-->
بين وهم تطبيق الديموقراطية كشرط مسبق لسحب الذرائع من العدوان الأميركي
تئن الأمة، في المرحلة الحاضرة، تحت وطأة العدوان الأميركي – الصهيوني، والأهداف واضحة وجليَّة ولا لبس فيها. والجميع يعترفون بها ويتفقون حولها، وهي –للتذكير فقط- اجتياح العالم برمته والسيطرة على اقتصادياته، كمدخل رئيس للهيمنة عليه سياسياً وأمنياً وعسكرياً.
أما الذرائع التي يتلطى بها العدوان فتقوم على إبداء الحرص على تطبيق الديموقراطية في العالم. ويبرز الحرص الكاذب أكثر وضوحاً في العدوان الذي يتعرَّض له العراق في هذه المرحلة.
وتئن الأمة، من جانب آخر، من ثقل التباس المفاهيم والمراحل عند عدد من اليساريين والليبراليين على حد سواء.
أما المفاهيم، فتدور حول المسألة الديموقراطية وعلاقتها بالعدوان الآنف ذكره.
أما المراحل، فهي تحديد سبب ذلك العدوان: هل يتلخص بأهداف تطبيق الديموقراطية في أمتنا؟ أم أن تلك المزاعم هي قنبلة دخانية يلقيها التحالف المذكور من أجل التضليل الإعلامي على الهدف الحقيقي؟
لا ننُكر، أولاً وأخيراً، أن المسألة الديموقراطية هي من أهم همومنا. والوصول إلى جنتها هو حلم طالما عملنا من أجل الوصول إليه. والدخول إلى نعيمه. ونحسب أن كل من يتنكر لها هو من المتخلفين في الفكر والسياسة، ومن الذين يعملون من أجل خنق أنفاس شعوبهم ومجتمعاتهم لأوطار وأهداف لا علاقة لها بالقيم الإنسانية المطلقة، ولا حتى بالاهتمام بآلام ومعاناة البشر المقموعين.
ونحن لا ننكر أن مسألة الحريات والديموقراطيات ليست مسألة خبرة ميكانيكية، ولا يمكن لها أن تنال حظاً من الحياة من دون أن تكون في متناول القطاع الأكبر من المجتمع، وعياً نظرياً وتطبيقياً.
ولأن مفهوم الحرية وتطبيقها مسألة تتعلق بوعي الفرد والأكثرية من المجتمع، فيكون لها علاقة بتغيير وتعميق ثقافة الفرد والمجتمع. ومن دونهما لا يمكن أن يكون اكتساب الحرية والديموقراطية فرض كفاية، يتحقق وجودهما بالعوامل التالية:
1-أن تكون نخبة محدودة قابضة على الوعي بالمفهوم النظري لهما، وأن تكون لها المقدرة على التطبيق. فتنوب –في حال وجودها- عن بقية الأفراد والجماعات.
2-أن يدَّعي فرد أو جماعة أن طريقة معرفته للحرية، كنظرية، وطريقة تطبيقه عملياً، هي الطريق المعرفي الوحيد. ففي داخل المجتمع، أي مجتمع، شرائح نخبوية متعددة الآراء والمواقف حول مفاهيم الحرية والديموقراطية. فإذا لم تتوحد الرؤى النظرية والتطبيقية لا يمكن أن تنعكس في ثقافة مجتمعية واحدة. وهنا نلفت النظر إلى أن مسألتا الحرية والديموقراطية، هما على الأقل مسرحاً للاختلاف بين تيارين فكريين – سياسيين عربيين: اليساري والليبرالي. فقيل كل شيء على التيارين أن يتحاورا –وعلى الطريقة الديموقراطية- للاتفاق حول مفاهيم ورؤى موحدَّة حول المسألتين.
3-إذا كان من المكروه أن تُفرَض الديموقراطية، بمفاهيمها النظرية والتطبيقية، من قبل شريحة نخبوية على الأخرى، فمن الجريمة الكبرى أن نروِّج –حتى ولو بالوهم- أن الديموقراطية يمكن أن تفرضها قوة آتية من الخارج.
استناداً إلى مقدماتنا، نرى أن الديموقراطيين العرب –في مثل هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها الأمة العربية، أقطاراً ومجموعاً، يمارسون نوعاً من الوهم الذي يضللهم عن سلوك سواء السبيل. ونستند في حكمنا هذا إلى الأسس التالية:
1-لا يختلف إثنان من التيارات الداعية إلى تطبيق الديموقراطية (في العراق مثلاً) حول أن الهدف الأول للهجوم الأميركي – الصهيوني على المنطقة ليس إلاَّ المصلحة الاقتصادية، ولا هم غيرها.
2-يغلِّف التحالف الأميركي الصهيوني أهدافه الحقيقية بالدعوة إلى إسقاط الديكتاتوريات في العالم أجمع، ويأتي على رأسها الديكتاتوريات العربية. ولهذا السبب الإنساني!!! يعمل على حماية الأقليات العرقية والدينية المضطهدَة. ويساعدها على إعادة الديموقراطية إلى بلدانها.
3-لا يختلف التياران اليساري والليبرالي، في المنطقة العربية، على أن الديموقراطية حلم لم يتحقق في كل المنطقة.
4-لم يتساءل التياران المذكوران، ولم يقفا على معرفة الحقائق التالية:
أ-لماذا يمارس الحرص الأميركي، على الديموقراطية، الانتقائية في اختيار الديكتاتوريات التي عليه أن يحاكم أنظمتها، ويدافع عن الديكتاتوريات الأخرى، بل ويصفها بالديموقراطيات الأنموذج.
ب-ألا يعلم النخبويون العرب الداعون إلى تطبيق الديموقراطية، هنا أو هناك، أنهم يقومون بانتقائية أيضاَ، أي يتهموا بالديكتاتورية هذا النظام أو ذاك، ويصمتوا عن هذا النظام أو ذاك؟ وهل عليهم أن ألا يستنكروا تصدير الديموقراطية من الخارج؟ والأدهى من كل ذلك أن يتم التصدير بالقوة؟ والأشد مرارة أن يقتنعوا أن ذلك الصنف المستورد من الديموقراطية هو الأنموذج؟
استناداً إليه نرى ما يلي:
على النخبويين العرب الحريصين على الديموقراطية أن لا يتناسوا الحقائق التالية:
عليهم، من أجل إظهار حرصهم الصادق، أن يشخصوا الخلل الديموقراطي في كل مكان في الأمة العربية. ومن غير اللائق أن ترى إلى الديموقراطية برؤى متعددة. ومن غير اللائق ، أيضاً، أن ترى الديكتاتورية هنا ولا تراها هناك. وأن تبرر أسلوب تصدير الديموقراطية بالقوة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق