مؤتمر التضامن مع علماء العراق
الذي انعقد في فندق الكومودور – بيروت/ بتاريخ 7/ 2/ 2003م
من أهداف الحركة النقدية للفكر والخطاب العربي تحقيق موازنة متقدمة بين مستويين من المعارف:
الأول: هو اكتساب المعارف النظرية المعاصرة، ومن أهمها المعارف التكنولوجية.
أما الثاني، فهو الانتقال بتلك المعارف إلى ميدان التطبيق.
يربط بين هذين المستويين جسر يصل بينهما لنقلهما إلى ساحة تحقيق مصالح المجتمعات الوطنية والقومية.
في العراق، القطر العربي الشقيق، نشهد انتقالاً مشرفاً للعقل العربي في بناء الأنموذج النظري والتطبيقي للثقافة العربية المعاصرة. لقد أثار إعجابنا عدد ونوعية العلماء العراقيين. كما أثار اهتمامنا وانتباهنا كثرة المنجزات التي قاموا بتحقيقها.
حقق العراق، من خلال علمائه، تلك القفزة المعرفية العلمية المبنية على التكامل بين رسالة العالم في اكتساب الثقافة النظرية، وتوظيفها من أجل مصلحة مجتمعه الوطني والقومي.
أيها الحضور الكرام،
أنتم الذين تمثلون طليعة هذه الأمة، من خلال رسالتكم المعرفية، نتوجه إليكم بأن تنظروا إلى واقع الأمور، في هذه المرحلة، بموضوعية وتجرد، ونضع أمامكم تساؤلاً طالما حاول بعض أصحاب الوطر أن يمرروه تحت ستار دعوة الخداع الأميركية – الصهيونية في إعطاء الأولوية في معركة العرب اليوم، إلى تغيير الوجه السياسي للنظام، من خلال طرح مسألة الديموقراطية في العراق. والتساؤلات التي نضعها أمامكم هي التالية:
1-كيف نفهم علاقة المثقف والعالِم مع النظام السياسي، (أي العلاقات الديموقراطية على مستوى الوطن الواحد)؟
2-كيف نفهم العلاقات الدولية، (أي العلاقات الديموقراطية بين الدول)؟
أما على صعيد المسألة الأولى، فنتساءل: هل يطمح المثقفون العرب من أي نظام سياسي عربي، في عصر التحدي الإمبريالي التكنولوجي، أكثر من أن يعمل بجدية لبناء العقل العربي الذي يتجاوب مع متغيرات العصر؟ وهل يطمحون إلى أكثر من اكتساب العلوم النظرية المجردة، وتوظيفها في خدمة الأمة العربية؟
أوَ ليس من الديموقراطية في شيء أن تُشيَّد علاقة جدلية بين النظام السياسي، وبين أنموذج المثقف العربي المالك للمعرفة والموظفها في مصلحة وطنه وأمته؟
وهنا نقول إن الأنموذج العلمي العراقي، بمواصفاته التي ذكرنا، لم ينبن من دون تخطيط النظام السياسي لآفاقه ووظائفه هو وحده الذي أثار حفيظة التحالف الأميركي – الصهيوني وحقده ضد العراق.
أما المسألة الثانية، فهي أن نميِّز بين ديموقراطية الرأسمال الأمبريالي، الذي لا يعترف بأية حقوق للآخرين إلاَّ إذا صبَّت في مصلحة جشعه واستغلاله، وبين ديموقراطية الدول الأخرى صاحبة الحق في توظيف كل أنواع المعرفة لمصلحة أوطانها.
بعيداً عن وسائل الديبلوماسية وألاعيبها، نرى أنه على المثقفين العرب أن يعيروا ما تُسمَّى ب»ديموقراطية العلاقات الدولية« اهتماماً موضوعياً. ومن خلالها نرى أن من أهم أسس تلك الديموقراطية، في ظلال الغابة الدولية التي تمتلك كل أنواع السلاح أن ندافع عن حقوقنا في امتلاك كل ما يؤمن لنا حماية أوطاننا وثرواتنا وكرامتنا والدفاع عنها.
من العجب أن لا نشعر بالاعتزاز عندما نمتلك من السلاح ما يحقق تلك الحماية ويحفظ لنا مستوى عالٍ من الأداء في الدفاع عن أنفسنا؟ وهنا لا يسعنا إلاَّ أن نقول بأن لنا كل الحق بامتلاك السلاح، وليس في الدعوة إلى الإذعان لجبروت التحالف الأميركي – الصهيوني.
لتذهب الديبلوماسية إلى أين تشاء. ونحن لسنا مع ديبلوماسية تكرِّس منطق اللاديموقراطية في العلاقات الدولية. ونحن لن نكون الديبلوماسيين الوحيدين في عالم تقوم فيه الديبلوماسية على الرضوخ لمنطق الأقوى. أما منطقنا نحن فهو إما أن تكون العلاقات الدولية قائمة على ديموقراطية حقيقية وإما لا تكون.
من المؤسف جداً أن تقع كثرة من وسائل الثقافة والإعلام العربية، أفراداً ومؤسسات، في فخ منطق الديكتاتورية الإمبريالية التي لا تنظر إلى الديموقراطية إلاَّ من منظار الهيمنة والاحتكار. ومن خلال منطقها هذا توزع الشهادات في الديموقراطية والديكتاتورية على هذا أو ذاك من الأنظمة السياسية في العالم بشكل عام، وفي منطقتنا العربية بشكل خاص.
تتسابق قوى الإعلام الناطقة بالعربية حول تحميل العراق هذا الجانب من المسؤولية أو ذاك، داعية إلى بدعة غريبة وهي دعوته إلى نزع الذرائع التي يتلطى بها التحالف الأميركي - الصهيوني . يقومون بذلك في الوقت الذي يجب فيه على العرب كل العرب أن لا يقفوا على الحياد في الصراع الدائر تحت ستار هش من الديبلوماسية، فحسب، بل عليهم أيضاً أن يقفوا إلى جانب العراق، بعلمائه ونظامه وشعبه، للدعوة إلى بناء نظام عربي عصري منتج وتأمين سُبُل حمايته من جانب؛ أما من جانب آخر فهو الدعوة إلى بناء أنظومة دولية تعترف بحق كل الشعوب بالعيش الكريم، والدعوة إلى نزع كل وسائل الهجوم والدفاع من كل الدول بدون استثناء. وإذا لم يتحقق ذلك نرى أنه علينا العمل من أجل إثبات حقنا في امتلاك وسائل القوة للدفاع عن تلك الحقوق.
والسلام عليكم وشكراً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق