-->
الإدارة الأميركية تجر الدول إلى سوق المساومات التجارية:
برنامج »العقود التجارية مقابل التواطؤ ضد سيادة العراق«
نشر في موقع المحرر في العدد (162) تاريخ 4/ 12/ 2003م
في سبيل الخروج من مأزقها في العراق، قامت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش بالتحايل على دول العالم الممتنعة عن مساعدة الأميركيين في السيطرة على المقاومة الوطنية العراقية واحتوائها، بإثارة شهيتهم حول ما يُسمَّى بعقود »الإعمار« في ذلك البلد الذي دمَّرته عدوانية أصحاب »القرن الأميركي الجديد«.
عودة قريبة إلى الوراء نرى صور صقور الإدارة الأميركية الحالية، في أواخر نيسان الماضي، وأوائل أيار، وقد رفع كل من، بوش ورامسفيلد وباول (بعد أن خُيِّل لهم أنهم حققوا في العراق نصراً ساحقاً) قبضات التهديد والوعيد ضد الدول التي مانعتهم من شن الحرب على العراق. في ذلك الحين أكد وزير الخارجية الأمريكي كولين باول أن فرنسا ستتحمل نتائج معارضتها لأمريكا في الحرب على العراق. كما أن مكتب نائب الرئيس الأمريكي ديك تشينى قام بتحركات للمطالبة باتخاذ إجراءات ضد فرنسا. وشارك بول وولفويتز بدعوة إلى تهميش دور فرنسا في حلف الأطلنطي بأكبر قدر ممكن.
لكن، بعد أقل من ثلاثة أشهر، وبعد أن تنامت المقاومة العراقية، تراجعت الإدارة الأميركية عن تهديداتها، وراحت تستخدم أسلوب »الوعد«، بدلاً من »الوعيد«. لكن »وعودها« لم تكن كافية لزرع الاطمئنان عند أحد، وظلَّت الضغوط على واشنطن مستمرة.
أما الآن، ولما »ضاق صدر« الإدارة الأميركية (وكثيراً ما »ينفذ صبرها«)، عادت من جديد لاستخدام »التهديد والوعيد«، مرة أخرى تحت يافطة برنامج »العقود التجارية مقابل التواطؤ ضد سيادة العراق«.
لقد أخرج سحرة »القرن الأميركي الجديد« من أكمامهم أوراق اللعب الاحتياط (وما أكثرها عند المخابرات المركزية الأميركية)، وهي بعض الأوراق الاقتصادية الأمنية، وراحوا –في محاولة لاستغلالها ببراعة التاجر- يرفعونها في وجه الدول الممانعة للحرب ضد العراق، لكي يسيلوا لعاب الشركات العملاقة والتجار العمالقة في تلك الدول، للضغط على دولهم من أجل الاستجابة لدفتر الشروط الأميركية.
بعد العروض الأميركية الأخيرة، (عندما أعلنت أسماء الشركات التي يحق لها في التزام عقود »الإعمار«، وهي ليست إلاَّ استدراج للدول الطامعة بالحصول على قطعة من جبنة العراق)، سال لعاب بعض الممانعين –- كروسيا مثلاً، والدول الأخرى التي راحت تتلهى بتقديم شكوى لمنظمة التجارة العالمية- حينما تناست إدارة الرئيس الروسي بوتين –والدول الأخرى- أنها قبل أن تحتج على التفرد الأميركي بالعقود، كان عليها أن تذكِّر الدول التي تحتل العراق بأن مبدأ الاحتلال مرفوض، كما مبدأ تصدير نماذج عن الأنظمة السياسية وتسويقها على الرغم من إرادة الشعوب مرفوض أيضاً.
وينبري إلى الوقوع في مستنقع التحايل الأميركي كوفي أنان، حينما يستنكر استفراد الشركات الأميركية بالعقود، وهو الذي من واجبه كممثل »للضمير العالمي«، من خلال موقعه كأمين عام لـ»الأمم المتحدة«، بدلاً من تصوير أن العدالة الدولية تنطلق من المساواة بين »الناهبين لثروات العراق« ، أن يركِّز الأنظار على لا مشروعية الاحتلال المنافية لشرعة حقوق الإنسان التي وضعتها المنظمة العالمية التي يتولى رئاستها.
وفي سياق آخر، وعلى خطٍ موازٍ، دخلت الإدارة الإيرانية مع إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش بمساومة أخرى، (ولكن على خط المصالح الأمنية المتبادَلَة)، وهو برنامج »مجاهدو خلق في العراق مقابل معتقلي القاعدة في إيران«. وتجري مفاوضات بين الطرفين، على الرغم من نفيهما، لتبادل المصالح الضيقة على حساب المصالح الإنسانية العامة.
وهكذا تتأكد، يوماً بعد يوم، أن القيم الاقتصادية والتجارية، أخذت تحتل –في العالم الجديد- مكان القيم الإنسانية وتضرب فيها عرض الحائط. فوقفة من ضمير –على الرغم من ضياعه- هي الحلم المنشود الذي علينا أن »نحكَّ على جرحه باستمرار، فلعلَّ وعسى«.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق