغراب، إن دل على شيء، فإنما يدل على جهل بفكر حزب البعث العربي الاشتراكي، وتحديدا موقف الحزب من الدين. لذلك استنكر استثارة مشاعر الجماهير ضد الإمبريالية والصهيونية من خلال الخطاب القومي- الإسلامي.
يحاول الدكتور البلتاجي الإيحاء بأن علمانية حزب البعث العربي الاشتراكي تتناقض مع المعتقدات الدينية بشكل عام والمعتقدات الإسلامية بشكل خاص. لهذا الغرض، لا نجد أية تناقضات بين البعث والدين، أو بين القومية العربية والإسلام.
هنا سنذكر في عجالة موجزة موقف حزب البعث من الدين أولا ومفهوم الإسلام ثانياً، ومن يريد التوسع في الاطلاع فليرجع إلى أدبيات الحزب وتراثه الفكري.
1- يعتبر الحزب أن الدين هو مسألة حيوية في حياة المجتمع ولذلك فهو ليس حياديا بين الإيمان والالحاد، وإنما هو حزب يؤمن بالله وبالأديان السماوية لهذا حدد الحزب موقفه من الإسلام ا أولاً بوصفه عقيدة دينية ا للمسلمين العرب وغير العرب، إنما للعرب شرف حمله ونشره بين الشعوب والأمم، وهو يمثل ثورة عظمى في التاريخ العربي.
2- استلهم الحزب روح الرسالة الإسلامية في نضاله من أجل تحقيق النهوض الحضاري للامة ووحدتها، ولذلك اعتبر الحزب بأن الإسلام ثورة شاملة أحدثت انقلابا جذريا في حياة المجتمع العربي.
3- ميز الحزب بين موقفه من الدين، وبين الأحزاب الدينية ولا، ووقف ضد الطائفية كظاهرة اجتماعية دينية تعصبية تعمل على تمزيق المجتمع العربي ثانيا. لذلك اعترف حزب البعث بحرية الاعتقاد لأعضائه.
وحيث إن الإسلام هو من الأديان السماوية، وتعتنقه أكثرية عربية، وهو يمثل ثورة في وجه الاستعمار والصهيونية، فما هي الخطورة التي تتمثل في استنهاض مشاعر العرب المسلمين ضد الاحتلال الإمبريالي والصهيوني الذي يدنس الأراضي المقدسة؟
إن الدور الذي يلعبه الدكتور البلتاجي في تشويه الحقائق، وتفسير الوقائع بلا منطقية تارة وبجهل تارة أخرى. وبإصرار على تبرئة الإمبريالية وأمراء الثروة النفطية بعد إدانتهما، وثم بإدانة العراق بعد تشويه مواقفه. إن هذا الدور قد اتضحت أهدافه التي تصب في موقع الدفاع عن أيديولوجية الاستسلام الخانقة، المرتعدة الفرائص أمام أية قوة سياسية أو عسكرية أو فكرية تحاول إلقاء الضوء على انهزاميتها.
لن نسيء الظن إذا توصلنا إلى استنتاج أساسي لأهداف الدكتور البلتاجي التي أراد الوصول إليها من خلال نشره سلسلة من المقالات، إذ انه سرعان ما يفصح عن هذه الأهداف بالتالي:
أولا: التبشير بتغير المرحلة الراهنة التي يمر بها "اللانظام العربي"
وهو يقول في هذا الصدد، بعد أن يعدد المخاطر التي يعتقد أن العراق أوقع التضامن العربي فيها...،... لسوف تكشف الساعات أو الأيام، أو ربما الأسابيع القليلة القادمة عن المواقف الدقيقة لكل اللاعبين... (وعلى ضوئها)... سوف تتبلور ملامح النظام الجديد وهو بالقطع مختلف عن اللانظام العربي الراهن... ومن يدري لعله أفضل، بل هو في الغالب افضل.
إن الدكتور البلتاجي يتحدث من موقع العارف بخفايا الأمور، أو من موقع المدفوع لكي يتكلم بما نطق به في مقالاته، وإلا فهل يمتلك حدسا قوياً يستطيع أن يحدد فيه الساعات أو الأيام أو الأسابيع؟
إذا استطاع أن يستنتج، باستقراء الوقائع، أن هذا اللانظام سوف ينهار لصالح نظام آخر، فكيف يستطيع أن يحكم على النظام الجديد بأنه قد يكون افضل، ثم يؤكد بأنه افضل.
هل من غريب الصدف أن يعلن جيمس بايكر وزير خارجية أميركا، في الليلة ذاتها التي جاءت مباشرة بعد كتابة الدكتور البلتاجي لمقالاته، عن ضرورة البحث لخلق بنية جديدة للأمن في المنطقة العربية بمشاركة عربية كبيرة، هذه البنية الجديدة تسمح بديمومة الوجود الأميركي في المنطقة؟
فالطامة الكبرى هنا، والخداع الكبير الذي يمارسه الدكتور البلتاجي، هو أنه قام بإطلاق قنابل كثيفة تسيل الدموع، لكي يبشر بضرورة الرضوخ للبنية الأمنية الجديدة، كابتكار أميركي، للسيطرة المباشرة على المنطقة العربية.
ثانيا: حيث إن نظام الرئيس مبارك قد حسم خياراته النهائية إلى جانب نظام كامب- ديفيد الذي أسسه سلفه الراحل أنور السارات، قد حدد له دوراً أساسياً في البنية الأمنية الأميركية الجديدة، جاء الدكتور البلتاجي، في مقالته التي عنوانها »بين التزام أصيل بالقومية وضرورات توزيع عادل للأعباء«. حيث قال؟ »هل سنتحمل وحدنا... كل أعباء اختياراتنا الصحيحة لصالح الأمة العربية؟! ثم يذهب الحمد والشكر والعرفان فعلا- لا قولا- للقوى الأجنبية من منطلق »عقدة الخواجا« التقليدية لدى البعض منا؟!«
وفيما قاله فهو يطالب بحصة مصر من صندوق التبرعات الذي أسسه جورج بوش من أموال المساكين فقراء الخليج التي نهبها أمراؤهم لصالح خزانات جورج بوش.
أخيراً، كنا نتمنى أن يكون ما كتبه الدكتور البلتاجي نابعاً، كما يختتم مقالته الثانية، بأن ما يفعله ليس إلا دراسات علميه يجريها في ما تقتضيه أمانة المسؤولية المهنية والوطنية. ولذا فلن نتراجع عن التمني عليه بأن ينظر إلى التطورات الراهنة، بأنها سلسلة محبوكة من المؤامرات ضد الأمة العربية كلها بدءا بالقطر العراقي الشقيق، الذي لو سقط لا سمح الله، لن يكون لأي منا موقع ومكان سوى تحت جزمة أصغر جندي صهيوني حقير.

ليست هناك تعليقات: