-->
مطرقة بوش الحديدية
ذات استهدافات عراقية، عربية، ودولية
نشر في موقع المحرر العدد (160) تاريخ 25/ 12/ 2003م. وموقع البصرة – نت تاريخ 23/ 12/ 2003م. وموقع الكادر بتاريخ 27/ 12/ 2003م. ودورية العراق: في 29/ 12/ 2003م. وجريدة الشعب المصرية: 26/ 12/ 2003م.
منذ أن أعلنت قيادة جيوش الاحتلال في العراق عن بدء تنفيذ خطة »المطرقة الحديدية« ضد المقاومة الوطنية، تبادرت إلى الأذهان أن الخطة كانت ذات أهداف عسكرية سياسية ومعنوية لها خصوصياتها في العراق.
لكن تبيَّن لمتابع مسار الحركة على الصعيد الدولي والإقليمي والعربي، أن ل»لمطرقة الحديدية« أبعاداً تتجاوز خصوصيات الساحة العراقية لتطول ساحات الأنظمة العربية والإقليمية والدولية. فما هي تأثيرات ضرب »بوش« بمطرقته الحديدية على رؤوس تلك الأنظمة؟
إن الهم الأول والأساسي، الذي يؤرق مضاجع أصحاب »القرن الأميركي الجديد«، هو القضاء على أية مظاهر للمقاومة العراقية، سواء تلك التي تضمر، أو تؤمن حتى بالقلب، أن طريق خلاص العراق لن يأتي إلاَّ بالمقاومة –بمعانيها الحقيقية وليست الكاذبة (كتلك التي ألبسها أراجوزات الإدارة الأميركية من عراقيين وعرب لبوس السلم والحوار والاجتهاد…).
لقد انتزعت المقاومة العراقية –خاصة المسلَّحة- اللقمة من فم المتكالبين على ثروة العراق، وانتزعت البسمة العريضة والشامتة عن شفاه الثنائي (بوش – بلير)، بعد الأول من شهر أيار من العام 2003م. وأعادت تهديدات الثلاثي الأميركي (باول – رامسفيلد – كوندوليزا رايس) لدول المنطقة العربية والإقليمية، كما إلى دول العالم التي مانعت الحرب ضد العراق، إلى جحورها صاغرة لتتحول إلى نداءات استجداء للمساعدة.
بعد أن لمس أركان إدارة »القرن الأميركي الجديد« مدى الخطورة وعمق المأزق الذي وضعتهم المقاومة الوطنية العراقية فيه، تبادر إلى مخيلاتهم عظم المصاب الذي وقعوا فيه، كأفراد. وتخيلوا جنائزية المشهد لمسيرة تشييع مشروعهم الخبيث إلى مثواه الأخير. وراحوا يتصورون المأساة التي تنحدر إليها »إمبراطورية الشر الأميركية«، التي على أنقاضها سوف يشيِّع الأميركيون الأحرار، وكل قوى العالم الحر، مشروع أمركة العالم، بحيث تكون جثامين أعضاء الإدارة الحاليين محمولة إلى مزبلة التاريخ.
لقد اختلط الشخصي بالعام عند أعضاء »إدارة الشر الأميركية«، وتحوَّل دفاعهم عن مشروعهم الآثم، إلى دفاع عن أشخاصهم. وفي تلك الحالة سيكون حقدهم على المقاومة العراقية مضاعفاً، وسيفرز هذه الحقد كل أنواع الانتقام ممن كان السبب، حتى لو دفعوا من أرواح الجنود الأميركيين أضعاف أضعاف من هم موجودون في العراق. فلن تعني لهم اعتراضات من يعترض، ولن تعني لهم دموع أهالي الجنود شيئاً، ولن يعوِّلوا على كل نداءات الأخلاق والإنسانية، حتى تلك التي صدرت عن عدد من الكنائس المسيحية، فالهم الأول والأخير، وبعد أن تبيَّن لهم أنهم مقتولون لا محالة، فليكونوا هم القَتَلَة وليس المقتولين.
أولاً: المطرقة الحديدية ضد العراق كله:
لكل تلك الأحقاد الشخصية، استعانت »إدارة الشر الأميركية« بالإيديولوجية التالية:
1-بأساليب ووسائل مخططي العنصريين الصهاينة المسترشدة بما جاء في التوراة (إذا تقدَّمت إلى مدينة لتقاتلها، فادعها إلى السلم أولاً. فإذا أجابتك إلى السلم، وفتحت لك، فجميع الشعب الذين فيها يكونون لك تحت الجزية ويتعبَّدون لك. وإن لم تسالمك… وأسلمها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب كل ذكر بحد السيف. وأما النساء والأطفال، وذوات الأربع، وجميع ما في المدينة من غنيمة فاغتنمها لنفسك، وكل غنيمة أعدائك التي أعطاكها الرب إلهك).
2-مسترشدة بنظرية رامسفيلد في »حرب الأفكار« تلك النظرية القائمة على (ضرورة ربح حرب الأفكار بموجب ما يستخدمه بوش من عناصر قوة عسكرية ومالية ودبلوماسية واستخبارية وأمنية. فكسب حرب الأفكار -كما يقصده رامسفيلد- هو تلقين الشعوب الأفكار الأميركية بالقوة).
استناداً إلى الإيديولوجية التي انطلقت منها عملية »المطرقة الحديدية«، التي ابتدأت قوات الغزو الأميركي بتطبيقها في العراق –منذ أوائل شهر تشرين الثاني/ نوفمبر السابق- أعلنت قيادة قوات الاحتلال أنها سوف تستخدم –ما تسميه وسائل الدفاع عن جنودها!!!- في احتواء المقاومة العراقية، أو إنهائها، وذلك على قاعدة »تجفيف المستنقع« الذي تحمي فيه المقاومة نفسها، من خلال:
أ-زرع الرعب في نفوس العراقيين لردعهم، ومنعهم من مساعدة، أو إيواء، أو التستر على حركة المقاومين. وأسلوب الرعب هذا يقتضي استخدام كل وسائل ما تسميه المصطلحات العسكرية الأميركية »بالصدمة والترويع«. ولهذا أعادت الطائرات الحربية إلى ممارسة دورها، وأحيت مدفعيتها الثقيلة. وجهَّزت جنودها (ببساطير/ حوافر) من حديد لكي تكون قادرة على تحطيم الأبواب المغلقة…
ب-لأن الملل قد أصاب جنود الاحتلال، تحت ذريعة أنهم مختصون بالأعمال الحربية، وليس بمهمات البوليس المدني، أعادت خطة »المطرقة الحديدية« الحيوية إلى الجنود من جديد، وأخذوا يجدون ما ينفِّسون به عن غرائزهم »الحيوانية« بالقتل، وتفتيش البيوت بحقد مشوب بغرور العنجهية الأميركية، من دون الالتفاف إلى دموع الخوف والرعب التي تبدو بارزة على وجوه الأطفال والنسوة في مواجهة أسلوب »الصدمة والترويع«، سواء بسبب طريقة اقتحام حرمات المنازل »بنزق مفرط وحيوانية منحطة«، أو بسبب إذلال الشباب والكهلة والشيوخ باعتقالهم بطريقة متشفية، وأحياناً كثيرة مهينة للذوق والأخلاق والأعراف الإنسانية…
ج-توسيع مساحة الاعتقالات لتجفيف المستنقع من العنصر الشاب المؤهل، أو القاعدة الشابة التي تستعين بها حركة المقاومين.
د-جمع كل ما يمكن جمعه من أسلحة، بدائية أو متطورة، أو أية مواد أخرى تكون صالحة لتصنيع سلاح يخدم عمل المقاومين.
هـ-إيهام المقاومين بمصادرة عشرات الملايين من الدولارات لمنع تمويل حركة المقاومة بموجبات ضرورية تسمح باستمرارية العمليات العسكرية.
ز-ملاحقة كل وسائل الإعلام التي تتَّخذ من العراق مقراً لها لمنعها من: نقل المشاهد اللا إنسانية التي يمارسها جنود الاحتلال في قمع الشعب العراقي وإرهابه. أو نقل أخبار العمليات العسكرية التي تنفذها المقاومة الوطنية العراقية. وهذا يندرج تحت عنوان »تجفيف الموارد الإعلامية« التي تنقل حقيقة الوضع الميداني، والغاية منها حجب رؤية الرأي العام الأميركي عن حقيقة ما يجري على الأرض، خاصة ذات العلاقة بالمزيد من النعوش التي ينتظر الأميركيون وصولها بين لحظة وأخرى إلى ذويهم. أو لم يصرِّح أهالي الجنود الذين زاروا العراق، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي: »إننا نريد عودة أبنائنا أحياء لا أبطالاً«؟؟
و-تجفيف المستنقع من قيادات المقاومة، وعلى رأسهم الرئيس العراقي صدام حسين، توهماً منهم أنهم يؤثرون على المقاومة ويسيطرون على حركتها، أو شلها. وهم أسروه، في 14/ 12/ 2003م، ولكن خاب وهمهم، لأن عمليات المقاومة بلغت (243 عملية) في الأسبوع الذي انقضى على اعتقاله.
أما النتيجة على الصعيد العراقي، فلم تكن إلاَّ زيادة عدد المعتقلين من المناضلين، وإزهاق أرواح الآلاف من النسوة والأطفال والشيوخ من العراقيين المدنيين من الذين يتوجب على قوات الاحتلال –حسب المعاهدات الدولية- أن تحافظ على أرواحهم وامنهم.
أما المقاومة التي استهدفتها »المطرقة الحديدية« فلم تتأثر –أحياناً قليلة- إلاَّ بالدرجة وليس بالنوع. فقد صدرت عدة بيانات من قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي تؤكد على أن المقاومة لم، ولن تتأثر، بكل »المطارق الحديدية« الأميركية والبريطانية والصهيونية وغيرها…
ثانياً: تأثيرات »المطرقة الحديدية« على الوضع العربي:
إذا ميَّزنا، ومن الواجب أن نميز، بين الحركة الشعبية العربية بتياراتها الحزبية المؤيدة للعمل الوطني المقاوم مدعوماً بعمقه القومي، والأنظمة العربية الرسمية، فنحن نعني بتلك التأثيرات ما ينصبُّ منها على بنية الأنظمة الرسمية بمواقفها وأهدافها وعلاقاتها.
لقد انحنى النظام الرسمي العربي انحناءة كاملة أمام ضغط »المطرقة الحديدية«، وظهرت تلك الانحناءة بوضوح تام، ومن غير لبس أو التباس، بعدد من التحركات المشبوهة استجابة للسيد الأميركي.
نقولها بكل أسف أن النظام العربي الرسمي، بدلاً من الاستفادة من زخم »مطرقة المقاومة الوطنية العراقية«، التي وضعت »إدارة الشر الأميركية« في أحرج مواقفها، من أجل الضغط عليها للاستجابة إلى ما يحقق المصلحة العربية، راحت تؤدي دوراً مشبوهاً في فك الحصار عن تلك الإدارة. وإن سرعة حركة بعض أطراف النظام العربي الرسمي وتنوعها وتعدد اتجاهاتها، لدليل واضح على مدى عمق المأزق الذي وقعت فيه إدارة جورج بوش.
فإلى ماذا تشير حركة أحمد ماهر، وزير خارجية مصر، إلى الأرض الفلسطينية المحتلة؟
وإلى ماذا تشير زيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى الأرض العراقية المحتلة؟
وإلى ماذا تشير قرارات معمر القذافي المفاجئة، سواء بإعلانه فتح منشآت ليبيا النووية، واعترافه بوقف برامجه لأسلحة الدمار الشامل؟
وإلى ماذا تشير حركة دول مجلس التعاون الخليجي باتجاهات لا تخدم مصالح شعوبها، ولا مصالح أمتها العربية؟
وإلى ماذا تشير حركة التبريك العربية للرئيس الليبي بقراره الشجاع الذي نال إعجاب جورج بوش وطوني بلير، وحاز على رضاهما الكامل؟
وإلى ماذا تشير حالة الصمت العربي، والدولي، الكامل عن منشآت العدو الصهيوني النووية؟ فهل الدعوة الخجولة لنزع أسلحته إلاَّ وسيلة من وسائل الاعتراض الخجولة التي تتناغم مع عمق الديموقراطية الأميركية بالسماح لأصدقائها –من العرب- بحق القول وليس الحق بالعمل؟
ولأننا فقدنا الأمل من أي دور نظامي عربي رسمي في قيادة الأمة نحو الخلاص والتحرر، ووضعنا الأمل الوحيد بما تنتجه زنود المقاومين، فإننا لا بُدَّ من أن نؤشر على رسالة بالغة الدلالة للنظام الرسمي العربي، تلك الرسالة التي بعثها المقاومون الفلسطينيون من القدس الشريف، وحمَّلوها لوزير الخارجية المصري، احمد ماهر.
ولن يكون الرد على تواطؤ النظام العربي الرسمي، وعلى أن هذا النظام لا يملك قرار قبول أو رفض الإملاءات الأميركية، وإنما الرد، بقبوله أو رفضه، يأتي من زنود أبطال المقاومة في العراق.
ثالثاً: على صعيد تأثيرات »المطرقة الحديدية« الأميركية على دول الجوار:
بما لا يقبل الشك، انفضحت مواقف إيران الرسمية تجاه التواطؤ مع »إدارة الشر الأميركية«، سواء من خلال مشاركة الاحتلال الأميركي الصهيوني، سياسياً (بمجلس الحكم العميل)، وأمنياً (التنسيق مع قوات الاحتلال الأميركي بمراقبة الحدود العراقية الإيرانية لمنع تسلل الإيرانيين ذوي النوايا في القتال ضد »الشيطان الأكبر«)… لكن كل تلك التقديمات لم تشفع للنظام الإيراني بالنجاة من سيف تقليم أظافره النووية. فقدَّمها طائعاً، وبما أنه تنازل »للشيطان الأكبر« في جانب، فلا بدَّ من أن تتوالى مسلسل التنازلات الإيرانية، واحداً تلو الآخر. حتى أطماعه الاستراتيجية في العراق، لن تكون إلاَّ سراباً ووهماً، لأن »الإمبراطور الأميركي« لن يرضى بأن يشارك أحداً في مملكته، كما أنه لن يرضى بأن يقف على أكتاف حلفائه الخليجيين ما يزعجهم، كمثل إنشاء كانتون إيراني في جنوب العراق.
أما الجار التركي، فقد ارتاح وأراح من دور فاعل في العراق يصب في مصلحة الاحتلال الأميركي الصهيوني، والسبب هو العائق الكردي الذي لجمه عن لعب ذلك الدور. ولكنه غير مطمئن لما يخططه الأكراد الانفصاليون من بناء كانتون كردي في شمال العراق يهدد البنية السياسية والأمنية لتركيا. وهذا ما سوف يُدخله في صراع غير مباشر مع الأطماع الكردية الانفصالية. وكي لا ترتبك خطة »المطرقة الحديدية« الأميركية، فهي تجمِّد الصراع التركي – الكردي عند حدود حرية الكلام للطرفين معاً من دون ترجمتها إلى صراع فعلي على الأرض.
رابعاً: تأثيرات »المطرقة الحديدية« الأميركية على مواقف الدول الكبرى، خاصة تلك التي مانعت الحرب الأميركية ضد العراق:
إن صورة العلاقة الآن بين »إدارة الشر الأميركية«، بعد تعاظم دور المقاومة العراقية، مع الدول الكبرى، وعلى وجه الخصوص: فرنسا وألمانيا وروسيا، شبيهة بتلك التي نشأت في أوائل شهر نيسان/ أبريل من العام 2003م.
مانعت الدول الثلاث الحرب الأميركية ضد العراق، ولما وقفت قوات الغزو مرتبكة أمام المقاومة النظامية العراقية، أعلنت »إدارة الشر الأميركية« أنها ستؤجل تقدمها نحو بغداد إلى أسبوعين على التقريب، وإلى حين وصول الفرقة (101) إلى جنوب العراق، بعد أن تعثَّر دخولها عن الطريق التركي.
تزامن القرار الأميركي مع حركة قامت بها كوندوليزا رايس تجاه أوروبا، كان من أهم نتائجها إعلانات صدرت عن سياسيين من تلك الدول يذكِّرون فيها أنهم »لن يكونوا سعداء أن يروا القوات الأميركية مهزومة في العراق«. إننا نتذكَّر تماماً انقلاب مشهد المأزق الأميركي العسكري النظامي إلى عودة لاستئناف الحركة العسكرية تجاه مطار صدام الدولي. وما تلاها من تطورات عسكرية دراماتيكية غامضة، تبيَّن على أثرها أن هناك قراراً دولياً توافقت عليه دول الحرب مع الدول الممانعة للحرب، وتأكَّدت معلومات استخدام سلاح أميركي غير تقليدي في إبادة قطعات عسكرية عراقية بكاملها في محيط المطار، دفع بالقيادة العراقية إلى اتخاذ قرار الانتقال من مرحلة الحرب النظامية إلى حرب التحرير الشعبية.
أما الآن، فقد اتَّخذت »المطرقة الحديدية« الأميركية أهدافاً باتجاه الضغط على الدول الممانعة للحرب (وهي خاضعة لضغط شركاتها الكبرى)، عندما استثارت شهيتهم بمشاركتهم في ما سمَّته تزويراً إعادة »إعمار العراق« (الذي ليس إلاَّ تخفيفاً للاستعمار). فإذا بالدول الممانعة تعلن صلحاً مع »إدارة الشر الأميركية« وتتعدد وسائل الغزل بالعلاقات التاريخية الإيجابية بين تلك الدول. وراحت التصريحات تتكاثر، خاصة بعد أسر الرئيس صدام حسين، ليستعيد أقطاب التحالف الرأسمالي، الأوروبي – الأميركي، أنفاسهم وهم ينتظرون تقسيم الكعكة العراقية، بعد أن شُبِّه لهم أن الوضع في العراق أصبح تحت السيطرة الأميركية بعد اعتقال رئيسه.
خامساً: في النتائج:
لن يكون حساب البيدر الأميركي مطابقاً لحسابات حقلهم. فكما كان صوت المقاومة هو الرد الحاسم على النصر الأميركي النظامي بعد التاسع من نيسان/ أبريل، سيبقى هو الرد نفسه في هذه المرحلة، خاصة وقد أعلنت قيادة قطر العراق، في بيانها بتاريخ 20/ 12/ 2003م، أن »البعث والبعثيون يعيشون مرحلة نضالية من نوع خاص، ترقى إلى مرحلة البطولة... وقد تصل ببعضهم إلى مرحلة الشهادة أو الأسر، وخيارات البعث معروفة وواضحة وغير مرتدة، وهي خيارات المقاومة المسلحة والاستشهادية في سبيل المبادئ وفي سبيل الوحدة وفي سبيل تحرير العراق وتحرير فلسطين«.
إن مثل هذا الإصرار المبدئي، المدعوم باستمرار المقاومة على الرغم من ضخامة وأذى »المطرقة الحديدية«، و على الرغم من أن الجنود الأميركيين يستعجلون إنهاء مهمتهم القذرة ليعودوا إلى بلادهم، فإنهم يجدون أنفسهم عاجزين عن »تجفيف المستنقع«، لأنه محيط كبير ترفده كل يوم الطاقات النضالية للشعب العراقي بشتى أطيافه السياسية الوطنية، وهي إما تقف في صف دعم المقاومة المسلحة، أو تنخرط فيها بتقديم الشهداء على درب التحرير.
إن سياسة التنفيس عن ملل الجنود الأميركيين بإعادتهم إلى ممارسة دورهم القتالي، ستعود وبالاً على الإدارة الأميركية لأن هذا الجندي، الذي عاد إلى القتل والترويع وارتكاب الجرائم البشعة بحق الأطفال والنساء، لن تمر من دون آثار نفسية بالغة السوء على وضعه النفسي والأخلاقي، السبب الذي يضعه على طريق التمرد على قيادته لأنه سيصاب بالملل والقرف من ارتكاب كل تلك الجرائم. وإن بداية ظهور مثل هذه الحالات قد ألمحت إليها بعض الصحف الفرنسية، والتي ألمحت إلى ظهور بدايات من التمرد أخذت تظهر بين صفوف الجنود الأميركيين. فمن النتائج التي ستولِّدها خطة »المطرقة الحديدية«، هي حالة استياء جديدة وأكثر عنفاً سوف تتمظهر في مطالبة الجنود الأميركيين بالعودة إلى بلادهم، كما أن مناظر العنف سوف تعيد إلى أهالي هؤلاء الجنود حيويتهم بمطالبة إدارة بلاده بعودة أبنائهم أحياء، وأسوياء، بدلاً من عودتهم أبطالاً تتآكلهم الأمراض النفسية والأخلاقية. وماذا ينفع »جورج الصغير« إذا فشلت خطته، وهي سوف تفشل، أو هل من المعقول أن يصنِّع –بعد- مطارق أشد وقعاً من مطرقته التي يستخدمها في هذه المرحلة؟!!
وإذا كان التعتيم على أعمال المقاومة العراقية، بعد أسر الرئيس صدام حسين، قد أعاد الحيوية للدول المساهمة في العدوان، والتي أخذت تتردد في إرسال جنودها إلى العراق، فسوف تستعيد –بعد إبطال مفاعيل »المطرقة الحديدية« الإعلامية- وعيها لترى أن لحظات السراب في أمل استعادة »إدارة الشر الأميركية« المبادرة في العراق ليس فيها ما يطمئنها إلى مشاركة جنودها على أرض سوف يعيد أهلهم أولئك الجنود إلى دولهم في نعوش خالية من القيم الأخلاقية والإنسانية.
أما الدول الممانعة للحرب، والتي توهمَّت أن أسر الرئيس العراقي قد أنهى حركة الصراع في العراق، سوف تجد نفسها أنها كانت عاجزة عن فهم قوانين الثورات الشعبية التي يطلب فيها أبناؤها الشهادة من أجل تحرير أرضهم الوطنية وشرفهم الوطني. بل سوف تعيد وسائل الإعلام الشريفة في دولها صورة بطولات المقاومة العراقية، وسوف يرون أن النعوش التي تعود إلى أميركا وبريطانيا، والدول الصغرى التابعة لهما، ستتصدَّر نشرات الأخبار التي لن تنفع »مطرقة بوش الحديدية« في منعها من القيام برسالتها إلى الأبد. وهذا ما سوف يثير في وجهها زوابع الرأي العام الإنساني في شوارعهم الوطنية، وحينئذٍ لن تتأثَّر كثيراً بضمائر أصحاب الشركات الوطنية التي ضغطت عليهم بأن يلحقوا نصر »المطرقة الحديدية« الأميركية الموهوم والتي قد تجعلهم »يخرجون من المولد بدون حمِّص«.
أما موقف الفرح المؤقت الذي كسبه »جورج الصغير«، والذي لم يستمر أياماً معدودة، فسوف ينقلب عليه وبالاً عندما يرى نفسه عاجزاً من جديد أمام استمرار المقاومة العراقية وتناميها. وأمام تأثيراتها على استعادة المبادرة من جديد في التأثير على جنود الاحتلال، أو في التأثير على لجم حركة بعض الأنظمة العربية المتسارعة لخدمة أوامر »السيد الأميركي«، كما أن حركة الدعم الثانوي للدول التابعة للشركات الأميركية سوف تعود إلى سياسة التردد في تقديم دعمها. وتسري النتائج نفسها على مواقف الدول التي كانت ممانعة للحرب.
وإلى أن يجد »جورج الصغير« مطرقة جديدة، فعلى مشروع »القرن الأميركي الجديد« اللعنة والعار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق